تحليل جريمة الضرب المفضى إلى موت في مقال قانوني فريد .

عند الحديث عن جريمة الضرب المفضى إلى موت يجب علينا أن نعرض فى شىءٍ من الإيجاز للمقصود بكل من الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة ، وقد سبق الحديث عن المقصود بالجرح والضرب فيما يتعلق بجريمة الضرب ، ولذلك نحيل إليها منعاً للتكرار ، وبالتالى سوف نقوم بتوضيح المقصود بإعطاء المواد الضارة بالقدر الذى يتسع له المقام .

أولاً : إعطاء المواد الضارة :

يفترض الشارع – فى هذه الصور من صور الفعل الماس بسلامة الجسم – أن نشاط الجانى قد اتخذ صورة الإعطاء ، وأن موضوعه كان مادة ضارة بالصحة ، وتحديد ماهية المواد الضارة رهن بتحديد معنى الصحة ثم تصور كيفية الإضرار بها فالصحة صفة تخلع على وظائف الحياة فى الجسم إذا سارت على النحو العادى الذى تحدده القوانين الطبيعية ، والإضرار بالصحة هو كل إخلال بهذا السير العادى أى كل فعل من شأنه أن يجعل وظائف الحياة فى الجسم تنحرف – فى قدر ضئيل أو كبير – عن النحو الذى ترسمه لها القوانين الطبيعية ، ويتحقق هذا الانحراف إذا توقفت وظيفة من هذه الوظائف أياً كانت مدة توقفها ، كما يتحقق إذا أدت هذه الوظيفة عملها على نحو يختلف عن النحو المألوف لذلك ، فإذا ترتب على الفعل إغماء ، أو عجز عن استعمال حاسة ، أو مجرد دوار أو قىء عد الفعل إضراراً بالصحة، ويتسع مدلول الصحة للصحة البدنية والصحة النفسية على السواء وتطبيقاً لذلك فإن كل فعل يعطل أو يخل بإحدى الوظائف الذهنية النفسية يعد إضراراً بالصحة فمن يعطى آخر مادة تصيبه بجنون أو تفقده الوعى – ولو لم يستمر ذلك غير فترة قصيرة – يعد مقترفاً فعلاً ضاراً بالصحة .

والعبرة فى تحديد تأثير المادة على الصحة إنما يكون بالنظر إلى الأثر العام النهائى لها ، فيتعين التريث حتى تنتج المادة كل تأثيرها ثم مقارنة سير وظائف الحياة فى الجسم بسيرها قبل إعطاء المادة ، فإن تبين أن سير هذه الوظائف بعد أن أنتجت المادة تأثيرها أقل ابتعاداً عن السبيل الذى تحدده القوانين الطبيعية كان الإضرار بالصحة منتفياً ، ولا عبرة بالتأثير العاجل الذى أحدثته قبل أن تفضى إلى أثرها الأخير وعلى هذا النحو ، فمن أعطى آخر مادة أحدثت أختلالاً عارضاً فى سير وظائف الجسم ، ولكنها فى النهاية أدت إلى تحسن الصحة لم يكن فعله إضراراً بها .

وكل المواد الضارة فى نظر القانون سواء فقد تكون المادة صلبة وقد تكون سائلة وقد تكون غازية ، وتطبيقاً لذلك فمن يجعل آخر يستنشق غازاً ضاراً أو هواء عادياً اختلطت به جراثيم مرض يعد فعله إضراراً بالصحة .

والإعطاء تعبير ذو دلالة واسعة ، إذ ينصرف إلى كل نشاط يُمَكن به الجانى المادة الضارة من أن تباشر تأثيرها على وظائف الحياة فى جسم المجنى عليه ، فهو فعل يقيم به الصلة بين هذه المواد وجسم المجنى عليه ، ويستوى أن يفعل الجانى ذلك بوسائله الخاصة أو أن يستعين بشخص آخر ، وقد يكون هذا الشخص هو المجنى عليه نفسه ، وأول صورة للإعطاء تتبادر إلى الذهن هى تسليم المواد الضارة إلى المجنى عليه كى يتناولها بنفسه ، وسواء فى ذلك أن توضح له خصائصها الضارة فيتناولها عن بينة كى يتحقق له غرض معين كأن يتخلص من التجنيد أو يحصل على إعانة تمنح للمرضى ، أو أن تجهل له صفاتها فيتناولها مخدوعاً معتقداً أنها ذات نفع ، ويُعد إعطاء أن يكره الجانى ضحيته على تناول المادة سواء أعرفه بضررها أم أخفى عليه ذلك ، وقد يكون التسليم مناولة مباشرة من الجانى إلى المجنى عليه ، وقد يستعين بشخص ثالث تصل المادة بواسطته إلى المجنى عليه ، ويستوى أن يكون هذا الشخص عالماً بضرر المادة أو جاهلاً ذلك ، ولكن ليس بشرط أن يكون تسليم حتى يتحقق الإعطاء ، بل يكفى أن توضع المادة فى متناول المجنى عليه ، أى تجعل فى موضع يرجح فيه أن السير العادى للأمور يقتضى أن يتناولها ، كأن تمزج بدوائه أو بشراب معد له أو توضع قرب فراشه حتى يتناولها عند نهوضه من نومه أثناء الليل دون أن يتاح له التحقق منها([2]).

ولتناول المادة صور عديدة ، وكلها عند القانون سواء ، فقد يكون تناولها عن طريق الفم أو عن طريق الأنف كما إذا كانت غازاً ضاراً يستنشقه المجنى عليه، وقد يكون ذلك عن طريق وضعها على الجلد فتتسرب خلال مسامه وتنفذ إلى داخله ويعد الإعطاء متحققاً إذا تولى الجانى الأمر بنفسه ، فحقن المجنى عليه مكرهاً أو بعد أن أوهمه بفائدة المادة أو قرب الغاز الضار من أنفه بغتة أو وضع بنفسه المادة الضارة على جلده سواء أكان ذلك كرهاً أو بعد أن أوهمه بفائدتها .

ثانياً : أركان الجريمة :

تقوم جريمة الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة المفضي إلى الموت على ذات الأركان العامة التي تقوم عليها جرائم الاعتداء على سلامة الجسم والتي سبق الإشارة إليها عند الحديث عن القتل والضرب إلا أنه يضاف إلى ذلك أن الأذى البدني يأخذ في هذه الجريمة أبلغ صور الجسامة وهي وفاة المجني عليه .

وهذه الجريمة تشترك من حيث النتيجة الإجرامية مع جريمتي القتل العمد والقتل الخطأ إلا أنها تتميز عنهما من حيث ركنها المعنوي .

1- الركن المادي :

يتكون الركن المادى فى هذه الجريمة من ثلاثة عناصر وهى الفعل أو السلوك والنتيجة الإجرامية وتوافر علاقة السببية بين الفعل والنتيجة .

أ- السلوك :

الفعل المادي المكون لهذه الجناية هو إما جرح وإما ضرب وإما إعطاء لمادة ضارة ينشأ عنه موت المجني عليه فلا يتحقق الركن المادى للجناية إلا بوفاة المجني عليه من أثر أحد تلك الأفعال الثلاثة وإلا اقتصرت الجريمة على جنحة الضرب أو الجرح أو إعطاء المادة الضارة .

ومن أجل ذلك يتعين قبل تقديم الفاعل لجنحة من هذه الجنح إلي المحاكمة انتظار النتيجة النهائية لعلاج المجني عليه من الإصابة التي لحقت به حتى يعدل وصف التهمة من جنحة إلى جناية إذا انتهت هذه الإصابة بالوفاة .

ويتوافر الفعل بكل اعتداء على سلامة الجسم ، ولذلك فقد قضى بأن كتم نفس شخص بنية هتك عرضه وموته نتيجة لذلك هو هتك عرض بالقوة مرتبط ارتباطاً لا يقبل التجزئة مع ضرب أفضى إلى موت ، كذلك يسأل عن جريمة ضرب أفضى إلى موت من اعتدى على آخر بالضرب أثناء مشاجرة بينهما وهما فى سفينة على النيل فسقط المجنى عليه فى الماء وغرق .

ب- النتيجة الإجرامية :

النتيجة المتحققة فى هذه الجريمة هى ” وفاة المجنى عليه ” ، وهى ذات النتيجة التى تفترضها جرائم القتل ، ويتعين أن تتحقق هذه النتيجة فعلاً ، فلا يكفى أن يكون تحققها شديد الاحتمال ، فإذا اعتدى المتهم بالضرب الشديد على المجنى عليه وأحدث به إصابات جسيمة يحتمل – حسب تقدير الطبيب – أن تؤدى به إلى الموت ولكنه أسعف بالعلاج فلم يمت فإن المتهم لا يسأل عن هذه الجريمة ، وإنما يسأل عن النتيجة الفعلية التى أفضى إليها فعله .

ج- علاقة السببية :

تُعد علاقة السببية بين الفعل المسند إلى المتهم ووفاة المجنى عليه عنصراً أساسياً فى هذه الجريمة ، فإن انتفت فلا مسئولية من أجلها ، خاصة وأنه لا شروع فيها وتخضع علاقة السببية للمعيار العام الذى أقرته محكمة النقض فى شأن جريمة الاعتداء على سلامة الجسم ، فيتعين أن يكون فعل المتهم أحد العوامل التى أسهمت فى إحداث الوفاة ، ويتعين أن يكون فى استطاعة المتهم – ومن واجبه – توقع الوفاة والعوامل الأخرى التى أسهمت فى إحداثها وتنتفى علاقة السببية إذا ثبت أن فعل المتهم لم يكن أحد العوامل التى أسهمت فى إحداث الوفاة ، أو ثبت أنه على الرغم من إسهامه فى إحداثها لم يكن مستطاعاً وواجباً توقعها وتوقع عواملها الأخرى . وتطبيقاً لذلك ، فإنه إذا اقتصر الفعل على مجرد التعجيل بالوفاة التى كان مؤكداً حدوثها بناء على عوامل أخرى كان ذلك كافياً لاعتبار علاقة السببية متوافرة ، وقد قضت محكمة النقض بأنه متى ثبت أن الضرب الذى وقع من المتهم هو السبب الأول المحرك لعوامل أخرى تعاونت – بطريق مباشر أو غير مباشر – على إحداث وفاة المجنى عليه كالضعف الشيخوخى أو إهمال العلاج ، فالمتهم مسئول عن كافة النتائج التى ترتبت على فعله ومأخوذ فى ذلك بقصده الاحتمالى ولو لم يتوقع هذه النتائج ، لأنه كان يجب عليه قانوناً أن يتوقعها ، وقضت بأنه لا ينفى علاقة السببية أن المجنى عليه كان به من الأمراض ما ساعد على الوفاة ، أو كان ثمة تراخ فى العلاج أو إهمال فيه ، وقضت كذلك بأنه لا ينفى علاقة السببية أن تحصل عقب الفعل مضاعفات أو تطرأ على المجنى عليه أمراض مما يسهم مع الجروح فى إحداث الوفاة كما لو تقيح الجرح ووصلت عدواه إلى المخ ، أو أصيب المجنى عليه أثناء علاجه بتسوس فى عظام الجدارية والصداغية اليمنى فاستؤصل بعضها ثم حصل له تجمع صديدى بأعلى الرأس فعملت له فتحة ، ثم توفى نتيجة الامتصاص العفن الناشئ عن الجروح بالإضافة على الحالة السيئة للقلب والرئتين والكبد والطحال ، أو أصيب المجنى عليه بالتهاب رئوى بسبب رقاده على ظهره أثناء مدة العلاج ، ولا تنتفى علاقة السببية إذا صدرت – إلى جانب فعل الضرب المسند إلى المتهم – أفعال ضرب أخرى ارتكبها متهمون آخرون طالما أن هذه الأفعال متوقعة فى ذاتها ولا تنفى مساهمة فعل المتهم فى حدوث الوفاة ، ولا يحول دون اعتبار علاقة السببية متوافرة أن الوفاة قد تراخت ، وأن زمناً طويلاً قد فصل بينها وبين الفعل ، فالفصل الزمنى لا ينفى الإسهام السببى.

ولكن علاقة السببية تنتفى إذا ثبت أنه لم يكن فى استطاعة المتهم – ولم يكن واجباً عليه – توقع العوامل التى أسهمت مع فعله فى إحداث الوفاة ، وتوقع الوفاة تبعاً لذلك ، ومحل ذلك أن تكن هذه العوامل غير مألوف تدخلها فى الظروف التى ارتكب فيها فعل ، فإذا حدثت الوفاة لخطأ فاحش صدر عن الطبيب المعالج ، أو لتعرض المجنى عليه لاعتداء إجرامى لاحق ، أو لانتحاره فإن علاقة السببية تعد منتفية ، وقد قضت محكمة النقض تطبيقاً لذلك بأنه إذا كان التراخى من جانب المجنى عليه فى العلاج أو الإهمال فيه تعمداً لتجسيم مسئولية المتهم فإنه ينفى علاقة السببية ، وتنتفى علاقة السببية إذا رفض المجنى عليه تحمل المداواة المعتادة لأن رفضه لا يكون له ما يسوغه فهو سلوك شاذ ليس فى استطاعة المتهم ومن واجبه توقعه وتوقع الوفاة التى تترتب عليه ، ولكن هذه العلاقة لا تنتفى إذا رفض المجنى عليه أن تجرى له جراحة من شانها أن تعرض حياته للخطر أو أن تحدث له آلاماً، فهذا الرفض سلوك مألوف ويستطيع المتهم ويجب عليه توقعه ، إذ من الطبيعى أن يضن المجنى عليه بحياته وأن يضن بنفسه عن تحمل الآلام المبرحة .

2- القصد الجنائي :

ليس القصد الجنائي أو الركن المعنوي في جناية الضرب أو الجرح المفضي إلى موت هو قصد إحداث الوفاة وإلا كانت الجريمة جناية قتل عمداً فهذا الركن هو قصد الضرب أو الجرح أو إعطاء المادة الضارة أي قصد المساس بسلامة جسم المجني عليه .

وحيث لا يكون هذا القصد متوفراً وينشأ عن سلوك الفاعل ضرب أو جرح أو موت يعد الفاعل مرتكباً على التوالي لضرب أو جرح خطأ أو لقتل خطأ لا لضرب أو جرح أفضى إلى موت .

وجناية الضرب أو الجرح المفضي إلى الموت يلزم لتوافرها إذن أن يقوم لدى الفاعل قصد إيذاء المجني عليه بالضرب أو الجرح أو إعطاء المادة الضارة فيترتب على ذلك الإيذاء موت المجني عليه بغير أن يكون هذا الموت مقصوداً ومفاد ذلك أن الوفاة التي يسأل عنها الفاعل رغم أنه لم يقصدها مفروض فيها أن سلوكه كان هو السبب القانوني لها لأنه كان يتضمن خطرها .

ولا ينفي ” الغلط في الشخصية ” أو ” الحيدة عن الهدف ” قيام القصد الجنائي فالقانون يحمي الحق في سلامة الجسم وصحته لكافة الناس مادام الجاني يعلم بأنه يعتدي على سلامة ” إنسان ” وقد وقع الاعتداء فعلاً على ” إنسان ” فلا أهمية بعد ذلك للغلط الواقع منه في الأوصاف التي تميز هذا الشخص عن ذلك .
لأنه غلط يتعلق بأمور زائدة عن القدر الذي يرعاه القانون ولنفس السبب فإن القصد لا يعتبر ” غير محدود ” كما يقول جانب من الفقه إذا كان الشخص يعلم أن نشاطه يصيب بالأذى حق أناس في سلامة أجسادهم أو صحتهم ولكنه لا يعلم مقدماً بأشخاص ضحاياه ، كمن يضع مادة ضارة بالصحة في مياه بئر يردها أهل قرية فمثل هذا الشخص لديه العلم بأن نشاطه سيؤدي إلى الإضرار بسلامة إنسان أو عدد من الناس وهذا كل ما يلزم لقيام القصد وتحديده ومتى توفر القصد فلا تؤثر فيه البواعث الدافعة إلى الفعل ولا الغايات التي يهدف إليها الجاني ، فيستوي أن يكون مدفوعاً بباعث الانتقام أو بباعث الشفقة وأن تكون غايته إيذاء المعتدي عليه أو الرغبة في علاجه إذ لا شأن لكل ذلك في وجود القصد أو انتفائه .

ثالثاً : لا عقاب على الشروع في جرائم الجرح والضرب المفضي إلى الموت :

لا يوجد نص خاص في القانون يعاقب على الشروع في جرائم الجرح والضرب وهذا الحكم ينطبق أيضاً على جرائم الجرح والضرب المقترنة بظروف مشددة تجعلها في عداد الجنايات ” وهي الجرائم المنصوص عليها في المادتين 236 ،240 عقوبات ” لأن هذه الجرائم لا توجد إلا إذا نشأ عنها الموت أو عاهة مستديمة أي صفتها الجنائية تتوقف على شرط يستلزم حتماً تمام الجريمة .

رابعاً : تعـدد الجنـاة :

قد يتعدد الفاعلون في الضرب أو الجرح الذي أفضى إلى موت وعندئذ تبدو الصعوبة في تحديد مسئولية كل منهم عن هذا الموت ولتذليل هذه الصعوبة يتعين التمييز بين ما إذا كان بينهم اتفاق سابق على الضرب أو الجرح وبين إذا ما لم يكن بينهم هذا الاتفاق ، فالاتفاق السابق بين الفاعلين يجعل كل منهم مسئولاً عن الوفاة الحادثة أياً كان الضرب أو الجرح الواقع منه بل ولو تعذر تعيين من منهم الفاعل الذي نشأت الوفاة من ضربته أما إذا لم يكن بين الفاعلين اتفاق سابق فلا يعد مرتكباً لضرب أو جرح أفضي إلى موت إلا من تسبب في الوفاة بالضرب أو بالجرح الواقع منه ، فيتعين تحديد من كان صاحب الضربة التي أحدثت الوفاة أو التي ساهمت على الأقل في إحداثها حتى يسأل دون سواه عن هذه الوفاة فإذا تعذر تعيينه عد جميع الفاعلين
مسئولين عن ضرب أو جرح عادي أخذاً بالقدر المتيقن في حق كل منهم .

تمت إعادة النشر بواسطة محاماة نت