الموقف العام من اتفاق التحكيم والإغراق في شكليته

قامت بعض الدول المناهضة لظاهرة الإذعان فيما يخص اتفاق التحكيم، وأخضعت في تشريعاتها الحديثة هذا الاتفاق لشكلية صارمة، الغرض منها غلق الباب أمام التحكيم بدون اتفاق خاص. والبعض الأخر رغم أخده بنظام ليبرالي في مجال شكل اتفاق التحكيم بقي متشبثا بضرورة وجود الرضا تماشيا مع الطبيعة الإرادية للتحكيم.

فمن حيث الشكلية في إبرام اتفاق التحكيم، فالتصدي يمكن ملاحظته في هذه الدول حتى على مستوى القوانين الوطنية الحديثة، التي أتت لتنظم التحكيم التجاري الدولي، والتي لئن كرست الاتجاه الليبرالي المهيمن حاليا، فإنها تمسكت فيما يخص اتفاق التحكيم بضرورة إفراغه في شكل معين الشيء الذي يستحيل معه التمسك بنظرية التحكيم بدون اتفاق خاص. ذلك لأنه في هذه الدول مجرد الإذعان الذي لاينفي الرضا لم يكن مقبولا، فما بالك أن ينعدم هذا التراضي أو أن يكون ضمنيا، ومن بين هذه القوانين التشريع الجزائري لسنة 1993، الذي عدل قانون الإجراءات المدنية الجزائري مضيفا له جملة من المواد المتعلقة بالتحكيم التجاري الدولي، وقبله القانون الليبي في العقود الإدارية، حيث في هدا السياق اعتبرت المادة 485 مكرر 1 من قانون المسطرة المدنية الجزائري ـ بأن اتفاق التحكيم ينعقد طبقا لقاعدة مادية بالكتابة تحت طائلة البطلان. للتذكير فقط فالنصوص القديمة والتي أصبحت قاصرة على التحكيم الداخلي تفرض على شرط التحكيم ليس أن يكون مكتوبا فحسب وإنما أن يكون موقعا عليه بصورة خاصة حسب المادة 443 من قانون المسطرة الجزائري[1]. ومن البديهي أن تكون الكتابة هنا الكتابة التقليدية، أي تلك الثابتة في محرر رسمي أو عرفي على الأقل، أو تلك المقبولة في عرف اتفاقية نيويورك 1958، محضر موقع من الأطراف أو رسائل أو تلكس أو فاكس وحاليا بريد الكتروني.

نفس الصرامة تميز بها القانون الليبي بحيث انه في الوقت الذي تجعل المادة 150 من قانون الإجراءات المدينة والتجارية من الكتابة شرطا للإثبات وليس للانعقاد، فإن القانون المدني يعتبرها باطلة وعديمة الأثر كل الشروط التي تحد من اختصاص المحاكم إذا جاءت غير مكتوبة، والى أبعد من ذلك ذهب النظام الخاص بالعقود الإدارية لسنة 1986 حيث لم يكتف بأن يكون شرط التحكيم مكتوبا بل أضاف إلى ذلك أن يكون مرفقا بالترخيص بالتحكيم الصادر عن السلطات المختصة بالعقد، الأمر نفسه بالنسبة للقانون المصري السابق الإشارة إليه في مواضيعي السابقة.

لكن السؤال الملح والذي يبقى مطروحا بالنسبة لمدى فعالية هذه الأحكام، بحيث غالبا مايجري الاتفاق عليها لمجرد اختيار مقر التحكيم في الخارج أو توطين إجراءات التنفيذ في بلد خارج هذه الدول، وفيه أموال ينفذ عليها أو مايعرف بظاهرة التسوق القضائي، حيث غالبا مايتم استبعاد تطبيق القوانين المختارة من قبل الأطراف كما هو الحال في قضية داليكو تكريسا لمبدأ استقلال اتفاق التحكيم عن القوانين الوطنية [2]

اما ضرورة وجود الرضا فيتبين من خلال قرار محمكة الاستئناف بباريس بتاريخ فاتح يناير 1999[3] في قضية طروم ضد خياط السالفة الذكر، والتي ذهب فيها المحكمون في ضل نظام غرفة التجارة الدولية إلى عقد اختصاصهم رغم عدم وجود اتفاق صريح يمنحهم سلطة الفصل ، الآمر الذي دفع بالشركة الرومانية إلى الطعن بالبطلان في القرار التحكيمي بناء على المادتين 1502 ف الأولى والمادة 1504 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي، على أساس عدم وجود اتفاق تحكيم وتعين غير قانوني للمحكمين .

حيت استندت طروم إلى الطابع التقليدي للتحكيم الذي استخلصت منه دفعيين هما ضرورة احترام التراضي الحاصل بموجب العقد المبرم سنة 1985، وأنه لايمكن أن ينعقد الاختصاص لمحكمة تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس في ضل غياب تراضي الأطراف . حيث أكدت محكمة استئناف باريس في هذا الحكم على الطابع الضروري للتراضي في التحكيم بقولها ” حيث أنه وكما أو ضحت ذلك شركة طروم وتبناه ضمنيا القرار الصادر عن المحكم فإن التحكيم الدولي سواء تم في فرنسا أو في الخارج، يستند بالضرورة إلى قاعدة اتفاقية، وأنه تبعا لذلك مرهون بالإرادة المشتركة للأطراف، والتي هي وحدها يمكن أن تمنح للمحكم سلطته القضائية “

[1] M . bedjaoui est A . mebroukine . le nouveau droit de l’arbitrage en Algérie ( clunet ) 1993 p 873.
[2] للمزيد من التوسع في هده النقطة يرجى الرجوع إلى مقال ظاهرة تهميش الرضا السابق الإشارة إليه ص 10 ومايليها.
[3] C.A.F . 1 janvier 1999 Rev .arb 2000 p 493 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت