الطبيعة القانونية لبيع عقار الغير في القانون الوضعي

تبين لنا في المبحث السابق، مدى الاختلاف في المواقف القانونية من مسألة بيع العقار، فهناك من القوانين من اعتبر هذا البيع رضائيا مع تراخي نقل الملكية إلى ما بعد التسجيل، وهناك من اعتبر هذا البيع شكليا، وبالتالي تخلف الشكل فيه يؤدي إلى بطلانه. ولكن هل الاختلاف في هذا التكييف لبيع العقار، يؤدي إلى اختلاف الطبيعة القانونية لبيع عقار الغير في ظل القوانين الوضعية؟

لمعرفة هذه الحقيقة، نقسم هذا المطلب إلى فرعين، في الفرع الأول نبحث عن التكييف القانوني لبيع عقار الغير حسب الاتجاه القائل برضائية البيع العقاري، وفي الفرع الثاني نبحث في التكييف القانوني لبيع عقار الغير حسب الاتجاه القائل بشكلية البيع العقاري.

الفرع الأول: الطبيعة القانونية لبيع عقار الغير حسب الاتجاه القائل برضائية البيع العقاري

سبق أن بينا، حتى نكون أمام بيع لملك الغير، لا بد أن نكون بصدد عقد بيع ناقل للملكية، ولما كان بيع العقار حسب هذا الاتجاه لا يؤدي إلى نقل الملكية العقارية مباشرة، وإنما لا بد من إجراء التسجيل، اختلف فقهاء هذا الاتجاه في حكم بيع عقار الغير في ثلاثة آراء.

الرأي الأول يقول: بصحة بيع عقار الغير قبل التسجيل.

الرأي الثاني يقول: بصحة بيع عقار الغير قبل التسجيل وبعده.

الرأي الثالث: يقول بأن بيع عقار الغير قابل للإبطال بنص القانون.

والآن نتناول هذه الآراء الثلاثة بالتفصيل.

أولا: بيع عقار الغير صحيح قبل التسجيل:

يفرق هذا الرأي في الحكم، بين بيع عقار الغير قبل تسجيله وبين بيع عقار الغير بعد تسجيله، وجعل الحكم قبل التسجيل الصحة وبعد التسجيل البطلان.

ويعلل صاحب الرأي وجهة نظره، في أن البيوع العقارية قبل تسجيلها، لا تكون ناقلة للملكية بذاتها وإنما يلزم لهذا الأمر التسجيل، وبالتالي لا يصح القول بأن بيع عقار الغير باطل قبل التسجيل، ذلك أن بيع ملك الغير حتى نكون بصدده، لا بد أن نكون بصدد عقد بيع ناقل للملك والحال ليس كذلك.

أما بعد تسجيل هذا البيع العقاري، فإن هذا البيع يصبح ناقلا للملك، وبالتالي نكون إذا ما باع شخص عقار غيره أمام بيع لعقار الغير ينطبق عليه النص الخاص فيه والذي يقرر بطلان هذا البيع.

ولقد رد القضاء المصري على هذا الرأي، في أن تسجيل عقد البيع لا ينقل الملكية إلى المشتري إلا إذا كان البائع مالكا لما باعه وبالتالي فإن بيع عقار الغير يقع باطلا ولا يترتب على تسجيله تصحيح البطلان ولا يترتب عليه أثر في نقل الملكية من البائع إلى المشتري. كما وجاء في نقد هذا الرأي في المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصري ما قوله “إن التسجيل لا يبطل عقدا صحيحا ولا يصحح عقدا باطلا، فلو كان بيع عقار الغير صحيحا قبل التسجيل فإنه ينبغي أن يستمر صحيحا بعده”.

نخلص مما تقدم إلى عدم صحة هذا الرأي، إذ أن القانون المصري لم يجعل للتسجيل قوة تصحيح العقود الباطلة ولا قوة إبطال العقود الصحيحة.

ثانيا: بيع عقار الغير صحيح قبل التسجيل وبعده.

يرى البعض بأن بيع ملك الغير حتى يأخذ حكم البطلان المنصوص عليه في القانون، لا بد من انتقال الملكية فيه مباشرة، وهذا أمر غير متحقق في بيع ملك الغير، واستنادا إلى قانون التسجيل الذي يؤكد على عدم انتقال الملكية إلا بالتسجيل، فإن بيع عقار الغير بموجب هذا الرأي يقع صحيحا قبل التسجيل وبعده، لانتفاء علة البطلان.

وانتقد هذا الرأي على أساس أن إرادة العاقدين قد تتجه إلى نقل الملكية حالا، ولكن لسبب خارج عن إرادتهما لا تنتقل، وهو ما يحصل في البيع غير المسجل، إذ أن إرادة الأطراف اتجهت إلى نقل الملكية في الحال، إلا أن التسجيل يقف حائلا أمام تحقيق رغبة هذه الإرادة، ومن ثم فإن علة البطلان – وهو قصد نقل الملكية حالا – تظل متوافرة بخصوص بيع ملك الغير قبل التسجيل، ومن ثم يكون البيع قابلا للإبطال

ثالثا: بيع عقار الغير قابلا للإبطال بنص القانون.

لم يبق أمام الفقهاء الذين انتقدوا الآراء السابقة سوى الاستعانة بحكم بيع ملك الغير

وحجة هذا الرأي، أن قانون التسجيل لم يغير من طبيعة بيع ملك الغير، إذ لا زال البيع ناقلا للملكية، وإن كانت هذه الملكية تتراخى إلى أن يتم التسجيل، وبالتالي يجب القول ببطلان بيع ملك الغير لمصلحة المشتري سواء قبل تسجيل العقد أو بعد تسجيله.

وهذا الرأي هو الأرجح، لأنه منذ أن بدأنا الكتابة، قلنا بأن عقد البيع ناقل للملكية في حد ذاته، والاستثناءات التي جاءت عليه لا تقوى على تغيير طبيعته، وبالتالي ولأن حكم بيع ملك الغير هو قابلية العقد للإبطال لمصلحة المشتري يبقى الحكم كذلك في حالة بيع عقار الغير قابلية العقد للإبطال لمصلحة المشتري. في هذا الحكم فقط تتوافر الشروط التي تطلبها القانون لتطبيق حكم بيع ملك الغير على بيع عقار الغير، وهذه الشروط هي كما مرت معنا ثلاثة، الشرط الأول هو أن نكون بصدد عقد بيع ناقل للملكية، وهذا ينطبق على البيع العقاري وإن تراخ ى انتقال الملكية إلى ما بعد التسجيل. والشرط الثاني هو أن يكون المبيع شيئا معينا بالذات والعقار ينطبق عليه هذا الوصف. والشرط الثالث هو أن لا يكون البائع مالكا للمبيع بتاريخ التعاقد، وهذا شرط جوهري بدونه لا نكون أمام بيع لملك الغير عقارا كان أم منقولا.

أما قانون الموجبات والعقود اللبناني موقفه مختلف تماما عن موقف القانون المدني المصري، ويعود هذا الاختلاف إلى عودة المشرع اللبناني إلى قوانينه وقراراته الخاصة بالعقارات وتناغمه معها. حيث أشارت المادة ( 385 ) من قانون الموجبات والعقود اللبناني إلى ضرورة مراعاة أحكام القرار رقم ( 188 ) لسنة 1926 وبالعودة إلى أحكام هذا القرار وبالتحديد نص المادة ( 13 ) نجد أنه ينبغي التفريق بين حالتين هما: حالة حسن نية المشتري وسوء نيته، ففي الحالة الأولى إذا كان تصرف المشتري مستند إلى قيود وبيانات السجل العقاري التي كان البائع مقيدا فيها على أنه هو المالك للعقار، أقر في مكتسبه. أما في الحالة الثانية وهو عارف أنها غير مملوكة للبائع وأن البائع قد قام بمسح العقار على اسمه دون حق كان للمالك الحقيقي أن يسترد العقار من تحت يده.

الفرع الثاني: الطبيعة القانونية لبيع عقار الغير حسب الاتجاه القائل بشكلية بيع العقار

مر معنا الموقف القانوني في الأردن والعراق وفلسطين وهو جعل عقد بيع العقار عقد ا شكليا، ورتبوا على تخلف هذه الشكلية بطلان العقد. وحكم بيع ملك الغير في هذه القوانين هو توقف العقد على إجازة المالك، إن أجازه نفذ وإن لم يجزه بطل.

من هذان القولان، يتضح لنا مدى التعارض الذي وقعت فيه هذه القوانين، فبينما كان الحكم في بيع ملك الغير حسب القوانين المذكورة هو تطبيق النص الوارد في القانون المدني وهو توقف آثار البيع على إرادة المالك، كان الحكم في بيع عقار الغير حسب القوانين الخاصة لهذه التشريعات هو بطلان كل بيع يتم خارج دائرة التسجيل. وبهذا تكون القوانين المذكورة قد فرقت في الحكم بين بيع المنقول وبيع العقار واشترطت في الأخير إجراءات شكلية لم تشترطها في الأول.

وبهذا المعنى، يكون بيع عقار الغير باطلا في الأردن والعراق وفلسطين، لأن من شروط بيع ملك الغير، أن نكون أمام بيع ناقل للملكية مباشرة، وهو ما لا يتوافر في عقد بيع العقار، لأن بيع العقار بموجب القوانين المذكورة باطل ما لم يسجل في دائرة التسجيل.

من القانون المدني المصري وتطبيقه على بيع عقار الغير، / المنصوص عليه في المادة ( 1) 466 ليكون هذا البيع قابلا للإبطال لمصلحة المشتري، سواء قبل التسجيل أم بعده.

وبهذا نرى بطلان بيع عقار الغير وفقا للاتجاه الذي نادى بشكلية بيع العقار وهو ما يتنافى مع الحكم الخاص ببيع ملك الغير حسب هذا الاتجاه أيضا.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت