اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية

كانت اللغة الرسمية في البلاد العربية التي وقعت تحت سيطرة العثمانيين اللغة التركية، فهي لغة الدواوين، ولغة التعليم، ولسان الدولة. فلما قامت الحكومة العربية بدمشق، بعد زوال الهيمنة العثمانية (تشرين الأول 1918م) كان تعريب الدولة وتعريب التعليم بجميع مراحله من أبرز المهامّ التي أولتها عنايتها. فأنشأت شعبة للترجمة والتأليف، ثم ديوان المعارف، لتؤسس في 8/6/1919م المجمع العلمي العربي، ووكلت إليه تعريب الدواوين والمدارس، وتقويم لغة الكتابة والصحافة والتأليف، وإزالة ما علق بالعربية من شوائب الضعف، ونشر آداب العربية وإحياء تراثها، ووضع ما تتطلبه الحياة العصرية من ألفاظ الحضارة والمصطلح العلمي.

ونهض المجمع بالمهمة على خير وجه، وكان لتعاونه الوثيق مع أساتذة الجامعة السورية (جامعة دمشق الآن) ما هيّأ لتدريس العلوم باللغة العربية، وانتظم التعليم بالعربية في جميع مراحل التعليم منذ السنة الأولى لقيام الحكم العربي.

كان مجمع دمشق المجمع الأول بين المجامع العربية القائمة الآن. ثم أنشئ مجمع القاهرة (1932م)، تلاه مجمع بغداد (1947م)، وتعاونت المجامع الثلاثة للنهوض بالعربية، وجعلها وافية بمتطلبات العلم والحضارة.

ولقد فطن القائمون على المجامع الثلاثة إلى ضرورة تنظيم الاتصال بينها، وتنسيق جهودها، ووضع الخطط الكفيلة بتوحيد المصطلحات العلمية والفنية والحضارية التي تقرها، فلايجوز أن يوضع للمعنى العلمي الواحد أكثر من لفظ اصطلاحي واحد، لما يحدثه اختلاف المقابلات العربية للمعنى الواحد من بلبلة.

وكانت الخطوة الأولى انعقاد مؤتمر المجامع اللغوية العلمية العربية بدمشق (29/9-4/10/1956م) بإشراف الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية، وأسفرت بحوث المؤتمر ومناقشاته عن توصيات مهمة ترمي إلى تحقيق نهضة لغوية شاملة.

وقد أُدرجت هذه التوصيات في خمسة أقسام أساسية:

أولها: تأسيس اتحاد للمجامع اللغوية العلمية العربية ينظم الاتصال بينها، وينسق أعمالها، ويكون المرجع الذي يوحّد المصطلحات التي تضعها المجامع والمؤسسات العلمية والعلماء.

الثاني: وسائل ترقية اللغة العربية.

الثالث: تشجيع التأليف والترجمة.

الرابع: وضع المصطلحات العلمية.

الخامس: تحقيق المخطوطات ونشرها.

لم تكن الأحوال العامة مسعفة لتأسيس الاتحاد على إثر هذه الاجتماعات، ولكن الصبر والعمل الدؤوب أنجحا القصد، وأُسس الاتحاد في 18/3/1391هـ – 13/5/1971م بحضور ممثلي المجامع. وتمّ إقرار نظامه الأساسي ولائحته الداخلية، وانتُخب الدكتور طه حسين رئيس مجمع القاهرة رئيساً للاتحاد.

ويتألف النظام الأساسي للاتحاد من خمس عشرة مادة. من أبرز ما نصّت عليه:

أن للاتحاد شخصية معنوية مستقلة، وأن مقره مدينة القاهرة، وهو يتألف من المجامع الثلاثة في دمشق والقاهرة وبغداد، وكلِّ مجمع لغوي علمي تنشئه دولة عربية مستقلة، ويوافق مجلس الاتحاد على قبوله. وللاتحاد هدفان أساسيان:

أولهما: تنظيم الاتصال بين المجامع اللغوية العلمية العربية، وتنسيق جهودها في الأمور المتصلة باللغة العربية وبتراثها اللغوي والعلمي.

وثانيهما: العمل على توحيد المصطلحات العلمية والفنية والحضارية العربية ونشرها.

ويدير أعمال الاتحاد مجلس يسمى «مجلس اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية»، ويؤلَّف من عضوين عن كل مجمع لغوي، يختارهما المجمع العضوُ، لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد.

وينتخب أعضاء مجلس الاتحاد من بينهم رئيساً وأميناً عاماً، وأمينين عامين مساعدين، لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد.

ويجتمع مجلس الاتحاد مرة على الأقل كل سنة في دورة عادية في مقره الرسمي (القاهرة) أو في بلد من بلاد المجامع الأعضاء. ويجوز أن يجتمع بدعوة من الأمين العام للاتحاد، بناء على طلب مجمعين على الأقل في دورة غير عادية عند الضرورة.

نشاط الاتحاد الأساسي

عقد اتحاد المجامع منذ تأسيسه حتى الآن تسع ندوات. ودرج الاتحاد على أن يكون لمعجمات المصطلح التي تصدرها المجامع والمؤسسات العلمية جانب كبير من اهتمامه وعنايته، لما لذلك من شأن في تيسير تعريب التعليم العالي. وسارع الاتحاد إلى إصدار حصيلة هذه الندوات في كتيبات خاصة، ليسهل نشرها وتوزيعها في الجامعات والمراكز العلمية، فتغدو قريبة المتناول لطالبيها.

ضمّت ندوات الاتحاد الأولى ممثلين عن المجامع الثلاثة في دمشق والقاهرة وبغداد، مع مشاركة صفوة طيبة من كبار العلماء واللغويين، فلما أُسس مجمع اللغة العربية الأردني عام 1976م انضم إلى الاتحاد (1977م) وحضر ندواته.

ثم انضم إلى الاتحاد في عام 1995م مجمعا السودان أُسس (عام 1993م) والقدس (أُسس عام 1994م)، كما انضمت في عام 1996م أكاديمية المملكة المغربية (أُسست عام 1977م).

وينتظر أن ينضم إلى الاتحاد قريباً مجمعا تونس أسس عام 1993 وليبية (أسس عام 1994م).

عقد الاتحاد أولى ندواته بدمشق 1972م، وعُني فيها بتوحيد مصطلحات في القانون المدني والتجاري والبحري والإداري والتأمين بلغت 1811 مصطلح.

وتلتها الندوة الثانية التي عقدت ببغداد (1973م) وعُني فيها بمصطلحات النفط، وبلغ عدد المصطلحات التي انتهى الاتحاد إلى توحيدها 997 مصطلح. أما الندوة الثالثة فقد عُقدت بالجزائر (حزيران 1976م)، وعالجت موضوع تيسير تعليم اللغة العربية، وأسفرت البحوث والمناقشات عن توصيات مهمة، أبرزها:

– استعمال الكلمات والاصطلاحات التي أقرتها المجامع في كتب القراءة المدرسية.

– والعناية بمكتبة الطفل وتزويدها بقدر صالح من الثروة اللغوية.

– والالتزام باستخدام العربية، وحظر استعمال العامية في وسائل الإعـلام المقـروءة

والمسموعة والمرئية.

– والعمل على وضع معجم عربي مدرسي يرجع إليه الطلاب.

– والسعي لتيسير تعليم النحو في مراحل التعليم العام.

وعقد الاتحاد في عمّان ندوته الرابعة (تشرين الأول 1978م) التي خُصصت لدراسة موضوع: «تعليم اللغة العربية في ربع القرن الأخير»، وخلصت إلى جملة من التوصيات أبرزها:

– إسراع المجامع في إخراج المعاجم المتخصصة في مختلف الموضوعات العلمية والفنية، والعمل عن طريق الاتحاد على وحدة المصطلح العربي في مختلف الأقطار العربية.

– والتوسع في ترجمة الكتب العلمية المختلفة، وكتب المعارف الإنسانية.

وانعقدت الندوة الخامسة بالرباط (تشرين الثاني 1984م)، وكان الموضوع الذي تناولته هو «تعريب التعليم العالي والجامعي في ربع القرن الأخير»، وأسفرت بحوث الندوة عن عدة توصيات، يأتي في طليعتها:

– أن قضية التعريب قضية قومية ذات أثر كبير في النهوض بالتعليم العالي والجامعي ورفع مستوى الخريجين.

– وأن في غنى العربية وشمولها وحيويتها قدرة فائقة على استيعاب التطور العلمي المتلاحق في شتى قطاعات العلم والمعرفة.

– وأن السبيل الوحيد لتعريب لغة العلم هو المعلم والكتاب، فلابد من أن ندرّس ونحاضر في كلياتنا العلمية باللغة العربية، وعلينا أن نؤلف ونترجم بلغة واضحة سليمة، ونعدّ لكل علْمٍ مراجعه العربية. وعلى الجامعات أن تشارك في التشجيع على التأليف والترجمة بالعربية، كي نغني المكتبة العلمية العربية المتخصصة.

وكانت الندوة السادسة بعمّان (كانون الثاني 1987م)، ونوقش فيها موضوع الرموز العلمية وطريقة أدائها باللغة العربية. ثم كانت عودة إلى المصطلح العلمي في الندوة السابعة التي عقدت بتونس (أيار 1992م) فعرض موضوع تعريب المصطلح الطبي، وقُدِّم إلى الندوة الجزآن الأول والثاني من معجم المصطلحات الطبية لمجمع اللغة العربية في القاهرة. وناقشت الندوة معجم المصطلحات مناقشة واسعة، وأوصت باتباع منهجه في وضع المعجمات العلمية المتخصصة بإيراد تعريف علمي دقيق لكل مصطلح، وبضرورة أن تكون معجمات المصطلحات ثلاثية اللغة: بالعربية والفرنسية والإنكليزية. وقُدِّم في الندوة بحوث تناولت موضوع توحيد المصطلح، ومنهجية التوحيد.

وعقدت الندوة الثامنة بدمشق (كانون الثاني 1994م) وكان موضوعها النظر في معجم النفط الذي أعدّه معجم القاهرة، وهو يضم نحو أربعة آلاف مصطلح وكان المعجم قد وُزّع على المجامع والجهات العلمية المعنيّة لدراسته وإعداد تقاريرها بشأنه. ونوقش في الندوة حصيلة هذه الجهود،وانتهت الندوة إلى توصيات أهمها:

ضرورة صدور معجمات المصطلح ثلاثية اللغة، وأن يُضبط اللفظ العربي بالشكل، وأن يُستفاد من كتب التراث في وضع المصطلح.

وعقدت ندوة الاتحاد التاسعة بتونس (تشرين الأول 1994م)، وكان موضوعها «دراسة المعجم الجيولوجي» الذي أنجزه مجمع القاهرة.

لقد كان هدف اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية الذي رمى إليه منذ تأسيسه هو توحيد المصطلح العلمي العربي للقضاء على ما يورثه تعدد المصطلح للمقابل العلمي الواحد من بلبلة وفوضى، ويسعى الاتحاد دائباً لهذا التوحيد، وما يستتبعه من تعزيز لنهضة علمية عربية، يتعاون فيها العلماء العرب في شتى أقطارهم.

ولم يستطع الاتحاد، لظروف خارجة عن إرادته، أن ينهض بمهمته على الوجه الأمثل، ولابد من مضاعفة الجهد للقضاء على جميع العقبات التي تقف في طريق الاتحاد كي يقوى على تأدية ما نيط به من مهام.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت