بحث قانوني و دراسة عن الاهمية القانونية للاقرار

مقدمــــة:

قد يحصل في كثير من الأحيان وأثناء سير الدعوى القضائية أن تنتفي الدلائل أو أن يعجز الطرف المدعي بالحق أو بالواقعة عن إثبات ما يدعي به فيفشل في إقناع القاضي، ووفقا للمبدأ القانوني المتعارف عليه ” البينة على من ادعى واليمين على من أنكر “. فلا يكون أمامه إلا الحصول على أدلة وبراهين دامغة للتوصل إلى إقناعه وإلا يكون معرضا لخسارة الدعوى وبالتالي ضياع حقه لكن في خضم هذا يمكن أن يقوم الخصم ولأغراض مختلفة بتصرف يعفيه من البحث عن الأدلة و يقوم بالإعتراف بالواقعة المتنازع فيها، فتحسم القضية لصالح المدعي لهذا نطرح الإشكالية التالية:
هل يمكن للشخص أن يتخذ دليلا ضد نفسه في مجال الإقرار؟
وهذا ما سنتناوله في هذا البحث من خلال محاولتنا الإلمام بمختلف النقاط الجوهرية المتعلقة بهذا الموضوع من خلال الخطة الآتية:
 المبحث الأول: مفهوم الإقرار.
 المبحث الثاني: شروط الإقرار وحجيته في الإثبات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ خطة البحث
المبحث الأول: مفهوم الإقرار
المطلب الأول: تعريف الإقرار وخصائصه
 الفرع الأول: تعريف الإقرار.
 أولا: لغة.
 ثانيا: إصطلاحا.
 ثالثا: شرعا.
 رابعا: قانونا.
 الفرع الثاني: خصائص الإقرار.
 أولا: الإقرارعمل قانوني.
 ثانيا: الإقرارعمل إخبار.
 ثالثا: الإقرارعمل قانوني من جانب واحد.
 رابعا: الإقرار إعفاء من الإثبات.
المطلب الثاني: أنواع الإقرار.
 الفرع الأول: الإقرار القضائي.
 الفرع الثاني: الإقرار غير القضائي.
المبحث الثاني: شروط الإقرار وحجيته في الإثبات
المطلب الأول: الشروط الواجب توفرها في الإقرار والجزاءات المترتبة عن تخلفها
 الفرع الأول: الشروط الواجب توفرها في الإقرار.
 أولا: صدور الإقرار من الخصم.
 ثانيا: صدور الإقرار أمام القضاء.
 ثالثا: صدور الإقرار أثناء سير الدعوى.
 الفرع الثاني: الجزاءات المترتبة عن تخلف شروط الإقرار.
 أولا: الجزاءات المترتبة عن تخلف شروط الإقرار بالنسبة للخصم.
 ثانيا: الجزاءات المترتبة عن تخلف شروط الإقرار بالنسبة لموضوع الإقرار.
المطلب الثاني: حجية الإقرار
 الفرع الأول: حجية الإقرار القضائي.
 أولا: الإقرار القضائي حجة قاطعة على المقر.
 ثانيا: عدم جواز العدول عن الإقرار القضائي.
 ثالثا: عدم تجزئة الإقرار القضائي.
 الفرع الثاني: حجية الإقرار غير القضائي.
 أولا: السلطة التقديرية للقاضي في القرار غير القضائي.
 ثانيا: الآثار التي تنجر عن السلطة التقديرية للقاضي.
الخاتمة:

 المبحث الأول: مفهوم الإقرار

الإقرار هو اعتراف الخصم بواقعة مدعاة يستفيد منها خصمه الآخر وتعفيه من عبئ الإثبات ليكون بذلك تنازلا من الخصم المقرّ عن حقه في مطالبة خصمه بإثبات ما يدعيه ولما كان كذلك فهو أحد طرق الإثبات تجاوزا يقبل في إثبات الوقائع المادية والتصرفات القانونية على حد سواء، ورسم له المشرع طريقا تمهيديا للوصول إليه وهو استجواب الخصم بإحضاره شخصيا أمام القاضي، والإقرار بهذا المعنى ليس طريقا عاديا إنما هو وسيلة معفية من عبئ الإثبات وسنتناول هذا الموضوع من خلال مطلبين الأول لتعريف الإقرار وبيان خصائصه أما الثاني فنخصصه لأنواع الإقرار.

المطلب الأول: تعريف الإقرار وخصائصه

للإحاطة بالمفهوم القانوني للإقرار لابدّ أولا من تعريفه وتبيان خصائصه التي يتميز بها وهو ما سنتناوله في النقاط الآتية:

 الفرع الأول: تعريف الإقرار.
لتعريف الإقرار عدة اتجاهات فهناك تعريف لغوي وثاني شرعي وثالث اصطلاحي أما الأخير فهو قانوني.

 أولا: لغة.
الإقرار هو الإذعان للحق و الاعتراف به .
والإقرار مأخوذ من قر،يقر،قرارا وإذا ثبت وأقر بالشئ فالمعنى أعترف به.

 ثانيا: الإقرار اصطلاحا:
الإقرار هو اعتراف شخصي بواقعة من شأنها أن تنتج آثارًا قانونية ضده مع قصده أن تعتبر هذه الواقعة ثابتة في حقه كأن يقر شخص (أ) ويعترف أن الشخص (ب) عليه مبلغ من المال وأن يقّر أنه ارتكب فعلا يترتب عليه عقوبة بدنية أو مالية كما لو اعترف أنه قد أتلف له مالا وقد أجمعت الأمة على حجيته بل واعتبرته “سيد الأدلة” لأن لدى الإنسان وازعًا طبيعيا يمنعه من ظلم نفسه.

 ثالثا: الإقرار شرعًا:
قد جاء في القرآن الكريم ما يدل على الإقرار وذلك في قوله تعالى:”أأقررتم وأخذتم على ذلكم أصرى قالوا أقررنا”، فوجه الدلالة أن الله سبحانه و تعالى طلب منهم الإقرار و لو لم يكن حجة لما طلبه منهم.
وقال تعالى أيضا “وآخرون اعترفوا بذنوبهم”.
أما في السنة النبوية فجاء ما روي أن ماعزا أقر بالزنا فرجمه الرسول – صلى الله عليه وسلم – وكذلك حديث الغامدية في صحيح مسلم وفي قضية العسيف قوله:”….يا أنِيسَ إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها” فقد أثبت الرسول – ص – الحد بالاعتراف، أما في الإجماع أجمعت الأمة على صحة الإقرار وكونه حجة من رسول الله – ص – إلى يومنا هذا.

 رابعا: قانونا:
عرفته المادة 341 ق.م.ج. بمايلي: “الإقرار هو اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه و ذلك أثناء السير في الدعوى المتعلقة بها الواقعة.”
فالإقرار حسب هذا التعريف لا يتضمن إنشاء حق جديد في ذمة المقرِّ، وإنما هو عبارة عن نزول الحق في المطالبة بإثبات الواقعة من طرف الخصم الذي يدعيها، ومن ثم قيل أن الإقرار هو من الأدلة المعفية من الإثبات وليس من الضروري أن يكون الإقرار تعبيرا مطابقا للحقيقة والواقع لأنه تعبير صادر من الخصم، فقد يكون واقع لأجل إخفاء الحقيقة ذاتها أو للإضرار بالغير أو للتحايل على القانون وعليه فأن من الطبيعي أن يفترض وجود خلاف بين معطيات الإقرار وبين الحقيقة المجردة ،ولكن لا مناص من أن يفترض وجود خلاف بين معطيات الإقرار بالحقيقة ذاتها لأن المرء غالبا لا يتصرف تصرفا مضرا بنفسه، ويعرف الأستاذ السنهوري الإقرار بأنه:”اعتراف شخص بادعاء يوجهه إليه شخص آخر”.

 الفرع الثاني: خصائص الإقرار
على ضوء التعريف السابق للإقرار تتحدد خصائصه في النقاط الآتية:

 أولا: الإقرارعمل قانوني
يعتبر الإقرار عمل قانوني لأنه تعبير عن اتجاه إرادة المقر نحو إحداث أثر قانوني معين هو ثبوت الحق في ذمته وإعفاء المقر له من عبئ إثبات هذا الحق ومن هنا يشترط في الإقرار ما يشترط في سائر الأعمال القانونية الأخرى، من ضرورة تمتع المقر بإرادة معبرة ويترتب على اعتبار الإقرار عملا قانونيا أنه ملزم بذاته وليس بحاجة إلى قضاء القاضي.

 ثانيا: الإقرارعمل إخبار.
الإقرار لاينشئ حقا جديدا وإنما هو إخبار بحدوث واقعة معينة في وقت مضى أو ثبوت حق معين قبل تاريخه ولأن إنشاء الحق غير الاعتراف به فقد يشترط القانون شكلا معينا لتصرف قانوني ما كالكتابة مثلا فهذه تكون دليل إثبات لا إقرار، إما ما يكتبه المدين أو ما يصرح به على نفسه بالحق ذاته فهو إخبار بوجوده بعد إنشائه.
ولما كان المقر به خبرًا فإنه قبل الإقرار به يتساوى فيه إحتمال الصدق وإحتمال الكذب ولكن بمجرد صدوره يصبح إحتمال صدقه أقوى من إحتمال كذبه، فيعتبر الإقرار بذلك قرينة قانونية على حقيقة المقرّ به وهذه القرينة غير قاطعة، إذ يجوز لمن تكون له مصلحة في هدمها أن يثبت كذب الإقرار.
ولأن الإقرار عمل قانوني إخباري فهو مقرر لوجود الحق المقر به وليس منشأ له.

 ثالثا: الإقرارعمل قانوني من جانب واحد
يقع الإقرار بإرادة المقر المنفردة وينتج أثره دون حاجة بقبول المقر له، وبمجرد صدور الإقرار يلتزم المقر به ولا يستطيع الرجوع فيه حتى لو لم يقبله المقر له.
ويستوي في ذلك أن يكون الإقرار قد صدر من المقر أثناء استجوابه أو من تلقاء نفسه، كما يستوي أن يكون الإقرار شفويا أو مكتوبا ويحسن في حالة الإقرار الشفوي أن يطلب المقر له تدوين هذا الإقرار إذا أراد أن يتمسك به حتى لا يكون محل نزاع في المستقبل، وإذا ورد في الإقرار ما يضر بمصلحة المقر له فانه يستطيع أن يتجاهل الإقرار ويثبت دعواه من طريق آخر كما يستطيع إقامة الدليل على عدم صحة الجزء الذي جاء في الإقرار ضارا به.

 رابعا: الإقرار إعفاء من الإثبات.
يعتقد العلامة “بارتان” أن الإقرار هو تحويل لموضوع الإثبات وأنه عبارة عن قرينة قانونية، لان المشرع يستنتج من واقعة الإقرار المعروفة واقعة أخرى مجهولة هي وجود الحق أو الواقعة المعترف به.
ويرى بعض الفقهاء أن الإقرار هو قلب لعبئ الإثبات، لأن الأصل في الإثبات أن المدعى ملزم بتقديم البينة فإذا أقر المدعى عليه بالحق فإن ذلك إعفاء للمدعي من تقديم البينة إلا أن بعضهم يرون في الإقرار قرينة قانونية لكون المشرع الفرنسي صنف الإقرار في باب القرائن، فتلك في نظرهم حالة من حالات تحويل موضوع الإثبات أقرها المشرع، وبذلك يرجعون إلى نظرية “بارتان” التقليدية.

المطلب الثاني: أنواع الإقرار

الإقرار قد يأخذ إحدى الصورتين، فإما أن يكون أمام القضاء، فيمس بإقرار قضائي، أو أن يكون خارج القضاء فيمس بإقرار غير قضائي وسندرس كلا النوعين في الفروع التالية:

 الفرع الأول: الإقرار القضائي
الإقرار القضائي هو الذي يقع أثناء الخصومة ويتوقف عليه حل النزاع حلا جزئيا أو كليا، فالإقرار القضائي هو اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه وذلك أثناء سير الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة طبق نص المادة 341 ق.م.ج وإذا كان الأصل في الإقرار بوجه عام أنه اعتراف الشخص بواقعة من شأنها أن تنتج آثار قانونية حيث تصبح في غير حاجة إلى الإثبات ويكون هذا الاعتراف خلال السير في الدعوى أمام محكمة قضائية سواء كانت مدنية أو تجارية أو سواء كانت تابعة لجهة القضاء المدني أو الإداري، ويشترط أن تكون المحكمة أو الهيئة القضائية التي تصدر الإقرار في مجلسها مختصة، إلا إذا كان عدم اختصاصها ليس متعلقا بالنظام العام ولم يثره أحد الأطراف، وبناءا عليه فان الإقرار الذي يقع أمام جهة إدارية كمجلس التأديب لا يعتبر إقرارا قضائيا.
والإقرار القضائي يملكه الخصم نفسه أو نائبه فإذا كان الإقرار حاصلا بمعرفة الخصم نفسه فلا يكون ملزما له إلا إذا كان يملك التصرف في الحق المتنازع فيه، فالقاصر والمحجور عليه لا يلتزمون بإقرارهما، ولا يعد إقرارا بالمعنى القانوني الإقرار الحاصل من محامي الخصم في المرافعات أو المذكرات دون أن يكون موكلا بصفة خاصة في الإقرار.

 الفرع الثاني: الإقرار غير القضائي
إن الإقرار غير القضائي هو الذي يصدر خارج مجلس القضاء أو يصدر أمام القضاء ولكن في دعوى أخرى لا تتعلق بموضوعه، وهو عمل قانوني ويتم بإرادة منفردة ويعتبره بعض الفقهاء من أعمال التصرف، ومن ثم يجب أن تتوافر فيه شروط التصرف القانوني.
ومن أمثلة الإقرار غير القضائي الإقرار الذي يصدر في دعوى أخرى بين نفس الخصوم أو الذي يصدر أثناء تحقيق تجريه النيابة العامة أو تحقيق إداري، وقد يكون الإقرار شفاهة كما قد يكون كتابة ترد في رسالة أو في أي ورقة أخرى غير معدة لإثبات الواقعة محل النزاع، والإقرار غير القضائي إذا حدده المقر بالحدود التي كانت له تماما أمام القضاء وفي أثناء السير في الدعوى المتعلقة بموضوعه فان صفته الأولى تزيله ويصبح إقرارا قضائيا.
ويخضع إثبات الإقرار غير القضائي عند الإنكار للقواعد العامة في الإثبات فإذا كان الحق المطالب به لا تزيد قيمته على مائة ألف دينار جزائري جاز إثبات صدور الإقرار بشهادة الشهود وبالقرائن وان جاوزت قيمة الحق هذا القدر وجب إثبات الإقرار بالكتابة أو مايقوم مقامها في الحالات التي تجوز فيها شهادة الشهود استثناء.

المبحث الثاني: شروط الإقرار وحجيته في الإثبات

الإقرار باعتباره طريق يعطي المقر له من إثبات إدعاءاته يقوم على شروط ومتى ترتب عليه آثار وهي الحجية التي يتمتع بها وهو ما سنتطرق إليه في النقاط التالية:

المطلب الأول: الشروط الواجب توفرها في الإقرار والجزاءات المترتبة عن تخلفها.

سنتناول في المطلب الأول شروط الإقرار، أما في الفرع الثاني فسنخصصه إلى تبيان الجزاءات المترتبة عن تخلف أحد هذه الشروط.

 الفرع الأول: الشروط الواجب توفرها في الإقرار
عرفت المادة 341 ق.م.ج الإقرار القضائي فقالت “الإقرار القضائي هو اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه، وذلك أثناء السير في الدعوى المتعلقة بها الواقعة “، ومن هذا يتبين أنه يجب أن يتوافر في الإقرار القضائي وهو الإقرار المقصود في الإثبات ثلاثة شروط وهي:

 أولا: صدور الإقرار من الخصم.
لكي يكون الإقرار قضائيا فيجب صدوره من الخصم في الدعوى، وهذا واضح من نص المادة 341 ق.م.ج، وهذا شرط بديهي لأن الخصم في الدعوى هو الذي يملك الإعتراف بالواقعة محل النزاع، ويستوي صدور الإقرار من الخصم شخصيا، أو من نائب عنه يكون له حق الإقرار، ويجب أن تتوافر في المقر أهلية التصرف في الحق المقر به وأن يكون رضاه خاليا من العيوب، فلا يرتب الإقرار أثره إذا صدر من عديم الأهلية أو ناقصها، وإذا صدر من النائب القانوني فيجب أن يكون بإذن من المحكمة في الحدود التي يجوز إعطاء هذا الإذن فيها، ولا يجوز للوكيل أن يقر عن موكله إلا إذا كان مفوضا في ذلك بموجب عقد الوكالة، والمحامي لا يملك الإقرار على موكله إلا بمقتضى توكيل خاص.

 ثانيا: صدور الإقرار أمام القضاء
وهذا الركن يميز الإقرار القضائي عن الإقرار غير القضائي، فالإقرار الذي لا يصدر أمام القضاء لا يعد إقرارا قضائيا، ويعتبر قضاءًا كل جهة نظمها القانون من جهات القضاء فلا يقتصر ذلك على القضاء المدني وحده، ويعتد بالإقرار الصادر أمام القضاء التجاري والإداري وقضاء الأحوال الشخصية وكذلك يعتد بالإقرار الصادر في دعوى مسؤولية مدنية مرفوعة أمام القضاء الجزائي، كذلك أمام القاضي المنتدب للتحقيق أو الاستجواب، أما الإقرار أمام النيابة والتحقيق والخبراء فلا يعتبر إقرارا قضائيا لأن هذه الجهات ليست جهات قضاء، والاعتراف في خطاب أرسل إلى الخصم ولو أثناء سير الدعوى بل يجب أن يكون في مجلس القضاء سواء كان شفهيا أو تحريريا في مذكرة تقدم للمحكمة.

 ثالثا: صدور الإقرار أثناء سير الدعوى.
ومقتضى هذا الركن أن الإقرار يصدر في خلال إجراءات الدعوى التي يكون فيها الإقرار دليل الإثبات، فيصح أن يكون في صحيفة الدعوى ذاتها أو في المذكرات التي يرد بها على الدعوى أو طلبات معلنة للخصم أو أثناء المرافعة أو خلال استجواب تجريه المحكمة، أما الإقرار الذي يصدر في دعوى أخرى سابقة ولو بين الخصمين والإقرار الوارد في صحيفة الدعوى غير دعوى النزاع والأقوال الصادرة من أحد الخصوم أمام الخبير المنتدب في دعوى غير الدعوى المنظورة فلا يعتدّ به إلا باعتباره إقرارا غير قضائي.

 الفرع الثاني: الجزاءات المترتبة عن تخلف شروط الإقرار

 أولا: الجزاءات المترتبة عن تخلف شروط الإقرار بالنسبة للخصم
إذا كان المقر بالغا صح إقراره بلا خلاف إذا توفرت شروط صحة الإقرار، فإن لم يكن المقر بالغا سن الرشد فان الحكم في إقراره يختلف ما إذا كان غير مميزأو كان مميزا باختلاف ما إذا كان ما أقر به يوجب عقوبة بدنية أو كان يوجب حقا ماليا.
أما إذا كان المقر مجنونا لا يؤخذ بإقراره وإذا كان هازلا في إقراره فإن هذا القرار باطلا، وإذا علم من الإقرار كذب المقر كان باطلا.

 ثانيا: الجزاءات المترتبة عن تخلف شروط الإقرار بالنسبة لموضوع الإقرار.
إذا لم يقر المقر أمام القضاء وأثناء السير في الدعوى ففي هذه الحالة أيضا بطل إقراره، بحيث لا يعد إقراره في هذه الحالة أقرارا قضائيا، وهذا بمفهوم المخالفة لنص المادة 341 ق.م.ج.

المطلب الثاني: حجية الإقرار.

مما لاشك فيه فان الإقرار يعد طريق من طرق الإثبات، لكن كيف يتعامل معه القاضي؟ فالأمر يختلف بالنسبة للفرق القائم بين الإقرار القضائي والإقرار غير القضائي.
وعليه فان الإقرار القضائي هو حجة قاطعة على المقر وأما الإقرار غير القضائي هو موكول للسلطة التقديرية للقاضي.

 الفرع الأول: حجية الإقرار القضائي
الإقرار القضائي حجة قاطعة على المقر ولا يجوز إثبات عكسها ولا يمكن لمن أصدره الرجوع عنه ولا يجوز تجزئته، وقد نص المشرع الجزائري على حكمين فقط في المادة 342 من ق.م منه فذكر أن الإقرار حجة قاطعة على المقر كما نص على حكم عدم التجزئة، ولدراسة حجية الإقرار القضائي نتناول أحكامه الثلاثة الآتية:

 أولا: الإقرار القضائي حجة قاطعة على المقر
بينت هذه الحجة المادة 342 ق.م.ج. بقولها:”الإقرار حجة قاطعة على المقر ولا يتجزأ الإقرار على صاحبه إلا إذا قام على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتما وجود الوقائع الأخرى.”
ويقصد بما جاء في الفقرة الأولى من المادة 342 ق.م.ج أن الإقرار القضائي إذا صدر فإنه يكون بذاته حجة على المقر فلا يكون الخصم الأخر مطالبا بتقديم دليل آخر ويتعين على القاضي الحكم بمقتضى هذا الإقرار من تلقاء نفسه.” والإقرار لا يكون حجة إلا على المقر وخلفائه و يتأثر به الدائنون بطريق غير مباشر وهذا وذاك طبقا للتفصيل الذي تقدم بيانه”.
ولكن كون الإقرار ملزما بذاته للمقر لا يمنع من أن يطعن المقر في إقراره بأنه صوري تواطأ عليه مع خصمه أو أنه وقع نتيجة غلط أو تدليس أو إكراه أو أنه صدر منه وهو ناقص أهلية فإذا ما أثبت ذلك بالطرق الجائزة قانونا بطل الإقرار، أما الإقرار الصحيح فلا يجوز الرجوع فيه ولا يمكن إثبات عكسه، فهو إذن حجة قاطعة على المقر.

 ثانيا: عدم جواز العدول عن الإقرار القضائي
القاعدة هي أن الإقرار لا يقبل الرجوع عنه بعدما صدر من المقر، وهل هذه القاعدة هي مقيدة بظرف الزمان بحيث يعتد بالإقرار من اليوم الذي صدر فيه، و لا يجوز أصلا الرجوع عنه، أو لا يمكن للمقر الرجوع عن إقراره إذا تمت موافقة الخصم بالأخذ به ؟
فالمسألة كانت محل اختلاف في الإجتهاد القضائي ويجوز الرجوع عن الإقرار في حالة الخطأ المادي.

 ثالثا: عدم تجزئة الإقرار القضائي
نصت الفقرة الثانية من المادة 342 ق.م.ج على هذه القاعدة فقالت:”ولا يتجزأ الإقرار على صاحبه إلى إذا قام على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتما وجود الوقائع الأخرى.”
فمقتضى هذه القاعدة لا تجوز تجزئة الإقرار، فالمقر له إما أن يأخذ بالإقرار كله أو يتركه كله، ولكن لا يستطيع أن يأخذ من الإقرار ما يفيده ويترك منه ما يضره ولكن هذه القاعدة لا تنطبق على كل صور الإقرار فالمهم ألا تحول دون إفادة المقر له في الدعوى بالإقرار فيستطيع الإفادة من الإقرار بوصف آخر لا يتقيد بعدم التجزئة وعليه نجد أن للإقرار الصور الآتية:

أ- الإقرار البسيط:
وهو إعتراف كامل بكل ما يدعيه الخصم دون إضافة أو تعديل، ومثاله أن يدعي الدائن أنه أقرض المدعى عليه مبلغا معينا فأقر المدعى عليه فإنه إقترض من المدعي هذا المبلغ المعين ولم يزد على ذلك شيئا كان هذا الإقرار بسيطا وفي هذه الحالة لا يكون محلا للبحث في التجزئة لأن الإقرار كله يتمخض لصالح الدائن فيأخذ به كما هو كاملا.

ب- الإقرار الموصوف:
وهو الذي ينصب على واقعة مدعى بها، لكنها مقترنة بشرط غير من جوهرها أو طبيعتها، مثل الإقرار الصادر من المشتري الذي يعترف بوجود عقد بيع، لكنه يدعي بأن الثمن ليس هو المطلوب من البائع فهذا الإقرار لا يقبل التجزئة.

ج- الإقرار المركب:
كما الذي يعترف فيه الخصم بالواقعة المدعى بها، لكنه يضيف فيها أو يربطها بواقعة أخرى والتي قد تنقص من قوة الإقرار المتصل بالواقعة الأصلية مثل المدين الذي يعترف بالدين لكنه يدعي بتبرئة ذمته من كل دين بسبب الوفاء، والأصل في الإٌقرار المركب أنه لا يتجزأ على صاحبه “المقر” فإذا أقر المدين أنه إقترض من الدائن “المدعي” ولكنه وفاه فلا يجوز للدائن إلا أن يأخذ الإقرار كله أو يطرحه كله، فحكم الإقرار المركب لا يتجزأ كلما قام بين واقعتين ارتباط وثيق تكون الواقعة المضافة نتيجة للواقعة الأصلية، وهذا ما عبرت عنه المادة 342 ق.م.ج/2 حيث نصت: “ولا يتجزأ الإقرار على صاحبه إلا إذا قام على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتما وجود الوقائع الأخرى.” فارتباط الواقعتين على النحو الذي ذكرناه يعني أن المقر له لم يقصد أن يلزم نفسه بشيء وبذلك لا يجوز للمقر له “الدائن” أن يفصل بين الواقعتين ليستفيد من الواقعة الأصلية ويترك الواقعة المرتبطة بها.

 الفرع الثاني: حجية الإقرار غير القضائي
إن الإقرار غير القضائي هو موكول إلى السلطة التقديرية للقاضي وتترتب عليه آثار:

 أولا: السلطة التقديرية للقاضي في الإقرار غير القضائي
من المعلوم أن م341 ق.م.ج نصت فقط على الإقرار القضائي وأكدت م 342 ق.م.ج أن له حجة قاطعة على المقر وبالتالي فإن القانون المدني لم يتحدث عن الإقرار غير القضائي، وفي غياب نص يتكلم عن الإقرار غير القضائي ومدى حجيته فيكون للقاضي حرية التصرف في التعامل معه حسب إقتناعه الشخصي دون أن يخضع لرقابة المحكمة العليا.

 ثانيا: الآثار التي تنجر عن السلطة التقديرية للقاضي
هناك صورتان:
(أ): الإقرار غير القضائي هو قابل للتجزئة على أن القاضي يركز إقتناعه على التصريح الأصلي دون الإعتماد على التصريح الإضافي مثاله كأن يعترف شخص في رسالة بأنه مدين و في تصريح آخر له يضيف أنه سدد ما عليه، ففي هذه الحالة لا يجوز أن يتمسك بمبدأ عدم التجزئة وعلى القاضي أن يأخذ بالإعتراف الوارد في الرسالة فقط.
(ب): يجوز للقاضي أن يأخذ بعين الإعتبار الرجوع عن الإقرار غير القضائي فيما هو متفق عليه فقها وقضاء.

الخاتمة

ومن خلال ما تقدم تظهر لنا الأهمية البالغة التي يكتسبها موضوع الإقرار فهو يعتبر كنقطة تحول فاصلة في الدعوى، فهو ينشئ حقا للمقر له، ويسقط حقا للمقر، فيضع حدا للنزاع القائم والقاضي ملزم بالأخذ به لهذا سمي سيد الأدلة.

قائمة المراجع

أولا: القرآن الكريم

ثانيا: الكتب

1/ د.الغوثي بن ملحة، قواعد وطرق الإثبات ومباشرتها في النظام القانوني الجزائري، الطبعة الأولى، دار الجامعة للنشر والتوزيع، الجزائر 1981.

2/ د.محمد حسن القاسم، أصول الإثبات في المواد المدنية و التجارية، دون طبعة، منشورات حلبي.

3/ د.محمد صبري السعدي، الواضح في شرح القانون المدني، الطبعة الأولى، دار هومة للنشر، الجزائر 2008.

4/ د.محمد حسين منصور، الإثبات التقليدي والإلكتروني، دون طبعة، دار الفكر الجامعي، مصر 2006.

5/ د.عبد الرزاق أحمد السنهوري، قواعد الإثبات في المواد المدنية و التجارية، دون طبعة، منشورات حلبي الحقوقية، مصر 1998.

6/ د.يحي بكوش، أدلة الإثبات في القانون المدني الجزائري والفقه الإسلامي، دون طبعة، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر1981.

ثالثا: رسائل تخرج

1/ مرجي دليلة، طرق الإثبات في القانون المدني الجزائري، مذكرة تخرج لنيل شهادة الدراسات الجامعية التطبيقية، فرع قانون عقاري، جامعة التكوين المتواصل بالبويرة 1999-2000.

رابعا:النصوص القانونية

1/ الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان1395 الموافق لـ 26 سبتمبر 1975 يتضمن القانون المدني ( الجريدة الرسمية العدد 78 المؤرخة في 30/09/1975).
المعدل والمتمم لقانون رقم 07-05 المؤرخ في 13 مايو 2007.

فهرس المحتويات

مقدمة: …………………………………………………………………………………………………………………………01
المبحث الأول: مفهوم الإقرار…………………………………………………………………………………………..03
المطلب الأول: تعريف الإقرار وخصائصه……………………………………………………………………….03
 الفرع الأول: تعريف الإقرار……………………………………………………………………………..03
 الفرع الثاني: خصائص الإقرار………………………………………………………………………….06
المطلب الثاني: أنواع الإقرار……………………………………………………………………………………..08
 الفرع الأول: الإقرار القضائي…………………………………………………………………………..08
 الفرع الثاني: الإقرار غير القضائي……………………………………………………………………..09
المبحث الثاني: شروط الإقرار وحجيته في الإثبات………………………………………………………………….10
المطلب الأول: الشروط الواجب توفرها في الإقرار والجزاءات المترتبة عن تخلفها…………………….10
 الفرع الأول: الشروط الواجب توفرها في الإقرار…………………………………………………….10
 الفرع الثاني: الجزاءات المترتبة عن تخلف شروط الإقرار………………………………………….12
المطلب الثاني: حجية الإقرار……………………………………………………………………………………..13
 الفرع الأول: حجية الإقرار القضائي……………………………………………………………………13
 الفرع الثاني: حجية الإقرار غير القضائي……………………………………………………………..16
الخاتمة: ………………………………………………………… …………………………………………………………….18
قائمة المراجع: ………………………………………………………………………………………………………………….19