يستخلص هذا الحظر من المادة 248 من قانون العقوبات التي تنص على أنه ” لا يبيح حق الدفاع الشرعي مقاومة أحد مأموري الضبط القضائي أثناء قيامه بأمر بناء على واجبات وظيفته الا اذا خيف أن ينشأ عن أفعاله موت أو جروح بالغة وكان لهذا الخوف سبب معقول ” . ومؤدى ذلك أن مأمور الضبط الذي يعد بحسب الأصل موظفاً عاماً وبالتالي يستفيد من حكم الاباحة المقررة بالمادة 63 من قانون العقوبات ، يمتنع مقاومته بطريق الدفاع الشرعي ولو تخطى حدود وظيفته الا في أحوال معينة . وهذا النص مأخوذ عن قانون العقوبات الهندي وتقرر لأول مرة في قانون العقوبات الصادر في سنة 1904 . وتجدر الملاحظة أن مأمور الضبط الذي يقوم بعمل يتمخض عن جرمه يعتبر بحسب الأصل مشمولاً بالاباحة متى كان عمله مباحاً وفقاً لنص المادة 63 من قانون العقوبات ، وبالتالي يمتنع الدفاع الشرعي في مواجهته لا وفقاً لنص المادة 248 عقوبات بل وفقاً للقاعدة العامة التي تقرر امتناع الدفاع الشرعي ضد الأفعال المشروعة . ومن هنا تتجلى أهمية نص المادة 248 عقوبات من حيث أنها تحظر الدفاع الشرعي ضد رجال الضبط ولو كان فعلهم غير مشروع لتجاوزهم حدود وظيفتهم ، واعمال الحكم السابق فيما يقرره من حظر الدفاع الشرعي ضد مأموري الضبط منوط بجملة شروط تستخلص من نص المادة 248 المشار اليه وهذه الشروط هى : 

1- توافر صفة مأمور الضبط : 

ويكتسب هذه الصفة الموظفون العموميون الذين يخولهم القانون بوصفهم من رجال الضبط القضائي أو الاداري سلطة تنفيذ أحكام القانون و أوامر الرؤساء بما ينطوي عليه ذلك من استعمال القوة الجبرية ووسائل الاكراه . فليس كل موظف عمومي اذن من مأموري الضبط ولكن المشرع يسبغ هذه الصفة على طائفة من الأشخاص محدداً سلطانهم . ومثل هؤلاء أعضاء النيابة العامة ورجال الشرطة ورجال القوات المسلحة عند الاستعانة بهم فيما يرى البعض .

2- كون العمل الصادر عن مأمور الضبط داخلاً في نطاق وظيفته : 

ومؤدى ذلك التحقق من ثلاثة قيود ذات طابع زمني وموضوعي وقانوني على التوالي . فمن ناحية أولى ثمة قيد زمني يعني لامتناع الدفاع الشرعي أن يكون فعل مأمور الضبط في ذاته جريمة قد وقع في الوقت المخصص لمباشرته أعمال وظيفته . ومن ناحية ثانية هناك قيد موضوعي مؤداه أن يكون ما وقع من مأموري الضبط تنفيذاً لأمر سواء كان هذا الأمر حكماً قانونياً أم تكليفاً صدر اليه من أحد رؤسائه . ومن ناحية ثالثة وأخيرة يتمثل القيد القانوني في أن يكون ما قام به مأمور الضبط داخلاً في نطاق اختصاصه الوظيفي مثلما يحدده القانون .

3- تجاوز مأمور الضبط حدود وظيفته بحسن نية : 

لئن كان الشرط السابق يعني كون عمل مأمور الضبط داخلاً فحسب في نطاق وظيفته أي غير منبت الصلة بالوظيفة فان مؤدى هذا الشرط أن يكون تجاوز رجل الضبط لحدود وظيفته قد تم بحسن نية . فهذا الشرط يفترض أولاً نشوء تجاوز من جانب مأمور الضبط لحدود وظيفته ومثال ذلك أن يلقي القبض على شخص معتقداً أنه في حالة تلبس بارتكاب جريمة مع أنه ليس كذلك ، كما يفترض هذا الشرط ثانياً حسن نية مأمور الضبط فينبغي لامتناع الدفاع الشرعي في مواجهته أن يعتقد أن ما يقوم به من عمل يطابق القانون . فاذا كان يعلم بمخالفة عمله للقانون جاز الدفاع الشرعي ضده كأن يحاول القاء القبض على غريم له لعداء سابق بينهما دون أن يحق له ذلك ، أو يحاول هتك عرض امرأة . ولكن يمتنع الدفاع الشرعي في مواجهته رغم مخالفته القانون اذا كان حسن النية يعتقد بمشروعية فعله ومثال ذلك أن يلقي القبض على شخص غير المذكور في أمر القبض لتشابه بينهما في الاسم أو في الشكل أو يقوم بتفتيش منزل متهم بمقتضى أمر تفتيش باطل لأحد العيوب الشكلية .

4- ألا يكون ثمة خوف من أن يترتب على الفعل موت أو جراح بالغة : 

ويمثل هذا الشرط في حقيقته ضابطاً يقيد من امتناع الدفاع الشرعي ضد مأموري الضبط . وهو بهذا يعد استثناء على الاستثناء ، فلئن كانت القاعدة هى جواز الدفاع الشرعي ضد كل عدوان يهدد النفس أو المال فان الاستثناء هو حظر امتناع هذا الدفاع اذا كان العدوان صادراً عن مأمور ضبط أثناء قيامه بعمله متى تجاوز بحسن نية حدود وظيفته . ولكن يجوز استثناء من هذا الاستثناء الدفاع الشرعي ضد رجل الضبط اذا كان هناك خوف من أن يفضي فعله الى حدوث الموت أو جراح بالغة . وقد اشترط المشرع أن يكون لهذا الخوف أسباب معقولة . وتقدير ذلك كله موكول الى محكمة الموضوع .