تمت إعادة النشر بواسطة محاماه نت

تكييف العقد

مقدمة :

من الحقائق الثابتة التي لا جدال فيها أن القانون ما وجد إلا لكي يطبق على أرض الواقع. ويبقى هذا التطبيق رهينا بعملية فنية و هي عملية التكييف القانوني، تلك العملية التي تسمح للقاضي بالتأكد من مطابقة واقعة محددة مع مفترض نص قانوني معين . ومن ثم يشكل التكييف أهمية قصوى باعتباره عملية أولية ضرورية لتحليل التصرف أو الواقعة المعروضة على القاضي، وإخضاعها بالتالي للنص القانوني الذي يحكمها ، فما هو مفهوم العقد؟ و ما هي عناصره؟ و ما هو المسلك الذي يتعين على القاضي نهجه لتكييف العقد؟ و غيرها من التساؤلات سنجيب عليها في بحثنا هذا و الذي قسمناه إلى ثلاث مباحث تناولنا في المبحث الأول مفهوم تكييف العقد و أهميته و دور كل من القاضي و محكمة النقض في تكييف العقد أما المبحث الثاني فخصصناه لعناصر تكييف العقد بجانبيه العناصر العرضية و العناصر الأساسية و المبحث الثالث و الأخير فهو بعنوان التكييفات الراجعة إلى بنيان العقد بمباحثه الثلاث التكييفات المسماة والتكييفات غير المسماة و التكييف إستنادا إلى نظرية تحول العقد.

المبحث الأول : ماهية تكييف العقد و المختصون بالتكييف

المطلب الأول : مفهوم تكييف العقد و أهميته

الفرع الأول : مفهوم تكييف العقد :

ظاهر كلمة التكييف أنها على وزن تفعيل من فعل كيف، فيدل هذا التأصيل اللغوي على أن معناها ينصرف إلى تحديد الكيف، أي بيان الطبيعة.

و تكييف العقد هو إعطاؤه الوصف القانوني الذي يتحدد بالآثار الأساسية التي اتجه طرفاه إلى تحقيقها، فهذا الوصف يترتب على تحديد مقاصد طرفي العقد، وتحديد هذه المقاصد يجب أن يكون بيانا للغايات العملية التي اتجه طرفا العقد إلى تحقيقها بصرف النظر عن أية تسمية يطلقها المتعاقدان على هذه المقاصد أو على العقد في جملته.

فالتكييف باعتباره عملية تحديد الوصف القانوني للعقد، هو عمل قانوني صرف، لا سلطة فيه لإرادة العاقدين، فالعاقدان لهما حق تحديد الآثار العملية التي يرغبان في تحقيقها بالعقد، فان تحددت هذه الآثار، يكون وصف هذا العقد عملا قانونيا محضا، لأنه يعني إدخال صورة الآثار كما حددها العاقدان في إطار قانوني معين، ولذا يكون تحديد الوصف القانوني للعقد مسألة ذات أهمية عملية، ذلك انه بناء على التكييف الذي يأخذ به القاضي للعقد، قد تتحدد به آثاره العملية التي لم يواجه طرفاه تنظيمها بإتفاقهما والتي تكفل بها القانون في قواعده المكملة للعقود، بل إنّ جواز بعض آثار العقد أو عدم جوازها يرتبط بالتكييف الذي يعطى له فالتكييف لازم لتقدير الصحة والبطلان معا. وبعبارة أخرى فان التكييف يعتبر وسيلة لتحديد مضمون العقد، لأنه يضعه في الإطار القانوني الذي يسمح ببيان آثاره في جملتها، سواء التي واجهها طرفاه أو التي لم يتضمنها إتفاقهما .

الفرع الثاني : أهمية تكييف العقود :

تكمن أهمية تحديد الوصف القانوني للعقد، أي تكييفه، من كونها مسألة أساسية وضرورية لتحديد ما إذا كان العقد مسمى قد أسمى القانون شرائطه وظروفه القانونية وفق نصوص محددة، أم كان عقد غير مسمى لم يسمه القانون بوضع معين من النصوص. وتكمن الأهمية لعملية التكييف هذه، في تعيين القواعد واجبة التطبيق عليه، حال عرضه على القضاء أو النزاع بشأنه كعقد ما في خصومة معروضة على القضاء، والتكييف يجري ويتم على أساس تحري المقاصد العملية لأطراف العقد، ومطابقة هذه المقاصد على النظام القانوني للعقود المعروفة، ليحدد الوصف القانوني للاتفاق، و لا أهمية للتسميات التي يطلقها أطراف العقد عليه إذا كانت معارضة لحقيقة هذا العقد.

المطلب الثاني : دور كل من القاضي و محكمة النقض في تكييف العقود

الفرع الأول : دور القاضي في تكييف العقد :

تعتبر عملية تكييف العقد من صميم عمل القاضي و يتعين عليه القيام بتكييف العقد المتصل بالنزاع المعروض عليه ولكنه لا يلتزم فيه برغبة هذين العاقدين إن كانت تتعارض مع صورة الآثار المقصودة، فان سميا العقد تسمية لا تتفق مع حقيقته عن جهل أو عن عمد، كان للقاضي أن يصحح هذه التسمية، من تلقاء نفسه، ودون حاجة إلى موافقتهما على هذا التصحيح، بل ودون أن يطلب أي منهما إجراء هذا التصحيح، فقد يجد القاضي أن العقد بيع وان سماه العاقدان إيجارا وقد يجد انه عقد شركة وان سمياه قرضا، وبذلك فالتكييف مسألة قانونية يخضع فيها القاضي لرقابة محكمة النقض.

يقوم القاضي بتكييف العقد إستنادا إلى حقيقة ما قصده المتعاقدان بعد إستخلاصه من واقع شروط العقد المعروض عليه و ما إتجهت إليه الإرادة المشتركة للطرفين. و يجب أن يتم التكييف في ضوء عبارات العقد وحقيقة الواقع و النية المشتركة.

و المعيار الأساسي الذي يعتد بع القاضي لتكييف العقد هو الإلتزامات الرئيسية التي تنبئ عن حقيقة قصد المتعاقدين من العقد، فالعبرة بالغرض العملي الذي قصد إليه الطرفان من تعاقدهما والذي تكشف عنه طبيعة الإلتزامات التي يتحملها كل منهما.

الفرع الثاني : دور محكمة النقض في تكييف العقد :

قضت محكمة النقض المصرية بأنه ولئن كان التصرف على ما عناه الطرفان من المحرر موضوع الدعوى و هو ما يدخل في سلطة محكمة الموضوع، إلا أنه متى استخلصت المحكمة ذلك، فإن التكييف القانوني الصحيح لما قصده العاقدان، و إنزال حكم القانون على العقد، و هو مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض.

كما قضت بأنه لمحكمة النقض أن تعطي الوقائع الثابتة في الحكم المطعون فيه التكييف القانوني الصحيح مادامت لا تعتد في هذا التكييف على غير ما حصلته محكمة الموضوع من هذه الوقائع.

و قضت أيضا بأن حقها أن تشرف على محكمة الموضوع فيما تعطيه من الأوصاف و التكييف القانوني لما تثبته في حكمها من الوقائع، و على ذلك لتعرف ما إذا كان التكييف قد جاء موافقا للقانون أم مخالفا له.

فالمحكمة العليا في الدولة لها الرقابة التامة على تكييف العقد.

المبحث الثاني: عناصر تكييف العقد

يرمي التشريع في تنظيم العقود إلى تحقيق أهداف تتجاوز أحيانا خبايا التكييف، ويرتبط هذا التنظيم إما بضمان حماية خاصة لأحد المتعاقدين، وإما بإخضاع فئة من العقود لنظام قانوني خاص، ويمكن ربط هاتين الفرضيتين بالنظام العام كإطار يطوق الحرية التعاقدية، وبالتالي فإن نمو عدد العناصر المطلوبة لتكييف العقد يقلص بالضرورة من الحرية المتروكة للمتعاقدين.

وتتمثل عناصر هاتين الفرضيتين في صفة المتعاقدين وشكل العقد، غير أنها لا تشكل سوى عناصر عرضية في التكييف، حيث إنه في غياب أية قواعد تتعلق بالنظام العام، فإن القاضي يأخذ بالالتزامات التي يولدها توافق الإرادتين لتكييف العقد، وبالتالي فإن العنصر الأساسي والضروري للتكييف هو دائما مكون من طبيعة الالتزامات التي ينشئها العقد.

المطلب الأول: العناصر العرضية لتكييف العقد.

ويتعلق الأمر بصفة المتعاقدين وبشكل العقد

أولا- صفة المتعاقدين:

تلعب صفة المتعاقدين، أحيانا، دورا حاسما في تكييف العقود، ذلك أنه يتعذر فهم بعض العقود إلا بالاستناد إلى صفة المتعاقدين. فعقد النقل مثال على تأثير صفة المتعاقد على طبيعة العقد فهو عبارة اتفاق يتعهد بمقتضاه الناقل مقابل ثمن بأن ينقل شخصا أو أشياء إلى مكان معين، مع مراعاة مقتضيات النصوص الخاصة
بهذا العقد.

وتظهر أهمية عنصر الصفة في التكييف بالنسبة لبعض العقود ذات الطبيعة الخاصة، فمثلا تعتبر عمليات البنوك تجارية بذاتها وبطبيعتها، وكذلك تأسيسا على نظرية المقاولة أو المشروع، وبالتالي فإن عقد القرض الذي تبرمه المؤسسة البنكية يعتبر دائما تجاريا بغض النظر عن صفة المقترض، هل هو تاجر أم غير تاجر.

ولا يتعلق الأمر في الحقيقة إلا بنظام العقد الذي يخضع لتأثير صفة أحد المتعاقدين، ذلك أن وصف العقد بالمعنى الضيق في هذا المثال بعقد قرض يتوقف على وجود العناصر الموضوعية لنموذج القرض. على أن تكييف القرض التجاري بدلا من القرض المدني له أهميته في تحديد النظام القانوني المطبق على العقد، وبالتالي يمكن أن يكون لصفة المتعاقد تأثيرا غير مباشرا في تكييف العقد.

وحسب بعض الفقهاء فإن صفة المتعاقدين تنزع – على الأقل بالنسبة لبعض العقود- إلى اتخاذ منزلة لا يستهان بها في تحديد الالتزامات الملزم بها، فإذا أخذنا, مثلا، العقود المبرمة بين المهني وزبونه، فإن هذه العقود لا ترتب التزامات مهنية حقيقية، فمصدر هذه الالتزامات لا يكون في العقد وإنما في صفة مقدم الخدمة، وهذا يعني أن العقود الخاصة أو معظمها تتميز بمحتواها المرتبط بصفة المتعاقدين، بالإضافة إلى ذلك فإن شكل العقد قد يقوم أحيانا بدور هام في التكييف.

ثانيا- شكل العقد:

الشكلية في العقود هي التي يلزم لذات انعقاد هذه الأخيرة، ورود الرضاء بها في شكل خاص محدد.

والجدير بالذكر أن المشرع خول للأشخاص جعل تصرفاتهم خاضعة لشكلية خاصة لا تتم إلا بها.

و لا تعتبر الشكلية سوى عنصرا عرضيا في تكييف العقد، مما يستدعي بالتالي ألا يكون اتفاق الإرادتين مجردا من أي أثر.

المطلب الثاني: العنصر الأساسي في تكييف العقد:

يرتكز تكييف العقد بصورة خاصة على تفريد الالتزامات التي يولدها وعلى البحث عن الالتزامات الجوهرية منها. وينبغي التساؤل حول تأثير الإرادة في تحديد الالتزامات الناشئة عن العقد.

أولا-أهمية الالتزامات الجوهرية بالنسبة للتكييف:

يتضمن كل عقد عدة التزامات، ويقتضي التكييف التمييز بين الالتزامات الأصلية والالتزامات التابعة.

1- الالتزامات الأصلية:

لا يكفي القول بأنه يوجد في كل عقد التزامات أصلية، بل من الضروري واللازم أن تكون هذه الأخيرة محددة بدقة وإلا كان التكييف مستحيلا. والمشرع هو الذي يحدد الالتزامات التي تعتبر جوهرية، ونجد هذا التحديد المسبق في عقود، ففي عقد البيع، نجد التزامين أصليين، أحدهما يقع على البائع بتسليم المبيع والآخر يتحمله المشتري بدفع الثمن.

ويلعب الاجتهاد القضائي دورا متميزا في تحديد الالتزامات الأصلية، خصوصا بالنسبة للحالات التي يكون فيها هذا التحديد ناقصا من جانب المشرع.

وإذا كان الالتزام الأصلي قد يساهم في تكييف العقد، فإن عدم الإشارة إليه – دون إقصائه – لا يرتب البطلان في جميع الفروض، بل يتعين البحث عن تكييف يناسب توافق الإرادتين في إنتاج الآثار المرغوب فيها، ذلك أن التكييف الظاهر قد لا يطابق حقيقة الواقع إما عمدا لرغبة المتعاقدين في التهرب من بعض الأحكام، أو للتمتع بأحكام لا تنطبق على تصرفاتهم، وإما خطأ من المتعاقدين أو جهلا منهم بالتكييف القانوني الصحيح، ولذا كان لزاما على القاضي أن لا يعتد إلا بالتكييف القانوني للعقد.

1- الالتزامات التابعة:

يفرض الالتزام التابع وجود التزام أصلي يرتبط به. وهي تتشكل في العقودة البسيطة من التزامات تابعة طبيعية والتزامات تابعة طارئة. فالالتزامات الطبيعية هي الالتزامات المرتبطة بعقد معين، غير أن إرادة الأطراف يمكن أن تلغيها دون أن يكون لهذا الإلغاء أي أثر على طبيعة العقد. ومن ذلك مثلا، وضع شرط عدم الضمان في العقد.

أما الالتزامات الطارئة فهي الالتزامات التي يضعها أو يتفق عليها الأطراف تعضيدا للالتزام الأصلي، بمعنى أنها التزامات لا ترتبط بالعقد المعني ولكنها يمكن أن تضاف للعقد.

و عليه فإن الالتزام التابع لا يشكل عنصرا من العناصر المكونة للفئة القانونية التي تنتمي إليها الالتزامات الأصلية، لأن طبيعته التابعة تفترض عدم النظر إليه استقلالا عن الالتزام الأصلي، وهذا يعني أن لا تأثير للالتزام التابع في تكييف العقد، فالطابع التابع للالتزام لا يستدعي سوى تعديلا في النظام دون المساس بالتكييف.

ثانيا-دور الإرادة في تكييف العقد:

يقصد بالإرادة أن يعي الشخص أمر التعاقد الذي سيقدم عليه، وينتهي إلى أن يقصده، بأن يكون مدركا ماهية التصرف الذي يجريه، والحقوق والالتزامات المترتبة له أو عليه منه ولا يقوم العقد إلا بتوافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر يرتبه القانون، لذلك فإن تكييف العقد ليس غاية موضوعية منحصرة في تحديد الالتزامات التي يولدها، بل لابد من الأخذ بعين الاعتبار المظهر الذاتي لهذا العقد، والمتمثل في إرادة المتعاقدين سواء المعبر عنها صراحة أو المفترضة.

تعتبر الإرادة الفردية المحور الأساسي في تحديد العناصر الموضوعية للعقد، لذلك فهي قد تظهر كعنصر أساسي في التكييف. ويقوم القاضي، في سبيل تحديد الغاية الاقتصادية التي يسعى إليها طرفا العقد باستخلاص النية المشتركة للأطراف المتعاقدة، وهي مسألة متعلقة بالتفسير، حيث يستطيع القاضي، بعد
استجلاء هذه النية، إلحاق العقد موضوع التكييف بأحد العقود المنصوص عليها في القانون أو اعتباره عقدا غير مسمى، وبالتالي إلحاقه بأقرب عقد مسمى، وهكذا لا يكفي مثلا مجرد تسليم الشيء للقول بوجود عقد تبرع، بل لابد من البحث عن قصد المتبرع من هذا التسليم، فإذا كان مثلا لوجه المتبرع له كنا بصدد هبة، وإذا كان لوجه الله تعالى كنا بصدد صدقة، و عليه فإن مسألة تحديد طبيعة العقد يمكن الحسم فيها بالاستناد إلى الإرادة المشتركة للطرفين، كما أن هذه الإرادة قد تشكل معيار تكييف أكثر خصوصية، وذلك عندما تجتمع العناصر الموضوعية التي يفرضها القانون لتبني تكييف معين.

المبحث الثالث: التكييفات الراجعة إلى بنيان العقد:

يتكون العقد من عناصر موضوعية وعناصر ذاتية، تتحد فيما بينها لتحديد طبيعة العقد، وهذا البنيان يسمح بتبني تكييفا مسمى أو غير مسمى، وفضلا عن ذلك ، فقد يواجه القاضي عقدا يتبين أنه باطل فيعمد إلى تغيير تكييفه وإعطائه تكييفا آخر تقتضيه الشروط التي انعقد عليها تطبيقا لنظرية تحول العقد.

و حاصل ذلك أننا أمام ثلاث حالات أساسية:

– التكييفات المسماة.

– التكييفات غير المسماة.

– تغيير التكييف تطبيقا لنظرية تحول العقد.

المطلب الأول: التكييفات المسماة:

يتمتع الأفراد – تبعا لمبدأ سلطان الإرادة- بحرية مطلقة في ابتداع ما يعن لهم من عقود في حدود النظام العام. ولذا فإن العقود تتعدد بلا حصر وبلا توقف، الأمر الذي لا يستطيع معه المشرع تتبع كل نوع من العقود على حدة ليضع له القواعد الخاصة التي تحكمه. ولذلك كان عليه أن يضع أحكاما عامة، الأصل فيها أن تطبق على كافة العقود، ثم يعني بعد ذلك ببعض العقود لينظم كلا منها على حدة بأحكام خاصة بها، نظرا لما يقدره لها من شيوع أو أهمية.هذه العقود التي ينفرد كل منها بأحكام خاصة تنظمه، يطلق عليها”العقود المسماة”، وقد أورد المشرع معظمها في قانون الالتزامات والعقود وغيرها من القوانين الخاصة، وتوفر هذه القوانين للمتعاقدين بعض البنى المعدة لإرضاء حاجاتهم، والتكيف قد يكون، في هذه الحالة، إما تكييفا موحدا وإما تكييفا توزيعيا.

أولا-التكييف الموحد:

من أهم الخصائص الأساسية للتكييف الموحد أن يكون مانعا، وتأتي هذه الخاصية من طبيعة الالتزامات الأصلية التي يولدها العقد والتي تتميز باللانقسامية التي هي معيار التكييف المسمى، وهذا يقود إلى الاعتراف بالطابع الأصلي للالتزام التابع، مما يؤدي إلى تشكيل بنية موحدة للالتزامات المنبثقة عن العقد.

ثانيا-التكييف التوزيعي :

قد تتضمن بعض العقود التزامات متنوعة ومتعددة يرجع بعضها إلى عقود مختلفة كعقد الفندقة فهو مزيج من عدة عقود: عقد الكراء بالنسبة للسكن وبيع بالنسبة للمأكل وعقد عمل بالنسبة للخدمة وعقد وديعة بالنسبة للأمتعة.

وإذا كان من الممكن لإرادة الطرفين أن يكون لها تأثير أساسي في تحديد التابع، وأن الفقه والقضاء وأحيانا المشرع نفسه يميلون إلى تبني تكييفا موحدا وعدم إخضاع العقد لأنظمة قانونية مختلفة، إلا أن الوضع قد لا يغدو مقبولا من الناحية الفنية على الأقل. ذلك أن عمل محاكم الموضوع في تقليص بعض الالتزامات تحت غطاء التفسير بغية الوصول إلى تكييف موحد، قد يكون مخالفا للحقيقة ومبالغا فيه.

لذلك يصبح التكييف التوزيعي أو المختلط مفضلا ومقبولا من الناحية الموضوعية.

المطلب الثاني : التكييفات غير المسماة:

العقود غير المسماة هي العقود التي لا يتكفل المشرع ببيان أحكامها الخاصة، وبالتالي تظل مجردة من اسم خاص يطلق عليها، حتى وإن درج العمل على إضفاء اسم خاص عليها لان العبرة في خلع هذا الوصف يرجع إلى عدم قيام القانون نفسه ببيان الأحكام الخاصة بالعقد، ويتعين التمييز بين العقد غير المسمى والعقد من نوع خاص، فهذا الأخير يعتبر نموذجا لعقد قريب مسمى يتميز باستقلالية نظامه القانوني ويحدده الإطار المعياري أو يتصوره الأطراف بالنسبة إلى نماذج عقدية أخرى.

أولا- شروط التكييف في العقود غير المسماة :

يجب لكي يكون هناك عقد غير مسمى، أن يكون هذا العقد جديدا بالفعل بالنسبة إلى التصنيفات المقبولة سابقا من قبل المشرع، وهذا يعني أن التكييف غير المسمى يفرض وجود موضوع جديد للعقد وضرورة إحكام الالتزامات الناشئة عنه، وفي إطار موضوع العقد، و ما نلاحظه أن التكييف غير المسمى تفرضه استقلالية بعض العمليات الجديدة من زاوية محل الالتزامات ومن زاوية موضوع العقد.

ومن البديهي جدا أنه إذا كان بإمكان المتعاقدين اكتشاف مواضيع جديدة، فإنه يجب أن تكون محل هذه الأخيرة داخلا في دائرة التعامل، وإلا كانت باطلة.

ثانيا-الناظم القانوني للعقد غير المسمى:

ويمكن للعقد غير المسمى أن يرتبط بفئة قانونية موجودة، فتصبح القواعد السارية على هذه الفئة قابلة للتطبيق على العقد غير المسمى ولو جزئيا ما دام أن النزاع لا يفرض تطبيق قواعد أخرى خاضعة لفئة موجودة.

وعموما، يمكن للأطراف أن يحددوا بدقة آثار اتفاقهم، إلا أنه في الحالة السلبية فإن بعض الفقهاء يرى بإمكانية اللجوء إلى طريقة المماثلة، وذلك بإتاحة امتداد القواعد الخاصة التي تحكم عقدا قريبا يمثل الصلة الأشد بالعقد غير
المسمى.

المطلب الثالث: التكييف استنادا إلى نظرية تحول العقد:

القاعدة العامة أن العقد الباطل أو الذي قضي بإبطاله، لا ينتج أي أثر قانوني سوى استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له، لكن هذا الأثر لا يطبق – في جميع الأحوال – بحذافيره، ذلك أن القاضي يمكن أن يحل نفسه محل المتعاقدين ويبدلهما من عقدهما الذي اعتراه البطلان بعقد جديد يقيمه هو لهما، وذلك تطبيقا لنظرية تحول العقد، ومغزى هذه النظرية أن القاضي يقوم بتعيين عقد جديد يحل محل العقد القديم الذي اعتراه البطلان، وقد يختلف عنه نوعا ووصفا الأمر الذي قد يرتب تغييرا في المضمون تبعا لتغيير القواعد المكملة لإرادة المتعاقدين، وكذلك الملحقات ومستلزمات العقد.

وفضلا عن هذا وذلك، فإن هذا انصراف نية المتعاقدين إلى العقد الجديد يعتبر عنصرا أساسيا في تكييف العقد الجديد الذي يصير التحول إليه بعدما بطل العقد الأول فحقيقة تحول العقد الباطل هي تكييفه تكييفا قانونيا غير التكييف الأول الذي أعطاه له الأطراف. وعموما، فإن نظرية تحول العقد تخول للقاضي تغيير التكييف القانوني للعقد الأول الباطل وإعطاء الواقعة المادية التي خلفها هذا الأخير تكييفا قانونيا جديدا.

خاتمة :

يعتبر العقد أحد أهم المجالات التي تبرز فيها معالم الترابط بين الفئات القانونية، وهذا الترابط هو ما دفع القضاء مدعما بالفقه إلى البحث عن العناصر التي تساهم في تكييف العقد.وإذا كانت صفة المتعاقد وشكل العقد بالإضافة إلى عنصر المدة تشكل عناصر قد يكون له أحيانا تأثيرا مباشرا في تكييف العقد، فإن دورها يبقى،في أغلب الحالات، سلبيا في هذا التكييف.ويرتكز تكييف العقد بصورة خاصة على تفريد الالتزامات التي يولدها وعلى البحث عن الالتزامات الجوهرية. و يكفي القول بأنه يوجد في كل عقد التزامات أصلية، بل من الضروري واللازم أن تكون هذه الأخيرة محددة بدقة وإلا كان التكييف مستحيلا. و المشرع هو الذي يحدد الالتزامات التي تعتبر جوهرية، ونجد هذا التحديد المسبق في عقود عديدة وهي العقود المسماة.

ويلعب الاجتهاد القضائي دورا متميزا في تحديد الالتزامات الأصلية، خصوصا بالنسبة للحالات التي يكون فيها هذا التحديد ناقصا من جانب المشرع. وتعتبر الإرادة الفردية المحور الأساسي في تحديد العناصر الموضوعية للعقد، لذلك فهي قد تظهر كعنصر أساسي في التكييف، وتأتي أهمية الإرادة في التكييف من كون: الإرادة هي المرجع الرئيسي في تنظيم العديد من المقتضيات التعاقدية.

إن المشرع، وإن كان قد أدرج العقود المنظمة من جانبه في فئات قانونية مختلفة، إلا أن هذه الأخيرة غالبا ما تتداخل عناصرها المادية، وهو ما يسمح للإرادة أن تتناول هذه العناصر بالتعديل، ليس فقط عن طريق تقليصها بل كذلك، وبكيفية مباشرة أو غير مباشرة، عن طريق تغييرها