بحث قانوني كبير حول جرائم الإبادة الجماعية

لم يكن من السهل التوصل إلى صياغة نهائية لاصطلاح ( Genocide ) الإبادة الجماعية، وتعددت، التعريفات في دراسات الإبادة، ونصوص القوانين الدولية، إلا أنها اتفقت على إطار عام يشير إلى أن المراد من الاصطلاح هو :
التدمير المتعمد للجماعات القومية أو العرقية أو الدينية أو الاثنية هو الإطار العام لجريمة الإبادة الجماعية كما نصت عليها اتفاقية منع إبادة الأجناس البشرية . ويراد بمصطلح genocide في اللغة اللاتينية ( قتل الجماعة ) واقترن مصطلح جريمة الإبادة بالنازية أولا ، وإن كانت هناك جرائم أخرى تنطبق عليها هذه المحددات في التاريخ البشري عموما ، لكن الصورة التي عكسها التصور النازي أعاد قضية القتل الجماعي إلى واجهة دراسات الإبادة ، حيث جرى قتل ملايين البشر بسبب دينهم أو أصلهم العرقي واعتبرت الجريمة من نمط الجرائم التي ترتكب لتدمير جماعة ما .
وذهب خبراء القانون الدولي وأصحاب الشرعة الدولية إلى أن ارتكاب هذه الجريمة يقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعات قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية عبر صور متعددة وسواء أكانت الجريمة بصورة مباشرة أم بالتحريض عليها أم بالتآمر على ارتكابها وسواء أثناء السلم أم الحرب، هي جرائم ضد الجماعة .

وأشار نص اتفاقية منع الإبادة إلى أن : هذه الاتفاقية تعني بالإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية :
1. قتل أعضاء من الجماعة.
2. إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
3. إخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا.
4. فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة .
5. نقل أطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى .

وحددوا ارتكاب الجرائم المشار إليها عن قصد بالتدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية.

وقبل الدخول في تحديد أنواع الإبادة الجماعية يتوجب المرور بالسياق التاريخي لظهور هذه الجريمة .
فمنذ أن تبنت الأمم المتحدة في 9 كانون الأول/ديسمبر من العام 1948 معاهدة حول تدارك ومنع ( الإبادة الجماعية ) ومعاقبتها، دخلت هذه العبارة في الخطاب الشائع للدلالة على الشر المطلق وأقصى أشكال التدمير في حق المدنيين العزل.

وحقق هذا المفهوم انتشارا متزايدا في الاستخدام الدولي بعدما وضعه قيد التداول الحقوقي البولوني ( رافاييل ليميكن ) عام 1944، إذ تمت الإشارة من خلاله إلى النزاعات كافة في النصف الثاني من القرن العشرين التي أوقعت عدداً كبيراً من الضحايا المدنيين لاحقاً من كمبوديا إلى الشيشان مرورا ببوروندي ورواندا وغواتيمالا وكولومبيا والعراق والبوسنة والسودان وغيرها. كما أطلقت التسمية وبأثر رجعي على المذبحة التي تعرض لها سكان ميلوس على يد اليونانيين في القرن الخامس قبل الميلاد ، أو ما حدث لسكان مقاطعة ( الفانديه ) الفرنسية عام 1793 ، أو ما تعرض له هنود أميركا الشمالية. أو الأرمن في العام 1915 إضافة إلى المجاعة

التي ضربت أوكرانيا والى تهجير عدد من القوميات في الاتحاد السوفيتي السابق إبان العهد الستاليني وإبادة اليهود الأوروبيين والغجر وأيضا قصف هيروشيما وناغازاكي بالقنابل الذرية الأميركية.

ومع أن التقسيم الشائع لأنواع الإبادة يتوزع على النحو التالي :

1 ـ الإبادة الجسدية : قتل الجماعات بالغازات السامة ( مثل مأساة حلبجة ) أو الإعدام ( كما حصل في العراق وغيره ) ، أو دفن الأحياء ( كما حصل مع سكان جنوب العراق ) ، أو القصف بالطائرات والصواريخ وغيرها من الأسلحة.

2 ـ الإبادة البيولوجية : المتمثلة بتعريض الرجال للعرض، أو إجهاض النساء وبوسائل متعددة والتدخل في تغيير الخلقة الإنسانية لأهداف سياسية ودينية للقضاء على العنصر البشري .

3 ـ الإبادة الثقافية : المتمثلة بمنع التحدث باللغة الوطنية ، والاعتداء على الثقافة القومية ( مثل ما حصل في كردستان العراق وغيرها من مناطق العالم) .

أما عن الأسباب التي تدفع لارتكاب هذه الجريمة، فمجملها يتركز في الأسباب الدينية، والسياسية والاجتماعية، والعصبية، والصراع التاريخي عموما.

وقد أثار استخدام مفهوم “الإبادة” على حالات تاريخية متنافرة الكثير من الاعتراضات والنقاشات الحامية.
فالاستخدام المتعدد يعكس الحاجة إلى تعبير عام يشير إلى ظاهرة منتشرة في القرن العشرين ألا وهي القضاء على المدنيين. وكانت عبارات أخرى قد أدخلت في التداول مثل “الإبادة السياسية” (politicide) عام، 1988 أو “إبادة الديمقراطية” (démocide) عام 1994 لكن ( الإبادة الجماعية)، أو “إبادة الجنس” (génocide) لا تزال هي الرائجة بحيث ظهر اختصاص في “أبحاث الإبادة” كما يمكن متابعتها في مجلة Journal of Genocide Research .

وأولى المسائل التي تثيرها عبارة “الإبادة الجماعية” تتعلق باستخدامها في خضم نقاشات الهوية والسياسة والعمل الإنساني. فالمفهوم المعني يواجه تحديات مرتبطة أولا بالذاكرة، أي بالإقرار العام بتعرض شعب ما في الماضي للإبادة الجماعية. ولعل المثل ( الارمني ) هو الأكثر دلالة في هذا السياق.

أما التحدي الثاني فهو إنساني عندما يتم لفت أنظار مؤسسات المجتمع المدني و المنظمات غير الحكومية إلى خطر الإبادة الجاثم الذي يهدد الشعوب وما يترتب على ذلك من إحداث صدمة في الرأي العام وفتح الطريق أمام التدخل الدولي. يبقى التحدي القانوني ويتمثل في تقديم المسئولين عن جرائم الإبادة الجماعية أمام المحاكم الدولية.

كذلك يمكن لمفهوم الإبادة الجماعية أن يشكل العنصر الرئيسي في رغبة هجومية تستهدف الخصم السياسي كما فعل صرب كوسوفو عندما أعلنوا ابتداء من منتصف الثمانينيات أنهم يتعرضون لعملية إبادة جماعية على يد الألبان ، أو ما نادت به أحزاب ومنظمات معارضة لنظام صدام بفهم أن فئات محددة ، وأقليات وقوميات وطوائف تتعرض إلى الإبادة جسديا وثقافيا وجغرافيا، أو كما اتهم المندوبون المشاركون في مؤتمر دربان عام

2001 الدولة العبرية بارتكاب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، فالخلاصة الواضحة هي أن العبارة تستخدم كسترة واقية رمزية من اجل تأكيد هوية الشعب الضحية.

ويعتقد انه يمكن للباحثين النظر في الاصطلاح من جديد لتقديم المزيد من الإيضاحات.وعلى الرغم من صعوبة التوصل لتعريف نهائي إلا أن التباين بدا واسعا مثلا بين عالم النفس ( إسرائيل شارني ) الذي يصنف كل مجزرة في خانة الإبادة الجماعية (بما فيها حادث تشرنوبيل النووي) والمؤرخ ( ستيفان كاتز ) الذي يصر على أن عملية إبادة جماعية واحدة حصلت في التاريخ وهي تلك التي تعرض لها اليهود، ويتضح من فهمهما المقدمات التي ينطلقان منها .

واختلفت الآراء أيضا حول التعريف الذي قدمته الأمم المتحدة إذ وافق البعض على معاهدة 1948 كقاعدة للبحث والنقاش يمكن أن تنتج منها ( ترجمة سوسيولوجية ) للإبادة كما ذهبت الباحثة الأميركية ( هيلين فاين ) . يعترض البعض الآخر في المقابل على كون الأبحاث الاجتماعية والتاريخية لم ترتكز سلفا على نص قانوني أو معياري لذا يعمدون إلى مقاربة (دراسات الإبادة ) بمنهجية العلوم الاجتماعية، فينطلق بحثهم من تحليل المذبحة (كشكل جماعي في الغالب للقضاء على غير المحاربين) والتساؤل حول ظروفها وإمكان تحول مذبحة واحدة أو سلسلة من المذابح إلى عملية (إبادة جماعية) .

من المشكلات التي أثارتها معاهدة 1948 أنها تولي أهمية مركزية لـ ( النية في القضاء على الجماعة ) ضمن تعريفها للإبادة ما يجعل الترجمة التاريخية لهذه الفكرة صعبة إلى حد ما، فلا يبدو أن بعض الإحداث الكارثية نتجت عن تخطيط مسبق كالمجاعة في الصين الشيوعية بين 1958 و1962 والتي راح ضحيتها من 20 إلى 43 مليون نسمة. لم يتمكن احد من تقديم البرهان على أن ماو تسي تونغ الذي دعا لـمايسمى بـ ( القفزة الكبيرة إلى الأمام ) كان ينوي القضاء على شعبه، فالمأساة ترجع أكثر إلى جمود الحزب وطوباويته الإرادية وعدم كفايته الاقتصادية .

في المقابل فانه يمكن إبراز تأكيدات أكثر وضوحا لإرادة ستالين الإجرامية في التسبب بمجاعة أوكرانيا بين 1932 و1933 والتي ذهب ضحيتها ما بين 6 و 7 ملايين نسمة، وكان غرض موسكو القضاء النهائي على المقاومة هناك.

فهل يمكن التحدث عن عملية “إبادة جماعية”؟

المعترضون يحتجون بان نية ستالين لم تكن القضاء على الأوكرانيين بصفتهم القومية. نشير إلى أن شعوبا أخرى تعرضت للإبادة بسبب المجاعة (بلاد القوزاق، كوبان، آسيا الوسطى…). مهما يكن فان الفخ الذي يتربص دائما بالمؤرخ هو التحول إلى مدع عام يبرهن على أن الأمور كانت معدة سلفا بينما التاريخ محصلة ظروف وعناصر غامضة أو غير محددة التأثير.

وتعتبر الأبحاث حول المحرقة اليهودية مرجعا في الموضوع انطلاقا من المؤلف الكبير كريستوفر براونينغ، “رجال عاديون”.
ولو تفحصنا ما جرى في كمبوديا أو رواندا أو البوسنة لوجدنا أن علينا اللجوء إلى أنواع عدة من التفسيرات لسبر أغوار هذا الانقلاب العنفي الواسع.

هل نولي أهمية حاسمة للايدولوجيا وبصورة أعم للمتخيل السياسي في رفض الآخر عند مقاربتنا تفسير الانتقال إلى فعل الإبادة؟
إن الدور الأساسي لذي لعبه المثقفون في البناء المسبق لوجوه العدو بات معروفا لكن هذا المحور الإيديولوجي المهيّء للمجازر الجماعية ليس كافيا أبدا لتفسير الانتقال إلى الفعل.
يجب الأخذ في الاعتبار “الحسابات” التي تقف وراء المجازر أو القرار (أو سلسلة القرارات) التي يتخذها بدم بارد حفنة من المسئولين.
فالمجزرة تنبع في الغالب من سياسة متعمدة لـ “تنظيف المنطقة” أو الوصول إلى السلطة أو تطهير العرق، كما حصل في العراق في حملات سميت بـ ( تنظيف السجون )، أو تغيير الواقع الديموغرافي لكركوك، أو شن حملات إبادة على الشيعة والأكراد المعارضين لنظام.

لكننا وفي سعينا وراء الأسباب يجب ألا نغفل البعد اللاعقلاني في المجازر وأعمال الإبادة بكونها مشروع هذيان يسعى إلى إقامة نظام آمن يرتكز على الوحدة والنقاوة، وعدم السماح بوجود ما يعكر صفو هذه الفكرة اللاواقعية .

إن ( أبحاث الإبادة ) يجب أن تلتفت بالضرورة إلى مختلف المقاربات من علم النفس المرضي إلى علم الإنساني مرورا بالتاريخ والعلوم السياسية، من دون الحلم بتفسير شامل.

وهناك سؤال آخر يخترق هذه التفسيرات: هل أن الإبادة ترتكبها دول قوية أم دول ضعيفة؟
يبدو الميل تلقائيا إلى مسؤولية الدولة القوية لما يتطلب ارتكاب إبادة من إمكانات تدميرية وتنظيمية ودعائية… كما يفترض مثلا رودولف رومل:
“إن السلطة المطلقة تقتل بصور مطلقة”.

لكن نظرية الدولة القوية هذه تتعرض لإعادة النظر على أيدي الذين يشددون على “الإطار العام” الذي يضع هذه الأنظمة في وضع من عدم الكفاءة والجهل الذي يفسر استعدادها لارتكاب المجازر بالرغم مما تتمتع به من قوة.

لذا كان ( إطار الحرب ) عنصرا أساسيا يجب أخذه في الحسبان. لذا فان مؤرخين من طراز ( فيليب بورين ) و ( كريستيان غيرلاش ) اعتبروا أن قرار “الحل النهائي” الذي اتخذه النازيون على الأرجح ابتداء من كانون الأول/ديسمبر 1941 لا يمكن عزله عن إدراكهم بأنهم عاجزون عن الانتصار في الحرب التي شنوها على الاتحاد السوفيتي. هكذا يكون هتلر قد اتخذ قرارا بالانتصار في موقع آخر أساسي بالنسبة إليه وهو القضاء على اليهود بعد أن استشرف الهزيمة المقبلة خصوصا مع دخول الولايات المتحدة الأميركية الحرب اثر القصف الذي تعرض له أسطولها في مرفأ بيرل هاربور يوم 6 كانون الأول/ديسمبر 1941.

يمكن قول الشيء نفسه في مسألة الأرمن إذ اتخذ القرار بتصفيتهم بعد هزيمة قاسية مني بها الأتراك أمام الروس في إطار من النزاع كانت حكومة ( تركيا الفتاة ) تنظر فيه إلى الأرمن كأقلية متواطئة ومتحالفة مع الروس.

تؤكد هذه المقاربة الأطروحة القائلة بأن المجازر تجري على أيدي دول ضعيفة تعتبر نفسها قابلة للعطب أو عاجزة عن الانتصار في الحرب طالما لا تعمد إلى القضاء على جماعات مدنية بأكملها.

إن المهمة الملحة الملقاة على عاتق العلوم الاجتماعية هي في تطوير المعارف الخاصة بأشكال العنف المؤدية إلى المجازر إن لم يكن إلى الإبادة الجماعية. ويأتي هذا الإلحاح من كون التاريخ البشري مثقلا في هذا المجال.

ففي مطلع القرن العشرين كان عشر ضحايا الحروب من المدنيين وها هي النسبة تنقلب في نهاية القرن نفسه ليسقط ما بين 80 إلى 90 في المائة من الضحايا المدنيين نتيجة النزاعات المسلحة.

إن المطلوب أيضا مقاربة عملية للفترة السابقة للازمة وطرح السؤال:
هل يمكن وبأي شروط تفادي الإبادة الجماعية؟

يقترح البعض إجراءات تحذيرية تهدف إلى تعيين الأوضاع القابلة للتحول لعمليات إبادة ويتخيلون الوسائل المطلوبة من اجل مد يد العون الفعال إلى السكان المهددين.

إن المطلوب هنا طرح سؤال أساسي : هل يمكن تفادي الإبادة الجماعية ؟

اقترح البعض التركيز على إجراءات تحذيرية تهدف إلى تحديد الأوضاع التي من الممكن أن تتحول إلى عمليات إبادة جماعية .
وما تبذله المنظمات غير الحكومية والصحافيون وأفراد لهم رغبة قوية بمنع جريمة الإبادة ، به عظيم الأهمية من اجل منع المأساة من الغور في النسيان لدى الرأي العام العالمي كما يحصل مثلا في الشيشان. في الوقت نفسه فان الرأي العام يصاب بالملل بسبب المآسي التي تلاحقه بها وسائل الإعلام، ولذلك فانه يجب إبقاء شعار ( لا مجازر بعد اليوم ) مرفوعا ولو أن شبح الإبادة لم يختف من عالمنا.

وفيما يتعلق بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في العراق ، فيمكننا القول إنها حدثت في العراق بكل أنواعها فقد ارتكبت في جنوب العراق وضد الشعب الكردي في كردستان العراق من خلال تطهير العرق الكردي جغرافيا , أي من المناطق الكردية.

والإبادة الثقافية وفي سياسة تعريب الكرد .

وكذلك ارتكبت هذه الجريمة ضد عرب الاهوار في جنوب العراق ، في العمارة و الناصرية و البصرة , ونفذت هذه الجريمة البشعة ضد الكرد و التركمان في محافظة كركوك أيضا.

ومن ذلك أيضا ارتكاب الجريمة ضد الكرد الفيلية والعراقيين المسفرين بسبب انتمائهم للمذهب الشيعي .

وإبادة الجنس البشري من خلال استعمال السلاح الكيماوي ضد الكرد و ضد الشيعة في جنوب العراق وفي الاهوار.وقد حصل ذلك في الأعوام 1988 و في 1991، وضرب الأهداف المدنية بالصواريخ و الطائرات أو من خلال القصف المدفعي كما حصل مع القرى الكردية الآمنة و في أثناء الحرب ضد إيران.

وكذلك ضد أبناء النجف وكربلاء و البصرة والسماوة والديوانية والمدن العراقية الأخرى التي خرجت ضد النظام عام 1991 . وتم دفن البشر وهم أحياء ، فقد قام نظام صدام بدفن مئات الآلاف من الأكراد ومن العرب والتركمان وهم أحياء في كردستان العراق و في النجف و كربلاء و البصرة والعمارة و السماوة وغيرها من المدن العراقية ، وتعد هذه الجريمة من جرائم الحرب التي ارتكبت ضد الشعب العراقي ولا يمكن أن تسقط بالتقادم ، وان الفاعل لها يعد مجرما دوليا ، و لا يمكن أن يتذرع المجرم الدولي بأنه ارتكب جريمته للأغراض الدفاعية أو بدوافع سياسية.

وكذلك إعدام الأسرى الذين تعرضوا لانتزاع الاعترافات منهم. ولذلك يمكن النظر في إعدام الأسرى أو دفنهم وهم أحياء جريمة في هذا الصدد ، طبقا لما ورد من جدل حول التوصل لتحديد مفهوم الإبادة الجماعية .

لكن حالات مثل هذه لم تنجح المؤسسات الدولية للاجتماع حول بند قانوني يمكن له التدخل في إيقاف تلك الجرائم، لذا يبقى الخرق قائما لعدم وجود نص قانوني يتابع ارتكاب جرائم الإبادة، دون أن يعترض هذا النص مقولة الشأن الداخلي، مثلما حصل في العراق وأماكن أخرى من العالم.

أما عن موقف المؤسسات الدينية والروحية فلدينا موقف الفاتيكان الذي اعتبر هذه الجرائم موجهة ضد الله ثم الإنسان على أساس أنها جرائم تنتهك حقوق الإنسان. وقد حددت هذه الجرائم مبادئ محكمة نورمبرغ في أنها تعد جرائم دولية ترتكب عمدا ضد الإنسانية وهي بمثابة جرائم كبرى وخطيرة يعد فاعلها مجرما دوليا خطيرا .

و مثال ذلك قتل السكان المدنيين أو إبادتهم بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو المذهب أو غير ذلك وكذلك جريمة نفي السكان المدنيين ومثال ذلك عمليات تهجير مئات الآلاف من العراقيين بعد إسقاط الجنسية عنهم بحجة أنهم من التبعية الإيرانية وكذلك عمليات تهجير الكرد من مدينة كركوك و المناطق الحدودية الأخرى وجريمة الأنفال ، وكذلك جريمة تدمير أكثر من 4500 قرية يسكنها الكرد بحجة إنها تقع على الحدود العراقية ـ الإيرانية .

ولم نجد في دراسات الإبادة ما يشير بوضوح إلى نوع من الإبادة يمكن وصفه من حيث النوع بالإبادة الجغرافية ، مثلما حصل وتعرضت له مساحات شاسعة من جغرافيا العراق، ( بساتين النخيل ، والأهوار ) إلى تغير في الوضع الجغرافي ، الأمر الذي يوفر مساحة جديدة من البحث في دراسات الإبادة، حتى وان وجد البعض أن الأمر يدخل في نطاق تخريب البيئة وتدميرها، في الوقت الذي تركز أبحاث الإبادة على حماية الجنس البشري.

ويبقى المفصل الأهم في دراسات أبحاث الإبادة هو عدم وجود نصوص قانونية صريحة تلزم الدول بعدم ارتكاب هذه الجريمة ، في ظروف تلجأ فيها الحكومات القوية والضعيفة إلى ذريعة الشأن الداخلي الذي تسبب في وقوع جريمة الإبادة في أكثر من مكان في العالم .

ملاحق

نماذج من الإبادة الجغرافية

النموذج الأول: تكتيف الأنهار
موقع العملية: محافظة ميسان العمارة
فكرة العملية: إنشاء سدود ترابية تتراوح أطوالها بين 6-18 كم لكل سدة على جانبي الأنهار الرئيسة التي تغذى اهوار العمارة وهي: نهر الوادية. يأخذان مياههما من نهر المجر الكبير.
نهر العدل . نهر الكفاح. نهر الشرمخية. تأخذ مياهها من نهر البتيرة. نهر مسبح. نهر هدام. نهر ام جدى.
مرحلة العمل: تم انجاز العملية تماما في شهر تموز 1992.
نتائح العملية: قطع المياه عن عشرات الروافد والجداول التي كانت تأخذ مياهها من الأنهار المذكورة متجهه نحو الاهوار لسقي الأراضي الواقعة على جانبي الأنهر جنوب مدينة العمارة وحتى حافات الهور، حيث كانت تصب المتبقي من مياهها في الهور نفسه.
وقد ضاعف من شح المياه نتيجة هذه العملية أنها قد سبقت بتجفيف مياه الأنهار السبعة بمقدار 95% عندما قام النظام بقطع المياه بنواظم خاصة على نهر دجلة عن مصدريهما المتمثلين بنهر المجر الكبير ونهر البتيرة بالنسبة أعلاه وبذلك انقطع الماء عن المناطق الشاسعة التي تقع بعد مدن الميمونة والسلام والعدل والمجر الكبير.

النموذج الثاني: تهذيب ضفاف الأنهار

فكرة العملية: إنشاء سدتين ترابيتين تقطعان نهايات جميع الأنهار والروافد والجداول المتجهة إلى هور العمارة قبيل وصولها إليه وجمع مياهها في المجرى الحاصل بينهما.
موقع العملية: محافظة ميسان العمارة.
تبدأ السدة الترابية المقررة في هذه العملية من جنوب قرية الجنداله (ناحية السلام) الواقعة عند خطي 686 شرقي- 348 شمالي مروراً بجنوب قرية أبو عشرة (ناحية العدل) ثم مروراً بنقطة 700 شرقي- 348 شمالي ثم مرورا بقرية أبو عجل (714 شرقي- 347 شمالي) ثم تلتقي جنوبا عند النقطة 720 شرقي- 347 شمالي لتمر بالسدتين الترابيتين اللتين أنشئتا أثناء الحرب العراقية- الإيرانية ابتداء من منطقة أبو عجل حتى منطقة بني منصور الواقعة عند 727 شرقي- 343 شمالي حيث يتصل في النهاية بنهر الفرات على مسافة ستة كيلومترات غرب مدينة القرنة.

مواصفات السدتين:

– عرض السدة السفلى من الأسفل – 35م ومن الأعلى 8م
– عرض السدة العليا من الأسفل -25م ومن الأعلى 8م.
– ارتفاع السدتين 6م.
– المسافة بين السدتين 1200م عند قرية الجندالة (ناحية السلام)، 1400م عند قرية أبو الجواتل (ناحية العدل)، 1600م عند قرية أبو عجل، 2000م من أبو عجل حتى بني منصور.
– طول كل من السدتين 90 كم.
مرحلة العمل: أنجزت العملية أواخر شهر أيلول 1992.
نتائج العملية: قطع أكثر من أربعين نهرا وجدولا وتحويل مسارها باتجاه الشرق إلى منطقة أبو عجل ثم باتجاه الجنوب حتى ينتهي في نهر الفرات في منطقة بني منصور (غرب القرنة)
مما أدى إلى:-
1- حرمان سكان الأراضي المعتمدة على هذه الأنهار من مياه السقي والشرب.
2- انخفاض منسوب المياه في هور العمارة الذي كانت تصب فيه.
الجهات المنفذة: وزارة النفط، وزارة الصناعة والتصنيع العسكري، وزارة الإسكان والتعمير، وزارة الزراعة والري.

النموذج الثالث : تحويل الفرات إلى المصب العام

موقع العملية: محافظة ذي قار (الناصرية)
فكرة العملية: تحويل مياه نهر الفرات من موقع الفضلية على بعد خمسة كيلومترات شرق مدينة الناصرية إلى مجرى المصب العام بعد أن تمت المرحلة الأخيرة منه بوصل أجزائه المنجزة ببعضها (ومن المعلوم أن مجرى المصب العام يصب في خور عبد الله شمال الخليج).
مرحلة العمل: أنجزت العملية في بداية تموز 1992.
نتائج العملية:
– تحولت مياه نهر الفرات من مجراها ابتداء من مدينة الناصرية إلى مجرى المصب العام ليصبح مبزلا لسحب مياه هور الحمار حيث يمر جنوبه وفي منطقة اخفض منه.
– تحول المجرى الطبيعي والتاريخي لنهر الفرات ابتداء من الناصرية الى القرنة الى مبزل لسحب مياه اهوار العمارة، حيث يقع في منطقة منخفضة أسفل منها.

النموذج الرابع : تكتيف نهر الفرات

موقع العملية: محافظة ذي قار (الناصرية) ومحافظة البصرة. تقع السدة المقررة في هذه العملية بين المدينة عند خطي 715 شرقي- 342 شمالي والناصرية مرورا بالجبايش الواقعة عند خطي 692 شرقي- 342 شمالي.
فكرة العملية: منع مياه الفرات من التسرب جنوبا نحو هور الحمار بإنشاء سدة ترابية بمحاذاة الفرات من جهته الجنوبية (الضفة اليمنى).
مواصفات السدة: عرضها من الأسفل 25م ومن الأعلى 6م، ارتفاعها 7ر5م، طولها 145كم.
نتائج العملية: قطع مياه مجموعة من الأنهار التي تغذي هور الحمار وهي نهر صالح – نهر عنتر- نهر الخائرة- نهر الخرفية، إضافة إلى عدد من الروافد والجداول الأخرى، وحرمان سكان المناطق التي تمر بها من مياه السقي والشرب.
مرحلة العمل:
– استفاد النظام من انخفاض منسوب المياه في هور الحمار نتيجة العملية الثالثة وبروز ضفتي مجرى الماء اللتين كانتا مغمورتين قبل هذا في داخل الهور لإنشاء سدة ترابية فوقهما.
– استفاد النظام من السدة الواقعة بين القرنة والمدينة (20كم) التي سبق أن أنجزت خلال الحرب العراقية -الإيرانية وتدعى سدة الحماية، كما أنجزت الآن مسافة (20 كم) الواقعة بين المدينة ونقطة تبعد عن الجبايش خمسة كيلومترات، والمتبقي يمثل المسافة بين هذه النقطة والناصرية أي 100 كم وهو تحت الانجاز.

النموذج الخامس : تقسيم الاهوار

موقع العملية: محافظة ميسان (العمارة) ومحافظة البصرة.
فكرة العملية: تجزئة الاهوار بعدة سدود ليسهل تجفيفها، ويمكن بيان خطوات العملية كما يلي:
– عمل سدة ترابية تبدأ من قرية أبو صبور عند خطي 711 شرقي 347 شمالي وتتجه نحو الغرب حتى قرية الصحين عند خطي 696شرقي- 347 شمالي، ثم تتجه نحو الجنوب الغربي حتى نقطة تقع عند خطي 693 شرقي- 346 شمالي، وهي شرق قرية الجدي حوالي كيلومتر واحد. بعدها تتجه نحو الجنوب لمسافة 40 كم حتى تلتقي مع حافة نهر الفرات في نقطة عند خطي 696 شرقي -342 شمالي. ثم تتجه جنوبا لمسافة 18 كم إلى نقطة عند خطي 697 شرقي- 341 شمالي، ثم تتجه نحو الجنوب الشرقي مارة بقرية أم السباح عند خطي 708 شرقي- 340 شمالي، ثم تتجه نحو الشرق لتنتهي في نقطة عند خطي 718 شرقي- 340 شمالي قرب قرية المكطاع.

– استفاد النظام من عدد من سداد كانت قد أنشئت خلال الحرب العراقية الإيرانية منها السدة الواقعة بين نقطة عند خطي 718 شرقي- 340 شمالي وبمسافة 11 كم باتجاه الشمال أي حتى قرية العبرة، ثم تنحني نحو الشمال الشرقي ثم تنحني باتجاه الغرب لتشكل نصف دائرة وتصل منطقة بين قضاء المدينة وقرية العبرة حيث تلتقي بنهر الفرات في نقطة عند خطي 714 شرقي- 342 شمالي، بعد هذا تتجه غربا لمسافة 2.5 كم بمحاذاة نهر الفرات ومنها السدة التي تبدأ من هذه النقطة وتتجه شمالا لمسافة 50 كم لتنتهي عند قرية أبو صبور المشار إليها في بداية رقم -1- أعلاه، ومرورا بقرى أم الزهدي 712 شرقي- 343 شمالي وقرية العويلي 711 شرقي- 345 شمالي وقرية الدوب 712 شرقي- 347 شمالي وتسمى السدة الممتدة خلال الخمسين كيلومترا الأخيرة بسدة رقم 712.
مرحلة العملية: تحت الانجاز حيث بوشر بالعمل في عدة مواضع.
نتائج العملية: من المنتظر أن تجفف بهذه العملية وحدها مساحة تقدر بألف وخمسمائة كيلومتر مربع.

فكرة ومفهوم الإبادة الجماعية

في الوقت الذي تقدم فيه العلم حتى وصل إلى ما نراه حاليا من تطور وتحديث مستمر فهناك من وصل إلى سطح القمر وهناك من حقق ثورة صناعية في شتى المجالات
” نحن نعيش “

تضمنا كرة أرضية واحدة بكل عناصرنا البشرية المتفاوتة نعيش عليها بألوان بشرتنا ما بين أبيض وأسود بكل أجناسنا المختلفة ذكورا وإناثا منذ بدء الخليقة وحتى الآن نعيش علي نفس الأرض.

فأصبحت كرتنا الأرضية مكتظة بالبشر مما يجعلها مشتعلة بالحركة ومع التطور ومرور الزمن أصبح العالم يطلق عليه ” العالم القرية ” .

ورغم التطور ومرور الزمن وما حققه الجنس البشري من تقدم علمي في عوالم مختلقة فهناك من منا مازال يسعى إلى تخريب هذه الكرة الأرضية و التدخل في منظومتها و عرقلة حركة التطور فأنقسم العالم على نفسه فهناك من يسعى للتطور العلمي وهناك من يسعى إلى عرقلته .

ورغم كل ذلك إلا أن الجنس البشري مازال يعاني الظلم والقهر والسيطرة من القوي علي الضعيف ومازال هناك من يعتقد أنه يعيش في عالم يحكمه القوة لا العقل رغم كل القوانين التي من المفترض أنها خلقت لحماية الجنس البشري ولتنظيم علاقة الأفراد بعضهم البعض والدول بعضهم البعض إلا أن الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي ، والتي تعم العالم بأسره رغم السرعة التي تسير بها العولمة في سبيل أعادة تشكيل المجتمع الدولي .

ولقد اخترنا أبشع صور هذه الانتهاكات وهي الإبادة الجماعية لتكون محور البحث الماثل أملين أن يوفقنا الله عز وجل في التحقيق لنقرب حقيقة الواقع في سطور هذا البحث .

ونوضح أولاً … كيفية إضفاء صفة الدولية علي هذه الجريمة لتدخل في زمرة القانون الدولي من خلال بحثنا في شروط الركن الدولي وصوره علي النحو الماثل .

أولاُ ـ شروط الركن الدولي

يشترط لإضفاء صفة الدولية علي الجريمة أن يكون الفعل أو الامتناع المؤدي إليها يمس مصالح أو قيم المجتمع الدولي أو المرافق الحيوية أو إذا كان الجناة ينتمون بجنسياتهم إلي أكثر من دولة أو إذا هرب مرتكبو الجريمة إلي دولة أخري غير التي ارتكبت بها الجريمة ، أو إذا وقعت الجريمة علي أشخاص يتمتعون بالحماية الدولية ( )، كما قد يتحقق الركن الدولي إذا وقعت الجريمة الدولية بناءً علي خطة مدبرة أو تدبير من دولة ضد دولة أخري كما يتوافر هذا الركن في الأفعال الإجرامية التي ترتكبها بعض المنظمات الإرهابية أو الأفراد إذا كانت موجهة ضد دولة ما أو تضمنت اعتداء علي المصالح أو المرافق الدولية أو علي الأشخاص المتمتعين بحماية دولية ولو تكن هناك دولة تدبر أو تحرض علي ارتكاب هذه الجرائم ضد دولة طالما توافر لها أحد العناصر الدولية ( ) .

فلا يشترط لتحقق الركن الدولي أن تصدر الأفعال الإجرامية من دولة ما أ, عن احد أجهزتها بل يكفي ارتكابها ضد دولة أو ينتمي الجناة إلي أكثر من دولة أو أن يفر الجناة لدولة أخري كما في جرائم الإرهاب كما تكتسب الجريمة صفة الدولية إذا وقعت علي النظام السياسي الدولي كالجريمة ضد السلام وضد امن البشرية أو ضد الأفراد أو الملكيات أو الأموال في أكثر من دولة كما تكتسب الجريمة صفة الدولية عندما تمس الأهداف المحمية دولياً وقد حددتها المؤتمرات الدولية في الأشخاص الدبلوماسيين المعتمدين والمنتفعين بالحماية الدولية الخاصة والملاحة المدنية الدولية والبريد والاتصالات الدولية الأخرى ..

وقد بين ” بلا” Pella ( )انه يشترط لتوافر العنصر الدولي في جرائم الإرهاب أن تؤدي تلك الأفعال إلي إحداث ضرر بالعلاقات الدولية الودية وان تكون موجهة إلي دولة بخلاف التي أعدت فيها أو ضد رعايا دولة أجنبية أو ضد أموالهم ، ويضيف الفقيه البولوني بيكرمان ( ) إلي أن ذلك مسألة أخري وهي خاصة بالتجاء الفاعل إلي دولة أجنبية حيث قرر أن الضرر الواقع علي العلاقات الدولية لا يمكن أن يعد عنصراً وحيداً قادراً علي إضفاء الطابع الدولي علي الجريمة .

ووفقاً لمفهوم الركن الدولي وما يتطلبه من توافر شروط معينة كما سلف القول فإن عدم توافر هذه الشروط يجعل من الفعل المؤثم جريمة داخلية كما في الحالات التالية ( ):ـ

1ـ أن يدخل الفعل في الاختصاص القضائي الوطني باعتبار أن الجريمة وقعت علي إقليم الدولة وتنطبق عليها قوانينها كجرائم الحرب المرتكبة من مواطني الدولة ضد أبناء إقليمهم من الجرحى والمرضي أثناء الحرب أو تلك التي يرتكبونها ضد جرحي الأعداء ( م 317 / تاسعاً ، 251 مكرر عقوبات مصري ) . وهذه جرائم داخلية بحتة حتى لو نص القانون الدولي علي التزام الدول بالمحاكمة عنها أو تشديد العقاب عليها ، وقد أقرت بذلك الدول المتحالفة عقب الحرب العالمية الثانية حيث جعلت من اختصاص كل دولة محاكمة من ارتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية علي إقليمها أمام محاكمها الوطنية طبقاً لقوانينها الخاصة ، ويشمل هذا الاختصاص أيضا الدولة التي كانت محتلة سابقاً أو قانونها الوطني في محاكمة المجرمين الذين ينتسبون لقوات الاحتلال أو الغزو بالنسبة لما اقترفوه من جرائم دولية علي إقليمها أثناء الاحتلال ( ).

2ـ قد يدخل الفعل في الاختصاص العالمي أو الشامل للقانون الوطني علي أساس من التعاون والتضامن الدولي وبناءً علي التزام دولي ينص عليه القانون الدولي ولو لم تكن الجريمة مرتكبة كلها أو بعضها علي إقليم الدولة كأن ترتكب في مكان آخر أو في البحر الحر ووقع الجاني في يد الدولة .
بينما تعد الجريمة دولية أو بمعني آخر متوافرا لها الركن الدولي إذا لم يكن في مقدور الدولة المعاقبة عنها بناءً علي التزام دولي نابع من معاهدة دولية لكون الدولة وممثليها أو هيئاتها متورطة في هذه الجريمة كأن تكون الجريمة قد ارتكبت باسم الدولة أو لحسابها أو بناءً علي تغاضيها أو علمها بها ، فهذه الجريمة تمس القيم السائدة في المجتمع الدولي والعنصر الدولي واضح فيها سواء من ناحية الجاني أو المجني عليه كما في حرب الاعتداء وجرائم الحرب وجرائم إبادة الجنس البشري والجرائم ضد الإنسانية ، كما يشترط لاعتبار الفعل جريمة دولية بجانب مخالفته للقانون الدولي وتضمنه انتهاكاً للقيم والمصالح الدولية السائدة في المجتمع الدولي أن تكون هذه الجريمة قد اقرها العرف الدولي وجري عليها زمن في نصوص معاهدة أو اتفاقية دولية حتى يتولد عنه اعتقاد بضرورة العقاب عن تلك الأفعال ، والعرف بطبيعته لا يكون مجمعا عليه من جانب الدول وهذا يعني أن الأفعال التي تظل في دائرة العرف ولا تنظمها في دائرة العرف ولا تنظمها معاهدة أو اتفاقية قد تعد في نظر بعض الفقه والدول موجبة للمسائلة غير الجنائية .
وتتعدد المصالح التي يحميها القانون الدولي الجنائي ويقدر تعددها بتعدد الجرائم الدولية ( )

ثانياً .. صور الركن الدولي

بعد أن أوضحنا شروط الركن الدولي والتي يترتب علي عدم توافرها اعتبار الجريمة ” جريمة داخلية ” أو إقليمية ، فالأمر يدعونا لان نتطرق لبحث مدي توافر الركن الدولي في جرائم ضد سلام وامن البشرية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية .. وذلك وفقاً للتقسيم الثلاثي الذي أخذت به محكمتا نورمبرغ وطوكيو والتي أقرته التوصية الثانية للجنة الرابعة للمؤتمر الأول للجمعية المصرية للقانون الجنائي سنة 1987 حيث أوصت بأن يقتصر التقنين علي الجرائم الدولية التي تمس النظام القانوني أو الاجتماعي الدولي وأوضحتها الاتفاقيات الدولية وأيدتها السوابق القضائية الدولية وهي الجرائم ضد سلام وامن البشرية الذي أعدته لجنة القانون الدولي سنة 1954 وهي الجرائم ضد السلام وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية .
وسوف نخصص لكل جريمة منهم مبحثاً مختصراً للإشارة إليهما لنوضح مدي توافر الركن الدولي في تلك الجرائم.

..المبحث الأول ..
الجرائم ضد السلام وأمن البشرية

يتحقق الركن الدولي في جرائم العدوان وجرائم التهديد باللجوء إليها والتحضير والإعداد لها والتآمر علي ارتكابها إذا وقعت تلك الجرائم بناءً علي خطة صادرة من سلطات دولة أو عدة دول ضد دولة أخري فالركن الدولي عنصر مزدوج في هذه الحالة بين الدولة المعتدية والدولة الضحية ( ) وقد أكدت ذلك المادة الثانية من مشروع تقنين الجرائم ضد سلام وأمن البشرية ( ) والتي جاء فيها :
” إن العدوان المسلح والتهديد به والتحضير لاستخدام القوة في العدوان وتنظيم العصابات المسلحة بقصد الإغارة علي إقليم دولة أخري ومباشرة أو تشجيع النشاط الذي يرمي إلي إثارة حرب مدنية أو نشاط إرهابي في دولة أخري أو إقليم خاضع لنظام دولي أو التدخل في الشئون الداخلية أو الخارجية لدولة أخري بإجراءات تسوية ذات صفة اقتصادية أو سياسية بقصد شل اختيارها والحصول فوائدها أيا كانت طبيعتها لايمكن ارتكابها إلا من قبل سلطات الدولة ” .

ولا يمنع ذلك من مسائلة الأفراد الطبيعيين عن ارتكاب جريمة العدوان فالمسئولية الجنائية تقع علي أعضاء الحكومة والموظفين الكبار والضباط العظام الذين ينفذون خطة دولهم ويعملون باسمها ولحسابها وهذا ما أكدته محكمتا نورمبرغ وطوكيو حيث اقتصرت في عقابها علي الضباط العظام والموظفين الكبار وأعفت الجنود من أية مسئولية جنائية بسبب أعمال القتال التي يشترك فيها أثناء الحرب العدوانية لكونهم مكرهين علي أداء هذه الأعمال وإذا لم تتوافر في الحرب العدوانية الشروط السابقة وهي أن تنفذ بناءً علي خطة دولة وتدبيرها ضد دولة أخري فإنها تعتبر جريمة داخلية كما في حالة ما إذا جمع ضابط عظيم أو موظف كبير مجموعة من الجنود دون إذن وقام بأي عمل عدواني ضد دولة أجنبية من شأنه تعرض الدولة لخطر الحرب أ ترتب علي فعله وقوع الحرب كما لا يعتبر عملاً عدوانياً وبالتالي لا تعتبر جريمة دولية اشتباك القوات المسلحة التابعة لدولة مع أفراد أو مع شركة أو هيئة أو مجموعة من الأفراد كما لا يعتبر عدواناً مهاجمة سفن القراصنة لسفن الدولة أو العكس أو إغارة عصابات مسلحة علي قوات الدولة أو العكس طالما أن هذه الغارة لم تكن بناءً علي خطة الدولة أو تدبير منها كما لا تعتبر حرباً عدوانية الحرب الأهلية التي تقوم بين قوات الثوار من رعاية الدولة والحكومة الشرعية لعدم توافر الركن الدولي كما لا تعتبر حرباً عدوانية العدوان الذي تشنه دولة تابعة ضد دولة متبوعة أو النزاع المسلح والاشتباك المسلح بين الولايات المتحدة التي تتكون منها الدولة الفيدرالية ( ) كما لا تعتبر الحرب الدعائية الإعلامية جريمة دولية إلا إذا صدر من جانب دولة بناءً علي خطة مدبرة أو عدة دول بقصد المساس بدولة أخري كما يشترط أن يكون هذا التحريض علي الحرب أو أي عمل عدواني صادراً من المؤسسات الإعلامية للدولة ، أما إذا ما اقتصر الأمر علي مجرد رأي شخصي لصحفي أو إذاعي دون وجود خطة مرسومة من جانب الدولة فيعد الركن الدولي منتفياً في هذه الحالة ويعاقب الفاعل طبقاً للقانون الداخلي إذا اشتملت نصوص القانون الأخير علي عقوبة لذلك .

كما يشترط لتوافر الركن الدولي في جريمة التآمر ضد السلام أن تتم بناءً علي خطة من جانب الدولة بقصد ارتكاب جريمة ضد السلام تجاه دولة أخري كأن تصدر الخطة من كبار رجال الدولة العسكريين أو المدنيين مما يعني أن الفعل يرتكب باسم دولة ولحسابها وينتفي الركن الدولي إذا ما صدرت تلك الخطة ونفذت بمعرفة أشخاص عاديين لما تتطلبه من تعبئة عسكرية وتمويل كبير وهذا ما أكدته محكمة نورمبرغ حيث ذهبت إلي انه لا يمكن لهتلر وحده القيام بحرب عدوانية دون مساعدة وتأييد من كبار رجال الدولة في ألمانيا العسكريين والمدنيين وأصحاب المال وأقرت بأن هؤلاء جميعاً قد ساهموا في رسم الخطة العدوانية كما أكدت المحكمة انه ليس شرطاً أن يعد منفذ الجريمة ضد السلام متآمرا عليها حيث قضت بإدانة أربعة متهمين بتدبير حرب عدوانية وتنفيذها وقضت ببراءتهم في نفس الوقت من تهمة التآمر عليها .

كما يشترط لتوافر الركن الدولي في الجرائم المرتكبة ضد امن البشرية من خطف طائرات وإرهاب دولي أن تقع تلك الجرائم بناءً علي خطة مرسومة من جانب الدولة بهدف العدوان علي دولة أخري وجريمة خطف الطائرات قد تقع في وقت السلم كما تكون بداية لعمليات عسكرية تالية وفي هذا تعد جرائم ضد السلام ، أما إذا ارتكبت خلال العمليات العسكرية خلافاً لما تقضي به قوانين وعادات الحروب فإن في هذه الحالة تكون جريمة حرب ( ) ، وجرائم خطف الطائرات لم تشترط اتفاقيتا طوكيو ولاهاي توافر الركن الدولي ولكن يمكن استخلاص هذا الركن من المادة الأولي من اتفاقية لاهاي التي تتحدث عن فاعل الجريمة كشخص طبيعي toute personne دون إشارة إلي قيامه بهذا العمل باسم الدولة ولحسابها سواء أكان يحمل جنسيتها أم لا ، ويميز هذا الركن الدولي الإرهاب الدولي عن الإرهاب الوطني أو الداخلي ، وهذا الركن قد يتعلق بجنسية الفاعل أو شركائه أو بجنسية الضحية أو الضحايا أو مكان التنفيذ أو بالمصالح التي أضيرت من جراء ذلك أو بالمكان الذي لجأ إليه مرتكبو الأفعال الإرهابية ، أو بمعني آخر يتوافر الركن الدولي في الإرهاب والذي وصفه بالتالي بصفة الدولية إذا كان عنصراً أو أكثر من عناصره يمس ويتعلق بأكثر من دولة ويتمثل هذا العنصر في التحضير للجريمة أو في تنفيذها أو في الوسائل المستخدمة أو في فاعليها أو ضحاياها أو في الآثار المترتبة عليها ، وقد قررت لجنة الخبراء المنبثقة عن الاتحاد الدولي لتوحيد القانون الجنائي أن الإرهاب يكون دولياً في الأحوال التالية ( ):ـ

أولاً .. في حالة إثارة اضطراب في العلاقات الدولية .
ثانياً .. أن توجه الجريمة ضد دولة غير الدولة التي فيها ابتداء الجريمة.
ثالثاً .. أن يكون الفاعلين لاجئين من الخارج .
رابعاً .. أن يتم التجهيز للجريمة في بلد آخر خلاف الدولة المعنية بارتكاب الجريمة أو أن يحدث الارتكاب الجزئي للجريمة في دولة ما غير الدولة المعنية ولم تهتم اللجنة بجنسية الإرهابي ولا بجنسية الضحية وإنما اهتمت باختلاف مكان الجريمة.

.. المبحث الثاني..
جرائم الحرب

يتوافر الركن الدولي في جرائم الحرب في حالة ارتكاب احدي جرائم الحرب بناءً علي تخطيط من جانب احدي الدول المتحاربة وبمعرفة مواطنيها ضد التابعين لدول الأعداء ويشترط أن يكون كلاهما منتمياً لدولة متحاربة مع الأخرى وعليه ينتفي الركن الدولي في جرائم الحرب إذا وقعت الجريمة من وطني ضد وطني أو إذا كانت تتمثل في مساعدة الوطنيين للأعداء أياً كانت طبيعة هذه المساعدة وصورها فتلك تعتبر جريمة خيانة والجريمة في الحالتين من قبيل الجرائم الداخلية ( ) .

وتتمثل جرائم الحرب في المخالفات المرتكبة ضد قوانين الحرب وعاداتها كالقتل وسوء معاملة الأسري والتنكيل بهم والاغتيال وتدمير المدن والقرى بما لا يبرره ضرورة الحرب مثلما حدث في الحرب العراقية الإيرانية

من تدمير للمدن ولحقول البترول في كلتا الدولتين كما تشمل جرائم الحرب أيضا الأشغال الشاقة للأهالي المدنيين أو مسجوني الحرب والنهب وقتل الرهائن ،وإذا كان فعل الحرب تعتبره قاعدة القانون الدولي علي اختلاف مصادرها جريمة دولية بيد أن قاعدة القانون نفسها تعتبر الحرب دفاعاً عن النفس فعلاً مباحاً وكذلك الأمر في قصف المدن غير المحصنة أو غير المدافع عنها فهو فعل تجرمه قاعدة القانون الدولي العرفية والاتفاقية وتعتبره جريمة حرب غير أن قاعدة القانون ذاته تعتبره مباحاً إذا جري تحت شعار المعاملة بالمثل ( ).

..المبحث الثالث..
الجرائم ضد الإنسانية

يتحقق الركن الدولي في الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية إذا تم بناءً علي خطة وتدبير من جانب دولة ضد أخري أو ضد جماعة بشرية ذات عقيدة معينة ولو كانت تتمتع بنفس جنسية الدولة كما يحدث من اضطهاد وتفرقة عنصرية في جنوب أفريقيا وقد أكدت محكمتا نورمبرغ وطوكيو علي دولية هذه الجريمة إذا ارتكبت في صورة فعل أنساني قبل أو أثناء الحرب واشترطت المحكمتان للمعاقبة علي الجريمة ضد الإنسانية الواقعة قبل الحرب أن تكون مرتبطة بإحدى جرائم الحرب .

وقد أقرت المحكمتان بذلك حيث قضتا بعدم اختصاصهما بجرائم النازي قبل اندلاع الحرب ضد الألمان المنتمين للحزب الاشتراكي الديمقراطي حيث تبين لها عدم وجود علاقة بينها وبين جريمتي التآمر والحرب العدوانية بينما اعتبر مجلس الرقابة رقم 10 هذه الجرائم مستقلة عن جرائم الحرب .
وفي اتفاقية مكافحة ومعاقبة إبادة الجنس في 9/ديسمبر/1948 والتي اعتبرت سارية المفعول من 12/يناير /1951 إبادة الجنس جريمة دولية يتوافر لها الركن الدولي وفقاً للمادة الرابعة لها إذا ارتكبت بناءً علي تشجيع الطبقة الحاكمة كما صورت تلك المادة إمكانية ارتكاب تلك الجريمة عن طريق بعض أفراد موظفي الدولة أو آحاد الناس ، كما تعتبر جريمة دولية إذا وقعت علي جماعة ذات عقيدة معينة تنتمي إلي دولة أخري ، كما جردت هذه الاتفاقية هذه الجريمة من الصفة السياسية حتى يمكن تسليم مرتكبيها ، كما ينطبق علي جريمة التفرقة العنصرية ما ينطبق علي الجرائم ضد الإنسانية ، والركن الدولي يقتضي في النهاية أن يكون طرفا الجريمة دولتين أو أكثر وأن يتم ارتكابها بتدبير سابق عمدي أو غير عمدي من جانب إحداهما ضد الأخرى فإن تخلف هذا الركن كانت الجريمة داخلية .

الإبادة الجماعية

تعرضت الأمم المتحدة إلى هذا المصطلح وتبنت التعريف التالي :
” الإبادة الجماعية هي : ارتكاب أفعال بقصد القضاء علي جماعة قومية أو أثنية أو عرقية أو دينية ” ..
ولقد رأينا أن نضع تعريفا مشابها لهذا التعريف ولكن من منظورنا الخاص فعرفناها علي النحو التالي :
” الإبادة الجماعية هي ارتكاب جرائم بقصد القضاء علي جماعة قومية أو أثنية أو عرقية أو دينية ” .

ورغم جرأة التعريف السابق إلا أننا نري أنه أوضح و أقرب للصواب.

فما هي هذه الأفعال ؟ .. وماذا تمثل لنا ؟..
فقد أوردت الأمم المتحدة هذه الأفعال .. كجرائم القتل الجماعي والتي تمثل في الواقع اعتداء علي أهم حقوق الإنسان علي الإطلاق.. وهو حقه في الحياة ( )

وطالما عشنا في هذا العالم دون أن يرد علي ألسنتنا أو في خاطرنا تعريف لهذه الجريمة رغم قدمها وتاريخها الذي يعود إلى تاريخ البشرية إلا أنها لم يحدد لها تعريف إلا في العصر الحديث.

ففي عام 1933 م ظهر الفقيه الأمريكي – من أصل بولوني – ” رافاييل ليميكن ” ( ) والذي جمع بين الكلمة اليونانية ” GENOS ” والتي تعني العرق أو القبيلة ” TRIBU ” وبين العبارة اللاتينية ” CIDE ” المشتقة من الفعل ” CAEDERE ” بمعنى يقتل ، وعليه تمت تسميته باللغة العربية ” الإبادة الجماعية ” ( ) أو ” إبادة الأجناس ” ( ) .

ولم ينشأ مفهوم الإبادة الجماعية إلا عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية كردة فعل ضد الأفعال النازية وما حدث منهم من جرائم في المعتقلات .

وقد أنشئت ” محكمة عسكرية دولية ” بموجب أتفاق لندن بتاريخ 8 أغسطس لعام 1945م ، من أجل ملاحقة ومعاقبة كبار مجرمي حرب دول المحور ، وقد وضعت هذه المحكمة – والتي عرفت بمحكمة [ نورمبرغ ] – القواعد العامة للقانون الدولي الجزائي بما في ذلك التقسيم الثلاثي للجرائم الدولية علي النحو التالي [ الجرائم ضد السلم ، جرائم الحرب ، الجرائم ضد الإنسانية ] ( )

وقد كانت الحرب العالمية الثانية مسرحاً مثاليا لمختلف العروض وقد قدمت ألمانيا بجيشها عرضا لإمكاناتها العسكرية وقدرتهم علي إزهاق الأرواح دون أن يرجف لهم جفنُ فاستطاعوا وببراعة أن يحققوا المعنى العملي للجرائم ضد البشرية .

فارتكبوا سلسلة من أبشع الجرائم التي ارتكبت ضد الجنس البشري علي مر العصور إن صح القول…

ولا نجد تفسيراً لذلك سوي أن الجيش الألماني وقائده ” هتلر ” كان لديه شهوة حب الجريمة وتعذيب الآخرين ، حتى ولو كانت جرائمه ستطال العزل فلا يأبه .

وتفنناً من قادة الجيش الألماني في تنفيذ الجريمة .. كانوا يجمعون الناس جملة واحدة ويرموهم بالرصاص، أو الغاز الخانق، أو التجويع، وسوء التغذية المستمر مع فرض أعمال تفوق طاقة البشر والحرمان من الرعاية الصحية ومنهم من استعملوهم كفئران تجارب للعلماء.

وغيرها من الجرائم كالاعتداء علي أموال الناس، وإبعاد السكان ونقلهم بالجملة من بلادهم للعمل بألمانيا، وحمل السكان المدنيين علي ترك وطنهم للعمل في مجهود الحرب الألمانية ( )

وقد جاءت نورمبرغ لتكشف الستار في تحقيقاتها عن أبشع ما ارتكب من جرائم …

يؤخذ من شهادة قائد معسكر ” أوشوتيتر ـ الألماني ” أمام محكمة نورمبرغ أنه تلقي أمراً في مارس 1941 م بتسهيل عمليات الإبادة ـ وقد زار معسكر ـ تربلنكا ـ فوجد أن قائد هذا المعسكر يستعمل غازاً ساماً ( (monoxideوحين بدأت الإبادة في المعسكر الأول ثم استعمل الغاز السام ( (zyclonpوهو كاف لقتل الأشخاص في مدة تتراوح ما بين 3 : 15 دقائق ، وكانوا يعرفون علي حد تعبيره أن الموت قد تم من انقطاع الصراخ والاستغاثة ، وأضاف أن التحسينات في البناء تسمح بقتل 2000 شخص في وقت واحد .

وقد كان الطبيب يكشف عليهم فمن كان قادراً علي العمل فيوجه فوراً للمعسكر للعمل ومن كان غير قادر فيحول لمعسكر الإبادة ، أما الأطفال الصغار فكانوا يقتلون دائماً لعدم الاستفادة من قدرتهم علي العمل .

ويضيف الشاهد أن عدد القتلى المبادين يناهز المليون والنصف مليون، أما الذين ماتوا من الجوع والمرض فبلغوا نصف مليون تقريباً ( )

ـ كما قدم قائد معسكر ـ أوشوتيز ـ إحصائية في منتهي الغرابة ..
يقول أن المعسكر ابتلع 4700000 شخصاً من الأموات. بينما معسكر تربلنكا وبلذاك ، ونولسك ـ مات به ثلاثة ملايين شخص وقتل بمعسكر لوون 700000 شخص .

وعدد معسكرات الإبادة (500) معسكر . وأكثر من ذلك ولكن لا يسع المقام.
وقد ورد في حكم نورمبرغ عن إبادة 6 مليون شخص يهودي( ) من أصل عشرة ملايين كانوا يعيشون في أوروبا ، كما أبيد ثلث الشعب البولندي .

ـ ولا ندين ألمانيا فقط فما ارتكبه اليهود في العالم العربي لا يغتفر ولن يمحيه الزمن …
فقد أبدي اليهود ما هو أبشع مما سبق.. ففي عام 1948 وبالتحديد بتاريخ 17فبراير ، قبل قيام دولة إسرائيل ، قامت جماعات يهودية بجمع عدد كبير من رجال قرية الزيتون وشيوخها و نسائها ووضعوهم بمسجد القرية ، وبثوا الألغام في جوانب المسجد ثم أشعلوا فتائلها لتنفجر وينفجر المسجد ويهدم علي من فيه من أبرياء ، ثم انتقلت هذه العصابة لقرى مجاورة لارتكاب جرائم اشد بشاعة .

ـ أما بعد قيام دولة إسرائيل وبالتحديد في عام 1953 م قامت عصابات يهودية بالتسلل إلي قرية ( قبية ) ودكوها بالمدافع ونسفوا منازلها علي ساكنيها وذبحوا النساء والأطفال بصورة وحشية وهمجية … وقد زار بعض الصحافين هذه القرية ووجدوا رؤوس أطفال منحورة وأشلاء بشرية .

ـ وقرية (عيبليون ) فقد قام اليهود باختيار ستة عشر شخصاً من شيوخ وأطفال ونساء وقتلوهم دفعة واحدة رمياً بالرصاص ، كما احرقوا أسرة عربية بأكملها ” أسرة آل زريق “.

ـ وقد استحدثوا الطرق فاستخدموا طريق الترحال، فكانوا يأخذوا مائة عربي من سكان الحدود مشياً علي الأقدام وبالإجبار والضرب والقهر يسوقونهم حتى يوصلونهم إلي وادي عربة جنوب البحر الميت وهو وادي لا يعيش به سوي الحيات والعقارب ويتركونهم هناك… حتى مات أغلبهم وقلة منهم وجدوهم العرابيون الذين نقلوهم إلي مركز أردني علي الحدود ( ).

و أمثلة جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها اليهود في حق العرب ولا تزال ترتكب لا حصر لها لو استطردنا في عرضها فسنحتاج إلي آلاف الصفحات ، ولا يسع المقام لذلك .

فقد عاني ولا يزال يعاني العالم بأسرة من هذه الجرائم، ويبدوا أن الجريمة أصبحت تواكب العصر الحالي أيضاً بل وتطور مع تطور الزمن وتحديث الميكنة وهو ما نصفه بأنه استخدام سلبي للعلم والتطور..

فالعالم بأسره لا يهدأ مطلقاً .. فنري أن الجريمة أصبحت أشد ضراوة مما سبق فإذا ما تعرضنا بالذكر للخطر النووي ، بل وأصبح لعبة في يد معظم الدول رغم موقعها الجغرافي الذي يشير إلي حجم الخسائر المتوقعة من جراء تخصيبه إلا انه لا يوجد هناك من يأبه فكل الدول أصبحت تري فيه وسيلة الحماية والدرع الواقي وقت الخطر فعلي سبيل المثال ( الهند وباكستان ) فمن مطالعة قدر الخطر الذي يحوزونه ويرعونه نري أن العالم أوشك علي الدخول في منعطف خطير من النزاعات الدموية، والتي ستؤدي يوماً ما وبالضرورة إلي هلاكه بالكامل .

فرغم التجارب التاريخية الأليمة ( هيروشيما وناغازاكي ) ( ) ، ولا يزال العالم يتسابق علي التسلح المستمر بأخطر الأسلحة بل وتستمر المنافسات نحو تطويره ، من أسلحة دمار شامل وأسلحة بيولوجية وكيميائية ( ) بالإضافة إلي خطر التلوث البيئي وما يمكن أن ينتج عنه من إبادة كونية (ecocide) .

أهم ملامح اتفاقية الأمم المتحدة في هذا الخصوص

تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة ـ بالإجماع ـ اتفاقية حول منع جريمة إبادة الجنس والعقاب عليها في 9 سبتمبر عام 1948م وقد دخلت هذه الاتفاقية طور التنفيذ في 12 يناير عام 1951م ـ وقد وصل عدد الدول المنظمة إليها حتى 31ديسمبر سنة 1977 / 82 دولة .

واستجابة لقرار الجمعية العامة اتخذ المجلس الاقتصادي والاجتماعي الترتيبات اللازمة لإصدار مشروع اتفاقية بشأن الإبادة الجماعية ، يقوم بإعداده الأمين العام ، وتقوم بمراجعته لجنة خاصة تتألف من ممثلي سبع دول ، وبعد ذلك قامت الجمعية العامة بدراسة المشروع ومراجعته ووافقت عليه .

وهكذا خرجت الاتفاقية إلي حيز الوجود وطرحت للتوقيع والتصديق عليها في اليوم التاسع من ديسمبر لعام 1948م، أي قبل إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بيوم واحد.( )

وتحتوي الاتفاقية الخاصة بمنع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها علي ديباجة وتسعة عشر مادة ، وقد أدانت هذه الديباجة الجريمة باعتبارها جريمة بالنسبة للقانون الدولي العام تتنافي مع روح وأهداف الأمم المتحدة ويدينها العالم المتحضر ، ونستعرض أهم هذه المواد علي النحو التالي :

المادة الأولي

وقد نصت المادة الأولي من هذه الاتفاقية علي:
” أن هذه الجريمة تقع تحت طائلة القانون الدولي سواء ارتكبت في زمن السلم أو الحرب ، وان أطراف الاتفاقية يتعهدون بمنعها والعقاب عليها .

المادة الثانية
نصت علي أن ” المقصود من عبارة (إبادة الجنس البشري ) (genocide) بأنه …
الفعل الذي يرتكب بقصد القضاء كلياً أو جزئياً علي جماعة بشرية بالنظر إلي صفتها الوطنية أو العنصرية أو الجنسية أو الدينية ـ ثم ذكرت المادة علي سبيل الحصر الحالات التي تعتبر فيها الجريمة من جرائم الإبادة الجماعية وهي ….

1ـ نقل أعضاء هذه الجماعة .
2ـ الاعتداء الجسيم علي أفراد هذه الجماعة جسمانياً أو نفسياً .
3ـ إخضاع الجماعة عمداًُ إلي ظروف معيشية من شأنها القضاء عليها مادياً كلاً أو بعضاً.
4ـ اتخاذ وسائل من شانها إعاقة التناسل داخل هذه الجماعة.
5ـ نقل الصغار قسراً من جماعة إلي جماعة أخري .( )

ـ ولكي تحظر الاتفاقية الدولية أفعال إبادة الجنس البشري كافة فقد جرمتها في وقت السلم ووقت الحرب أيضاً ، فلا يشترط أن تقع الجريمة في وقت الحرب وهو ما أكدته المادة الأولي من الاتفاقية كما أسلفنا .

المادة الثالثة

كرست الاتفاقية المبدأ الذي استقر عليه في محاكمات نورمبرغ ، ثم نص عليه في نظام المحكمة الجنائية الدولية ، وانه لا اعتداد للصفة الرسمية أو العسكرية في الإعفاء من العقوبة لمن ارتكب هذه الجريمة ، وبتعبير آخر فإن الصفة الرسمية أو العسكرية ليست مبرراً لحصانة الأشخاص الذين ارتكبوا هذه الجرائم والتي نص عليها علي النحو التالي . ( )

(أ‌) الإبادة الجماعية ذاتها .
(ب‌) التآمر لارتكاب الإبادة الجماعية .
(ت‌) التحريض المباشر والعام علي ارتكاب الإبادة الجماعية .
(ث‌) الشروع في ارتكاب الإبادة الجماعية .
(ج‌) الاشتراك في ارتكاب الإبادة الجماعية سواء من الأشخاص وكذا من مرتكبي الأفعال السالف بيانها سواء كانوا حكاماً أو مسئولين دستوريين ، أو موظفين عموميين أو أفراد عاديين .( )

وكل ما سبق هو تأكيدا علي المبادئ العامة للقانون الجنائي التي أقرتها مختلف التشريعات والنظم القانونية في العالم وذلك حين اعتبرت التآمر علي ارتكاب جريمة إبادة الجنس والتحريض عليها سواء كان مباشراً أو علنياً و الشروع فيها والاشتراك في ارتكابها ، جرائم معاقب عليها .( )

المادة الرابعة

” يعاقب كل من ارتكب جريمة إبادة الجنس أو أي فعل من الأفعال المنصوص عليها في المادة (3) سواء كان الجاني من الحكام أو من الموظفين أو من الإفراد “

ـ والنص واضح لا يحتاج إلي تفسير فهذا النص قد عني كل من يرتكب الجريمة أو أي فعل من أفعالها كالاشتراك أو التحريض أو غيره ولا فرق بين أن ترتكب الجريمة من حاكم أو من موظف أو فرد عادي.. فالجريمة تقوم علي ارتكاب ويعاقب عليها مرتكبوها مهما كانوا .

ـ والأكثر من هذا أن الاتفاقية المذكورة أوجبت علي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ، والذين صدقوا علي هذه الاتفاقية ، إجراء التعديلات التشريعية لديهم ، والنص في قوانينهم العقابية علي تجريم أفعال إبادة الجنس البشري حسب المادة (3) من الاتفاقية ، وذلك حتى تتم محاصرة الأشخاص الذين يرتكبون هذه الجريمة جنائياً علي النطاق الدولي الوطني .

ـ لذلك فقد اختلفت خطة التشريعات الوطنية فمنها ما نص علي تجريم إبادة الجنس البشري في قانون العقوبات ، من ذلك كان قانون العقوبات الفرنسي الجديد (211/1) إذ جرم الشارع صراحة جريمة إبادة الجنس ، كذلك كان مسلك المشرع الألماني إذ نص علي تجريم هذه الجريمة في المادة (200) من قانون العقوبات الألماني ( )

ـ وهناك من يكتفي بالنصوص العامة في قانون العقوبات والتي تجرم الأفعال التي نصت عليها الاتفاقية، من ذلك المشرع المصري الذي يعاقب علي أفعال القتل والجرح بصفة عامة ( ).

ـ وقد أفردت بعض التشريعات الوطنية قانوناًُ خاصاً لتجريم إبادة الجنس ، مثال ذلك (ايطاليا ، بلجيكا ) ( )

المادة الخامسة

” تتعهد الدول المتعاقدة بأن تتخذ وفقاً للأوضاع الدستورية الخاصة بكل منها التدابير التشريعية اللازمة لتحقيق تطبيق أحكام هذه الاتفاقية وعلي الأخص .. النص في تشريعاتها علي العقوبات الجنائية الكفيلة بمعاقبة كل من ارتكب جريمة إبادة الجنس أو أي فعل من الأفعال المنصوص عليها في المادة (3) .

ـ وفيما يتعلق بالاختصاص القضائي ، فالمشرع الدولي جعل المحاكم الوطنية في الدولة التي وقعت بها الجريمة ـ إبادة الجنس ـ هي المختصة بالمحاكمة في هذه الجرائم أو أية محكمة جنائية دولية في أي دولة موقعة علي الاتفاقية متى قبلت هذا الاختصاص .

ـ وذلك سعياً لحل مشكلة المحاكم عن طريق عقد الاختصاص للقضاء الوطني حتى لا يتم الدخول في مشكلة ويفلت المجرم ـ بسبب الجدل حول تشكيل محكمة دولية لهذا الغرض ـ من العقاب.

ـ ولكن هذه المسألة في الوقت الحالي ، ومنذ دخول نظام روما الأساسي في شأن المحكمة الجنائية الدولية حيز النفاذ في 1/7/2002 ، إذ أصبحت المحكمة الجنائية الدولية دون غيرها هي المختصة بمحاكمة الجناة في هذه الجريمة دون غيرها ، حسبما سنري لاحقاً .

المادة السادسة

” يحال الأشخاص المتهمون بارتكاب جريمة إبادة الجنس أو أي فعل من الأفعال المنصوص عليها في المادة (3) إلي المحاكم المختصة في الدولة التي ارتكب الفعل في أراضيها أو إلي محكمة جنائية دولية تكون مختصة بنظره وذلك بالنسبة إلي الدول المتعددة التي تقبل مثل هذا الاختصاص .

ـ وحتى لا يفلت الجاني من العقاب حين يطلب تسليمه لاتهامه بارتكاب مثل هذه الجريمة، فإن المشرع نفي عن هذه الجريمة صفة (الجريمة السياسية) حتى تجبر الدولة علي تسليمه متى طلب منه ذلك.

المادة السابعة

جاءت هذه المادة لتوضح أن الإبادة الجماعية والأفعال الأخرى التي وردت في المادة الثالثة ـ لا يمكن اعتبارها جرائم سياسية ، وذلك فيما يتعلق بالتسليم . ولهذا لا يمنح المتهمون بها حق اللجوء السياسي.

وتتعهد الدول المتعاقدة بتسليم المجرمين في مثل هذه الحالات ( ) .

وقد جاء نصها علي النحو التالي :
” لا تعتبر جريمة إبادة الجنس والأفعال المنصوص عليها في المادة (3) من الجرائم السياسية فيما يتعلق بتسليم المجرمين .
وتتعهد الدول المتعاقدة في هذه الحالة بإجراء التسليم وفقاً لتشريعاتها وللمعاهدات القائمة في هذا الشأن “.

ـ وقد يحدث أن يتم اقتران هذه الجريمة علي نطاق واسع ـ يهدد بزوال شعب أو عرقية معينة أو جنس ، فيحقق للدول الأعضاء في الاتفاقية اللجوء إلي الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها في شأن اتخاذ التدابير اللازمة ، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة ، من أجل اتخاذ التدابير اللازمة للوقاية والعقاب علي أفعال إبادة الجنس أو أي فعل مما نص عليه في المادة (3) من هذه الاتفاقية .

المادة الثامنة

تنص المادة الثامنة من الاتفاقية علي انه ” لكل دولة من الدول الأطراف الحق في دعوة الأجهزة المختصة للأمم المتحدة بأن تقوم ـ وفقاً للميثاق ـ باتخاذ العمل الذي تراه ملائماً لمنع أو قمع أعمال الإبادة الجماعية أو أي عمل آخر يتصل بها من الأعمال المنصوص عليها في المادة الثالثة ( )”
ـ وقد يحدث نزاع فيما بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والموقعة علي الاتفاقية موضوعه تفسير تطبيق أو تنفيذ هذه الاتفاقية ، وقد يقع الخلاف حول مسئولية الدولة عن أعمال إبادة الجنس أو الأفعال المنصوص عليها في المادة الثالثة من الاتفاقية ، ففي هذه الحالة تختص محكمة العدل الدولية ـ في لاهاي ـ بالفصل في النزاع ، وهو ما أكدته المادة التاسعة .

المادة التاسعة
نصت علي الآتي :
” تختص محكمة العدل الدولية في شأن ما يثور بين الدول الأطراف من خلافات حول تفسير أو تطبيق أو تنفيذ الاتفاقية بما في ذلك مسئولية دولة من الدول عن أعمال الإبادة الجماعية أو ما يتصل بها من أعمال وذلك بناء علي طلب أي من طرف من أطراف النزاع”.

ـ وقد دعيت لجنة القانون الدولي إلي دراسة الرغبة في إنشاء محكمة عقوبات دولية ـ وإمكانية إنشاء مثل هذه المحكمة علي نحو ما ورد بالمادة السادسة من الاتفاقية. ومع ذلك فإن مثل هذه لمحكمة لم تنشأ بعد .

وهذه هي نظرة سريعة علي أهم المواد التي تضمنتها الاتفاقية.. ونكتفي بها حتى لا يستطيل البحث إلي خارج نطاقه ، إلا إننا نلقي نظرة عابرة علي ما نستقرأه من مواد هذه الاتفاقية .

أولاً .. الإبادة الجماعية في ذاتها هي عمليات قتل مركبة ومرتبطة بفئة تنتمي إلي جماعة واحدة أياً كان نوعه ..
والقتل بطبيعته من أشد الجرائم لذا فقد حرص المشرع ـ وبشكل عام وفي كل التشريعات بلا استثناء ـ علي أن يضع لها عقوبة تتناسب مع ضراوتها.
ـ فلم يختلف دين ولا مذهب علي تحريم هذه الجريمة ، فجميع الأنبياء والرسل قد حرمت القتل ويؤكد ذلك ما ورد بألواح إبراهيم وما ورد أيضا بوصايا موسي العشر ، وما نزل في تعاليم الدين المسيحي وختاماً بالدين الإسلامي والقرآن الكريم .

وفي تقديرنا أنها جريمة تتسم بالشذوذ والدموية والسادية إذ أنها تشبع رغبات مرتكبها لأنه لا يوجد له ثمة مبرر ديني أو سياسي أو أي مبرر يكون له مرجعية يقبلها العقل والمنطق يبرر ارتكابه لمثل هذه الجريمة .

الطبيعة الدولية لجريمة الإبادة الجماعية :

ثانياً .. وصفت الجريمة بالإبادة الجماعية بحكم ما أوردته الأمم المتحدة من قرارات نص مضمونها علي ذلك وهي بمقتضي نص الاتفاقية جريمة دولية ، ويستوي في ذلك كون من ارتكبها دولة أو شخص وبصرف النظر عن الدوافع أو الظروف ( كالحرب أو السلم ) فهي مجرمة متى وأين حدثت .. ولكنها استمدت صفة الدولية ليس من أن مرتكبها يجب أن يكون دولة وإنما تكمن صفة الدولية في أمرين ..

الأمر الأول : نوع المصلحة المعتدي عليها ، حيث أن الحفاظ علي الجنس البشري والإبقاء علي مصالحة وحقه في استمراره في الحياة والبقاء بلا تمييز ديني أو عنصري أو غير ذلك هو من الأمور التي تهم المصلحة الدولية وبالتالي تستمد حمايتها من المجتمع الدولي .

وأما الأمر الثاني : أن هذه الجريمة هي مجرمه في كل قوانين الشعوب وبالتالي الأحرى بها أن تخضع في أحكامها للقانون الدولي العام .

ثالثاً .. حددت المادة الثانية الأفعال المكونة لجريمة الإبادة الجماعية ، ونصت علي أن لفظ genocide إنما ينصرف إلي أي من هذه الأفعال التي ترتكب عن عمد بقصد الإبادة الكلية أو الجزئية لجماعة وطنية ، أو عرقية ، أو عنصرية ، أو دينية .. وعلي رأس هذه الأفعال القتل وإلحاق الأضرار الجسمانية أو الذهنية بأعضاء الجماعة المقصودة بالفعل .

وهو ما يستفاد منه أن هذه الجريمة عمديه لا مجال للخطأ فيها ولا ترتكب بطريق الخطأ، وهو أمر طبيعي..
إذ لا يمكن تخيل إبادة مجموعة من الأشخاص ينتمون لجماعة واحدة ـ أياً كان نوعها ـ ويحتج بالخطأ .

ــ فمثلاً .. القنابل النووية لم تسقط سهواً أو خطأً علي جزيرتي هيروشيما وناغازاكي عام 1945م والتي أبادت سكان المناطق بالكامل ولمجرد إنهم مواطنون لدولة العدو ، بل وأصبحت جريمة مستمرة إذ أن السلالة التي خرجت من أصلاب من نجوا كانت مشوهة ( ).

ــ كما أن مذبحة صبرا وشاتيلا.. لم تكن بالخطأ فهي مذبحة عمديه وهذا واقع يعلمه الجميع.
ــ وما ورد بأقوال الشهود من الضباط الألمان في الحرب العالمية الثانية وفقاً لما ورد أثناء التحقيق معهم في محاكمة نورمبرغ يؤكد أن كل منهم كان لديه النية في إزهاق الأرواح ومستوحاة من القيادة في صورة أوامر .

والغريب في الأمر أن من المفترض أن ما ارتكبته الولايات المتحدة الأمريكية في حق اليابان هو أكثر من جريمة الإبادة الجماعية .. إلا انه في الواقع لا يوجد ثمة إشارة إلي ذلك في المراجع ولم يتكيف هذا الفعل كجريمة دولية، أو علي الأقل جريمة حرب.

ومن صور الجريمة محل البحث في العصر الحلي رغم ما وصل إليه العالم من تطور.. ما ترتكبه الآن الحكومة في جنوب إفريقيا في حق المواطنين السود ، والفظائع التي ارتكبتها في ناميبيا وروديسيا ، وما ارتكب ولا يزال يرتكب من إسرائيل و دون رادع في حق فلسطين في ألأراضي المحتلة ، ولبنان وغيرها .. الخ

رابعاً .. جريمة الإبادة الجماعية genocide ليست فقط جريمة جنائية دولية عمديه وإنما هي جريمة يعاقب مرتكبيها وفاعلوها الأصليون والشركاء أياً كانت صورة الاشتراك أي سواء تم بالتآمر ـ الاتفاق الجنائي ـ أو التحريض أو المساعدة ،كما أن الشروع فيها يأخذ حكم الجريمة التامة ويستوجب عقاب مرتكبيها .

خامساًَ .. قصرت الاتفاقية عن تبيان نوع العقوبة التي توقع علي مرتكبي جريمة الإبادة الجماعية واقتصر دور المادة الخامسة علي دعوة الدول الأطراف في الاتفاقية إلي إصدار التشريعات اللازمة لنفاذ الاتفاقية ، وعلي وجه الخصوص النص علي عقوبات فعالة توقع علي من تثبت إدانته من الأشخاص في جريمة الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى التي ورد ذكرها في المادة الثالثة .
ولا نري هذا قصوراً إذ انه من المفترض علي الدول أن تتعامل مع الواقع والواقع يقول أنها وبإيجاز جريمة قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد ـ عقوبتها الإعدام كما هو متعارف عليه ، وبالتالي فكل دولة عليها أن تطبق العقوبة تبعاً لذلك ( ).
سادساً .. تعهد للمحاكم المختصة بمحاكمة مرتكبي جريمةالابادة الجماعية قد تكون المحاكم المختصة في المكان الذي وقعت فيه الجريمة ، أو محكمة دولية جنائية تختص بالنظر في هذه الجرائم علي نحو ما يقضي به الاتفاق بين الدول الأطراف فإذا وقعت الجريمة علي أرض دولة معينة فلا جدال في أن الاختصاص الأول معقود لمحاكمها بمقتضي القواعد التي تحكم سريان قانون العقوبات من حيث المكان ، فإذا قبض علي مرتكبي هذه الجرائم في دولة أخري وجب عليها تسليمهم إلي الدولة التي وقع علي أرضها الفعل موضوع التجريم ، ولا تسري هنا أحكام التسليم الخاصة بالمجرمين السياسيين والمحظور تسليمهم ،ذلك أن التسليم هنا جائز بصريح المادة السابعة والتي تصف جريمة الإبادة الجماعية بأنها جريمة غير سياسية .

ولما كان تسليم المجرمين العاديين تحكمه قواعد واتفاقيات معينة، فالراجح أن بديل التسليم في هذه الحالة أن تقوم الدولة التي تم القبض فيها علي المتهمين بارتكاب هذه الجريمة بمحاكمتهم أمام محاكمها المختصة.

فإذا استبعدنا محاكمتهم أمام محاكم الدولة التي وقع علي أرضها الفعل وكذا محاكم الدولة التي تم القبض فيها علي المتهم يبقي لنا الخيار الثالث والذي اعترفت به المادة السادسة من الاتفاقية.. وهو مبدأ القضاء الدولي الجنائي ( ).

والاتفاقية نفسها أشارت في المادة التاسعة منها إلي الاحتكام إلي محكمة العدل الدولية في شأن الخلافات التي تثور بين الدول المتعاقدة في شأن تفسير ، أو تطبيق ،أو تنفيذ هذه الاتفاقية ، بما في ذلك الخلافات التي تتعلق بمسئولية دولة من الدول عن أعمال الإبادة الجماعية أو ما يتصل بها من أعمال ، فهذه الأمور كلها تعرض علي محكمة العدل الدولية بناءً علي طلب أي طرف من أطراف النزاع .

ومعني أن جريمة الإبادة الجماعية إذا ما انطوت علي فعل يشكل مسئولية دولية لدولة ما كأن تكون قد حرضت علي الفعل أو أمرت بارتكابه أو سهلت له فإن أمر هذه الدولة وتحديد مسئوليتها يقع في اختصاص محكمة العدل الدولية ، أما مرتكبي الجريمة من الأفراد فيمكن محاكمتهم أمام المحكمة الدولية الجنائية التي يختارها الأطراف ، وإن كان اللجوء إلي القضاء الدولي الجنائي للمحاكمة عن هذه الجرائم قد جاء بصفة اختيارية ، فضلاً عن خلو الاتفاقية من نصوص عملية تنظم إنشاء هذا النوع .

ولما كان ذلك فإن رؤيتنا المتواضعة لهذه الجريمة أنها جريمة جنائية دولية ترتكب من شخص ( معنوي، حقيقي ) تهدف للقضاء علي فئة بشرية تنتمي إلي جماعة معينة.
وبما أنها جريمة يمكن حدوثها في وقت السلم أو الحرب مما يفصم عري الترابط بينها وبين الحروب.

وعلي هذا الأساس نري …

إن هذه الجريمة لا دافع من ورائها إلا أهواء شخصية وكراهية وحقد دفين في أعماق مرتكبيها ، وهو ما يؤدي بهم إلي الدخول في وزر هذه الجريمة والعقاب عليها ، وإننا لنري إنها من أبشع الجرائم التي يمكن تصورها علي الإطلاق ، إذ أن جريمة القتل العمدي رغم الشبه الكبير بينهم إنما هي تنصب في ذاتها علي قتل شخص واحد وغالباً القاتل يكون له مبرر جدي يدفعه لارتكابها .
أما في الجريمة محل البحث فالقاتل قد يكون واحد أو أكثر ولكن المجني عليهم متعددون وكل ما اقترفوه في دنياهم هو انتمائهم إلي جماعة معينة وفي الغالب يكون لادخل لهم في ذلك فمن يخلق اسود البشرة لا يمكنه تغيير ذلك ومن يؤمن بدين معين لا يغيره وما إلي ذلك من أمثلة متعددة ، وضربنا مثلاً بفلسطين ( الأرض المحتلة ) التي تعاني منذ زمن بعيد قهراً وظلماً وجرائم في منتهي البشاعة حتى أصبحت ألبوم للجرائم فقد نفذ فيها اليهود أبشع الجرائم علي الإطلاق ولا نعتقد انه يوجد لدي إسرائيل أكثر مما قدمته .. وسيأتي يوم النصر عما قريب .. ليعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

كما نري انه رغم أن المادة التاسعة عشر بالاتفاقية جاءت لتنبه الدول الأعضاء إلي اتخاذ السبل الكفيلة بمنع جريمة إبادة الجنس البشري ، سواء في أقاليمها أو الأقاليم التي تحتلها ولذلك نصت الفقرة (ج) من المادة السالفة علي أن ” توصي الجمعية العمومية الدول الأطراف في الاتفاقية الخاصة بالوقاية من جريمة إبادة الجنس والعقاب عليها التي تتولي شئون أقاليم غير مستقلة باتخاذ التدابير اللازمة والممكنة لسحب أحكام هذه الاتفاقية علي تلك الأقاليم في أقرب وقت “

ـ ويبدو أن هذا النداء قد وصل متأخراً لبعض الدول…

إذ أن الواقع بعد إقرارها وحتى إقرار نظام المحكمة الجنائية الدولية ـ في مؤتمر روما عام 1998 م ـ قد شهد تطورات مؤلمة سواء في فرنسا والجزائر حتى عام 1962م ثم حرب رواندا ، وحرب كوسوفا والبوسنة والهرسك ، والصراع العربي الإسرائيلي وغيرها من المنازعات التي كانت فيها جريمة إبادة الجنس البشري هي الشعار والراية ( )

أركان جريمة الإبادة الجماعية

يتسنى لنا من خلال التعريف الذي وضعته الأمم المتحدة لجريمة الإبادة الجماعية ،أن نقف علي أركان تلك الجريمة ، وحيث قد أجمعت الأمم المتحدة بدولها الأعضاء علي أن الإبادة الجماعية كجريمة حالها من حال كل الجرائم العادية والمصنفة علي أنها جناية وليست جنحة ، لما لها من أثر بالغ وخطير علي البشرية .
وطالما كان الوضع كذلك فإنها كأي جريمة تقوم علي ركنين وهو ما يستدل عليه من مختلف النصوص…. ( ركن مادي و ركن معنوي ) .
ومن الملاحظ إنهما نفس أركان الجريمة في أي قانون داخلي محلي.
والثابت أن الأفعال المادية والتي تمثل الركن المادي قد تم حصرها في الاتفاقية حيث وردت علي سبيل الحصر، وأن ترتكب بقصد القضاء علي جماعة معينة من الأشخاص بصفتها هذه.. وهو الركن المعنوي .

والجدير بالذكر أن بعض الفقهاء يعتبرون انه يجب إدراج ركن آخر وهو ” ضحية الإبادة الجماعية “

ويتكون التعريف الذي تنص عليه المادة الثانية من الاتفاقية المتعلقة بالإبادة الجماعية من ركنين هامين : الفعل المحظور والقصد أو النية الإجرامية .

وقد طبقت هذه الأحكام في قضية روتاغندا أمام المحكمة الجزائية الدولية لرواندا ، فقد رأت الدائرة الابتدائية ( 6 ديسمبر 1999) أنه لكي تتحقق جريمة الإبادة الجماعية ، يجب تحقق ثلاث أمور
أولاً : أن يرتكب فعل من الأفعال التي تم تعدادها في المادة الثانية من نظام المحكمة المأخوذ حرفياً من المادتين 2، 3من اتفاقية الإبادة الجماعية .
ثانياً : أن يرتكب هذا الفعل ضد جماعة وطنية أو أثنية أو عنصرية أو دينية مستهدفة بذاتها بصفتها هذه .
ثالثاً: أن يرتكب الفعل بقصد تدمير الجماعة المستهدفة كلياً أو جزئياً.

الركن المادي

اتفقنا سابقاً أن جريمة الإبادة الجماعية لا تختلف عن أي جريمة أخري من حيث مبدأ الأركان فهي تتطلب كأي جريمة فعلاً مادياً يجسد النية الإجرامية ، وفيما يتعلق بالإبادة الجماعية ، فإنه يعني تدمير أعضاء جماعة ما . ويتم ارتكاب هذا التدمير بوسائل عديدة .

أفعال الإبادة الجماعية

تنحصر الإبادة الجماعية فيما يخص ركنها المادي في خمسة أفعال معينة وفقا لما ورد بالمادة الثانية من الاتفاقية وهي :
أ‌- قتل أعضاء من الجماعة .
ب‌- إلحاق أذي جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
ت‌- إخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا.
ث‌- فرض تدابير تستهدف الحؤول دون أنجاب الأطفال .
ج‌- نقل أطفال من جماعة عنوة إلى جماعة أخرى .

وقد ورد هذا التعداد حرفيا في نظام المحكمتين الدوليتين المختصتين ( ).
ويتناول مشروع قانون الجرائم ضد السلم وسلامة ( أمن )الإنسانية لعام 1996( المادة 17) الأفعال المحظورة التي تم تعدادها في المادة الثانية من الاتفاقية الخاصة بالإبادة الجماعية .
وخلافا لمشروع قانون 1954 الذي كان يستخدم في الفقرة العاشرة من المادة الثانية عبارة
( بما فيها ) للدلالة علي أن الأمر يتعلق بقائمة بيانية وليست حصرية للأفعال المكونة للإبادة الجماعية .
قررت لجنة القانون الدولي التمسك بعبارات المادة الثانية من الاتفاقية للتأكيد علي أن الأفعال المحظورة في المادة 17 هي قائمة حصرية .
وقد ارتأت اللجنة هذا الحل استنادا إلى ضرورة الالتزام لنص ينال موافقة المجتمع الدولي بأسره ، ويستعيد قانون العقوبات الفرنسي ، باستثناء بعض التعديلات الثانوية ، التعداد الوارد في المادة الثانية من الاتفاقية الخاصة بالإبادة الجماعية … فما هي هذه الأفعال ؟

1- قتل أعضاء من الجماعة :
المقصود من ” قتل أعضاء من الجماعة ” الإزالة الجسدية للشخص أو إزهاق الروح( ) .
ومثال ذلك:
قتل أعضاء من الجماعة ( لا حصر لها ) لاسيما في تاريخ إسرائيل الأسود .
فبتاريخ 9 أبريل /1984 ،هاجمت العصابات الصهيونية قرية دير ياسين ( غربي القدس ) وقتلوا من فيها من رجال ونساء وشيوخ وأطفال ، وقد بلغ عدد الضحايا في هذه الواقعة 254 ضحية ( ) كما صرحت الحكومة اللبنانية في أواخر يوليو 1982 بأن عدد الضحايا نتيجة الاجتياح الإسرائيلي بلغ 14000 ضحية ، أضيف أليهم حوالي 3000 ضحية أخرى في مجزرة صبرا وشاتيلا في 16 سبتمبر 1982 .
ومنذ اندلاع انتفاضة الأقصى ( الانتفاضة الثانية ) في أواخر سبتمبر 2000 قتل 2673 فلسطينيا جراء الاعتداءات الإسرائيلية ( ) .

2- إخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية :
فيجوز أن تكون هذه الإبادة تدريجية عبر إخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية يراد بها تصفيتها الجسدية وهذه الصورة تشكل فعلا من أفعال الإبادة الجماعية التي تندرج تحت الفقرة ( ج ) .
ويعني هذا الفعل فرض تدابير معيشية تؤدي إلى إزهاق أرواح أفراد الجماعة ( الموت البطيء ) ، أو علي الأقل أضرار جسدية جسيمة تؤدي إلى أضعاف أعضاء الجماعة و أضرارهم بدنيا .
ففي حكم كاييشيما – روزيندانا ، فقد فسرت الدائرة الابتدائية هذا المفهوم علي أنه يتعلق بأوضاع معينة مثل القضاء علي أعضاء الجماعة بإزهاق أرواحهم بصورة بطيئة كحرمانهم من السكن والملبس المناسبين ومنعهم من دخول المنشآت الصحية ومن الرعاية الطبية مع إخضاعهم لأشغال مرهقة أو بذل جهود بدنية عالية .
مثال أخر:
المجاعة الكبرى التي وقعت في أوكرانيا عامي 1932 ، 1933 وهي كارثة ارتبطت بشكل كبير بمقاومة السكان للتأميم الجبري الذي فرضته الدولة ، نجم عنها وفاة ستة ملايين نسمة في غضون بضعة أشهر .
وحديثا في عام 1999 وبعد انسحاب القوات النظامية الصربية من منطقة كوسوفو تم العثور علي عشرين ألف ألبانيا في حالة جوع شديد في منطقة ( غلوغوفاك ) وهي منطقة جبلية غرب بريشتينا ( ) .

3- إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير :
ليست التصفية البعيدة التي بلغت مدى بعيدا في كمبوديا ويوغوسلافيا السابقة ورواندا وغيرها هي الوسيلة الوحيدة لتدمير جماعة ما فثمة وسائل أخرى يمكنها بشكل غير مباشر بلوغ هذه النتيجة عن طريق ( ألحاق أذي جسدي أو روحي( ) خطير بأعضاء من الجماعة ) .
ويشير النص إلى نوعين من المساس من شأنهما إلحاق الأذى بأعضاء الجماعة، وهما المساس بالسلامة الجسدية الذي يفترض بشكل أو بأخر من الضرر الجسدي، والمساس بالسلامة العقلية الذي يفترض شكلا أو أخر من تلف القوى العقلية.
ومن هذا المنظار وبالرغم من أن المساس ليس بطبيعته إزهاق روح الفرد أو التسبب في ذلك ، فأنه قد يعوق الفرد بصورة تمنعه من أن يشكل من الناحية الاجتماعية وحدة مفيدة أو لها وجود في المجتمع( ) .
وفقا للدائرة الابتدائية في المحكمة الجزائية الدولية لرواندا ، تشكل عمليات الاغتصاب والاعتداءات الجنسية بلا شك أضرارا جسيمة بالصحة الجسدية العقلية للضحايا كما تعد أيضا من أسوء وسائل المساس بسلامة الضحية نظرا لتعرضها لاعتداء مزدوج جسدي وعقلي ( ) .

4- تدابير للحؤول دون أنجاب الأطفال :
وهي تهدف إلى منع التكاثر أو تحديد المواليد داخل الجماعة ( ) ( فقرة د ) مما يحرم أعضائها من أية ذرية ، لاسيما بالتحريض على الإجهاض والعقم وفصل البالغين عند سن الإنجاب ومنع الزواج .
ولا يلزم بالفعل أن يكون التدبير الذي تم فرضه من أجل العقم تدبيرا تقليديا. وتشكل تدابير مثل الفصل الجبري للجنسين ومنع الزواج ( ) وما شابه تدابير مقيدة أيضا وتؤدي إلى ذات النتائج .
( تشير عبارة ” تدابير تهدف ” إلى ضرورة وجود عنصر رادع.. فهذه الأحكام لا تنطبق علي برامج تنظيم إرادي للمواليد يتم دعمها من الدولة في أطار سياستها الاجتماعية ).

5- نقل الأطفال :
تتم عن طريق النقل الجبري للأطفال من جماعة إلى أخرى( ) بهدف فصلهم عن جماعتهم الأصلية ليفقدوا جذورهم .
و بالرغم من أن النص لا يمتد ليشمل نقل أو ترحيل البالغين ، فأن هذا النوع من السلوك من شأنه أن يشكل في ظروف معينة جريمة ضد الإنسانية ( الإبعاد أو النقل القسري للسكان ) أو جريمة حرب .

ويجوز أيضا للترحيل الجبري لأعضاء الجماعة ، لاسيما عندما ينتج عنه فصل أعضاء الأسرة الواحدة أن يشكل إبادة جماعية وذلك بموجب الفقرة ( ج ) من اتفاقية عام 1948 ( إخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية ) .

ومهما يكن من الأمر ، فمن المؤكد أن الركن المادي للإبادة الجماعية علي غرار أية جريمة يجوز أن يكون فعلا ايجابيا أو سلبيا ( امتناع ) ( )

6- الإبادة عن طريق الامتناع :

يقع الفعل الإيجابي بواسطة عدد معين من التصرفات تم تعدادها بصورة حصرية في المادة الثانية من اتفاقية عام ١٩٤٨ ويجوز أن تحدث الإبادة الجماعية في عدة حالات عن طريق الامتناع ، وتعد جريمة الامتناع جريمة سلبية بطبيعتها و في هذه الحالة تتم إدانة التصرف السلبي بغض النظر عن أيه نتيجة مسببة للضرر. ويجوز أحيانا للنتيجة التي تقع بصفة عامة بواسطة فعل إيجابي (ارتكاب) أن تأتي من مجرد امتناع، وهي الجريمة التي يطلق عليها “ارتكاب عن طريق الامتناع والجرائم السلبية ذات النتيجة. ومعيار التمييز بين الجرائم والجرائم السلبية (جرائم الامتناع) هو وجود النتيجة الجرمية بين عناصر الركن المادي أو انتفائها : فالجرائم السلبية البسيطة يقوم ركنها المادي بامتناع مجرد دون أن تعقبه نتيجة جرميه يقتصر فيه الجريمة على الإشارة إلى الامتناع فيقرر العقاب من اجله وتعتبر الجريمة تامة به ولا يشير إلى أى نتيجة على الإطلاق بحيث يكون حدوثها أو عدمه واقعه خارجة ً أعقبته نتيجة عن الركن المادي ، أما الجرائم السلبية ذات النتيجة فيفترض ركنها المادي امتناعا ( جرمية ، ومن ثم يكون الركن المادي لهذه الجرائم متطلبا النتيجة من عناصر. إذن فالركن المادي للإبادة الجماعية هو الفعل أو الامتناع عن الفعل على درجة من الأهمية ، ومع ذلك لايلزم لتجريم الفعل أن يتم ارتكابه بصورة نائية ، وأن يؤدي إلى نتيجة ضارة إذ يتم تجريم هذا الفعل بوصفه محاولة. وتعد الصور التي تم تبينها من أهم صور الإبادة الجماعية.