الجهاز الداخلي المختص بإرادة العلاقات الدولية

المبحث الأول : رئيس الدولة
لكل دولة رئيس أعلى يحددها دستورها ويمثلها في علاقاتها مع الدول الأخرى، ورئيس الدولة إما أن يكون عاهلاً أو رئيساً للجمهورية أو مباحاً وأياً كان شكل الرئاسة أو تكوينها فإن لرئيس الدولة دوراً أساسياً في التمييز الشئون الخارجية بل هو الممثل الأول لدولته فهو يرسل ويستقبل البعثات الدبلوماسية والقنصلية ويبرم المعاهدات والاتفاقيات الدولية.

ولقد جرى العرف على التزام الدولة بأن تخطر الدول الأخرى بشخص رئيسها وألقابه وعلى هذه الدول الاعتراف به كممثل أعلى للدولة والاعتراف برئيس الدولة هو اعتراف بالحكومة التي يمثلها، ويعد الامتناع عن الاعتراف برئيس استقرت له مقاليد الأمر في دولته تدخلاً في الشئون الداخلية لدولته وهو ما لا يجيزه القانون الدولي، أما فيما يتعلق بالألقاب فقد جرت العادة بين الدول على أن لا ترفض الاعتراف بلقب رئيس الدولة إلا في الحالات التي يتعارض فيها منح هذا اللقب مع قواعد القانون الدولي أو مصالح الدول الأخرى.
أولاً- دور رئيس الدولة في العلاقات الخارجية:
رئيس الدولة له سلطات واسعة في ميدان العلاقات الدولية، فله سلطة التفاوض بشأن المعاهدات الدولية وإبرامها والتصديق عليها، وسلطة إعلان الحرب كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولا ينفي هذه السلطة ضرورة موافقة البرلمان بالإجماع، في بعض الأحوال كما في معاهدات الصلح والتحالف والتجارة والملاحة وجميع المعاهدات التي يترتب عليها تعديل في أراضي الدولة، أو التي تتعلق بحقوق السيادة كما يتعمد رئيس الجمهورية ممثلي الدول الأجنبية السياسيين.
ويكون لرئيس الدولة في بعض الأنظمة الدستورية دور رئيسي في مباشرة هذه السلطات ويعاونه في أدائه لهذه المهام وزير الخارجية والمبعوثين الدبلوماسيين في حين يكون وزير الخارجية في ظل أنظمة أخرى هو المسئول الأول في هذه المجالات.
ويتقيد اختصاص رئيس الدولة في ميدان العلاقات الدولية بالحدود الواردة في دستور أحوال لا بد من اشتراك رئيس الجمهورية مع السلطة التشريعية في اتخاذ التصرفات الهامة في ميدان العلاقات الدولية كالموافقة على المعاهدات، ولكن ثار التساؤل حول مدى صحة هذه التصرفات ومدى إلزامها إذا اتخذها رئيس الدولة مخالفاً لدستور دولته.
– يذهب قلة من الشراح أن هذه التصرفات لا تكون ملزمة للدولة لمخالفة رئيس الدولة للدستور الداخلي.
– يذهب غالبية الفقه الدولي إلى أنها ملزمة للدولة وذلك لأن تصرفات رئيس الدولة في هذه الحالات تكون صادرة من شخص مختص بإعلان إرادة الدولة وإن القول يغير صحة تصرفاته في هذا الشأن يمكن أن يؤدي إلى عدم استقرار العلاقات الدولية فضلاً عن أنه من العسير على الدول الأخرى التحقق من هذه النصوص وحتى لو أمكن لها هذا فإن محاولة البحث في مدى سلطات رئيس الدولة للتثبت من مدى اتفاق تصرفاته مع أحكام الدستور بعد تدخلاً في شئون الدولة الداخلية وعلى هذا فقد جرى العمل الدولي على اعتبار أن القيود الدستورية لا تحدث آثارها إلا في الدائرة الداخلية ويقتصر أثر مخالفتها على مساءلة رئيس الدول في ظل هذا النظام.
ثانياً– امتيازات وحصانات رئيس الدولة:
يتمتع رئيس الدولة بمركز خاص باعتباره الممثل الأعلى للدولة في علاقاتها الخارجية ويكون شخصه محل رعاية خاصة من سائر الدول الأخرى، ويتمتع بمجموعة من الامتيازات والحصانات التي تكفل له الرعاية والاحترام وعدم المساس بسيادة الدولة التي يرأسها ويحظى رئيس الدولة بهذا الاحترام والرعاية سواء أكان على إقليم دولته أو على إقليم دولة أخرى، فيجب توفير الحماية له وفرض أشد العقوبات على من يحاول المساس بسلامته أو الاعتداء عليه كما يتمتع بحصانة قضائية ويعفى من الضرائب والرسوم الجمركية، ويمتد التمتع بهذه الامتيازات والحصانات إلى أفراد الأسرة رئيس الدولة ومرافقته.
ولكن ينتهي تمتع رئيس الدولة بالامتيازات والحصانات بزوال صفته كرئيس للدولة سواء كان ذلك بسبب انتهاء مده رئاسته أو تنازل عنها أو بسبب العزل السياسي، على أن العمل الدولي جرى على أن تحتفظ الدول ببعض هذه الامتيازات والحصانات لرؤساء الدول السابقين على سبيل المجاملة.
المبحث الثاني : وزير الخارجية
أولاً- اختصاصات وزير الخارجية:
وزير الخارجية هو الشخص الذي يعاون رئيس الدولة في مباشرة اختصاصاته والإشراف على العلاقات الخارجية وسبب وجوده عدم قدرة رئيس الجمهورية بمفرده على ممارسة هذه الاختصاصات.
ويعد وزير الخارجية حلقة الاتصال الفعلي بين دولته والدول الأخرى مما يخول له سلطة التفاوض وتوقيع المعاهدات باسم رئيس الدولة ورعاية مصالح دولته قبل الدول الأخرى، وقد جرى العرف نظراً لأهمية دور وزير الخارجية على أن تقوم الدول بإبلاغ الدول الأخرى بشخص وزير الخارجية وأي تغيرات تطرأ على هذا المنصب.
وتختلف اختصاصات وزير الخارجية من نظام دستوري إلى آخر ولكن يمكن حصر أهمها فيما يلي:
1- رئاسة البعثات الدبلوماسية والقنصلية التي توفدها الدولة إلى الدول الأجنبية.
2- الاتصال بوزارات الخارجية بالدول الأخرى وبرؤساء بعثاتهم الدبلوماسية في دولته.
3- التوقيع على المعاهدات والاتفاقيات باسم رئيس الدولة.
4- يكون مسئول عن تنفيذ سياسة الدولة الخارجية أمام الملك أو أمام البرلمان في ظل الأنظمة البرلمانية.
5- يحدد مواقف دولته السياسية ووجهة نظرها فيما يتعلق ببعض المشاكل الدولية عن طريق مؤتمرات صحفية تعقد بهدف إطلاع الرأي العام العالمي على سياسة دول في مواجهة المتغيرات السياسية والأزمات الدولية.
ويعد كل ما يصدر عن وزير الخارجية بوصفه ممثلاً لدولته في الشئون الخارجية ملزماً لدولته ومنتجاً لكافة آثاره القانونية حتى إذا تجاوز حدود الاختصاصات التي خولها له الدستور.
ثانياً- امتيازات وحصانات وزير الخارجية:
يعبر وزير الخارجية عن إرادة دولته تأرجياً ما يعتبر رئيس الإداري للجهاز الدبلوماسي للدولة لذا يجب أن يحاط بالاحترام والتقدير وأن يتم استقباله ووداعه رسمياً إذا كان في زيادة دولة أخرى ويجب أن يتمتع بالحصانات القضائية والمالية، ويجب أن يحاط وجوده بحماية مادية كافية لدرء أي محاولة للاعتداء على شخص.
وفيما يتعلق بالحصانة القضائية فهي كاملة ومطابقة بالنسبة المحاكمة الأجنبية لكنها ليست كذلك فيما يتعلق بالمسائل المدنية حيث لا تشمل هذه الحصانة إلا الأعمال الرسمية لوزير الخارجية فتظل أعماله الخاصة خاضعة لاختصاص محاكم الدولة الأجنبية.
أما الحصانات المالية، فتقضي قواعد المجاملات بإعفاء حقائب وزير الخارجية من التفتيش الجمركي، وذلك بهدف المحافظة على أسرار الدولة التي يمثلها، ويلاحظ أن زوجة وزير الخارجية وأولاده ومرافقي رحلاته الرسمية خارج البلاد يتمتعون بنفس المركز القانوني الممتاز الذي يتمتع به وزير الخارجية بما يشاء من حصانات وامتيازات.
المبحث الثالث : القائد العام للقوات المسلحة
يمثل القائد العام للقوات المسلحة دولته في وقت الحرب فقط وينحصر ذلك في المسائل المتعلقة بالعمليات العسكرية أو إنهائها، فله إبرام الاتفاقيات الخاصة بالتبادل أسرى الحرب أو وقف القتال أو الهدنة المؤقتة أو الدائمة أو التسليم وتكون مثل هذه الاتفاقيات ملزمة للدول عادة دول حاجة إلى التصديق عليها.
الفصل الثاني : البعثات الدبلوماسية
أولاً- تطور نظام التمثيل الدبلوماسي:
عرف التمثيل الدبلوماسي منذ القدم، فقد جرى العمل بين الدول متى منتصف القرون الوسطى على أن يتم الاتصال بينها عن طريق بعثات مؤقتة أو عارضة تكلف بمهام خاصة تؤديها لدى الدول الأجنبية وكان يعترف لهؤلاء المبعوثين بمزايا وحصانات خاصة ويحظون بتكريم الدول الموفودين لها.
ومع تزايد الاتصال بين الدول وتداخل مصالحها، ازدادت أهمية وضرورة وجود مبعوثين دائمين لها لدى الدول الأجنبية لرعاية هذه المصالح والعمل على توطيد الروابط بينها.
وتطور الأمر بشكل كبير خلال القرن التاسع عشر وخاصة بعد ظهور ما يسمى بمؤتمر السفراء وهي مؤتمرات يعقدها المبعوثين الدبلوماسيون الدائمون بصفة دورية في عاصمة من إحدى العواصم الكبرى لبحث مختلف المسائل التي تهم بلادهم لمناقشة الشئون الدبلوماسية للقارة الأوربية بصفة عامة.
ويرجع استقرار نظام التمثيل الدبلوماسي الدائم على المستوى الدولي والعالمي إلى الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية حيث ازداد عدد الدول المستقلة التي تملك تبادل البعثات الدبلوماسية وساهم في ذلك إنشاء الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية من جهة وازدياد الروابط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين مختلف دول العالم من جهة أخرى.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت