المسؤولية الجزائية لأمين الفلسة

الاستاذ محمد اليحياوي

تقوم المعاملات التجاريّة عموما على مبدأ الإئتمان التجاري، إذ أن التاجر يقف عاجزا على تحقيق أهدافه بمعزل عن مساعدة غيره، فظهرت فكرة التخصّص وإهتم بعض الأفراد بالنشاط التّجاري كحرفة لهم ([1]) . لكن نموّ المعاملات التجاريّة وإزدهارها لا يتحقّقان إلا متى توفّرت الثقة اللّازمة بين أطراف العلاقة التجاريّة. وقد سعت جلّ التشاريع إلى تأصيل هذا المبدأ في المادة التجاريّة وذلك بوضع نظام قانوني لإستئصال التاجر الذي يدخل اضطرابا على المعاملات التجاريّة وإبعاده بصفة نهائية عن الحركة الإقتصادية بإعلان إفلاسه في صورة توقفه عن دفع ديونه وإخلاله بإلتزاماته تجاه الغير، وهو عين ما ذهبت إليه المحكمة الإبتدائية بقرنبالية في حكمها عدد 182 المؤرخ في 30 جوان 1968 والذي جاء فيه: “الإفلاس حالة واقعية تفيد أن التاجر قد إضطرب إضطرابا جعل جميع ماله يستغرق جميع ما عليه فوصل به الإرتباك المالي إلى مأزق لا منفذ له منه صير حالته ميؤوسا منها“2.

ويعرّف الإفلاس في اللّغة بأنه الإنتقال من حالة اليسر إلى حالة العسر، فدلالته اللغوية تشير دون لبس أو إبهام إلى العجز المالي (3) وإذا كان ذلك معناه العام فإن للإفلاس في لغة القانون معنى أخص، فهو أسلوب للتنفيذ الجماعي على أموال المدين التّاجر الذي توقف عن دفع ديونه التجاريّة في ميعاد إستحقاقها وذلك بتصفية هذه الأموال وبيعها تمهيدا لتوزيع ثمنها على الدائنين قسمة غرماء(4) .

والإفلاس نظام يطبق على التّاجر الشخصي الطبيعي أو المعنوي وذلك متى توفرت شروطه وهو الحل المعتمد في أغلب الشرائع قديمها وحديثها غير أنه يختلف بإختلاف سببه إلى ثلاثة أنواع.

أوّلها الإفلاس البسيط وفيه يكون المدين حسن النيّة سيّئ الحظّ نتج عجزه المالي وتوقفه عن الوفاء بإلتزاماته لأسباب لا دخل له فيها كحريق شبّ في متجره أتى عليه أو غرق بضاعته أو نتيجة أزمة إقتصادية طارئة (1) .

وثانيها إفلاس بالتقصير وهو الذي يرجع سببه لأخطاء إرتكبها التّاجر أو تقصيرا صدر عنه كإسرافه في المضاربات أو بسبب إنفاقه على شؤون حياته بما لا يتّفق ووسطه وقدرته الماليّة، أو أنفق أموالا طائلة على عمليات وهميّة أو لم يمسك حسابات مطابقة لعرف المهنة وحسب أهميّة تجارته … إلخ(2).

وثالثها إفلاس بالتدليس والذي تبرز فيه سوء نيّة التّاجر ولا تقف عند الإهمال المجرّد إنما يتعمد الإضرار بدائنيه كما لو أخفى دفاتره التجاريّة أو أعدمها أو غير فيها أو إختلس أمواله أو أخفاها أو بالغ في الديون التي عليه (3).

وقد عرف نظام الإفلاس تطوّرا عبر التاريخ بدءا من التنفيذ على شخص المدين المفلس وصولا إلى التنفيذ على أمواله وذلك إنسجاما مع قاعدة منع التنفيذ على الذّات التي تبنّتها جلّ الأنظمة القانونية الحديثة.

ونظام الإفلاس يرجع أصله إلى القانون الروماني، إذ عرف هذا القانون نظام التنفيذ الجماعي على أموال المدين الذي لا يقوم بالوفاء سواء كان المدين تاجرا أو غير تاجر. وقد بدى هذا النظام قاسيا على المدين لتقريره نظام التنفيذ الجسدي La Menus Ingectio وذلك بتعذيب المدين حتّى الموت.

ثم حدث تطور مفاده أن المدين الذي يصرّح بإضطرابه المالي تكون له مهلة ثلاثين يوما من تاريخ تصريحه يستطيع خلالها تدبير أموره لتحرير نفسه من التعذيب الجسدي فإذا خاب رجاؤه ولم يوفق في الدفع خلال هذا الأجل يوضع تحت سطوة دائنيه مع منحه مهلة ستون يوما إضافيّة إذا استطاع أن يقدّم كفيلا أي شخص ذو رحمة يأخذ على عاتقه الوفاء بالدين وإلاّ يتعرّض المدين للموت أو يباع كرقيق.

وفي السنوات الأخيرة للإمبراطورية الرومانية، صدر قانون يستبدل ذلك النظام الصارم في التنفيذ على شخص المدين، بنظام التنفيذ على الأصول La bonorum venditio وبمقتضاه تنتقل حيازة أموال المدين جميعها إلى الدائنين ويتم بيع هذه الأموال وتوزيع الثّمن الناتج عنها بينهم توزيعا عادلا وهو ما يعتبر أول لبنة في نظام الإفلاس الحديث (1).

ومع ظهور الإسلام إحتوت شريعته على كثير من الأحكام التي تنظم العلاقة بين الدائنين والمدين الذي يتخلف عن الوفاء بما عليه من ديون، وتهدف هذه الأحكام إلى الحجر على المدين وبيع ماله وتقسيم الثّمن الناتج عن ذلك بين الدائنين قسمة غرماء، وبذلك لا يتاح للمدين التصرّف في أمواله إضرارا بالدائنين أو محاباة بعضهم على حساب البعض الآخر. وقد أجاز

بعض الفقهاء حبس المدين بحكم من القاضي بناءا على طلب الدائن إذا خيف من أن يكون للمدين مال يخفيه عن دائنيه (2).

وفي القرون الوسطى أخذت الجمهوريات الإيطالية بالنظام الروماني للإفلاس وأضافت إليه من القواعد ما إقترب به إلى حد ما من نظام الإفلاس الحالي كالإعتراف بأن الوقوف على الدفع هو مناط شهر الإفلاس وكذلك غلّ يد المدين المفلس عن إدارة أمواله والتصرف فيها وتحقيق الديون ورعاية المفلس بتقرير نفقة له([2]).

ثم إنتقلت هذه القواعد من المدن الإيطالية إلى فرنسا التي طبقت هذه القواعد على إعتبارها قواعد عرفية حتى تمّ تقنين بعضها بالأمر الفرنسي الخاص بتنظيم التجارة البرية والصادر سنة 1673 والذي طبق على جميع المدينين سواء كانوا تجارا أو غير تجار([3]).

غير أن ما تضمنه هذا القانون لم يشكّّل نظاما متكاملا حيث لم يشترط صدور حكم يشهر الإفلاس ولم ينص على مبدأ غل اليد ولم يضع تنظيما لإجراءات تحقيق الديون الأمر الذي رأى فيه المشرع الفرنسي خللا يجب إصلاحه ([4]) وهو ما تجسم مع صدور قانون التجارة لسنة 1807 حاصرا نظام الإفلاس على التجّار دون غيرهم متضمّنا تنظيما دقيقا ومفصلا لهذا النظام ([5]) من ذلك أنه أوجب على التاجر المتوقف عن دفع ديونه التصريح بذلك في أجل أقصاه 3 أيام وقرّر إبطال جميع الأعمال والتصرفات الصادرة منه بعد هذا التوقف وخلال العشرة أيام السابقة لذلك.

ثم توالت النّصوص المنظمة للمادّة وذلك تحت تأثير ضغط جانب كبير من الفقه والذي نادى بضرورة تعديل النص المشار إليه أعلاه خاصة وأنه يجب التفريق بين التّاجر حسن النّية وسيّئها شأنه في ذلك شأن بقية المدينيين من غير التجّار ([6]).

أما في تونس ومع صدور المجلة التجاريّة في 05 أكتوبر1959 تبنى المشرع التونسي الصلح الإحتياطي كحل أول والذي وقع إلغاؤه بموجب القانون عدد 35 المؤرخ في17 أفريل 1995 والمتعلق

بإنقاذ المؤسسات التي تمرّ بصعوبات إقتصادية والمنقح بموجب القانون الصادر في 15 جويلية 1999 وكذلك بقانون 29 ديسمبر 2003 قصد إحداث تغيير شامل في نظام الإجراءات الجماعيّة ([7]) وبذلك عوضت عقوبة الإفلاس بفكرة الإنقاذ مع الحفاظ على الإفلاس كإجراء إستئثنائي وثانوي([8]) لا يلتجأ إليه بصفة مبدئية ومباشرة إلا متى إستحال الإنقاذ أو في صورة التأكد كيفما وقع التنصيص على ذلك صلب الفصل 449 م ت.

وتم تنظيم الإفلاس مع صدور المجلة التجاريّة لسنة 1959 وذلك بالفصول 446 وما بعده من ذات المجلة. وكما هو معلوم فإن الإفلاس لا يكون إلاّ بحكم حيث نصّ الفصل 446 م ت بأن التفليس يتقرّر بحكم من المحكمة التي بدائرتها المقرّ الرئيسي للمدين التاجر الذي ثبت توقفه عن دفع ديونه، وهو إجراء له ما يبرره لأن ولاية القضاء مردّها خطورة الآثار المترتبة عن إعلان الإفلاس فبمجرد صدور الحكم القاضي بتفليس المدين، وحتى لا يتسابق الدائنون نحو التنفيذ الفردي على أمواله أقر المشرع حلا جماعيا تم بموجبه تجميع الدائنين في إطار هيكل قانوني سمّي بجماعة الدائنين وأقام عنهم وكيلا لإدارة أموال الفلسة يحول بين المدين والإضرار بحقوق الدائنين فنكون بذلك أمام مدين مفلس غلّت يده عن التصرّف وجماعة الدائنين التي تقف عاجزة بدورها عن مباشرة مالها من الحقوق فكان لزاما أن تنيب المحكمة شخصا طبيعيا توكل إليه مهمة الإدارة والتصرف وهو أمين الفلسة والذي يمثّل حجر الزاوية في تسيير إجراءات الفلسة وهمزة وصل بين جميع أطرافها.

ويعتبر أمين الفلسة القائم الأساسي بإجراءاتها لما له من دور في إنجاح السياسة الموجهة للفلسة خاصة وإن وقفنا على غاية المشرع من إجراءات الفلسة وهي إبقاء المؤسّسات الإقتصادية مستمرّة في نشاطها فيكون بذلك أمين الفلسة في هذه الحالة المنقذ لهذه المؤسسات الإقتصادية المتعثّرة التي تمرّ بصعوبات مادية.

ولا شك في أنّ أمين الفلسة يعتبر ركنا أساسيا لمباشرة إجراءات الفلسة إذ يتولى إدراة أموال المفلس منذ إفتتاح الفلسة ويتّخذ الإجراءات الإحتياطية للمحافظة على حقوق الدائنين ويقوم بتصفية الموجودات وبيع أموال الفلسة بالمزاد العلني لتسديد الديون عند عدم إنتهاء الفلسة بالصلح بشكل أمكن معه الحديث عن إستئثاره بجل الأعمال المتصلة بالتفليس فيكون الدور المناط بعهدته من الأهمية بمكان مما يستوجب توفر جملة من الشروط والصفات لإضطلاعه بمهامه.

ولإنجاز جملة هذه الأعمال لا بد أن تتوفر جملة من الشروط في أمين الفلسة أهمهما شرطا الأمانة والنزاهة الضروريان لإنجاح نظام الإفلاس ينضاف إليهما شرط الكفاءة والمعرفة بمجال الأعمال بصفة عامة والتجارة بصفة خاصة وهو ما حرص قانون 11 نوفمبر 1997 على ضمانه.

وقديما كانت بعض القوانين الأجنبية ومنها القانون الروماني تعين أمين الفلسة من بين عدة أشخاص يرشحهم الدائنون أنفسهم دونما تحديد لقائمة أشخاص تتوفر في جانبهم صفات معينة إذ يمكن أن يكون أمين الفلسة أحد الدائنين كما يمكن أن يكون غيرا تعهد إليه جملة من الأعمال يتولاها مجانا، في حين أن بعض التشاريع الأخرى لم تعرف مؤسسة أمين الفلسة إطلاقا إذ يقع التنفيذ مباشرة على أموال المدين المفلس لإستخلاص الديون.

أما حديثا فقد حضي أمين الفلسة بمزيد من الإهتمام خاصة من حيث الشروط وطرق التعيين، ففي إيطاليا مثلا تكلف الغرفة التجاريّة بوضع جدول تضمن به أسماء من تتوفر فيهم الصفة لإدارة الفلسات ويقع تعديل هذا الجدول كل ثلاث سنوات في حين نظمت فرنسا مهنة أمناء الفلسة في نطاق هيئة مهنية (1).

أما في تونس، فلقد تبنّت المجلّة التجاريّة نظام إختيار أمين الفلسة من قبل المحكمة (الفصل 470 م ت) والتي لها مطلق الحرّية في تعيين أمين أو أمناء للفلسة على أن لا يزيد عددهم عن الثلاثة مع مراعاة التحاجير المنصوص عليها بالفصل 471 م. ت وهو ما عمل القانون الأساسي المتعلق بمهنة أمناء الفلسة على تدعيمه (2) .حيث جاء بفصله الأول أن أمين الفلسة مساعد للقضاء يخضع في ممارسة مهامه لأحكام هذا القانون والتشاريع الجاري بها العمل ما لم تتعارض معه وذلك بمقنضى تكليف من المحكمة والتي تتولى بدورها مراقبته بمجرد تعيينه إستنادا إلى القائمة التي يقع ضبطها ومسكها من قبل وزارة العدل (الفصل3) وذلك بعد التأكد من توفر جملة الشروط المنصوص عليها بالفصل الرابع من ذات القانون.

والمتأمّل في جملة تلك الشروط يتبين أنها تجتمع لتخاطب جوانب ثلاثة في شخص أمين الفلسة أولها الشرف والأمانة وثانيهما القدرة المادية أو القانونية وثالثها المعرفة والتجربة وهي شروط على قدر من الأهمية لضمان حسن سير إجراءات الفلسة ونجاح نظام الإفلاس عموما.

وأمام وجود مؤسسات مشابهة لمؤسسة أمين الفلسة فإنه يجب بيانها للوقوف على الإختلافات التي تميز بينها وفي هذا الإطار يمكن المقارنة بين:

* أمين الفلسة والمصفّي القضائي:

المصفّي القضائي هو شخص يختاره الشركاء أو تعيّنه المحكمة عند الإقتضاء لإجراء الأعمال اللازمة لإنهاء الوجود المادي للشركة وتمثيل الذات الإعتبارية الباقية والقيام بمهامها وإدارة أعمالها، وحسب هذا التعريف فللمصفّي دور يلتقي مع دور أمين الفلسة عند ما يقوم هذا الأخير بتصفية أموال الفلسة في حال قيام إتحاد الدائنين كحلّ من الحلول التي يمكن أن تطرأ على الفلسة. لكن هذا التقارب في المهام لا يعني إستيعاب مهمة لأخرى ذلك أن مجالهما مختلف، ففي حين يتمحور دور أمين الفلسة حول إفلاس المؤسسة فإن مجال عمل المصفي هو إنحلال الشركة التجاريّة لسبب من الأسباب المنصوص عليها بمجلة الشركات(1).

* أمين الفلسة والمتصرّف القضائي:

يعيّن المتصرّف القضائي وجوبا في إطار قانون 17 أفريل 1995 الذي جعل منه هيكلا أساسيا من هياكل الإنقاذ وذلك برفع يد المدين عن التصرف كليا أو جزئيا خلال فترة التسوية والمساهمة في إيجاد الحلول الممكنة لإنقاذ المؤسسة من خلال برنامج الإنقاذ المكلف بإعداده.

ورغم التشابه بين أمين الفلسة والمتصرّف القضائي فإن دورهما مختلف، ففي حين يتولى أمين الفلسة إدارة أموال المدين نتيجة رفع يد المفلس بموجب حكم الإفلاس إضافة إلى حماية ممتلكات جماعة الدائنين من تصرفات المدين التعسفية فإن المتصرف القضائي تعهد إليه مهمة تسيير المؤسسة نتيجة رفع يد المدين بالإضافة إلى المساهمة في إيجاد الحلول الكفيلة بضمان مواصلة سير المؤسسة والمحافظة على مواطن الشغل فيها.

كما تجدر الإشارة إلى أن المنشآت ذات المساهمة العمومية لا تخضع لنظام الإفلاس المنصوص عليه بالمجلة التجاريّة بل لنظام تصفية منظم بقوانين خاصة وبالتالي فإن أمين الفلسة ينحصر مجال عمله بالنسبة للأشخاص الطبيعيين والمعنويين المتمتعين بصفة تاجر دون غيرهم.

وأمام جسامة المسؤولية الملقاة على عاتق أمين الفلسة والدور الأساسي الذي يلعبه في إنجاح إجراءات الفلسة سعى المشرع التونسي إلى توفير بعض الضمانات وذلك بتنظيم المسؤوليّة الجزائيّة لأمين الفلسة في صورة إرتكابه لبعض الجرائم دون أن ينفي ذلك وجود نظام المساءلة المدنية والتي يمكن أن تكون إما عقديّة أو تقصيريّة:

* المسؤوليّة العقديّة:

وهي مسؤولية تعاقديّة تجاه المدين المفلس وجماعة الدائنين ومبناها عقد الوكالة وهي وكالة قضائية على معنى الفصل 470 م ت لا وكالة قانون عام على معنى الفصل 1104 م إ ع حيث جاء بالفصل 470 م ت ناصا على أن الحكم بالتفليس يتضمن تعيين أمين أو عدة أمناء لهم صفة الوكيل القضائي وهو ما يجعل الأحكام المنظمة لعقد الوكالة تنسحب عليه خاصة تلك المتصلة بتقصيره أو خطئه على إعتبار أن مهمة الوكالة المسندة إليه بمقتضى حكم قضائي تجعله الفاعل الأول والأهم في إجراءات الفلسة إلى درجة ذهب معها الفقه إلى إعتبار أمين الفلسة “المسؤول الأول عن كل خطأ تسرب إلى إدارة أعمال الفلسة” (1) وهي مسؤولية مضاعفة على إعتبار أنه وكيل مأجور خاصة إذا كان ممثلا لذات معنوية تنزل قانونا منزلة الصغير وذلك تطبيقا لمقتضيات الفصل 5 م. إ.ع.

وهذا الموقف أملته الضرورة وتبناه الفقه وفقه القضاء في غياب نص صريح ضمن المجلة التجاريّة يكرس نظام المسؤولية المدنية لأمين الفلسة وهو ما وقع تلافيه مع صدور القانون عدد 71 لسنة 1997 في فصله 25 الذي جاء فيه:” يكون كل من المصفى والمؤتمن العدلي وأمين الفلسة والمتصرّف القضائي مسؤولا عن خطئه بمناسبة مباشرته لمهمته وفقا لقواعد القانون العام…” كما أضاف الفصل 26 منه: “يحافظ كل من المصفي والمؤتمن العدلي وأمين الفلسة والمتصرف القضائي على الوثائق التي تسلمها بموجب مهمته ويرجعها فور إستيفاء الحاجة منها…”

وبالجمع بين الفصلين يمكن القول بأن أمين الفلسة حال مباشرته لمهمته لا يعتبر وكيلا فحسب بل مودعا لديه، وعليه فإن قواعد المسؤولية العقدية تقوم على أساسيين إثنين هما عقدي الوكالة والوديعة تجاه كل من المدين المفلس وجماعة الدائنين وذلك قصد الحصول على تعويض كنتيجة للأضرار اللاحقة بهم. لكن الإشكال المطروح يتعلق بأهلية القيام لدى القضاء للمطالبة بغرم الضرر، فجماعة الدائنين لا يمكنها القيام إلاّ بواسطة أمين الفلسة وكذلك هو الشأن بالنسبة للمدين المفلس الذي غلّت يده ومن البديهي أنه لا يمكن أن نتصوّر بأن أمين الفلسة يقوم ضدّ نفسه لذلك فإن الحلول الممكنة للخروج من هذا المأزق القانوني تنحصر في ثلاث:

أولها حالة تعدد الأمناء المنصوص عليها بالفصل 470 م.ت وفي هذه الحالة يجوز القيام بواسطة أحدهم متى كانت المسؤولية مجزأة أو قابلة للتجزئة بموجب ترخيص ممنوح لأحدهم من قبل القاضي المنتدب لكنه حل يبقى قاصرا عن فضّ هذا الإشكال القانوني وذلك بالرجوع لمقتضيات الفصل 472 م ت ([9]).

أما الحلّ الثاني فيتمثل في إمكانية التظلم لدى القاضي المنتدب قصد تعهيد المحكمة لتعويض أمين الفلسة بغيره والذي يتولى بدوره مباشرة دعوى المسؤولية.

وأما الحل الثالث والأخير فبموجبه يمكن للمدين المفلس وجماعة الدائنين إنتظار ختم إجراءات الفلسة و إسترجاع حقهم في مباشرة الدعاوى فرادى للقيام على أمين الفلسة بدعوى المسؤولية.

ورغم أن مجمل هذه الحلول تطرح إشكالات عديدة على مستوى التطبيق إلا أن مسؤولية أمين الفلسة العقدية بوصفه وكيلا ومودعا لديه تبقى وسيلة ناجعة لأعمال التعويض الناجم عن خطئه ([10]).

لكن مسؤوليّة أمين الفلسة يمكن أن تكون تقصيرية إذا أضرّ بالغير الذي له مصلحة في الأموال التابعة للفلسة.

*– المسؤوليّة التقصيريّة :

قد تترتب على أمين الفلسة مسؤولية تقصيريّة بسبب الضّرر الذي يحدثه للغير بأعماله غير المشروعة وذلك في غياب رابطة عقدية تجمعه مع هذا الغير.

ويطرح التساؤل عما إذا كانت جماعة الدائنين تتحمل تبعة أخطاء أمين الفلسة وتلتزم تجاه الغير المتضرر من أفعال هذا الأخير؟.

يذهب الرأي السائد في الفقه إلى الأخذ بمسؤولية هذه الجماعة عن أخطاء أمين الفلسة كتابع لها تستطيع طلب عزله عند الإقتضاء كما تستفيد من نشاطه فيكون من العدل أن تتحمل تبعة هذه الأخطاء عملا بقاعدة الغنم بالغرم ([11]).

غير أن الرأي المخالف يعتبر أن أمين الفلسة ليس تابعا لجماعة الدائنين ولا يمكن أن تسأل عن أفعاله إذ أنها لا تختاره ولا يكون تحت إشرافها الفعلي، ويسندون مسؤولية جماعة الدائنين عن أخطاء أمين الفلسة إلى أحكام الوكالة معتبرين أن الجماعة تسأل عن أخطاء الوكيل الواقعة في حدود سلطته سيما إذا وافقت الجماعة على الأعمال المفيدة لها ولكنها لا تسأل عن الأفعال غيرالمشروعة الصادرة عن الوكيل إذا لم تتم بإسمها و لم تستفد منها لا سيما إذا تجاوزت نطاق الإختصاص المعين له ([12]).

وبعيدا عن كل جدل فقهي فإن مسؤولية أمين الفلسة التقصيرية ثابتة إذا ما إرتكب خطأ قد يكون إيجابيا أو سلبيا . فقد يخطئ أمين الفلسة بأن يدفع دينا غير ثابت أو يفوت في ممتلكات المدين المفلس بثمن بخس لا يتماشى وقيمتها الحقيقية. أما الخطأ السلبي فقد يتمثل في إهمال المطالبة مثلا بحقوق المدين المفلس على غيره، وكل هذه الأفعال لها تأثير سلبي ومباشر على الذمة المالية للمدين المفلس بسبب ترك أمين الفلسة ما وجب فعله أو فعل ما وجب تركه طبقا لمقتضيات الفصل 83 م إ ع أو بتسببه في ضرر عمدا منه حسب مقتضيات الفصل 82 م إ ع مع التذكير بصعوبة إثبات خطأ أمين الفلسة خاصة أنّ جلّ أعماله تخضع لرقابة وترخيص القاضي المنتدب، إلاّ أنه وفي صورة إثبات هذا الخطأ فإنه يقع إعمال قواعد المسؤولية التقصيرية ومطالبته بالتعويض طبق مقتضيات الفصل 107 م ا ع([13]). لكن الإشكال الذي طرح في فرنسا بقطع النظر عن التفرقة بين المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية تعلق بكيفية التعويض حيث جاء الفصل 6 من أمر 20-5-1955 ملزما بالتنفيذ على مبلغ تأمين مسؤولية أمين الفلسة المدنية وفي صورة عدم كفايته المرور للتنفيذ على مكاسبه الخاصة بعد ضرب رهن قضائي عليها([14]).

أما المشرّع التونسي فقد سكت عن هذه المسألة إلى غاية 11 نوفمبر1997 تاريخ صدور القانون المتعلق بتنظيم مهنة أمين الفلسة حيث إقتضى الفصل 39 منه: “أن كل أمين فلسة مرسم بالقائمة يبرم عقد تأمين يغطّي مسؤوليته المدنية الناتجة عن نشاطه وتودع نسخة منه بملفه الشخصي، ويحدد المبلغ الأدنى لعقد التأمين المشار إليه بقرار من وزير العدل ويراجع بنفس الطريقة على أن لا تدخل المراجعة حيز التنفيذ إلاّ بمضي عام من تاريخ نشر القرار”.

ولضمان سريان التأمين طوال مدّة المباشرة للمهام وتفاديا لإمكانية الإدلاء بشهادة تأمين سارية المفعول ساعة تقديم مطلب الترشّح للترسيم بالقائمة لكنها لا تغطّي كافّة المدّة، أضاف ذات الفصل أنه على أمين الفلسة أن يدلي إلى اللجنة المنصوص عليها بالفصل الثالث بشهادة في التأمين سارية المفعول تضاف إلى ملفه الشخصي بمعنى أنه ملزم بإثبات سريان مفعول هذه الشهادة بشكل دوري وإلا كان عرضة لإحدى العقوبتين المنصوص عليهما بالفصل 25 من قانون 1997 وهما الإنذار الذي يسلطه الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف الكائن بدائرتها مكتب أمين الفلسة أو الشطب من القائمة بقرار من وزير العدل وهو ما يشكل مسؤولية تأديبية أحدثها قانون 11 نوفمبر1997 بوصفه القانون المنظّم للمهنة.

وبناءا على ما تقدم يمكن القول أن المسؤولية المدنية لأمين الفلسة ثابتة وأكيدة على نحو يمكن معه إعمار ذمته المالية تجاه من تضررت حقوقه وهو لعمري أمر منطقي يتماشى مع ما أقرته جل التشاريع من حقوق بأن جعلت أجرته تحتلّ مرتبة الدين الممتاز بوصفه يدخل في نطاق ما يسمى بالمصاريف القضائية والتي تحتلّ مكانة متميزة في ترتيب الفصل 199 م. ح.ع (1) إضافة إلى تشبيهه في إطار قانون 1997 بالموظّف العمومي وهو ما يحيطه بهالة من الضمانات أثناء مباشرته لمهامه على معنى الفصل 82 وما بعده من المجلة الجزائية.

لكن إلى جانب المسؤولية المدنية كيفما وقع التعرض إليها سابقا فإن أمين الفلسة وأثناء مباشرة مهامه يمكنه أن يرتكب جملة من الأخطاء والتي تعدّ في نظر القانون الجنائي أفعالا ترتّب المساءلة الجزائيّة وهو ما يمثل موضوع الدراسة إذ أن دراسة المسؤولية الجزائية لأمين الفلسة تكتسي أهمية كبرى سواء على المستوى النظري أو التطبيقي.

فمن النّاحية النظريّة فإن هذا الموضوع لم يقع تناوله بالدرس بصفة معمّقة إذ أن تصفّح المراجع المدوّنة في الغرض يقرّ نتيجة وحيدة وهي أنه وقع تناول المسؤوليّة المدنية لأمين الفلسة بإطناب في حين أن جانبها الجزائي وقع إهماله وبقي بمعزل عن أي إهتمام وتم التعرض له بصفة عرضية وموجزة حال أنه يجب التطرق إليه في أكثر من جانب خاصة مع جملة الإشكالات التي تطرحها هذه المسؤولية والتي يجب تناولها بالدرس.

وأمّا من النّاحية العمليّة فإن أهميّة تناول المسؤولية الجزائية لأمين الفلسة تبرز على أكثر من مستوى، فلا خلاف في أن المجلة التجاريّة لسنة 1959 وصفت أمين الفلسة بالوكيل القضائي في حين جاء قانون 11 نوفمبر 1997 ليجعل منه شبه موظف عمومي على معنى الفصل 24 منه وهي صفات لها الدور الأساسي في تكييف الجرائم من قبل النيابة العمومية، إذ أن الجمع بين صفتي الوكيل وشبه الموظّف العمومي خلق نوع من التذبذب والإضطراب بسبب غياب الحسم لفائدة صفة على حساب الأخرى.

إن جملة هذه التساؤلات تقود ضرورة إلى طرح الإشكال التالي: كيف نظّم المشرع التونسي المسؤولية الجزائية لأمين الفلسة؟

الإجابة عن هذا التساؤل لا تخلو من صعوبات وذلك نظرا إلى تعدد النصوص القانونية المنظمة للمهنة. وهذه النصوص منها ما هو عام ورد بالمجلة التجاريّة لسنة 1959 ومنها ما هو خاص جاء به قانون 11 نوفمبر1997 مع إمكانية الرجوع إلى نصوص المجلة الجزائية وذلك بعد صدور قانون 1997 الذي شبه أمين الفلسة بشبه الموظف العمومي وهو ما جعل من تكييف الجرائم التي يرتكبها هذا الأخير أمرا عسيرا غير يسير، لذلك فإن دراسة المسؤولية الجزائية لأمين الفلسة تقتضي التعرّض إلى أسس هذه المسؤولية (الفصل الأول) ثم التطّرق إلى تطبيق المسؤولية الجزائية لأمين الفلسة (الفصل الثاني).

الفصل الأول: أسس المسؤولية الجزائيّة لأمين الفلسة :

تعرّف المسؤولية الجزائية بأنها التزام الشخص بتحمل العواقب المترتبة عن فعله الذي خالف به أصولا وقواعد معيّنة(1) بشكل يصيّرها أداة لمقاومة الإجرام بشتى أشكاله بغية حماية الأشخاص في أموا لهم وأبدانهم وحفاظا على الأمن والسلم الإجتماعيين.

وسعيا منها لحماية حقوق الأفراد حاولت أغلب التشاريع الحديثة التوسيع في نطاق المسؤولية الجزائية لتشمل أغلب الميادين وخاصّة منها تلك المتعلّقة بأصحاب المهن المساعدة للقضاء لما يتحمّله أصحابها من مهام جسيمة سواء بإنارة العدالة أو المساعدة في إرجاع الحقوق إلى أصحابها.

ورغم أنّ أمين الفلسة من بين مساعدى القضاء، فأنّه يعتبر كذلك من بين الأشخاص الذين منحهم المشرّع سلطة التصرّف في حقّ الغير وبذلك يكون مسؤولا بصفته تلك عن جميع الأفعال الإجرامية التي يرتكبها والتي لا تقوم إلا بتوفر تلك الصّفة بحيث تكون هذه الأخيرة مبنى التجريم وأساسه.

فأمين الفلسة المعيّن من قبل المحكمة المتعهّدة بالإفلاس توضع على عاتقه مهمّة التصرّف في أموال المدين المفلس، الذي غلّت يده ورفعت عن التصرّف في أمواله فيكتسب بذلك صفة الوكيل القضائي (المبحث الأوّل).

غير أنّ هذه الصفة ليست السمّة المميّزة لأمين الفلسة وذلك منذ صدور قانون 11 نوفمبر1997 المتعلّق بالمصفّين والمؤتمنين العدليين وأمناء الفلسة والمتصرّفين القضائيين والذي شبّهه بالموظّف العمومي (المبحث الثاني).

المبحث الأول: أساس مسؤوليّة أمين الفلسة بوصفه وكيل قضائي:

جاء بالفصل 470 م ت أنّه: ” يعيّن الحاكم بالتفليس أمينا واحدا أو عدّة أمناء لهم صفة الوكلاء القضائيين وبهذا الإعتبار يخضعون لأحكام الفصل 568 من مجلّة الإلتزامات والعقود”… كما أضاف الفصل 576 من ذات المجلّة : ” كلّ أمين على فلسة يرتكب خيانة في إدارة الأموال التي بعهدته تسلط عليه العقوبات المنصوص عليها بالفصل 297 من القانون الجنائي“.

وبالجمع بين الفصلين يمكن القول أنّ أمين الفلسة إكتسب صفته كوكيل قضائي بقوّة القانون ولذلك فإن تتبّعه جزائيّا من أجل هذه الصفة له عدّة مبررات (الفرع الأول) وهذا التتبّع غير جائز إلا إذا كان أمين الفلسة متمتّعا بتلك الصفة ومباشرا لها ( الفرع الثاني).

الفرع الأول: مبرّرات المساءلة الجزائية لأمين الفلسة:

يعتبر الحكم المشهر للإفلاس على غاية من الأهميّة نظرا لخطورة الآثار القانونيّة التي يرتّبها والتي يبقى أهمّها على الإطلاق غلّ يد المدين ومنعه من التصرّف في أمواله ومباشرة حقوقه حيث جاء بالفصل 457 م ت أنّ : ” الحكم بالتفليس يترتّب عليه قانونا من تاريخ صدوره رفع يد المدين عن إدارة جميع مكاسبه والتصرّف فيها حتّى المكاسب التي يكتسبها بأي وجه من الوجوه ما دام في حالة تفليس”. وأضاف ذات الفصل” يباشر الأمين جميع ما للمفلس من الحقوق والدّعاوي المتعلّقة بكسبه“.

ونصّ الفصل 459 م ت على أنّ: “الحكم بالتفليس يعطل على الدائنين ذوي الدّيون المجرّدة والدائنين ذوي الإمتياز العامّ القيام بالمطالبة منفردين“.

وبذلك يحلّ أمين الفلسة محلّ المدين المفلس الذي غلّت يده عن التصرّف في أمواله وإدارتها وكذلك يصبح الممثل القانوني لجماعة الدائنين الذين حجّر عليهم القانون ” القيام بالمطالبة منفردين” فهو إذن الممثل الشرعي لكلّ من المدين المفلس (الفقرة الأولى) وجماعة الدّائنين (الفقرة الثانية) وهو ما يبرّر مساءلته جزائيا.

الفقرة الأولى: أمين الفلسة ممثّل للمدين المفلس:

منذ صدور الحكم المشهر للإفلاس وتعيين أمين للفلسة يتحمل هذا الأخير مسؤولية تمثيل المدين المفلس وهو تمثيل تفرضه عدة أسباب (أ) و يتجلى عبر بعض الصور (ب).

أ سباب التمثيل:
يمكن تبرير هذه الأسباب بالرجوع إلى الحكم المشهر للإفلاس والذي تترتّب عنه عدّة آثار قانونية أهمها رفع يد المدين عن التصرّف في أمواله وذلك كعقاب له عن خطئه المتمثّل في التسبّب في الإفلاس وإلحاق الضرّر بالدائنين وبأمواله حتّى يمنع من مزيد إلحاق الضّرر بالدّائنين بالتفريط في ضمان خلاص ديونهم([1]).

لذلك فإنّه يمكن للمحكمة الإذن بتقييد حرّية المدين وحرمانه من بعض حقوقه المدنيّة والسياسيّة إذا رأت ذلك ضروريّا (1) إلى جانب رفع يده عن الإدارة والتصرّف في جميع مكاسبه(2).

تقييد حرّية المدين:
جاء بالفصل 455 م ت : ” يمكن للمحكمة في كل الأوقات الإذن بإيداع المدين المفلس بسجن الإيقاف أو الإفراج عنه والقرارات الصادرة بذلك تنفّذ بإذن من النيابة العموميّة أو بسعي من أمين الفلسة.”

إلا أنّ هذا الإجراء يختلف عن تنفيذ العقاب الصّادر ضدّ المدين أو إيقافه تحفّظّيا من أجل إرتكاب جريمة التسبب في الإفلاس على معنى أحكام الفصل 288 من المجلّة الجزائيّة ويعتبر”تدبيرا تحفظيا” يهدف إلى وضع المدين المفلس تحت متناول القضاء بمنعه من الفرار والحيلولة دون إخفاء أمواله وتبديدها([2]).

والإذن بالإيقاف يصدر عن المحكمة المتعهّدة بمطلب التسوية القضائيّة والتفليس وليس الدّائرة الجنائية وذلك سواء من تلقاء نفسها أو بطلب من أمين الفلسة كما نصّ على ذلك الفصل المذكور.

كما تبقى محكمة الإفلاس المختصّة بالنظر في مطلب الإفراج عن المفلس بإعتبار أنّها مطلعة على أحوال الفلسة وما تقتضيه مصلحة الدّائنين([3]).

إلا أنّ تقييد حرية المدين قد تشمل كذلك حرمانه من التمتّع بحقوقه المدنيّة والسياسية وهو مضمون الفصل 456 م ت الذي جاء فيه :” المفلس الذي لم يحصل على إستعادة إعتباره يجرّد من حقوقه المدنيّة بموجب تفليسه …” وأضاف ذات الفصل أنّه:” لا يكون ناخبا أو منتخبا في المجالس السياسيّة أو المهنيّة ولا يمكن له أن يشغل وظيفة أو يضطلع بمأموريّة“. وهو ما يعني أن الحرمان المسلط على المفلس يكون عامّا وشاملا فلا يمكنه أن يكون ناخبا بصفة مطلقة ولا أن يكون منتخبا في مجلس النواب أو المجلس البلدي أو هيئات الغرف التجاريّة.

كما لا يمكن أن يكون موظفا عموميّا أو تسند له مأموريّة عموميّة مثل تعيينه خبيرا أو أمينا لفلسة أو مؤتمنا عدليّا أو متصرّفا قضائيا أو عدلا منفذا.

غير أن هذا التحجير ليس أبديّا بل يمكن للمفلس إستعادة إعتباره بمفعول القانون وذلك حسب ما ورد بالفصل 581 م ت وذلك إذا أوفى بجميع المبالغ الواجبة عليه أصلا وفوائض ومصاريف([4]).

رفع يد المدين عن الإدارة والتصرّف في جميع مكاسبه:
من أهمّ الآثار التي يرتّبها الحكم بالتفليس رفع يد المدين عن إدارة جميع مكاسب والتصرّف فيها حيث جاء بالفصل 457 م ت : ” الحكم بالتفليس يترتب عليه قانونا من تاريخ صدوره رفع يد المدين عن إدارة جميع مكاسبه والتصرّف فيها حتّى المكاسب التي يكتسبها بأي وجه من الوجوه مادام في حالة تفليس ويباشر الأمين جميع ما للمفلس من الحقوق والدعاوي المتعلّقة بكسبه“.

وهو ما رأى فيه الأستاذ محمد الهادي لخوة بمثابة العقلة الجماعية على الاشياء الحاضرة والمستقبلة([5]).

ومن آثار مبدأ غلّ اليد أن أمين الفلسة يصبح وحده المخوّل لمباشرة جميع ما للمفلس من الحقوق والدّعاوى المتعلّقة بكسبه فهو الذي يقوم بجميع الأعمال المتعلقة بأموال المفلس الحاضرة والمستقبلة وجميع الأعمال القانونية المتعلّقة بالإدارة والتصرّف([6]).

ويشمل رفع اليد جميع مكاسب المدين السابقة عن الحكم بالتفليس سواء كانت تابعة لتجارة أم لا وكذلك المكتسبات اللاحقة التي إكتسبها سواء من ممارسة تجارة جديدة أو العمل بأجر لدى الغير إضافة إلى الأعمال القانونية التي تضرّ بجماعة الدّائنين سواء كانت أعمال إدارة أو تصرّف أو دعاوى لدى القضاء ومن ذلك مثلا عقود الشراء والإجارة والرهن والقرض وكذلك ما يصدر عن المدين من إقرار أو كفالة أو إبراء أو إسقاط حق أو التزام مهما كانت طبيعته سواء كان بعوض أو مجانا([7]).

غير أنّه ومراعاة للجوانب الإنسانية فإن المشرع قد استثنى بعض المكاسب التي لا تختصّ إلا بشخص المفلس أو الحقوق التي تتناول مصلحة أدبيّة محضة على أنّه يقبل تداخل الأمين في هذه القضايا إذا كانت تؤول إلى الحكم بمبلغ من النقود”. وهو الإتجاه الذي سايره فقه القضاء التونسي وذلك بالحكم الابتدائي الصادر عن إبتدائية تونس والمؤرخ في 21 ماي 1963 حيث جاء فيه أنّ:

” الإحتجاج بعدم دفع الدين المترتب على الكمبيالة يعدّ من الأعمال الماسة بشرف المدين وسمعته. ويحق للمفلس أن يقيم شخصيا الدعوى الرامية إلى إبطاله دون حاجة لتداخل الأمين في القضية([8])”.

كما استثنى الفصل 458 م ت من مبدأ رفع اليد المكاسب التي قرر القانون عدم قابليتها للحجز وهي أساسا تلك الوارد ذكرها بالفصل 308 من مجلة المرافعات المدنيّة والتّجارية ومنها ما يلزم المدين المفلس وعائلته من الفراش والملابس وأواني الطبخ وكذلك الآلات والكتب اللازمة لمهنة المدين إلى حدّ ما قيمته مائة دينار وكذلك الكتب والأدوات المدرسية اللازمة لتعلم من هو في كفالة المعقول عنه من الأولاد وبصورة عامّة كلّ ما حجّر القانون عقلته والتنفيذ عليه.

وزيادة على ذلك لا يشمل رفع اليد أعمال الحياة العاديّة للمفلس حيث يمكنه شراء حاجياته من مبلغ المال المخصص له ولعائلته كما أنه يبقى حرّا في تصرّفاته في الأموال النقدية التي إحتفظ بها ولم يسلمها لأمين الفلسة.

وكنتيجة لما ذكر فإن أمين الفلسة وعند تمثيله للمدين المفلس يتّصف بوصفين: إمّا أن يكون قائما في حقّ المدين فيتصف بوصف المدعي وإمّا أن يكون مقاما ضدّه في حقّ المدين فيأخذ وصف المدعى عليه وهو ما يعتبر نتيجة حتمية لتقييد حريّة المدين و رفع يده عن التصرّف في أمواله و يمثل سببا لمساءلة أمين الفلسة جزائيا عند إرتكابه للفعل إجرامي.

مظاهر التمثيل:
إن الوضعية القانونية التي يكتسبها أمين الفلسة بمجرد صدور حكم الإفلاس تؤدي إلى إنفراده ببعض الإجراءات الضرورية لسير الفلسة وتكليفه بجملة من الأعمال والمهام تجعل منه الممثل الرئيسي للمدين المفلس عند سير الفلسة وهو ما يبرز خاصة من خلال حصر أموال هذا الأخير(1) والمطالبة بحقوقه بدلا عنه (2).

1– حصر أموال المدين المفلس:

عند تعهده بإجراءات الفلسة يقوم أمينها ببعض الأعمال لعل أهمها حصر الأموال التي للمفلس وذلك بوضع الأختام عليها منعا من تهريبها وما قد ينجر عن ذلك من إضرار بحقوق الدائنين.

وقد جاء بالفصل 476 م ت أن المحكمة: “تأمر في الحكم الصادر بالإفلاس بوضع الأختام” غير أنّه يمكن الإعفاء من وضعها” متى تمّ إحصاء مكاسب المدين في يوم واحد”.

وتوضع هذه الأختام على مخازن المفلس ومكاتبه وصناديقه ودفاتره وأوراقه وأمتعته وموجوداته([9]).

وإذا كان وضع الأختام لم يجر قبل تعيين أمين الفلسة فعليه أن يطلب وضعها من الحاكم المنتدب([10]).

وعدم وضع الأختام أو الإذن برفعها عن الأموال والأشياء المشار إليها جوازي للحاكم الذي يقدم ذلك في حدود ما تمليه عليه مصلحة التفليسة ورعاية شؤونها فلا تثريب عليه إن لم يستجب إلى طلب الأمين ولا يكون هناك محلّ للطعن في القرار الذي يتخذه بصدده وكلّ ذلك مستفاد من عبارة “يمكن”([11]).

على أن هناك بعض الأشياء لا توضع عليها الأختام وتسلّم إلى الأمين بعد تحرير قائمة إحصائها بأوصافها وتبقى تلك القائمة تحت يد الحاكم فإذا وضعت عليها الأختام ضمن أشياء المفلس الأخرى وجب على الحاكم أن يأمر برفع الأختام عنها وهذه الأشياء هي الدفاتر والوثائق المفيدة والأوراق التجارية التي يكون ميعاد إستحقاقها قريب الحلول أو التي تحتاج إلى القبول وتسلم للأمين لإستفاء مبالغها بعد ذكر أوصافها وذلك حسب ما جاء بالفصل 479 م ت([12]).

وتسلّم للأمين كذلك الرسائل الموجّهة للمفلس فيفضها و يقف المفلس على ذلك إن كان حاضرا (الفصل 479 م ت) بإستثناء المراسلات الخاصة وهو إجراء يتماشى ونظرة المشرّع سنة 1956 إلى الإفلاس بأنّه إجراء ضدّ التاجر سيء النيّة خلافا لبعض التشريعات التي تسعى لتغليب المعطيات الإقتصادية على القانونيّة ومنها التشريع

الفرنسي الذي أراد إبعاد فرضيّة سوء نيّة المفلس وترك وضع الأختام وفضّ الرسائل بمعونة الأمين أمرا جوازيّا([13]).

كما يسهر الأمين على إقفال الدفاتر وإيقاف حساباتها بحضور المفلس حتّى يقدم ما يلزم من الإيضاحات وإذا لم يحضر المفلس يرسل إليه الأمين إنذارا بوجوب الحضور خلال ثمانية وأربعين ساعة على الأكثر وذلك حسب ما إقتضاه الفصل 482 من م ت.

ويقوم أمين الفلسة بإحصاء أموال المفلس في أجل 3 أيّام من تاريخ وضع الأختام أو تاريخ صدور الحكم المشهر للإفلاس وذلك حسب مقتضيات الفصل 486 م ت. وتحرّر قائمة الإحصاء بمعرفة أمين الفلسة وبحضور الحاكم المنتدب في نسختين ويوقع عليها كل من الحاكم أو نائبه والأمين وتوضع إحداهما في كتابة المحكمة في حين تبقى الأخرى بيد الأمين. كما أنّه يجوز لأعضاء النيابة العموميّة أن يتوجّهوا إلى محلّ المفلس للوقوف على عمليّة الإحصاء وذلك حسب ما إقتضاه الفصل 490 م ت.

أما فيما يتعلّق بالموازنة فإنه إذا لم يتمّ تقديمها من طرف المفلس وجب على أمين الفلسة أن يحرّرها دون إبطاء بالإستعانة بدفاتر المفلس وأوراقه والمعلومات التي يحصل عليها ثم يودعها بكتابة المحكمة وذلك ما إقتضاه الفصل 483 م ت.

وفي الأخير يجب على أمين الفلسة أن يرفع إلى الحاكم المنتدب خلال 15 يوما من تاريخ مباشرته لمهمته تقريرا مختصرا عن الحالة الظاهرة للفلسة وأسبابها وظروفها الأصلية([14]) وهو ما إقتضاه الفصلان 10 و 28 من قانون 11نوفمبر1997 المنظم لمهنة أمين الفلسة.

2- المطالبة بالحقوق التي للمفلس:

يتولّى أمين الفلسة إجراء جميع ما يلزم لحفظ حقوق المفلس التي له على مدينه حسب ما جاء بالفصل 492 م ت ومن هذه الإجراءات قطع سريان التقادم لعدم سقوط حقوقه قبل مدينيه وطلب ترسيم التوثيقات على أملاك مديني المفلس والطعن في الأحكام الصادرة ضد المفلس وتحرير إحتجاج عدم الدفع ضدّ مدينيه في حالة عدم الوفاء بالأوراق التجارية إلى جانب قيامه بواجبات الإشهار.

ويجب على أمين الفلسة تحت مراقبة الحاكم المنتدب إستيفاء الديون التي للمفلس إذا حلّ أجلها وإيداعها فورا بالخزينة العامّة وذلك حسب ما نصّ عليه الفصل 493 م ت إلى جانب إمكانيّة إستمراره في إستغلال تجارة المفلس بطلبه بعد أخذ إذن في ذلك من المحكمة المتعهدّة بالإفلاس ويجب أن يكون الترخيص مبرّرا بوجود مصلحة عامّة أو مصلحة للدّائنين تقتضي بصورة ملحّة مواصلة الإستغلال([15]) كما لو إقتضت هذه المصلحة تفادي البطالة أو تفاقمها بعد صرف عمال ومستخدمي المحلّ أو تفادي الأضرار التي قد يحدثها إقفال المحلّ لدى المتعاملين معه ولأمين الفلسة متى أذن له في إستمرار تجارة المفلس أن يباشرها بنفسه أو بواسطة شخص ينوبه أو الإستعانة بالمفلس في إدارة المحلّ والإسترشاد برأيه وذلك لا يتعارض مع مبدأ غلّ اليد بإعتبار أنّ المفلس في هذه الحالة يعمل أجيرا وليس له حق إدارة أمواله والتصرّف فيها([16]).

ويحق لأمين الفلسة بوصفه ممثلا للمدين المفلس أن يقيم الدعاوى ويباشر كافة الإجراءات القضائية المتعلقة بأموال الفلسة سواء كانت الدعوى مقامة من المفلس أو عليه بإستثناء الدعاوى المتعلقة بشخصه وذلك حسب ما إقتضاه الفصل 497 م ت.

وعلى الرغم من جملة هذه الأعمال التي يباشرها أمين الفلسة في حق المدين المفلس إلا أنّ ذلك لا يمنعه البتّة من تمثيل جماعة الدائنين.

الفقرة الثانية: أمين الفلسة ممثّل لجماعة الدائنين:

يترتّب على الحكم بالتفليس التعطيل على الدائنين ذوي الديون المجردة والدائنين ذوي الإمتياز العام القيام بالمطالبة منفردين وذلك حسب ما إقتضته عبارات الفصل 459 من م ت في فقرته الأولى.

وتنشأ جماعة الدائنين بقوة القانون بمجرّد صدور الحكم بإعلان الإفلاس وتكون تنظيما خاصّا يمثله أمين الفلسة ويتولّى مباشرة حقوقه الجماعية بينما يتوقف الدور الفردي للدّائنين.

ويكتسب أمين الفلسة صفة تمثيل الدّائنين بمقتضى وكالة قضائية عملا بأحكام الفصل 470 م ت إذ أن تسميّته تتمّ من قبل المحكمة لا من طرف جماعة الدائنين أو المدين المفلس ولا بموجب وكالة على معنى الفصل 1104 م إ ع ([17]) فأمين الفلسة مدعو بذلك للسهر على جميع مصالح الأطراف المعنية بالفلسة فهو بذلك يعدّ محور إجراءات الفلسة ومطالب بالتوفيق بين النظام العام بوصفه قيّما قضائيّا على الفلسة وبين المصالح الخاصّة بجماعة الدّائنين والمدين المفلس.

ويمثل أمين الفلسة جماعة الدّائنين سواء بمباشرة الدعاوى(أ) أو من خلال حماية حقوقهم عبر القيام ببعض الأعمال (ب).

أ- مباشرة الدّعاوى:

تعدّ إجراءات الفلسة من الوسائل الهادفة إلى التنفيذ على أموال المدين المفلس ومكاسبه بغرض تصفيتها وإستخلاص ديون الدائنين، إلاّ أنه ونظرا لخطورة هذه الإجراءات فقد إرتبطت بمبدأ عام وهو مبدأ المساواة بين الدائنين وهي مساواة تقتضي معاملة جميع الدّائنين بنفس الكيفيّة بحيث تهدف إلى أن لا يكون الأكثر فطنة وإطلاع على أوضاع المدين مميزا و في وضعيّة أفضل بالنسبة للبقيّة([18]).

ذلك أنّ السماح لكل دائن كما هو الحال في القانون المدني بالقيام فرديّا والتنفيذ بمفرده من شأنه أن يؤدّي إلى تبديد مكاسب المدين من خلال بيعها بأبخس الأثمان طالما كان ذلك يوفر للدائن كل أو جزء من دينه وبذلك من يكون الأسرع و الأحرص من الدّائنين سيضع يده على مكاسب المدين ببيعها وإستخلاص ديونه بقطع النظر عن بقية الأطراف.

لذلك فإن الحكمة تقتضي أن يتصرّف الدّائنون بصفة جماعية بحيث تعقل جميع مكاسب المدين وترفع يده عنها لتوضع تحت يد أمين الفلسة الذي يمثل الدّائنين جميعا([19]) ويتحرّك بإسمهم جميعا ولمصلحتهم إلى حين إنطلاق إجراءات تصفيتها.

وهو ما ذهبت إليه المحكمة الابتدائية بتونس في حكمها الصادر بتاريخ 9 جويلية 1988 (غير منشور) حيث إعتبرت أن عقلة منقولات الشركة وبيعها من قبل أحد الدّائنين بالرغم من وقوع إشهار حكم التفليس يعد مخالفا للفصل 459 من المجلّة التجاريّة”.

وقد جاء بالفصل 459 المذكور أنّ: ” الحكم بالتفليس يعطّل على الدّائنين ذوي الدّيون المجرّدة والدّائنين ذوي الإمتياز العامّ القيام بالمطالبة منفردين فلا يمكن رفع الدّعاوى بخصوص منقولات أو عقارات أو تتبعها ولا الإسترسال في إجراء وسائل تنفيذيّة أو الشروع فيها إذا كانت من قبيل ما يلحقه هذا التعطيل إلا من الأمين كما أنّ القيام بها لا يكون إلاّ عليه على أنّه يجوز للمحكمة قبول تداخل المدين في جميع الصور“.

وقد حرص المشرّع بهذا الفصل على جمع عمليّات الفلسة بيد الأمين حتى لا تنفرط جماعة الدّائنين فيتسابقوا على التنفيذ على أموال المدين ([20]).

غير أنّ هذه القاعدة لا تشمل من الدّائنين إلاّ العاديين وأصحاب الإمتياز العامّ دون المتمتّعين بإمتياز خاص على عقار أو منقول وهو إتجاه كرّسه فقه القضاء التونسي حيث جاء بالقرار التعقيبي عدد 9761 والمؤرخ في 8-10-1984 أنّ” الفصل 459 من المجلّة التجارية حجّر على أصحاب الدّيون المجرّدة أو الممتازة القيام منفردين لدى المحاكم بطلب إستخلاص ديونهم بعد صدور حكم بالتفليس أو الإسترسال على تنفيذ أحكام صدرت لهم بذلك من قبل”([21]).

وبذلك فإن الدّائنين المتمتّعين بامتياز خاصّ على عقار أو منقول يمكن لهم مباشرة الدعاوى وإجراءات التنفيذ على الأموال الموظف عليها إمتيازهم وخلاص ديونهم منها وفي صورة إذا لم تكف هذه الأموال فإنهم ينظمون إلى بقيّة الدائنين العاديين لإستخلاص ما تبقى من دينهم.

وبناء على ما تقدّم يمكن القول أنّ أمين الفلسة يكتسب صفته كممثل لجماعة الدّائنين بقوّة القانون ويصبح الممثل الشرعي والوحيد بالنسبة إليهم وهو ما يمنحه سلطة مباشرة الدّعاوى في حقّهم ويحول دون تسابق الدّائنين نحو التنفيذ الفردي على مكاسب المدين([22]).

إلاّ أن أمين الفلسة يمكنه تمثيل جماعة الدّائنين من خلال القيام ببعض الأعمال لحماية حقوقهم.

ب- حماية حقوق جماعة الدّائنين:

بإعتباره الممثل القانوني لجماعة الدّائنين، يسعى أمين الفلسة إلى حماية مصالح هؤلاء الجماعة من خلال عمليّات الإشهار التي يقوم بها(1) أو بسعيه إلى ترسيم رهن عقاري لفائدة جماعة الدّائنين على مكاسب المدين(2).

الإشهار:
تضمّنت المجلة التجارية عديد النصوص القاضية بإشهار بعض أعمال الفلسة. والإشهار عامّة وبأنواعه ووسائله المتعدّدة يمكّن من تحقيق هدفين متلازمين هما حماية الغير والدّائنين من تصرّفات المدين وذلك من خلال إحاطتهم علما بالتصرّفات والأعمال التي يمكن أن يبرمها المدين إضرارا بحقوقهم أو من شأنها التقليص من الضّمان العامّ وهي ذمّته المالية وذلك إعتمادا على إعلان هذه التصرّفات وإيصالها للعموم عبر بعض الوسائل([23]).

وبالرّجوع إلى المجلّة التجاريّة نجد أنّها تضمّنت عديد الوسائل لإشهار أعمال الفلسة فالحكم القاضي بالتفليس والأحكام القاضية بتقديم تاريخ التوقّف عن دفع الدّيون تعلّق برحاب المحكمة التي أصدرتها([24]) وبباب المركز التجاري للمفلس([25]) وهو ما إقتضاه الفصل 453 م ت في فقرته الأولى.

وقد نصّ الفصل المذكور في فقرته الثانية على أنّه:” يباشر أمين الفلسة الإشهار بإدراج مضمون الحكم بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية وبإحدى الجرائد اليومية ويقع التنصيص عليه بالسجل التجاري…” وقد تأذن المحكمة بتوسعة الإشهار وذلك من خلال إدراج إعلانات بالجرائد الأخرى في الداخل والخارج.

ويهدف هذا الإشهار المزدوج إلى التنبيه على الدّائنين المقيدين بالموازنة للإدلاء بحجج دينهم. وهو ما يمكن من حمايتهم وذلك من خلال لفت نظرهم إلى إفتتاح أعمال تحقيق الدّيون واختبارها وضرورة الانضمام إليها لحماية حقوقهم في إستخلاصها من خلال توزيع المال المتحصّل من أعمال الفلسة.

هذا وقد إقتضت أحكام الفصلين 494 و539 من المجلّة التجاريّة أنّه يمكن الإلتجاء في إطار عمليات إدارة الفلسة إلى بيع المنقولات والعقارات التابعة للمفلس بطريقة المزاد العلني وهذا البيع لا يتم بطبيعته إلاّ بعد الإشهار عملا بأحكام مجلّة المرافعات المدنيّة والتّجاري([26]).

وعلى كلّ فإنه يستخلص من الحالات المنصوص عليها آنفا أنّه وضمانا لحماية حقوق الدّائنين ومصالحهم إقتضت المجلّة التجاريّة أنّ عديد الأعمال لا تتم إلاّ بعد القيام بموجبات الإشهار سواء كان ذلك من خلال إدراج مضمون الحكم بالرائد الرسمي أو التعليق وهي إجراءات محمولة في مجملها على أمين الفلسة بإعتباره الممثل القانوني لجماعة الدّائنين غير أن هذا الإشهار لا يقتصر على الأعمال المذكورة آنفا بل يتعداه إلى بعض الواجبات الأخرى.

ترسيم رهن عقاري لفائدة جماعة الدّائنين:
لقد نصّ الفصل 453 في فقرته الرابعة على أنّه ” يقضي الحكم بالتفليس بتوظيف رهن عقاري لفائدة جماعة الدّائنين ويتولى أمين الفلسة إشهاره بمثل الوسائل المقرّرة لإشهار الحقوق العينية العقارية“.

وقراءة الفصل سالف الذكر تؤدّي إلى القول بأنّ الحكم بالتفليس يتطلّب توظيف رهن عقاري لفائدة جماعة الدّائنين([27]) على عقارات المدين المفلس وذلك لتدعيم حقوق الجماعة على أموال المفلس وحماية من يتعامل معه دون علمه بحالة توقفه عن الدفع وهو ما يعتبر تدعيما لرفع يد المدين المفلس عن مكاسبه.

وتنتفع بالرهن جماعة الدّائنين دون غيرها من الدّائنين أصحاب الإمتياز الخاصّ أو الرّهن إلا فيما بقي من ديونهم زائدا عن المتحصّل من بيع موضوع إمتيازهم.

ويجب ترسيم الرهن بالطريقة التي ترسم بها الحقوق العينية العقارية حتى يكون نافذ المفعول وملزما للغير عملا بأحكام الفصل 305 م ح ع فيما يتعلّق بالعقارات المسجّلة([28]).

ويشمل هذا الرّهن العقارات التي يملكها المدين قبل الحكم بالتفليس أو التي يكتسبها بعد الحكم، ويبقى الرهن مرسما حتّى في صورة ختم إجراءات الفلسة بالصلح ليحافظ على حقوق الدّائنين في صورة إخلال المدين بتنفيذ بنود الصلح ويصبح بذلك الدّائنون العاديون بهذا الرهن دائنين مرتهنين يرتبون حسب تاريخ ترسيم الرهن مع غيره من الدّائنين المرتهنين.

أمّا إذا كان العقّار غير مسجّل فيقع إدراج الرهن بطرّة عقد إكتساب الملكية التي بموجبه إكتسب المدين المفلس ملكيته لذلك العقار.

وبما أن أمين الفلسة هو حجر الزاوية في إجراءات الفلسة والأهم من بين القائمين عليها فإن ذلك قد يمنحه فرصة الإستيلاء على الأموال الموضوعة بين يديه لخاصة نفسه مضرّا بذلك بالمدين المفلس وبجماعة الدائنين وخائنا للثقة الجسيمة التي وضعت في شخصه ومخلاّ بصفة الأمانة التي أطلقت عليه.

الفرع الثاني: قيام المسؤولية الجزائية لأمين الفلسة بوصفه وكيلا قضائيا:

إنّ المساءلة الجزائيّة لأمين الفلسة بإعتباره وكيلا تستوجب توفّر عنصرين قانونيين متتاليين زمنيا هما تسلّم موضوع الجريمة بموجب عقد الوكالة (الفقرة الأولى) وتسلّط الأفعال الإجرامية على موضوع الجريمة ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تسلّم موضوع الجريمة بموجب الوكالة:

لقيام الجريمة بالنسبة لأمين الفلسة الوكيل لابدّ من توفّر صفته كوكيل (أ) وتسلّم الشيء موضوع الجريمة (ب).

صفة الوكيل:
يمثل عقد الوكالة أساس العلاقة بين الوكيل والموكلّ وله في نظر المشرع الجنائي نفس المفهوم الوارد في القانون المدني([29]) وقد عرّفت مجلة الإلتزامات والعقود هذا العقد بالفصل 1104 منها بأنه: “عقد يكلف به شخص شخصا آخر بإجراء عمل جائز وفي حق المنوب وقد يتعلق بالتوكيل أيضا حق الموكل والوكيل أو حق الموكل والغير أو حق الغير فقط” وهو نفس التعريف الوارد بالمجلة المدنية الفرنسية([30]).

وتصنّف الوكالة إلى ثلاثة أصناف وذلك باختلاف العلاقة الرابطة بين الوكيل وموكلّه. فالوكيل القانوني هو من يسند له النصّ القانوني تلك الصّفة ويحدّد سلطاته وحقوقه وإلتزاماته ومن ذلك الوليّ والوصيّ. فعلاقة الولي بالمولّى عليه والوصيّ بالموصى له تقوم على وكالة مستمدّة من القانون الذي يحدّد شروط اكتساب تلك الصّفة والسلطات التي يتمتّع بها الوكيل([31]).

وأمّا الوكيل التعاقدي فهو من يتخذ تلك الصّفة بموجب عقد الوكالة الذي يبرمه مع الوكيل للقيام بأعمال قانونيّة بإسم ولحساب هذا الأخير([32]).

وأمّا الوكيل القضائي فهو من يكلّف من طرف القضاء بأمر معيّن أو لإدارة مكاسب أو تسيير مؤسسة، ويعدّ وكيلا على هذا المعنى المصفي مثلا عند تطبيق الإجراءات الجماعية وتصفية المكاسب. ويذهب في هذا الإتجاه الفصل 470 م ت الذي ينص على ما يلي: “يعيّن الحاكم المنتدب للتفليس أمينا واحدا أو عدة أمناء لهم صفة الوكلاء القضائيين“. وهو ما يعتبر إقرارا صريحا بتوفّر صفة الوكيل في جانب أمين الفلسة وذلك بمجرد تعيينه من طرف الحاكم المنتدب.

لكن هل ينطبق تعريف عقد الوكالة الوارد بالفصل 1104 م إ ع على أمين الفلسة؟

لئن أقرّ الفصل 470 م ت صراحة بتمتع أمين الفلسة بصفة الوكيل إلا أن الإشكال يطرح بخصوص طبيعة العلاقة الرابطة بينه وبين موكله.

فكما هو معلوم فإن أمين الفلسة يعتبر موكلا بالنسبة للمدين المفلس وجماعة الدّائنين فهو الممثل القانوني بالنسبة إليهم في كل إجراءات الفلسة غير أن عقد الوكالة يفترض أن يتم تعيين الوكيل من طرف الموكّل والحال أنّ أمين الفلسة لا يقع تكليفه من قبلهم بل هو معيّن من قبل المحكمة، حيث جاء بالفصل 2 من قانون 11 نوفمبر 1997 أنّ ” أمين الفلسة يقوم بمهامّه بتكليف من المحكمة” غير أنّه لا يمكن إعتبارها موكلاّ على إعتبار أن الأعمال التي يقوم بها أمين الفلسة لا تنصرف آثارها إلى المحكمة بل إلى المدين المفلس وجماعة الدّائنين.

لحلّ هذا الإشكال ذهب بعض فقهاء القانون إلى إعتبار أن أمين الفلسة يقوم بمهمته لا كوكيل تعاقدي بل أنه يمارس مهمّة قانونيّة ذات مصلحة عامّة([33]).

وبالرجوع إلى قانون 1997 نجد أنه فرض على أمين الفلسة جملة من الشروط لأداء مهمته([34]) وهي شروط لا يجب توفرها في الوكيل العادي شأنها في ذلك شأن القسم المحمول عليه قبل أداء وظيفته([35]) وكذلك شروط الترسيم بالقائمة من قبل اللجنة المختصة([36]) وبالرغم من مجمل هذه الإختلافات بين الوكيل العادي وأمين الفلسة إلاّ أنّ ذلك لا ينفي تمتّعه بهذه الصفة بقوة القانون وذلك بناء على منطوق الفصل 470 م ت. وهذه الصفة لها أهمية كبرى بالنسبة إليه سواء من خلال تكييف الجرائم المرتكبة من طرفه أو كذلك بإعتبارها من الصفات المشدّدة للعقوبة بالنسبة لبعض الجرائم ومنها جريمة خيانة الأمانة.

تسلّم الشيء موضوع الجريمة:
يعد التسليم عنصرا من العناصر الأساسية التي تتوفّر في الجرائم التي يرتكبها الوكيل. ويعرّف التسليم بأنه عمل قانوني ناقل للحيازة قوامه إرادتان انعقدتا على تغيير الحيازة ومظهرة مناولة مادّية للشيء من المسلم إلى المتسلّم([37]).

يتّضح من خلال هذا التعريف أن التسليم يقوم على عمل مادّي يتمثل في المناولة من الموكّل إلى وكيله، والتسليم عنصر مميّز للأفعال الإجرامية التي يرتكبها الوكيل مقارنة مع السرقة حين يأخذ المال بالقوة.

وقد إعتبرت محكمة التعقيب أن القرار يعدّ قاصر التسبيب ومعرضا للنقض إذا لم تبرز المحكمة في تعليلها بصفة واضحة ثبوت تسليم الشيء من المؤمّن إلى المؤتمن عنده([38]). ولم يقتصر الفقه على التسليم المادي بل إعتبر البعض أنه يقصد بالتسليم أيضا الحكمي أو الإعتباري وهو عمل قانوني مجرّد من أي مظهر مادّي ويتحقق بمجرّد تغيير النية أي بمجرد انعقاد إرادتين على نقل سلطات الحيازة على الشيء من شخص لآخر([39]).

والتسليم يعتبر من العناصر الأساسيّة المكونة لجريمة خيانة الأمانة إلى جانب توفر عقد من العقود الواردة ذكرها بالفصل 297 م ج فبإنعدام التسليم تنعدم الجريمة. فهل تنسحب هذه الأحكام على أمين الفلسة؟

نصّ الفصل 479 م ت فقرة أولى :” ترفع الأختام والدفاتر والوثائق المفيدة ويسلمها الحاكم المنتدب أو نائبه إلى الأمين بعد أن يبيّن بالمحضر بإختصار الحالة التي كانت عليها“.

وبالرّجوع للأحكام الواردة بهذا الفصل نتبين أن المدين المفلس وبالرغم من بقائه مالكا للمكاسب التي رفعت عليها الأختام إلاّ أنه لا يسلّمها للأمين بل إنّ الحاكم المنتدب للفلسة هو المكلّف بذلك وهو أمر منطقي بإعتباره امتدادا لمبدأ رفع يد المدين عن التصرف في مكاسبه.

كما ورد بالفصل 491 م ت أنّه: “بعد الإنتهاء من الإحصاء تسلّم بضائع المفلس ونقوده ورسومه ودفاتره وأوراقه وأثاثه وأمتعته إلى الأمين الذي يشهد على التعهد بها في ذيل قائمة الإحصاء”. وفي هذا الإطار يمكن التساؤل عن الأشياء المشمولة بالتسليم؟

بقراءة الفصلين 479 و491 م ت يتضح أنّ المشرّع إقتصر بالنسبة للتسليم على المنقولات دون العقارات نظرا لإتصافها بخاصية الثبات وصعوبة تصوّر فكرة التسليم فيها ورغم أنّ المشرع خوّل لأمين الفلسة صلاحيّة تصفيّة العقارات الرّاجعة للمدين المفلس في صور نقضه للصلح البسيط أو عدم التوصل إليه ( الفصل 540 م ت ) إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن الأمين قد تسلّمها بل أنّ دوره يقتصر على حفظها وصيانتها إلى حين البت في مآلها.

والتسليم لا يشمل مكاسب المدين المفلس فحسب بل إنّه يمتدّ إلى المكاسب التابعة لجماعة الدّائنين حيث جاء بالفصل 497 م ت:” يسلّم الدّائنون للأمين من تاريخ صدور الحكم بالتفليس حججهم مع جدول مبيّن به الأوراق المسلّمة له والمبالغ المطلوبة“.

كما أن فعل التسليم يمكن أن يترتّب عليه واجب الحفظ بالنسبة للوكيل الذي يصبح مدعوّا للحفاظ على الأشياء التي تسلمها بموجب عقد الوكالة والمحافظة عليها كما لو أنّه مالكا لها وهو الإلتزام الذي فرضه المشرع على أمين الفلسة بالفصل 26 من قانون 11نوفمبر1997 الذي جاء فيه :

” يحافظ كلّ من المصفّي والمؤتمن العدلي وأمين الفلسة والمتصرّف القضائي على الوثائق التي تسلمها بموجب مهمّته ويرجعها فور إستيفاء الحاجة منها“.

غير أن التسليم لا يعني تملّكه للأشياء المسلّمة له بل إنّ هذه الحيازة تعدّ ناقصة لا كاملة([40]) وإلا لنزعت صفة الوكالة عن الوكيل وأصبح مالكا للأشياء التي تسلمها.

الفقرة الثانية : تسلّط الأفعال الإجرامية على موضوع الوكالة:

يمكن لأمين الفلسة بإعتباره وكيلا إرتكاب بعض الأفعال التي تشكل جرائم موجبة لإثارة التتبّع الجزائي في حقّه وذلك في صورة إذا ما إرتكب خيانة في إدارة الأموال (أ) أو أخلّ بالتزام قانوني فرض عليه بموجب مهنته(ب).

الخيانة في إدارة أموال الفلسة:
ذهب الفقه في تعريف جريمة خيانة الأمانة بأنّها إختلاس أو إستعمال أو تبديد مال منقول مملوك للغير سلّم إلى الجاني بناء على عقد من عقود الأمانة المعدّدة حصرا وذلك إضرارا بمالكه أو صاحبه أو واضع اليد عليه مع توافر القصد الجنائي([41]).

وينسجم هذا التعريف مع محتوى الفصل 297 م ج والذي أحال على الفصل 576 من م ت الذي جاء فيه: “كلّ أمين فلسة يرتكب خيانة في إدراة الأموال التي بعهدته تسلط عليه العقوبات الواردة بالفصل 297 من القانون الجنائي”

كما جاء بالفصل577 من م ت أنه: “كل دائن يشترط لنفسه بإتفاق مع المفلس أو أي شخص آخر منافع الرأي الذي يقترع عليه في مداولة الفلسة أو يعقد إتفاقا خاصّا قد يجرّ له منّافع خاصة من مال المفلس يستوجب العقوبات المنصوص عليها بالفصل 289 من القانون الجنائي“.

وبناء على ما ورد ذكره بالفصلين المتقدمين فإنّه يمكن القول أنّ أمين الفلسة قد يرتكب خيانة في إدارة الأموال التي وضعت تحت يده وذلك بوصفه فاعلا أصليا (أولا) أو شريكا ( ثانيا).

أولا: أمين الفلسة فاعل أصلي:

قد يكون أمين الفلسة فاعلا أصليا عند إرتكابه لجريمة الفصل 576 م ت والذي أحال على الفصل 297 جنائي(1) وكذلك في صورة إخلاله بموجبات الفصل 289 من ذات المجلّة(2).

أمين الفلسة فاعل أصلي لجريمة الفصل 576 من المجلّة التجارية:
نصّ الفصل 576 من م ت على أنّه: “كلّ أمين على فلسة يرتكب خيانة في إدارة الأموال التي بعهدته تسلّط عليه العقوبات المنصوص بالفصل 297 من القانون الجزائي“.

وقد جاء بالفصل 297 من مجلة الجزائية أنّه:” يعاقب بالسجن مدّة ثلاثة أعوام وبخطيّة قدرها ألف دينار الإنسان الذي يختلس أو يتلف أو يحاول أن يختلس أو يتلف سندات أو نقودا أو سلعا أو رقاعا أو تواصل أو غير ذلك من المكاسب المتضمنة للإلتزام أو الإبراء أو القاضية بهما لم تسلم له إلا على وجه الكراء أو الوديعة أو الوكالة أو التوثقة أو الإعارة أو لأجل معيّن…قاصدا بذلك الإضرار بأربابها أو المتصرّفين فيها أو من هي بأيديهم، ويكون السجن مدّة 10 أعوام إذا كان المجرم وكيلا أو مستخدما أو خادما أو أجير يومه لصاحب الشيء المختلس أو وليّا أو ناظرا أو مقدما أو مؤتمنا أو مديرا عدليا أو مدير لوقف أو مستخدما به“.

ويتمثّل الرّكن المادّي لهذه الجريمة في فعلي الإختلاس والإتلاف أو محاولة القيام بذلك وهو ما ذهبت إليه محكمة التعقيب في إحدى قراراتها والذي جاء فيه” أنّ إنعدام ركن الإستيلاء تنتفي به جريمة خيانة الأمانة“([42])

وإعتبرت في قرار آخر أنّ: ” خيانة المؤتمن تتمثل في الإستيلاء الفعلي من طرف المؤتمن على بعض أو كل ما أؤتمن عليه قصد إلحاق الضرر بصاحبه“([43]).

والمشرع بالفصل 297 م ج جرّم فعلي الإختلاس أو الإتلاف وكذلك محاولة القيام بذلك غير أنّ إثبات المحاولة أمر صعب المنال على إعتبار أن الأشياء المسلطة عليها الجريمة موجودة بين يدي الوكيل وهي في حيازة الجاني لذلك يصعب تصوّر الشروع في تنفيذ الجريمة بالنسبة لهذه الحالة.

إلاّ أنّه بالنسبة لأمين الفلسة يمكن إثبات محاولة الإختلاس من خلال بعض الوثائق التي يعدّها ومن ذلك تعمّده إعداد موازنة مغلوطة أو الإستظهار بديون صوريّة على المدين المفلس وكذلك إعداد قائمة جرد منقوصة ولا تشمل عموم مكاسب المدين.

ولقيام جريمة خيانة الأمانة لابدّ من توفّر إحدى عقود الأمانة الوارد ذكرها حصرا بالفصل 297 م ج وهو ما دأب على تكريسه فقه القضاء التونسي حيث إعتبرت محكمة التعقيب أنه: “إذا كان قدر المال أكثر من ألف دينار فيجب تحرير حجّة في الوديعة ولا تكفي البينة لتوفّر أركان جريمة الخيانة بل لا بدّ من توفر شروط أساسية أوّلية ومنها بالخصوص ضرورة وجود عقد من عقود الأمانة” ([44]).

وفي قرار آخر إعتبرت محكمة التعقيب أن التوسع في هذه القائمة فيه خرق للقانون حيث أكدت المحكمة على أنّ:” عقد الشركة ليس من عقود الأمانة الموجبة لقيام جريمة الخيانة وبالتالي فإعتبار المحكمة الوكالة على الشركة ظرفا مشددا للجريمة فيه خرق للقانون“([45]).

وجريمة خيانة الأمانة من الجرائم القصدية وهو ما ورد بالفصل 297 م ج “ … قاصدا الإضرار بأربابها أو المتصرّفين فيها أو من هي بأيديهم“.

فالقصد الجنائي يمكن أن يكون عامّا أو خاصّا، والقصد العامّ يستوجب توفّر ركني العلم والإرادة وذلك من خلال علم الجاني بتوفّر أركان الجريمة وخطورتها مع إرادة تحقيق نتائجها([46]).

وإذا كان العلم ينصرف إلى أركان الجريمة فإن الإرادة تتجه إلى الفعل الذي تقوم عليه أو النتيجة التي تترتّب عنه([47]).

و عند إرتكابه لجريمة خيانة الأمانة من خلال الإختلاس أو إتلاف الأموال الموضوعة تحت يده لا بدّ لأمين الفلسة أن يكون عالما بخطورة فعله الذي يكوّن جريمة يعاقب عليها القانون مع ضرورة إنصراف إرادته إلى إرتكاب ذلك الفعل أي اختلاس المؤتمن الذي بحوزته بتغيير الحيازة من ناقصة إلى كاملة.

ويبقى القصد العام غير كاف لقيام جريمة خيانة الأمانة في حقّ أمين الفلسة بل لابدّ من توفّر القصد الخاص الذي يعرّفه أحد الفقهاء بأنّه:”نيّة دفعها إلى الفعل باعث خاصّ” ([48]) وهو ما قصده المشرع بالعبارات الواردة بالفصل 297 م ج ” بقصد الإساءة… أو إضرارا” وهو ما يدلّ على أهميّة القصد الخاص في هذه الجريمة.

والقصد الخاص لدى أمين الفلسة يتمثل في نيّة تملّك الشيء إضرارا بالموكّل، فهو بإستيلائه أو إتلافه للشيء المؤتمن عليه غيّر حيازته من ناقصة إلى كاملة وتصرّف في الشيء تصرّف المالك في ملكه([49]) وهو ما ذهبت إليه محكمة التعقيب حين إعتبرت أنّ: ” جريمة الخيانة الموصوفّة جريمة قصديّة، لذلك فأنّ الركن الأساسي فيها هو الرّكن المعنوي أي أنّ الجاني يعلم أنّه يرتكب التبديد والإتلاف وإرادته متجهة إلى تملك الشيء المستولى عليه إضرارا بصاحبه“([50]).

وإذا قام أمين الفلسة بإختلاس أو إتلاف الأموال المودعة لديه جاز مؤاخذته على معنى الفصل 297 م ج ومسؤوليته مشدّدة بإعتباره وكيلا مأجورا وهو ما ذهبت إليه محكمة التعقيب في قرارها المؤرخ في 19جانفي1989 الذي جاء فيه:” يؤخذ من صريح الفصل 297 جزائي أن جريمة خيانة الأمانة الموصوفة لا تتكوّن إلاّ إذا توفّرت فيها عدّة أركان أوّلها إختلاس الأموال أو السلع أو الرقاع وثانيا قصد الإضرار بأربابها ويكون ذلك ظرف تشديد إذا صدرت تلك الأعمال عن وكيل وفي حدود العقوبة المحدّدة به“([51]).

والحقيقة أنّه كان على المشرّع وضع نص خاصّ صلب قانون 1997 يكرّس جريمة خيانة الأمانة في حقّ أمين الفلسة و يحول دون إمكانية الرّجوع إلى النصّ العامّ وخضوع أمين الفلسة لعقوبات قاسية جدّا في صورة إرتكابه لجريمة خيانة الأمانة الموصوفة وهي عقوبات لا تتلاءم صراحة مع خصوصية هذه المهنة ويمكن أن تشكّل هاجسا بالنسبة لصاحبها وذلك من خلال حرصه على عدم الوقوع في المحضور أكثر من حرصه على إنجاح المهمّة المناطة بعهدته.

ومهما يكن من أمر فإنّه يمكن لأمين الفلسة إرتكاب بعض الأفعال الأخرى التي تعتبر جرائما على معنى الفصل 289 جزائي.

جريمة الفصل 289 من المجلة الجزائية:
إقتضى الفصل 289 م.ج أنّه : ” يعاقب بالسجن مدّة عامين الإنسان الذي مراعاة لمصلحة المدين التاجر يتعمّد إخفاء الأشياء التابعة لمكاسب هذا الأخير أو يستظهر بديون له عليه صورية“.

وبذلك تكون هذه الجريمة مرتكبة من طرف الغير فيتعمد إخفاء مكاسب المدين أو البعض منها إضرارا بالدّائنين و مساعدة المدين التاجر لكن بدون تواطئ من هذا الأخير. وهذا العمل يقابل تقريبا عمل الفضولي من الناحية المدنيّة وهو من يتقدّم لمساعدة الغير بدون أجر وبدون طلب منه ولكن تدخلّه كان لمصلحة هذا الغير(1).

وبناء على عموميّة لفظة الإنسان الواردة بهذا الفصل فإنه يمكن لأيّ كان إرتكاب الأفعال المذكورة كزوجة المدين أو فروعه أو أصوله أو أصهاره وكذلك أمين الفلسة الذي يمكنه أن يتعمّد عدم إدراج بعض المكاسب بقائمة الجرد أو الإحصاء حتّى لا تطالها يد الدّائنين مراعاة لمصلحة المدين المفلس دون لزوم وجود إتفاق بينه وبين هذا الأخير إذ بوجود هذا الإتفاق يصبح أمين الفلسة شريكا للمدين في جريمة الإفلاس الإحتيالي على معنى الفصل 288 من المجلة الجزائية(2).

وفيما يتّصل بفعل الإستظهار بديون صوريّة فإن هذا الجرم يقوم في حال إذا ما إدّعى أمين الفلسة بأن للغير دينا لا وجود له بذمّة المدين المفلس وتم إختباره مع بقيّة الديون والحال أنّه دين وهمي. وقد يلجأ أمين الفلسة في ذلك إلى إستعمال بعض الطرق الاحتيالية من ذلك إفتعال كتب مثبت للدين ليكون عرضة بذلك للفصل 172 م.ج والذي وضع عقوبات تصل إلى السجن بقيّة العمر.

وعلى عكس إخفاء مكاسب المدين فإن الإستظهار بديون صوريّة من شأنه أن يضخّم من العنصر السلبي للذمة المالية للمدين المفلس وهو ما قد يضرّ به إضرارا فادحا بتقليص حظوظه في الحصول على حلّ الصلح البسيط وكذلك تقليص حظوظ أصحاب الدّيون في إستخلاص ديونهم.

وإذا كان أمين الفلسة فاعلا أصليا فيما يخصّ جريمتي خيانة الأمانة والفصل 289 م.ج فإنه يمكن أن يكون شريكا في بعض الصّور الأخرى.

ثانيا- أمين الفلسة الشريك:

جاء بالفصل 577 م ت أنّ: “كلّ دائن يشترط لنفسه بإتفاق مع المفلس أو أي شخص آخر منافع الرأي الذي يقترع عليه في مداولات الفلسة أو يعقد إتفاقا خاصّا قد يجرّ له منافع خاصّة من مال المفلس يستوجب العقوبات المنصوص عليها بالفصل 289 م.ج“.

ومع أنّ هذه الجريمة خاصّة بالدّائنين إلاّ أن الإتفاق الذي يبرمه الدّائن يمكن أن يكون مع المدين المفلس أو أيّ شخص آخر ولا شيء يمنع من أن يكون هذا الشخص هو الأمين نفسه، فهذا الأخير بموجب مسكه وحيازته لمكاسب المدين يمكنه إبرام إتفاق مع أحد الدّائنين وذلك لتفضيله على البقيّة مقابل الحصول على إمتياز مالي.

ولم يحدّد المشرّع شكل الإتّفاق لذلك يمكن أن يتمّ بين الدّائنين والمدين أو الغير المفوض لذلك وكما يمكن أن يكون هذا الإتّفاق شفاهيّا أو كتابيّا(ا[52]).

ويترتب عن قيام هذه الجريمة فضلا عن تسليط العقاب المنصوص عليه بالفصل 289 م.ج إبطال الإتفاق وإرجاع المال المتحصّل عليه، حيث جاء بالفصل 577 م ت في فقرتيه الثانية والثالثة:

” ويحكم مع ذلك بإبطال الإتفاق المتمّم على الصورة المذكورة بالنسبة لكلّ شخص حتّى المفلس ويجب على الدائن أن يرجع لصاحب الحق المبالغ أو القيم المالية التي يكون قد تسلّمها بمقتضى الإتفاق المذكور“.

وإلى جانب مجمل هذه الجرائم فإنّ أمين الفلسة بإمكانه إرتكاب بعض الجرائم التي تعتبر إخلالا بالإلتزامات القانونية المترتبة عن مباشرة مهنته كأمين للفلسات.

الإخلال بالالتزامات القانونية المترتبة عن مباشرة المهنة:
قبل صدور القانون عدد 71 المؤرخ في11 نوفمبر 1997 لم يتولى المشرّع التونسي تنظيم مهنة أمناء الفلسة لا بالمجلّة التجاريّة ولا بأي نصّ خاص، وعليه فأنّ بعض الجرائم المرتبطة بمباشرة هذه المهنة ظلّت مرتبطة بنصوص خاصّة غير أنّ بعضها الآخر تم إدراجه ضمن القانون المذكور.

وسنهتم تباعا بهذه الجرائم متطرقين لدراستها على النحو التالي:

جريمة الإخلال بواجب الإشهار:
نص الفصل 453 م ت في فقرته الثالثة على أنّ : أمين الفلسة يباشر الإشهار بإدراج مضمون الحكم بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية وبإحدى الجرائد اليومية ويقع التنصيص عليه بالسجلّ التجاري…”

وبالرّجوع إلى القانون المنظّم لمسك السجلّ التجاري ([53]) يلاحظ أنّه تضمّن جملة من الفصول المجرّمة لبعض الأفعال والأعمال المتّصلة بمسكه وذلك قصد تقوية الثقة في التعامل معه على إعتباره يمثّل رسما قانونيّا يعكس وضعية التاجر ويشبّه إلى حدّ كبير برسم الحالة المدنية للشخص الطبيعي.

وجاء الفصل 68 ناصّا على أنّ:” كل شخص مطالب بالتسجيل بالسجلّ التجاري أو بإدراج بيان تكميلي أو تنقيح أو تشطيب ولم يقم بذلك أو لم يمتثل بدون مبرّر شرعي للقرار القاضي بإتمام الإجراء الصادر عن القاضي المكلّف في ظرف 15 يوما من التاريخ الذي أصبح فيه هذا القرار نهائيّا يعاقب بخطيّة من مائة إلى ألف دينار”.

وهذا النصّ يجرّم عملا سلبيّا يتمثّل في عدم القيام بالتسجيل أصلا أو التنقيح أو التشطيب وذلك عكس ما جاء بالفصل 69 : “الذي يعاقب كلّ شخص يدلي ببيان غير صحيح أو ناقص عن سوء نيّة، بقصد التسجيل أو التكميل أو التنقيح أو التشطيب بالسجلّ التجاري بخطيّة من مائة إلى خمسة ألاف دينار“.

في حين جاء بالفصل 70 أنّه:” يعاقب بخطيّة من مائة إلى ألف دينار كلّ تاجر أو وكيل أو مدير شركة لم يبيّن تطبيقا للفصل 67 من هذا القانون بقائمته ومطالب شرائه وجداول أسعار بضاعته وإعلاناته وكل مكاتيبه والمقتطعات المتعلقة بنشاطه وعدد تسجيله واسم المحكمة الابتدائية التي هو مسجّل بها“.

فهل يمكن سحب هذه الأحكام على أمين الفلسة في صورة إخلاله بواجبات الإشهار المحمولة عليه؟.

إنّ الإجابة عن هذا التساؤل لا يمكن أن تكون إلا بالإيجاب وذلك إستنادا إلى أحكام الفصلين 453 م ت و 34 من قانون السجلّ التجاري.

فالفصل الأول فرض على أمين الفلسة وجوب ترسيم حكم الإفلاس بالسجلّ التجاري أمّا الفصل الثاني فجاء فيه أنّه:” يقع التنصيص وجوبا بالسجل التجاري على الأحكام القاضية بالتفليس“.

كما أنّ أمين الفلسة يتّصف بصفة الوكيل وجاء بجملة هذه الفصول أنّ العقوبة تسلّط على كل تاجر أو وكيل أو مدير شركة ولفظة الوكيل يمكن أن تشمل أمين الفلسة إستنادا على الفصل 470م ت.

غير أن نزعة التجريم لا تقف عند حدود قانون السجلّ التجاري بل تتعدّاه إلى جرائم التصفية.

جرائم التصفية:
من الأدوار المناطة بعهدة أمين الفلسة مباشرة تصفية المال في صورة إنتهاء الفلسة بالإتّحاد، وهو ما جعل البعض يتحدّث عن إمكانية إعتبار أمين الفلسة في هذه الفترة بالذات مصفّيا. وأحكام التصفية كانت منظّمة بمجلّة الإلتزامات والعقود بالفصل 1332 إلى 1350 إلى غاية صدور مجلّة الشركات التجاريّة سنة 2000 والتي خصّصت لهذه المؤسسة الفصول من 49 إلى 53، غير أن صدور هذه المجلة لم يمنع المشرع من الإبقاء على جملة الفصول المنظّمة للتصفية صلب م أ ع . والتساؤل المطروح هو حول إمكانية خضوع أمين الفلسة للأحكام الجزائية المتعلقة بالتصفية والواردة بمجلة الشركات التجارية؟.

لئن كان الأمر محسوما في القانون الفرنسي والذي قسم نظام التصفية([54]) القضائية إلى مرحلتين أولى متّصلة بالإدارة وثانية مرتبطة بالتصفية فإنّ الأمر على خلافه في القانون التونسي لا يزال موضوع جدل. وتتمثّل الجرائم التي جاءت بها م ش ت الصادرة في 3 نوفمبر 2000 في:

جرائم الفصل49:
تضمّن هذا الفصل جملة من الجرائم المتّصلة بعدم ترسيم قرار حلّ الشركة وقرار تعيين المصفّي بالسجلّ التجاري في ظرف 30 يوما وعدم دعوة الشركاء للنظر في الحساب النهائي للشركة ومنحه إبراء تصرّفه ويكون العقاب بالسّجن من شهر إلى 6 أشهر وخطيّة من مائة إلى ألف دينار.

جرائم الفصل 50:
يجرّم هذا الفصل الإخلال بالإجراءات المحمولة على المصفّي طبق أحكام الفصول 36 إلى 40 و43 إلى 47 من مجلّة الشركات التجارية والمتعلقة. أساسا بدعوة الجلسة العامة للإنعقاد وتوزيع الأموال على الدائنين وإشهار قرار التوزيع والعقاب فيها هو ذاته المنصوص عليه بالفصل297 م .ج.

جرائم الفصل51:
تضمّن هذا الفصل جملة من الأفعال إعتبرها المشرّع جرائم موجبة للعقاب بالسجن من عام إلى ثلاثة أعوام وبخطيّة من 300 إلى 3000 دينار والتي تتمثل أساسا في إستعمال أموال الشركة في غرض مخالف لمصلحتها ولغايات شخصية أو لمحاباة مؤسسة أو شركة أخرى يهمه أمرها سواء مباشرة أو بصفة غير مباشرة أو بواسطة شخص متداخل.

جرائم الفصل 52:
جرّم هذا الفصل جميع الإحالات المتصلة بمكاسب الشركة طبق الطرق المنصوص عليها بالفصل 34 إلى 35 من ذات المجلّة والمتصلة بالتفويت في أصول الشركة أو بعضها لفائدة المصفّي كما فرض المشرّع على هذا الأخير الحصول على ترخيص من الجلسة العامة للشركاء قبل إحالة جميع أصول الشركة أو المساهمة بها في شركة أخرى.

وقد عاقب الفصل 52 م ش ت المصفّي في صورة إخلاله بهذه الإلتزامات بالسجن من شهر إلى عامين وخطية من ثلاثمائة إلى ثلاثة آلاف دينار.

إنّ هذا السرد لجملة الأفعال المجرّمة صلب مجلّة الشركات التجارية قد يصبح غير ذي جدوى عملا بقاعدة التأويل الضيّق للنصّ الجزائي وكذلك قاعدة منع القياس خاصّة وأنّ جملة النصوص المذكورة تتعلق بالمصفّي الذي يعتبر هيكلا مستقلا بذاته عن أمين الفلسة لذلك فإنّ الحلّ في هذا الإطار لا يمكن أن يخرج عن فرضيتين:

الفرضيّة الأولى هي سحب هذه النصوص على أمين الفلسة وذلك للحيلولة دون التفصّي من العقاب في صورة إرتكابه للجرائم المذكورة عند تصفية أموال الفلسة، أمّا الثانية فهي التشبّث بالقواعد الأصولية للقانون الجزائي وترك الأمر على حاله بالنسبة لأمين الفلسة وهو ما يمثّل فراغا تشريعيّا يستوجب تدخّلا من المشرّع لتجريم هذه الأفعال على غرار ما فعله المشرّع الفرنسي وذلك بالفصل بين مرحلة إدارة الفلسة ومرحلة التصفية النّهائيّة والحال أنّ الفرصة كانت مواتية منذ إصدار قانون 1997 لتجريم هذه الأفعال المتّصلة بالتصفية خاصّة وأن أمين الفلسة يلعب دور المصفّي بناء على أحكام الفصل 536 من المجلّة التجارية وهو تجريم يجب أن يكون مشدّدا بحيث يكون رادعا للحيلولة دون أي تلاعب بأموال الفلسة .

جريمة إفشاء السرّ المهني:
أوجب الفصل 21 من قانون 11 نوفمبر 1997 على أمين الفلسة: أن يحافظ على السرّ المهني الذي يطّلع عليه بحكم وظيفته إذ جاء بالفصل المذكور: “يحافظ أمين الفلسة على سرّ ما إطلع عليه بموجب مهامه” ، فأمين الفلسة ليس مؤتمنا على أموال الفلسة فحسب بل كذلك على أسرارها.

وتجدر الإشارة أن الفصل المذكور خلا من أي عقوبة في صورة الإخلال بهذا الواجب لذلك فإن الحل يتمثل في الرجوع إلى النص العام وبالتحديد الفصل 254 من المجلة الجزائية والذي ينص على أن: ” الأطباء والجرّاحين وغيرهم من ضبّاط الصحة وكذلك الصيدليين والقوابل وغيرهم من الأشخاص المؤتمنين على الأسرار التي تودع عندهم نظرا لحالتهم أو حرفتهم والذين يفشون هاته الأسرار في غير الصورة التي أوجب أو رخّص لهم فيها القانون القيام بالوشاية يعاقبون بالسجن مدّة 6 أشهر وخطية قدرها 500 دينار”

والجدير بالملاحظة أن القائمة الواردة بهذا الفصل وردت على سبيل الذكر لا الحصر على إعتبار أن المشرع أضاف لفظة ” وغيرهم من الأشخاص المؤتمنين على الأسرار التي تودع عندهم نظرا لحالتهم أو حرفتهم” وهي صياغة يمكن أن تشمل أمين الفلسة وإذا تعمّد إفشاء الأسرار التي إطّلع عليها بموجب وظيفته دون أن يكون القانون قد رخّص له ذلك فإنه يعاقب بالعقوبة الواردة بالفصل 254 جزائي.

وإذا كانت المسؤولية الجزائية لأمين الفلسة بإعتباره وكيلا تتّسم ببعض الوضوح خاصّة بالنسبة للجرائم التي يمكن أن يرتكبها إلاّ أن الأمر لم يعد كذلك بعد صدور قانون 11 نوفمبر 1997 والذي شبّه أمين الفلسة بالموظف العمومي مما أدخل نوعا من الغموض والضبابية على هذه المؤسسة وجعل هذا الأخير عرضة لجملة من النصوص الجزائية أكثر شدّة وصرامة من نظيرتها التي وقع التطرّق إليها سابقا.

المبحث الثاني: أساس مسؤولية أمين الفلسة بوصفه شبه موظف عمومي:

جاءت النّصوص القانونيّة المنظمة للمهن المساعدة للقضاء مشبّهة أصحابها بالموظّفين العموميين أثناء مباشرتهم للمهام الموكولة إليهم.

وهو توجّه إتخذه المشرّع في السنوات الأخيرة نظرا ما لهذه الصّفة من إنعكاسات على صاحبها سواء كان معتدى عليه أو في صورة إرتكابه لجريمة أثناء مباشرته لمهامه مما يجعله عرضة لجملة من العقوبات تتّسم في مجملها بالشدّة والصرامة.

فقد جاء بالفصل 42 من القانون المنظّم لمهنة عدول التنفيذ أنه: “يشبّه العدل المنفذ أثناء ممارسته لمهامّه بالموظّف العمومي على معنى الفصل 82 من المجلة الجنائية([55])” وكذلك الفصل 44 من القانون المنظم لعدول الإشهاد”: يشبّه عدل الإشهاد أثناء ممارسته لمهامه بالموظف العمومي على معنى الفصل 82 من المجلة الجنائية” ([56]) وإقتضى الفصل 14 من القانون المنظم لمهنة المترجمين المحلفين أنه: “يعدّ المترجم المحلّف عند مباشرته لمهامه شبه موظف طبق الفصل 82 من المجلة الجنائية وتنطبق عليه أحكام الفصول من 82 إلى 94 من هذه المجلة ([57])”، وكذلك الفصل 11 من القانون المتعلّق بالخبراء العدليين ([58]).

وفي نفس هذا التوجّه جاء بالفصل 24 من قانون 11 نوفمبر 1997 أنه:” يشبّه المصفّي والمؤتمن العدلي وأمين الفلسة والمتصرّف القضائي بالموظّف العمومي على معنى الفصل 82 من المجلّة الجنائيّة” وهو ما ذهبت إليه محكمة التعقيب منذ سنة 1985 حيث جاء في قرارها عدد 1996 أن الأحكام الجزائيّة المتعلّقة بالموظّف العمومي تسري على المؤتمن العدلي.

وتشبيه أمين الفلسة بالموظّف العمومي منذ صدور القانون عدد 71 لسنة1997 خلق إزدواجية في الصفة بالنسبة لهذا الأخير، فكما هو معلوم فإن الفصل 470 م ت جعل منه وكيلا قضائيا يخضع في صورة إرتكابه لإحدى الجرائم للأحكام المتعلّقة بالوكيل. غير أن إسناد صفة شبه الموظّف العمومي بالنسبة لأمين الفلسة يجعله عرضة للأحكام الجزائية المنطبقة على الموظّفين العموميين وهو ما يستدعي بالضرورة دراسة صفة شبه الموظف العمومي المسندة لهذا الأخير (الفقرة الأولى) ثم بيان الجرائم المرتبطة بهذه الصفة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: أمين الفلسة شبه الموظف العمومي:

إن بيان صفة شبه الموظّف العمومي المسندة لأمين الفلسة يستوجب تعريف هذه الصفة (أ) قبل دراسة تأثيرها على المساءلة الجزائية (ب).

تعريف شبه الموظّف العمومي:
إن الحاجة إلى تعريف صفة شبه الموظّف العمومي وتأثيرها على المساءلة الجزائية لأمين الفلسة إقتضتها ما تضمنه الفصلين 24 و 32 من قانون 1997.

فالفصل الأول شبّه أمين الفلسة بالموظّف العمومي وأحال على الفصل 82 من المجلة الجزائية، أما الفصل الثاني فقد أشار إلى إمكانية تطبيق الفصل 96 وما بعده من المجلة الجزائية وهي جرائم مرتبطة بالإستيلاءات الواقعة على الأموال العمومية.

وجاء بالفصل 82 المذكور ” يعتبر موظّفا عموميّا تنطبق عليه أحكام هذا القانون كل شخص تعهد إليه صلاحيات السلطة العمومية أو يعمل لدى مصلحة من مصالح الدولة أو جماعة محلية أو ديوان أو مؤسسة عمومية أو منشأة عمومية أو غيرها من الذوات التي تساهم في تسيير مرفق عمومي“.

ورغم أن هذا المفهوم للموظّف العمومي جاء موسّعا وعلى قدر من الشموليّة إلاّ أن توفّر هذه الصّفة في شخص الجاني شرط لا بد منه لمؤاخذته بجريمة الإستيلاء على أموال عمومية سواء كان فاعلا أصليا ([59]) أو شريكا ([60])

كما إعتبرت محكمة التعقيب أنه لا تأثير لوضعية الإلحاق على توفر أركان جريمة الإستيلاء على أموال عمومية([61]) .

وجاء بالفقرة الثانية من ذات الفصل: ” ويشبّه بالموظّف العمومي كل من له صفة المأمور العمومي ومن إنتخب لنيابة مصلحة عمومية أو من تعينه العدالة للقيام بمأمورية قضائية“.

إن صياغة الفصل المذكور والمتّصلة بصفة شبه الموظّف العمومي قد تكون قاعدة ملائمة لتضيف بعض الأشخاص ضمن دائرة شبه الموظفين العموميين ولفظة “أو من تعينه العدالة” قد تتعدى بعض الأشخاص المذكورين بالفصل 82 لتشمل أمين الفلسة والمصفّي والمؤتمن العدلي والمتصرّف القضائي على إعتبار أن هذه الفئة يقع تكليفها بمهامّها بمقتضى إذن قضائي.

وهذه القراءة تتناغم مع ما ورد بالفصل 2 من قانون 1997 الذي جاء فيه ” يقوم المصفون والمؤتمنون العدليون وأمناء الفلسة والمتصرفون القضائيون بمهامهم بتكليف من المحكمة ويخضعون لرقابتها ولو تم تكليفهم من خارج المحكمة“.

كما ذهبت محكمة التعقيب في إحدى قراراتها إلى أنه يعتبر موظّفا ” كلّ شخص إستولى بأي صفة كانت على خطة أو وظيفة إجراؤها مرتبط بمصلحة عامة” ([62]) وهو ما قد ينطبق على أمين الفلسة بحكم وظيفته المتمثلة أساسا في القيام بإجراءات الفلسة والإئتمان على أموالها وهي مهمة تعتبر من النظام العام وعلى صلة وثيقة بالنظام العام الإقتصادي.

كما أن لفظة من “تعيّنهم العدالة للقيام بمأمورية قضائية” الواردة بالفصل 82 م. ج جاءت في صيغة المطلق ودون تحديد لقائمة معينة من الأشخاص خلافا لما كان عليه الأمر قبل تنقيح الفصل المذكور في 23 ماي 1998 والذي كان يضمّ قائمة حصريّة للأشخاص الذين تنوّبهم العدلية وهم

” العرفاء والمحكّمين والمترجمين” لذلك فإن حذف القائمة الواردة سابقا بالفصل 82 من شأنه أن يوسع في مفهوم صفة شبه الموظف العمومي ليشمل أشخاصا آخرين ومنهم أمين الفلسة.

إلاّ أنّ الجدال الذي كان قائما حول إسناد هذه الصّفة لأمين الفلسة في غياب نص صريح لم يعد موجودا وذلك منذ صدور القانون المنظم للمهنة في 11 نوفمبر 1997 والذي أسند صراحة صفة شبه الموظّف العمومي لأمين الفلسة وهي صفة لها بالغ التأثير على مسؤولية الجزائية.

ب- تأثير صفة شبه الموظّف العمومي على المساءلة الجزائية لأمين الفلسة:

تعتبر صفة شبه الموظف العمومي ركنا أساسيا بدونه لا تقوم مسؤوليّة أمين الفلسة الجزائية طبق أحكام الفصل 96 وما بعده من المجلة الجزائية فبإنتفاء هذه الصفة تختفي العلّة من التجريم وتكون الجريمة مختلة الأركان وهو اتجاه عمل فقه القضاء التونسي على تكريسه في عديد القرارات([63]).

إذ جاء بالفصل 32 من قانون 1997 : ” مع مراعاة أحكام الفصول 96 وما بعده من المجلة الجنائية…” وبالرجوع إلى جملة هذه النصوص يلاحظ أنها مرتبطة بجرائم لا يمكن إرتكابها إلاّ من طرف أشخاص توفرّت فيهم صفة الموظفين العموميين أو من شبّه بهم وكما هو معلوم فإن هذه الصفة لها تأثير مزدوج على إنطباق القانون الجزائي. فهذه الصفة قد تمثّل إمتيازا لأصحابها نظرا لما تنطوي عليه من حصانة وما توفّره من حماية بالنسبة إليهم خاصة في صورة الإعتداء عليهم أثناء مباشرتهم لمهامهم وهو ما تضمّنه الفصل 116 وما بعده من المجلة الجزائية.

كما أن هذه الصّفة قد تكون أيضا ظرفا لتشديد العقاب في صورة إرتكاب بعض الجرائم من طرف الموظف العمومي وهي عقوبات مشدّدة جاءت بها الفصول من 96 إلى 100 من المجلة الجزائية. والسؤال المطروح هو الآتي: متى يمكن تتبع أمين الفلسة شبه الموظف العمومي في صورة إرتكابه لإحدى جرائم الفصل 96 وما بعده من المجلة الجزائية؟

لقد أكّد فقه القضاء على ضرورة توفّر صفة الموظّف العمومي أو شبهه حال إرتكابه لفعل إجرامي فبإنحسار الصفة تنتفي علة التجريم، وكما هو معلوم فإن أمين الفلسة لا يتمتع بهذه الصفة إلا متى وقع تعيينه وتولّى مباشرة مهامه بمقتضى تكليف من المحكمة لذلك فإن مؤاخذته طبق أحكام الفصول 96 وما بعده من المجلة الجزائية لا يمكن أن تتم إذا لم يقع تعيينه من قبل المحكمة أو لم يباشر مهامّه بصفة قانونية أو إرتكب هذه الجرائم بعد انحسار الصفة عنه أو إذا ما تمّ عزله من طرف المحكمة أو تمّ تعويضه.

أمّا إذا ما إكتسب أمين الفلسة هذه الصفة بموجب قرار التعيين فإنّه يمكن لهذا الأخير إرتكاب بعض الجرائم المتّصلة بوظيفته والمرتبطة إرتباطا وثيقا بصفته كشبه موظّف عمومي.

الفقرة الثانية: الجرائم المرتكبة من قبل أمين الفلسة بوصفه شبه موظّف عمومي:

بمجرد تعيينه من طرف المحكمة المتعهّدة بالإفلاس يكتسب أمين الفلسة صفة شبه الموظّف العمومي وذلك عملا بمقتضيات الفصل 24 من قانون 11 نوفمبر 1997 فيصبح بذلك مباشرا لوظيفة عمومية تستوجب إحترام جملة من التراتيب المتصلة بتنظيم المهنة (أ) إلى جانب إمكانية إرتكابه لبعض الأفعال المتصلة بالحصول على منفعة من أداء المهمة الموكولة له (ب).

أ- مخالفة التراتيب الإجرائيّة المنظمة للمهنة:

أوجب قانون 11 نوفمبر1997 على أمين الفلسة إحترام جملة من التراتيب الإجرائية غايتها تمكين المحكمة من فرض رقابتها على أعماله (1) وضمان سرعة انجاز تلك الأعمال (2) وكذلك تأمين نجاعتها.

1– التراتيب الإجرائية المتصلة برقابة المحكمة:

وهي جملة التراتيب الواردة بالفصل 16 من قانون 11 نوفمبر1997 الذي حمّل أمين الفلسة واجب القيام ببعض المهامّ والأعمال والتي تهدف في مجملها إلى تمكين المحكمة من فرض رقابتها على الأعمال التي يقوم بها هذا الأخير مما ييسّر إمكانية التفطن إلى الجرائم التي يمكن أن يرتكبها وتتبّعه جزائيا من أجل ذلك.

ورغم أن الفصل 16 ورد فيه ذكر المؤتمن العدلي لا غير إلا أنّه ينطبق كذلك على أمين الفلسة وذلك بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 31 من قانون 1997 الذي جاء فيه: “كل مصفّ أو مؤتمن عدلي أو أمين للفلسة أو متصرّف قضائي يخلّ بالواجبات الواردة بأحكام الفصل 16 أولا وثانيا وثالثا من هذا القانون يعاقب بخطية يتراوح مقدارها بين خمسمائة وخمسة آلاف دينار”

وبالجمع بين الفصلين يمكن القول أنه ومنذ صدور قانون 1997 أصبح أمين الفلسة محمولا على القيام بجملة من الواجبات الواردة بالفصل 16 والمتمثلة أساسا في:

مسك دفتر مرقّم وموقّع عليه من قبل القاضي المراقب يتضمن جميع العمليات والتصرفات المتعلقة بعملية الإئتمان من تاريخ تعهده بها إلى تاريخ إنتهاء مهامه أو ما يقوم مقامه من الوسائل الإعلامية المستحدثة، كما يجب عليه أن يطلع القاضي المراقب على هذا الدفتر بصفة شهرية وكلّما طلب منه ذلك وكذلك إطلاع الشركاء أوكل طرف له مصلحة على الدفتر أو تمكينهم من نسخة مصوّرة من البيانات الواردة به بعد أن يكونوا قد تحصّلوا على إذن مسبق في ذلك من القاضي المنتدب.
وهذا الإجراء شبيه بذلك المنطبق على من توفرت فيه صفة المأمور العمومي كعدول التنفيذ والإشهاد وذلك حتى يتسنّى للمحكمة فرض رقابتها على جميع العمليات المدونة به والتي باشرها من تاريخ تعيينه إلى تاريخ إنتهاء مهمّته دون أن يترك بياضا أو تشطيبا إلا بموافقة القاضي المراقب فيكون بذلك هذا الدفتر في نفس الوقت حجة لأمين الفلسة وعليه.

فتح حساب مالي خاص بالمهنة منفصلا على حسابه الشخصي ويودع فيه الأموال المتأتية عن إدارة أموال الفلسة من بيع وشراء ذلك بغرض تيسير التصرّف في الأموال المكلفين بها.
وهذا الإجراء له ما يبرّره فقبل صدور هذا القانون كان أمين الفلسة يودع الأموال المتأتية من الفلسة بحسابه الخاص بشكل يصعب معه الإحاطة بهذه الأموال ومراقبة عملية التصرف فيها كما يمكنه إستثمارها لخاصة نفسه ثمّ إرجاعها قبل ختم إجراءات الفلسة.

إيداع الأموال بصندوق الودائع والأمانات:
على عكس المتصرّف القضائي والمصفّي اللّذين ليسا في حاجة للقيام بهذا الإجراء لإتّصال مهامهما بإعداد برنامج الإنقاذ وقسمة المال دون التصرف فيه ([64]) فإن أمين الفلسة مدعو للإذعان لهذا الواجب لجمعه بين صفتي الإدارة والتصفية دون القسمة.

ويتولّى أمين الفلسة بذلك تأمين ما تبقى من المال بصندوق الودائع والأمانات بعد طرح مصاريف الإدارة والتصفية والتي لا يجوز سحبها إلاّ بإذن قضائي حسب ما جاء بالفصل 16 وبذلك تكون هذه الأموال في مأمن من كل الشبهات.

إعداد تقرير ختامي عن أعمال الفلسة:
يتولّى أمين الفلسة عند الإنتهاء من مهامه إعداد تقرير مفصّل يضمّن فيه جميع ما قام به أعمال وهو إجراء قديم غير جديد نصّت عليه المجلة التجارية بالفصلين 509 و 544 ([65]).

وتهدف جملة هذه الإجراءات الواردة بالفصل 16 إلى تكريس النّزاهة والشفافيّة في شخص أمين الفلسة عند مباشرته لمهامه وكذلك إلى تمكين المحكمة من بسط رقابتها على أعماله حفاظا على حقوق جميع أطراف الفلسة.

2– التراتيب الإجرائية المتصلة بسرعة إنجاز المهمّة:

بالرجوع إلى فصول قانون 1997 نلاحظ أن المشرّع فرض على أمين الفلسة إحترام جملة من التراتيب الإجرائية محورها أساسا بعض الآجال القانونية وغايتها ضمان الإسراع في إنجاز الأعمال المتصلة بالفلسة وذلك تكريسا لحقوق الدائنين في إستخلاص ديونهم بمنع المدين المفلس من مزيد تبديد أمواله والتصرّف فيها.

وقد جاء بالفصل 33 من ذات القانون أنه :” يعاقب بخطية يتراوح مقدارها بين خمسائة وألف دينار كل مصفّ أو مؤتمن عدلي أو أمين للفلسة أو متصرف قضائي لا يحترم الآجال الواردة بالفصول 10 و 11 و 16 و 27 من هذا القانون ” وهي آجال تتصل أساسا بـ:

تقديم كشف عام عن وضعية المؤسسة خلال 15 يوما من التعيين وهو ما أوجبه الفصل 10 من القانون المذكور والذي ألزم المصفّي بتقديم هذا الكشف في الأجل المشار إليه وتم سحب هذا الإلتزام على أمين الفلسة بموجب الفصل 28 من ذات القانون.

غير أن هذا الإلتزام ليس بالجديد حيث أوجب الفصل 489 م ت على الأمين: ” في خلال 15 يوما من مباشرته لمهمّته أن يسلّم للحاكم المنتدب تقريرا مختصرا على الحالة الظاهرة للفلسة وأسبابها وظروفها الأصلية“. إلا أن التجديد الذي أتى به قانون 1997 يتمثّل في معلوم الخطية الذي يسلط على أمين الفلسة في صورة إخلاله بهذا الإلتزام وهو ما من شأنه أن يجعل من هذا الأخير حريصا على القيام بهذا الواجب في الأجل المذكور نظرا إلى أن معلوم الخطية المرتفع نسبيا يمكن أن يلعب دورا في تحقيق الجانب الزجري المراد منه.

إنجاز المهمّة في ظرف 3 أشهر:
وهو الإلتزام المنصوص عليه بالفصل 11 من قانون 11 نوفمبر 1997 وتمّ سحبه على أمين الفلسة طبق الفصل 28 وهو ذات الأجل المنصوص عليه بالفصل500 م ت الذي خلى من أي عقوبة جزائية في صورة الإخلال بهذا الواجب وجاء فيه: “بالإنتهاء من إختبار الديون وفي خلال 3 أشهر من صدور الحكم بالتفليس على الأكثر يسلم الأمين لكتابة المحكمة جدول الديون التي إختبرها مع الإشارة إلى مقترحاته وقرار الحاكم المنتدب بخصوص كل واحد منها“.

غير أنّ هذا الأجل ليس نهائيا إذ يمكن لأمين الفلسة طلب التمديد فيه وذلك مع بيان سبب التأخير ويكون التمديد بقرار معلل من القاضي المنتدب للفلسة.

عرض الدفاتر على القاضي المراقب شهريا وذلك للمراقبة وتقديم تقرير حول وضعية المؤسسة كل 3 أشهر وهو ما نص عليه الفصل 16 من القانون عدد 71 المؤرخ في 11 نوفمبر 1997 وسحبه الفصل 33 على أمين الفلسة.

غير أنّ هذا الإجراء يعتبر عديم الفائدة بالنسبة لأمين الفلسة ولا تكون له أهمية إلا للمؤتمن العدلي لأن مهمته تمتدّ زمنا طويلا في حين أن مهمة باقي الهياكل محددة بـ 3 أشهر ([66]) وهذا الأجل تم التنصيص عليه بالفصل 500 م ت الذي جاء فيه: ” بالإنتهاء من اختبار الديون وفي خلال 3 أشهر من صدور الحكم بالتفليس على الأكثر يسلم الأمين لكتابة المحكمة جدول الديون التي إختبرها مع الإشارة إلى مقترحاته وقرار الحاكم المنتدب بخصوص كل واحد منها“، وهو إجراء على غاية من الأهمية بإعتبار أن تقديم جدول الديون هو أهمّ عمل يقوم به أمين الفلسة بعد إحصاء الأموال.

3– التراتيب الإجرائية المتصلة بتأمين نجاعة انجاز المهمة:

جاء بالفصل 21 من قانون 1997 أنه “يحجّر على أمين الفلسة… ممارسة نشاط نفس المؤسسة التي عيّن بها قصد مباشرة الأعمال الموكولة إليه سواء بنفسه أو بواسطة وذلك خلال ثلاثة أعوام من تاريخ إنتهاء مهامّه“.

وقد نصّ المشرّع على هذا الإجراء ضمانا للجدوى من تعيين هياكل الإجراءات حتى لا يميلوا لتصفية المؤسّسة وممارسة نشاطها بصفة مباشرة أو كذلك بواسطة غيرهم. فقد يجد أمين الفلسة في نشاط المفلس قطاعا مغريا قد يستهويه ليحترفه خاصة إذا ما أدرك أن سبب التوقّف عن دفع الديون مردّه حقيقة إنعدام التجربة والمعرفة اللازمة للإدارة والتصرّف فيسعى بذلك جاهدا إلى توجيه الفلسة نحو حلّ إتّحاد الدائنين وذلك رغم التلاعب بإجراءاتها قصد تصفية أموال المفلس وإقصائه من السوق التجارية أملا في ممارسة هذا النشاط التجاري بنفسه.

كما أنّ أمين الفلسة قد يتواطأ مع تاجر آخر هو في وضعية تنافس مع المدين المفلس من أجل الحصول على مبلغ من المال مقابل إقصاء هذا الأخير من الميدان التجاري.

ولعلّ جملة هذه الأسباب هي التي تفسر وضع المشرع لمثل هذا التحجير الوارد بالفصل 21 المذكور وهو تحجير أكثر من ضروري لضمان نجاعة إنجاز المهمّة والحيلولة دون التلاعب بإجراءات الفلسة من طرف الأمين.

غير أن مجمل هذه التراتيب الإجرائية التي تجعل من أمين الفلسة محل تتبع في صورة الإخلال بها لا تنفي إمكانية إرتكاب هذا الأخير لبعض الجرائم الأخرى المرتبطة أساسا بالحصول على منفعة من إنجاز المهمة.

-ب- جرائم الحصول على منفعة من انجاز المهمة:

تعتبر منفعة كل فائدة مادّية أو معنويّة كالحصول على مبلغ مالي ليس من حق طالبه مقابل إسداء خدمة للغير أو توجيه النشاط لصالحه.

وعند أداء المهمة يمكن لأمين الفلسة إرتكاب بعض الجرائم مقابل الحصول على مبلغ من المال ومن ذلك الإستيلاء على الشيء المؤمّن بين يديه أو تمكين غيره من الإنتفاع به دون وجه حق فتقوم بذلك مسؤوليته الجزائية على معنى الفصل 32 من قانون 1997 والذي جاء فيه: “مع مراعاة أحكام الفصل 96 وما بعده من المجلة الجنائية فإن كل إخلال من المصفّي أو المؤتمن العدلي أو أمين الفلسة أو المتصرف القضائي بأحكام الفصل 20 من هذا القانون يعاقب عنه بخطية يتراوح مقدارها بين ألف وعشرة آلاف دينار“.

بناء على الفصل المذكور يمكن القول أن مسؤولية أمين الفلسة الجزائية بوصفه شبه موظف عمومي تقوم في صورة الإخلال بموجبات الفصل 20 من قانون 1997 (أولا) مع إمكانية انطباق الفصل 96 وما بعده من المجلة الجزائية (ثانيا).

أولا: جريمة الإخلال بالفصل 20 من قانون 11 نوفمبر 1997:

تضمّن الفصل 20 من قانون 1997 أنه : “يحجّر على كل من المصفّي وأمين الفلسة والمؤتمن العدلي والمتصرّف القضائي بما في ذلك القرين والأصول والفروع والأقارب إلى الدرجة الثانية والأصهار أن يكتسب بالشراء أو بالإحالة سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة شيئا من الحقوق التي باشر بشأنها مهامّه، وتنطبق عليه أحكام الفصول 566 إلى 570 من مجلة الإلتزامات والعقود“.

وهذا التحجير هدفه أساسا المحافظة على أموال الفلسة ومنع الأمين من الاستبداد عند التصرّف في المال المودع بين يديه بإعتبار أن إحالة هذا المال إلى الأشخاص المذكورين بالفصل 20 سواء بالبيع أو غيره ستنطوي على محاباة إن لم يكن تواطأ وهو ما يعدّ إضرارا بمكاسب المدين المفلس وهدرا لحقوق الدائنين في إستخلاص دينهم خاصة إذا ما تم بيع مكاسب المدين المفلس بثمن بخس لا يتماشى وقيمتها الحقيقية.

ومخالفة هذا التحجير يعاقب عليه الفصل 32 من قانون 1997 بخطية مالية تتراوح بين ألف وعشرة آلاف دينار وهي خطية تعتبر ضئيلة نسبيّا إذا تم مقارنتها بالمنافع التي يمكن أن يكتسبها أمين الفلسة من خلال شراء بعض المكاسب المتعلّقة بالفلسة كعقارات المدين أو منقولاته.

وتنطبق على أمين الفلسة كذلك التحجيرات الواردة بالفصول 566 إلى 570 من م إ ع والمتعلقة بالبيع والشراء والإحالة وكذلك الوساطة على أنّ الأمين عند إكتسابه للمال الموجود تحت يده بمقتضى وظيفته سواء كان ذلك بصفة مباشرة أو غير مباشرة وسواء بنفسه أو بواسطة ذويه يكون قد إرتكب جريمة الفصل 20 من قانون 1997 ولو كان ذلك بالثّمن الحقيقي للمال.

غير أن العقاب المذكور بالفصل 32 من قانون 1997 لا ينطبق إلا على أمين الفلسة دون غيره من الأشخاص المذكورين مع إستثناء صورة الشريك إذا توفّرت الأركان القانونية للمشاركة ([67]) وهو إعفاء غير منطقي وكان على المشرّع أن يسحب العقاب الوارد بالفصل 32 من قانون 1997 على الشريك بالتنصيص على ذلك صراحة وهو ما يمكن أن يكون أكثر عدلا وإنصافا بالنسبة لأمين الفلسة.

ثانيا: جرائم الفصل 96 وما بعده من المجلة الجزائية:

أحال الفصل 32 من قانون 1997 على الفصل 96 وما بعده من المجلة الجزائية المتعلّقة بالإستيلاء على أموال عمومية وهو ما يستوجب دراستها تباعا وبيان مدى إمكانيّة إنطباقها على أمين الفلسة.

1– جريمة الفصل 96 من المجلّة الجزائية:

جاء بالفصل 96 من المجلّة الجزائيّة أنه: “يعاقب بالسجن مدّة عشرة أعوام بخطية تساوي قيمة المنفعة المتحصل عليها أو المضرّة الحاصلة للإدارة الموظف العمومي أو شبّهه…. مكلّف بمقتضى وظيفته ببيع أو صنع أو شراء أو إدارة أو حفظ أي مكاسب إستغلّّ صفته لإستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه أو لغيره أو للإضرار بالإدارة أو خالف التراتيب المنطبقة على تلك العمليات لتحقيق الفائدة أو إلحاق الضرر المشار إليه“.

ولإنطباق هذا الفصل على أمين الفلسة لا بدّ من توفّر 3 شروط : صفة الجاني، طبيعة المال، والحصول على منفعة.

ففيما يخصّ الصّفة فإنّ الفصل 24 من قانون 1997 شبّه أمين الفلسة بالموظّف العمومي لذلك فإن هذا الشرط لا جدال حوله كما يشترط أن يكون الأمين قد تمّ تعيينه بصفة قانونية من قبل الحاكم المتعهّد بالإفلاس بموجب القرار الذي يصدره في ذلك.

أما فيما يتّصل بطبيعة الأموال فلقد إشترط الفصل 96 م ج أن تكون تلك الأموال سلمت للموظف العمومي بمقتضى وظيفته وأمين الفلسة يتسلّم أموال المفلس ووثائق الدائنين المثبتة لديونهم ليتمّ إدارتها ثم تصفيتها إذ أذن له بذلك.

أمّا الشرط الأخير والمتعلّق بإستغلال الصفة للحصول على منفعة لا وجه لها لنفسه أو لغيره أو للإضرار بالإدارة فإنه يمكن أن يتوفّر إذا ما قام أمين الفلسة بالإستيلاء على المال الموجود بين يديه أو بيع عقار مثلا على خلاف الصيغ المتّبعة لذلك قاصدا الإضرار بمصالح الدائنين أو لتسهيل مهمّة تاجر منافس غايته إزاحة ذلك المدين المفلس بعدم منحه حلّ الصلح البسيط ونيّة الإضرار مسألة موكولة لقضاة الأصل ولا رقابة لمحكمة التعقيب عليها ([68]).

2-جريمة الفصل 97 من المجلّة الجزائيّة:

جاء بهذا الفصل أنّه: “يعاقب بالسجن مدّة خمسة أعوام وبخطيّة تساوي قيمة الفائدة المتحصل عليها كل شخص ممن ذكر بالفصل المتقدم أخذ أو قبل أي ربح لنفسه أو لغيره بأيّ كيفية كانت في أمر تولّى إدارته أو الإشراف عليه أو حفظه كليا أو جزئيا أو أخذ أي فائدة كانت في أمر هو مكلف بأمر بالدفع فيه أو تصفيته”.

ويتمثل الركن المادي في هذه الجريمة في حصول الموظف أو شبهه على منفعة لنفسه أو لغيره بأي كيفية كانت في أمر يخصّ تسيير المؤسسة المكلّف بها على أن تكون هذه المنفعة متأتّية من الغير وليس من مال المؤسسة وإلاّ إندرج الفعل تحت طائلة الفصل 96 م.ج.

وتدخل ضمن وسائل الإنتفاع الحصول على عمولة مقابل التعامل مع الغير أو تسهيل منح عمولة له([69]).

ويرى الأستاذ الطيب اللومي أنه في الجريمة الأولى الواردة بالفصل 96 م.ج يكون الموظّف نفسه أو شبهه هو الذي إستغلّ صفته قصد الحصول على الفائدة بينما في جريمة الفصل 97 م ج لم يصدر أي سعي منه بل عرض عليه الشيء فقبله كما أنه في هذه الحالة أخذ المال لنفسه فقط بينما في جريمة الفصل 96 م ج فإنّه في كلا الحالتين سواء إستحوذ على المال لنفسه أو أحاله لغيره فإنه يكون عرضة للعقاب ([70]).

وأحكام الفصل 97 من المجلة الجزائية يمكن أن تنطبق على أمين الفلسة وذلك مثلا في صورة إذا ما فرض عليه أحد الدائنين مبلغا ماليا معينا مقابل تمييزه عن بقية الدائنين أو مثلا لتوجيه الفلسة نحو تصفية أموال المدين المفلس. والمشرّع قد أغفل التنصيص عن الركن القصدي لهذه الجريمة خلافا لما فعله بالفصلين 97 مكرّر و97 ثالثا من خلال إدراجه لعبارة “يعمد” التي تقتضي بالضرورة توفر العنصر القصدي لقيام الجريمة.

3– جريمة الفصل 99 من المجلّة الجزائيّة:

نص الفصل 99 م ج على أنه : “يعاقب بالسجن مدّة عشرين عاما وبخطية تساوي قيمة ما وقع الإستيلاء عليه كل موظّف عمومي أو شبهه أو المؤتمن أو المحتسب العمومي، وكل مدير أو عضو أو مستخدم… الذي تصرّف بدون وجه في أموال عمومية أو خاصة أو إختلسها أو إختلس حججا قائمة مقامها أو رقاعا أو رسوما أو عقودا أو منقولات كانت بيده بمقتضى وظيفة أو حوّلها بأي كيفية كانت“.

وتعتبر جريمة الإختلاس أهمّ جريمة من جرائم الإستيلاء على الأموال العمومية وذلك لإنضواء أغلب الأفعال المعتبرة من جرائم إستيلاء على أموال عمومية وأكثرها شيوعا تحت جريمة الإختلاس ولعلّ ذلك هو السبب الذي جعل محكمة التعقيب لا تميّز في بعض الأحيان بين جرائم الإستيلاء وجريمة الإختلاس ومن ذلك القرار التعقيبي المؤرخ في 18 جويلية 1973 وجاء فيه:

” العبث بأموال الدولة سواء بالإستيلاء أو التصرف يوجب العقاب…” ([71]) .

وفي المقابل فإن محكمة التعقيب ميّزت عن صواب في بعض قراراتها الأخرى بين الإستيلاء والإختلاس ومثال ذلك القرار التعقيبي عدد 17398 المؤرخ في 5 فيفري 1986 الذي جاء به: “جريمة الإستيلاء على أموال عمومية لا تستقيم إلاّ بتوفّر ثلاثة أركان أولها أن يكون لمرتكبها صفة الموظّف أو شبهه وثانيا أن يتسلم بهذه الصفة أموالا أو منقولات أو غيرها مما وقع بين يده، وثالثا أن يختلس ذلك أو يتصرف به بلا وجه ….“([72])

ويختلف الإختلاس في هذه الجريمة عن مفهومه المتداول بالنسبة لجريمة السرقة([73]) . ففي الحالة الأولى فإن الموظف أو شبهه يختلس مالا موجودا بين يديه سلفا أما في الحالة الثانية فإن الجاني يختلس مالا موجودا بين يدي صاحبه ودون رضاه.

كما أن المال الوارد ذكره بالفصل 99 م ج هو المال الموجود تحت يد الموظّف بمقتضى المهام المناطة بعهدته بقطع النظر عن كون ذلك المال هو من الأموال العمومية أو الخاصة إذ العبرة بوجود المال تحت يد الجاني بمقتضى وظيفته ولا يهمّ إن كان المال المستولى عليه من قبيل النقود أو القيم المنقولة كالأسهم والرّقاع والسّندات أو الوصولات ويمكن أن يشمل المال المنقولات كما العقارات إذ أن لفظة المال الواردة بالفصل 99 في لفظة عامة تشمل العقّار والمنقول على حد السواء ([74]) .

ويمكن لهذه الجريمة أن تقوم في حقّ أمين الفلسة وذلك بتوفر ثلاثة شروط أولها الصفة وهي شرط تنعدم الجريمة بإنعدامه والفصل 99 م ج ورد به لفظ “الموظف العمومي أو شبهه وكما هو معلوم فإن الفصل 24 من قانون 11نوفمبر1997 شبّه أمين الفلسة بالموظف العمومي لذلك فإنّ هذا الشرط لا جدال حوله.

أمّا الشرط الثاني فيتعلق بالمال موضوع الجريمة، فهذا المال يجب أن يكون تحت يد الجاني بمقتضى وظيفته وإذا تسلّط عليه فعل الإختلاس قامت الجريمة ومن ذلك أن يقوم الأمين بالإستيلاء على المال المتحصّل مثلا من بيع بعض المنقولات خشية فسادها أو بيع أحد عقارات المدين المفلس وأخذ المال لخاصّة نفسه لتقوم بذلك الجريمة في حقه.

أمّا الشرط الثالث و الأخير فيتعلق بفعل الإستلاء وبالرجوع للفصل 99 من م ج نجده متضمنا لفعلين مختلفين يمثلان الإستيلاء وهما التصرف بدون وجه حقّ والإختلاس.

فالتصرّف بدون وجه حق يتّصل بالأعمال المخالفة للقوانين العامّة والخاصّة والقرارات والمناشير… أمّا الإختلاس فيعني تحويل حيازة المال من ناقصة إلى كاملة خاصة وأن المال الواقع الإستيلاء عليه كان بيد الجاني بموجب تسليم إختياري وإرادي([75]).

وصفوة القول أن أمين الفلسة وبوصفه شبه موظّف عمومي يمكنه أن يقوم بإختلاس الأموال الموضوعة تحت يده وذلك لإكتساب تلك الأموال وتملّكها والإنتفاع بها، وهذه الجريمة من الجرائم القصدية بإمتياز ([76])وهو ما ذهب فقه القضاء التونسي إلى تكريسه([77]) .

4- جريمة الفصل 100 من المجلة الجزائيّة:

جاء بالفصل 100 م ج :” يعاقب بالسّجن مدّة 10 أعوام وخطية قدرها ألف دينار كل موظّف عمومي أو شبهه يسرق أو يختلس أو يزيل العقود أو الرسوم المؤتمن عليها بمقتضى وظيفته ويمكن الحكم عليه زيادة على ذلك بالعقوبات التكميلية المقررة بالفصل 5 من هاته المجلّة “.

ولقيام هذه الجريمة لابدّ من توفّر صفة الموظّف العمومي أو شبهه بإعتبار أن وصف الإئتمان هو المقصود بالعناية من خلال التجريم.

والملاحظ أن هذا الفصل يتعلّق بالعقود والرّسوم المؤتمن عليها لا بالمال في حدّ ذاته وأمين الفلسة يعتبر من المؤتمنين على العقود والرسوم التي يتسلّمها من المدين المفلس أو من الدائنين بمقتضى وظيفته والتي تودع لديه.

ولقيام هذه الجريمة لابدّ من توفّر الصفة وفعل السرقة أو الإختلاس أو الإزالة دون إشتراط حصول المنفعة .

أمّا الصّفة فهي تعدّ ركنا أساسيا لقيام جريمة الإستيلاء على العقود المؤتمن عليها على إعتبار أن وصف الإئتمان هو المقصود بالعناية من خلال التجريم .

أما الركن المّادي للجريمة فمناطه السّرقة والإزالة والإختلاس وهي مفاهيم قد لا تنسجم مع طبيعة الجريمة إذ لا يمكن مثلا الحديث عن سرقة عقود ورسوم هي موجودة بين يدي الجاني.

أمّا الإزالة فيمكن أن تكون مادّية او قانونية فالإزالة المّادية تعني إعدام العقد أو الرسم بتمزيقه أو حرقه عكس الإزالة القانونية التي تكون بشطب العقد أو الرّسم من الدفاتر والسجلاّت القانونية والوثائق الرّسمية التي تشير إلى صفة العقد ومحتواه.

ويتبين مما سبق عرضه أن قانون 1997 جاء بجملة من القواعد الزجرية التي أخضع لها أمين الفلسة فبعد أن كانت هذه المهنة في حالة إهمال ونسيان لمدة زمنية طويلة أصبح أمين الفلسة اليوم عرضة إلى “ترسانة من الجرائم” وهو ما شكل نقلة خطيرة بالنسبة لهذا الأخير( [78]).

كما أن الفرصة كانت ملائمة أمام المشرّع مع صدور قانون 11نوفمبر1997 وذلك من أجل سنّ عقوبات تتلائم مع خصوصية المهنة دون حاجة إلى الرجوع في كلّ مرّة إلى النصّ العام كإحداث عقوبة خاصّة بخيانة المؤتمن صلب قانون 1997 وكذلك الأمر بالنسبة للإستيلاء على أموال الفلسة تتلائم مع مهمّة إدارة الفلسات وتجنّب الأمين الخضوع إلى العقوبات الصارمة الواردة بالمجلة الجنائية فلو أدرك أمين الفلسة حجم مسؤوليته الجزائية لإمتنع عن أداء هذه المهمة([79]).

خاتمة الفصل الأول

يعتبر أمين الفلسة في ظل المجلة التّجارية وكيلا قضائيا تعيّنه المحكمة لإدارة أموال الفلسة والتّعهد بإجراءاتها لذلك فإن كل خيانة منه أو محاولة لإختلاس الأموال الموضوعة بين يديه يسأل عنها عملا بمقتضيات الفصل 576 م ت والذي أحال بدوره الفصل 297 م ج المتعلّق بخيانة الأمانة والتي تعدّ في هذه الحالة موصوفة إعتبارا لصفة الوكيل التي يتمتّع بها أمين الفلسة.

ومع صدور قانون 11 نوفمبر1997 أعطي لأمين الفلسة وصف آخر على إعتبار أن الفصل 24 منه شبّهه بالموظف العمومي على معنى الفصل 82 من المجلة الجزائية وهي ما يجعل الجرائم المرتكبة من قبل هذا الأخير في حالة إختلاسه لأموال الفلسة من قبيل الإستيلاء على أموال عمومية وهي جرائم لا يمكن إرتكابها إلا من طرف الموظفين العموميين ومن شبّه بهم.

وهذه الإزدواجية في الأحكام والتي خلقها المشرّع مع صدور قانون 1997 من شأنها أن تجعل من مسؤولية أمين الفلسة الجزائية تتأرجح بين أحكام الوكالة وبين الأحكام المنظّمة لجرائم الإستيلاء على المال العمومي الواردة بالفصول من 96 إلى 100 من المجلة الجزائية.

إلاّ أن هذا التنافر الظّاهري بين مختلف هذه الأحكام لا ينفي مطلقا وجود بعض الحلول القانونية ومن ذلك إمكانية اللجوء إلى قاعدة التوارد الواردة بالفصل 54 من المجلّة الجزائية التي تقضي بضرورة تطبيق العقاب الأشدّ في حالة ما إذا تكوّن من الفعل الواحد عدة جرائم بإعتبار أن فعل الإختلاس هو الركن المادي لجريمتي الفصلين 99 و 297 من المجلة الجزائية. كما يمكن إعمال القاعدة القانونية القائلة بضرورة تسبيق النص الخاص عن النص العام وبذلك يكون قانون 1997 هو الحري بالتطبيق أو كذلك إعمال قاعدة الترتيب الهرمي للقواعد القانونية وبذلك يكون قانون 11 نوفمبر 1997 قانون أساسيا وأعلى مرتبة من الفصل 576 م ت والذي يعدّ قانونا عاديّا.

إلا أنّ إسناد صفة الموظف العمومي إلى أمين الفلسة لا يمكن أن تمنع من اللجوء إلى قاعدة الفصل 297 من المجلّة الجزائية والتي يمكن أن تؤخذ على أنها قاعدة إحتياطية يقع الرجوع إليها في صورة عدم توفّر أركان جرائم الاستيلاء على أموال عمومية على معنى الفصل 96 وما بعده من المجلة الجزائية .

الفصل الثاني:تطبيق المسؤوليّة الجزائيّة لأمين الفلسة

يعتبر القضاء مرفقا عاما تختصّ به الدولة وتكلّف من أجله سلطة قضائية سعيا إلى تحقيق المساواة وبلوغ العدالة المنشودة.

إلاّ أنه ولمحاكمة شخص معين في صورة إرتكابه لجريمة كان لابد من وجود قاعدّة قانونية سابقة الوضع عن إرتكاب الفعل الإجرامي تطبيقا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذي نصّت عليه جلّ التشاريع الوضعية الحديثة ومن ذلك ما ورد بالفصل 13 من الدستور التونسي وكذلك الفصل الأول من المجلّة الجزائيّة الذي جاء فيه: “لا يعاقب أحد إلا بمقتضى نصّ من القانون سابق الوضع لكن إذا وضع قانون بعد وقوع الفعل وقبول صدور الحكم البات وكان نصّه أرفق بالمتهم فالحكم يقع بمقتضاه دون غيره“.

لذلك فإنه عند إثارة مسؤولية الجاني الجزائيّة يجب الإستناد إلى نصّ قانوني يمكن أن يمثّل أساسا لهذه المساءلة الجزائيّة.

إلاّ أن المسؤوليّة الجزائيّة قد تختلف من شخص لآخر وقد تحتوي على بعض الخصوصيّة وهو الحال بالنسبة للمسؤولية الجزائيّة لأمين الفلسة نظرا لما يتمتع به هذا الأخير من قدرات ذهنية ومعرفية قد تجعل منه مجرما من نوع خاص خصّه المشرّع بقواعد خاصة تختلف عن مثيلاتها المتعارف عليها في القانون الجنائي العام.

إضافة إلى أن موضوع الجريمة يفرض التعامل مع هذا النوع من الجرائم بشكل مغاير عن نظيره المتّبع فيما يسمّى بالجرائم التقليدية على إعتبار أن المهمة الأساسية المناطة بعهدة أمين الفلسة تتعلّق خاصة بإدارة أموال الفلسة والتصرّف فيها وهو ما يجعل من الإخلالات والتجاوزات التي يقوم بها أمين الفلسة تقحم في إطار ما يعرف بالقانون الجنائي الإقتصادي والمتميّز أساسا بعدّة خصوصيات تتعلّق بالتجريم والتتبّع (المبحث الأول) وكذلك بالزّجر (المبحث الثاني).

المبحث الأول: خصوصيّة التجريم والتتبّع:

فرض المشرّع على أمين الفلسة سواء في إطار المجلّة التجاريّة أو بصدور قانون 11 نوفمبر 1997 القيام ببعض الأعمال وإتباع عدّة إجراءات صيانة لأموال الفلسة وضمانا لحقوق الدّائنين والمدين المفلس على حدّ السواء.

لكن في صورة الإخلال بهذه الواجبات أو الإنحراف بإجراءات الفلسة عن مسارها الطبيعي جرّم المشرّع هذه الأفعال وأجاز إمكانية إثارة التتبّع في شأنها.

وقد حاول المشرّع من خلال جملة النّصوص المنظّمة للمسؤولية الجزائيّة لأمين الفلسة سنّ تجريم عام وشامل للإحاطة بمختلف هذه التجاوزات والحيلولة دون تفصي أمين الفلسة من العقاب وذلك بإتّباع جملة من التقنيات الخاصة عند سنّ نصّوص التجريم ذات الصبغة الجزائيّة (الفرع الأول) إلى جانب توفير الإطار الإجرائي اللازم لإثارة التتبّع ضد أمين الفلسة عند وقوعه في المحضور(الفرع الثاني).

الفرع الأول: خصوصيّة التجريم:

إن بيان خصوصيّة التجريم بالنسبة للأحكام الجزائيّة المنظّمة لمسؤولية أمين الفلسة يقتضي دراسة التقنية المتّبعة في سنّ هذه النّصوص (الفترة الأولى) ثم بيان طبيعتها (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تقنية التجريم:

تختلف الجريمة الإقتصادية من حيث بنائها عن قواعد القانون العام سواء من الناحية الموضوعية أو الإجرائية مما جعلها تنفرد بعديد الخصائص التي أخرجتها عن المبادئ الأصولية للقانون الجنائي([1]) ومن ذلك أن الجرائم الإقتصادية تتميّز بغموض في العبارات وإتساع في مجال التجريم، كما أن معظم هذه الجرائم لا يعتدّ فيها إلاّ بالنتائج الخطرة لذلك فإن أغلبها جرائم ماديّة بالأساس لا ينظر فيها للعنصّر المعنوي بل يكفي إرتكاب الخطأ لقيام الجريمة.

وما يعزّز أكثر إستقلالية وخصوصيّة هذه الجرائم هو التقنيات المعتمدة من قبل المشرّع بخصوص هذه الجرائم.

والمقصود بالتقنية هو الطريقة أو الأسلوب الذي يتّبعه المشرّع للتعامل مع ظاهرة إجرامية وذلك بتحديد الأفعال المجرّمة وصياغة شروط التجريم وتحديد شخص الجاني ثم سنّ العقاب الملائم لتلك الأفعال.

ومن بين هذه التقنيات نجد تقنية التجريم بالإحالة (أ) التي صارت فنّا تشريعيا ([2]) خاصّة في الميدان الإقتصادي والسّمة المميّزة للقانون الجنائي الإقتصادي بشكل عام ([3])غير أن ذلك لم يمنع من الإلتجاء في بعض المواضع إلى تقنية التجريم المفتوح (ب)([4]).

أ- التجريم بالإحالة:

قانونيّا تعتبر تقنية الإحالة الوضعية التي يفصل فيها المشرّع بين نصّ التجريم ونصّ العقاب فيرد نصّ التجريم بفصل ونصّ العقاب بفصل آخر مستقلا عنه أو العكس وهي تقنية مشروعة إذ تستخدم في القانون الجنائي العام لكن يبقى تكريسها أكثر مقتصرا على القانون الجنائي الإقتصادي([5]) ويمكن أن يحيل المشرّع على نصّ التجريم أو نصّ العقوبة كما قد يحيل على نصّ قانوني آخر ينطبق برمّته على شخص الجاني .

1- الإحالة على نصّ التجريم:

بالرّجوع إلى الفصول المنظمة للمسؤولية الجزائيّة لأمين الفلسة نلاحظ أن المشرّع إعتمد بصفة واضحة على تقنية الإحالة على نصّ التجريم.

فالفصل 576 م ت إكتفى فيه المشرّع بذكر جريمة خيانة الأمانة وأحال على الفصل 297 من المجلّة الجزائيّة الذي ضبط شروط قيام هذه الجريمة وأركانها. كما إكتفى في الباب الخامس من قانون 11 نوفمبر 1997 والمتعلّق بالعقوبات الجزائيّة بذكر العقوبات في كامل الفصول الواردة بهذا الباب، فالفصل 31 من القانون المذكور ورد فيه ذكر معلوم الخطيّة الذي يتراوح بين خمسمائة وخمسة آلاف دينار وذلك في صورة إخلال أمين الفلسة بالواجبات الواردة بالفصل 16 من ذات القانون والحال أنه لا يمكن معرفة الجريمة إلاّ بالرّجوع إلى الفصل 16 المذكور.

أما في الفصل 32 من قانون 1997 فقد أحال المشرّع على أحكام الفصل 20 من ذات القانون وإكتفى بذكر عقوبة ماليّة يتراوح مقدارها بين ألف و 10 ألاف دينار وهو الشيء نفسه بالنسبة للفصل 33 الذي أحال فيه المشرّع بخصوص التجريم على الفصول 10 و 11 و16 و 21 و 27 من قانون 1997.

وتقنية الإحالة أصبحت السّمة المميّزة للقانون الجنائي الإقتصادي وإعتمدها المشرّع في عدّة قوانين ومنها قانون حماية المستهلك وقانون 1994 المتعلّق بإعادة تنظيم السوق المالية وكذلك مجلّة الديوانة ومجلّة الشركات التجارية إلا أن هذه التقنية لا تتلائم صراحة مع خصائص القاعدّة الجزائيّة لما يفترض فيها من دقّة ووضوح على مستوى التجريم والعقاب. فالتجريم بالإحالة قد يفسح المجال أمام تأويل النصّ الجزائي في صورة غموضه وسحب التجريم على كل الأعمال والتّصرفات التي قد يأتيها الجاني دون تمييز لتصبح بذلك القاعدّة الجزائيّة شبيهة بنظيرتها المدنية من حيث الشمولية والعموميّة.

2– الإحالة على نصّ العقوبة:

إعتمد المشرّع على هذه التقنية في بعض النّصوص التي إكتفى فيها بذكر نصّ التجريم وأحال بخصوص العقوبة على نصّ آخر ومن ذلك صورة الفصل 577 من المجلّة التجارية الذي عدّد جملة الأفعال المجرّمة وأحال بخصوص العقوبة على الفصل289 م ج المتضمّن لسنتين سجنا والتي لم ينصّ عليها المشرّع صراحة بالفصل 577 المذكور وهو ما يتعارض مع مبدأ شرعيّة الجرائم والعقوبات الذي يفترض التّنصيص على الفعل المجرّم والعقوبة المستوجبة له.

أمّا الصورة الثانية فتتعلق بالفصل576 م.ت القاضي بأن: “كل أمين على فلسة يرتكب خيانة في إدارة الأموال التي بعهدته تسلّط عليه العقوبات الواردة بالفصل297م ج“.

غير أن الإحالة الواردة بهذا الفصل قد تطرح بعض الإشكالات تتعلّق أساسا بنوع الإحالة من حيث كونها تشمل العقاب فقط أم العقاب والتجريم معا وكذلك بخصوص مقدار العقوبة في صورة إرتكاب أمين الفلسة الخيانة في إدارة الأموال التي بعهدته؟.

إن البحث عن إجابة لهذه الإشكالات يستوجب تحديد الجريمة “الخيانة في إدارة الأموال” والتي لا يمكن فهمها إلاّ بالرجوع لأحكام الفصل 297 م ج الذي وضع جملة الأركان المكونة لهذه الجريمة سواء منها الركن المادي أو الركن المعنوي كما أنّ الإحالة على الفصل 297 م ج الذي تضمّن عقوبتين مختلفتين لا يمكن من معرفة مقدار العقوبة بدقة إذ يمكن أن تسلّط على أمين الفلسة العقوبة الأخف وذلك عملا بقاعدّة النصّ الأرفق بالمتّهم ولو أنّه يعتبر في هذه الحالة وكيلا يسلّط عليه العقاب الأشدّ وذلك انسجاما مع منطوق الفصل297 م ج.

إنّ هذه الإشكالات التي يطرحها الفصل 576 م ت تبرز بوضوح المساوئ التي تنطوي عليها تقنية الإحالة خاصة من خلال الرجوع إلى قواعد القانون العام التي تتميّز بصرامتها وشدّتها وهو ما لا يتلائم مع خصوصيّة القانون الجنائي الإقتصادي ويبرز رغبة المشرّع في إتّخاذ منحى يتّسم بالشدّة بغرض زجر الإخلالات والتجاوزات التي يمكن أن يرتكبها أمين الفلسة أثناء ممارسة مهامّه.

3– الإحالة المطلقة:

لقد أحال الفصل 32 من قانون 11 نوفمبر1997 على الفصل 96 وما بعده من المجلّة الجزائيّة بخصوص العقوبة وعلى الفصل 20 من ذات القانون فيما يتعلّق بالأفعال المجرّمة وهو ما يعرف “بالإحالة المزدوجة” ويفترض بذل مجهود مضاعف سواء أثناء مرحلة التتبّع أو عند المحاكمة بغاية تحديد الأفعال المجرمة من ناحية والعقوبة المحدّدة من ناحية أخرى.

كما أن جملة هذه الفصول المتعلقة بالإستيلاء على الأموال العموميّة تنطبق على أمين الفلسة كما قد تنطبق على غيره من عامّة الناس الذين تتوفّر فيهم صفة الموظّف العمومي أو شبهه وذلك دون مراعاة أي خصوصيّة لطبيعة الأعمال التي يقوم بها أمين الفلسة لنكون بذلك أمام إنطباق جملة من النّصوص الجزائيّة المتضمّنة لجملة من الجرائم المتنوعة والعقوبات المختلفة دون أي تمييز بينها.

كما أن عبارة “ما بعده” الواردة بالفصل 32 تفتقد إلى كل دقّة وهي بعيدة كل البعد عن الصياغة القانونية المتّسمة بالدقّة والوضوح. حيث أن لفظة ما بعده قد تحيل إلى آخر المجلّة وبذلك تصبح كل النّصوص الواردة بعد الفصل 96 م.ج قابلة للإنطباق على أمين الفلسة في صورة إخلاله بموجبات الفصل 20 من قانون 1997 وهي قراءة تبقى مقبولة حسب رأي الأستاذ البشير الفرشيشي([6]) .

غير أن هذا التفسير يحوي نوعا من المبالغة على إعتبار أن إرادة المشرّع إتّجهت نحو الإحالة على الفصول المتعلّقة بالإستيلاء على الأموال العموميّة دون غيرها وهي قراءة تبرز عدم الدقّة والوضوح الّتي تميّز تقنية التجريم بالإحالة.

ب- التجريم المفتوح:

بالتأمّل في معظم النّصوص القانونية المتعلّقة بالمسؤوليّة الجزائيّة لأمين الفلسة نلاحظ بوضوح أن المشرّع مال إلى إستعمال جملة من الصيغ والعبارات المطلقة الّتي لا تتلائم مطلقا مع خصوصيّة النصّ الجزائي.

فالمشرّع بالفصل 32 من قانون 1997 أحال على الفصول 96 وما بعده من المجلّة الجزائيّة والذي يمثّل كل منها جريمة مستقلة بذاتها وبالتالي فإن المشرّع أحال على جملة من العقوبات بالنسبة لجريمة واحدة وهي جريمة الفصل 20 من قانون 1997.

كما أن هذه الصياغة الواردة بالفصل 32 قد تفتح الباب أمام النّيابة العموميّة لتكييف الأفعال المرتكبة من طرف أمين الفلسة وذلك نظرا لغياب الدقة عند التجريم.

إلاّ أنّ المشرّع لم يقف عند حدود الفصل 32 من قانون 1997 حيث أنّه إعتمد تقنية التجريم المفتوح بالفصل 33 الذي أحال على خمسة فصول قانونية دفعة واحدة كل منها يمثّل في صورة عدم إحترامه جريمة مستقلّة بذاتها يعاقب عليها بخطية تتراوح بين ألف و10 ألاف دينار ولعلّ ما يمكن أن يبرر هذه الصياغة الواردة بالفصل 32 من قانون 1997 أنّ كل هذه الجرائم تعتبر من الجرائم الماديّة التي تقوم بمجرد إرتكاب ركنها المادّي دون لزوم لتوفر الركن المعنوي وشملت تقنية التجريم المفتوح الفصل 50 م ش ت الذي يمكن سحبه على أمين الفلسة في حالة قيامه بتصفية مكاسب المدين والذي أحال على الفصول من 36 إلى 40 ومن 43 إلى 47 من نفس المجلّة.

وفي الفصل 50 من م ش ت وقع المشرّع في نوع من الخلط بأن وضع عقابين مختلفين بالنسبة لنفس الفعل: فالفصل 49 يعاقب بالسجن من شهر إلى ستة أشهر وبخطية من 300 إلى ألف دينار كل مصفّي لا يقوم بدعوة الشركاء للنظر في الحساب النهائي للشركة ومنحه إبراء تصرفه وهو ذات الفعل الوارد بالفصل 45 م ش ت أي في صورة عدم اللجوء إلى المحكمة للحصول على المصادقة على الحساب النهائي للتصفية والذي عاقب عليه المشرّع بالفصل 50 م ش ت بعقوبة الفصل 297 م ج المتعلّقة بخيانة المؤتمن وبذلك نكون أمام ” تجريم مزدوج” أي أن المشرّع عاقب على نفس الفعل مرتين وسنّ له عقابين مختلفين وهو تجريم خطير ومنافي للمبدأ القائل أن الشخص لا يعاقب على جرم إرتكبه إلا مرّة واحدة.

وبالرجوع للفصلين 31 و 33 من قانون 1997 نلاحظ أن المشرّع عاقب أمين الفلسة في صورة عدم إحترامه للأجل المنصوص عليه بالفصل 16 بعقابين مختلفين وهو خطأ عير مقبول يرجع بالأساس إلى تقنية الإحالة التي إعتمدها المشرّع في الفصلين المذكورين وهو ما يدعو بإلحاح إلى ضرورة التدخّل التشريعي لتنقيحهما.

وخلاصة القول فإن المشرّع التونسي إعتمد تقنية الإحالة عند سنّ النّصوص الضابطة للمسؤولية الجزائيّة لأمين الفلسة إلى جانب إعتماده تقنية التجريم المفتوح عند صياغة عدّة نصوص أخرى وهو ما جعل منها نصوص مركّبة ومتشبعة نوعا ما خاصة عند تحديد العقوبة المستوجبة وهو ما يمكن أن يطرح التساؤل بخصوص طبيعة هذا التجريم.

الفقرة الثانية: طبيعة التجريم.

إنّ بيان طبيعة التجريم المتّصل بأمين الفلسة يقتضي بالضرورة دراسة شموليته من ناحية (أ) ثم أنواعه من ناحية أخرى (ب) .

أ- شموليّة التجريم:

نظرا لأن الجرائم التي يمكن أن يرتكبها أمين الفلسة قد تمسّ بمصالح حيوية متصلة سواء بالمدين المفلس أو الدائنين سعى المشرّع وعيا منه بخطورة هذه الجرائم إلى محاولة إحتوائها حتى لا يفلت أمين الفلسة من العقاب كذلك وجد المشرّع في تقنية الإحالة الوسيلة والأداة الناجعة لتحقيق هذا الهاجس.

وقد ساير هذا التجريم كافة مراحل الفلسة بدءا بإفتتاحها، مرورا بأعمال الإدارة والتصرّف وصولا إلى ختمها.

1– التجريم المتّصل بإفتتاح الفلسة:

يتمثّل هذا التجريم في جملة الأعمال المتّصلة بعمليّات الإشهار المحمولة على أمين الفلسة، فعند إفتتاح الفلسة على هذا الأخير القيام ببعض الأعمال التي جعل المشرّع الإخلال بها جريمة مخالفة للقانون ومنها جملة الجرائم الواردة بالفصول 68 و 69 و 70 من قانون 2 ماي 1995 المنظم لمسك السّجل التجاري والمتعلّقة أساسا بعدم التسجيل أو التنقيح أو التشطيب أو إدراج بيان تكميلي وكذلك الإدلاء ببيان غير صحيح أو ناقص.

كما يشمل التجريم في هذه المرحلة بعض العمليات الواردة بالفصل 16 من قانون 11 نوفمبر1997 وخاصّة تلك المتمثّلة في عدم مسك دفتر مرقّم تقيّد به عمليّات التصفية أو عدم فتح حساب خاصّ بالإئتمان إلى جانب جريمة الفصل 10 من قانون 1997 في صورة عدم تقديم تقرير عن حالة الفلسة والتي عاقب عليها الفصل 33 من ذات القانون بخطية تتراوح بين 500 وألف دينار.

غير أنّ نزعة التجريم لم تقف عند مرحلة إفتتاح الفلسة بل إمتدت إلى الأعمال المتّصلة بالإدارة والتصرف.

2- التجريم المتصل بأعمال الإدارة والتصرف :

إن ما يميّز التجريم في هذه المرحلة هو شدّة العقوبات وصرامتها مقارنة بمرحلة افتتاح الفلسة، فحضور العقوبات السجنية كان واضحا في عديد النّصوص إلى جانب الجمع بين العقوبات البدنية والمالية وهو ما يعتبر من مظاهر التشدّد في العقاب، ولعل ما يبرّر هذا التوجّه هو إتّصال التجريم في هذه المرحلة بأموال الفلسة وتسلّط الفعل على المال مباشرة.

فالخيانة في إدارة أموال الفلسة إعتبرها المشرّع من قبيل جريمة خيانة الأمانة بالفصل 576 م ت وهي خيانة موصوفة إستنادا إلى أحكام الفصل 297 م ج وبناء على صفة الوكيل التي يتمتّع بها أمين الفلسة.

كما إعتبر المشرّع إختلاس أموال الفلسة في هذه المرحلة من قبيل الإستيلاء على أموال عمومية وهي الجرائم الواردة بالفصل 96 وما بعده من المجلّة الجزائيّة وذلك بالفصل 32 من قانون 11نوفمبر1997.

ولعلّ هذه الصرامة التي توخّاها المشرّع في هذه المرحلة تبرز حرصه على توفير كل الضمانات للمحافظة على مال الفلسة بإعتباره الضمان العام للدائنين من خلال ردع الأمين في صورة التفكير في حيازة هذه الأموال أو تملّكها.

فجميع الأعمال والإجرءات التي يباشرها أمين الفلسة في هذه المرحلة تمثل جرائما في صورة الإخلال بها ([7]) وهو ما قد يجعل من هذا الأمين حريصا على عدم الوقوع في المحظور أكثر من حرصه على إنجاز المهمة.

ورغم هذه الطفرة في التجريم إلا أن المشرّع لم يقتصر على هذا الحد بل إنصرفت نيّته إلى تجريم بعض الأفعال المتعلقة بتصفية مكاسب المدين.

3- التجريم المتصل بختم الفلسة:

يتعلّق هذا التجريم بمدّة إنجاز المهمة وإعداد تقرير عن أعمال الفلسة وكذلك إشهار عملية الختم بالسجلّ التجاري .

وفيما يتعلّق بمدّة إنجاز المهمّة فإن الفصل 10 من قانون 1997 فرض على أمين الفلسة إنجاز مهامه في مدّة لا تتجاوز ثلاثة أشهر وعرّضه لعقوبة مالية يتراوح مقدارها بين 500 وألف دينار في صورة عدم الإلتزام بذلك حسب ما ورد بالفصل 33 من ذات القانون.

أمّا بالنسبة لإعداد التقرير النهائي لأعمال الفلسة فلقد فرض الفصل 544 م ت على أمين الفلسة تقديم حساباته عند ما يقع إستدعاء الدائنين من طرف الحاكم المنتدب للفلسة بعد الإنتهاء من تصفية مال المفلس وهو ما تضمّنه كذلك الفصل 16 من قانون 1997 الذي فرض على الأمين تقديم تقرير يتضمّن كل عمليّات السحب والإيداع وعند الإخلال بهذا الواجب يكون الأمين عرضة للعقاب المنصوص عليه بالفصل 33 من ذات القانون والمتضمّن لخطية ماليّة بين 500 وألف دينار.

غير أن مهمّة أمين الفلسة تشمل كذلك في هذه المرحلة عمليات الإشهار المتّصلة بختم الفلسة وتشطيب الترسيمات المرتبطة بها وفي صورة الإمتناع عن ذلك يكون أمين الفلسة عرضة للعقوبات الواردة بالفصل 68 من قانون السجل التجاري على إعتبار أنّ الفصل 34 من ذات القانون أوجب إشهار كل العمليات المتّصلة بالفلسة من إفتتاح وإدارة وختم.

وخلاصة القول أنّ المشرّع سعى من خلال هذا التجريم العام والشامل إلى الإحاطة بكل التجاوزات التي يمكن أن تشكّل جرائما سواء تعلّق الأمر بإفتتاح الفلسة أو إدارتها وكذلك ختمها وذلك بهدف ضمان نجاح المهمة الموكولة لأمين الفلسة على الوجه الأكمل.

ب- أصناف التجريم:

بالتأمّل في الجرائم المرتكبة من طرف أمين الفلسة يمكن تصنيفها إلى قسمين: جرائم خاصّة (1) وأخرى عامة(2).

1- التجريم الخاص:

إن المقصود بالتجريم الخاص هو الجرائم المتعلّقة بأمين الفلسة أو من يتنزّل منزلته وبصورة أدقّ الجرائم الواردة بقانون 11 نوفمبر 1997 المتعلّقة بالمصفّي والمؤتمن العدلي وأمين الفلسة والمتصرّف القضائي.

وهذه الجرائم أفردها المشرّع بالباب الخامس من القانون المذكور الوارد تحت عنوان “في العقوبات الجزائيّة” والمتضمّن للفصول من 30 إلى 33 من ذات القانون.

وهذه الجرائم تعتبر خاصّة لإرتباطها بأمين الفلسة دون غيره من عموم الناس وتتعلّق بالإخلال بالواجبات والإجراءات المرتبطة بمباشرة هذه المهنة وهي نصوص خاصّة عادة ما يقع تسبيقها على النصّ العام.

غير أن الباحث عن خصوصيّة النصّ الجزائي المنطبق على أمين الفلسة قد لا يجد في نصوص قانون 1997 ضالّته فتبقى الخصوصيّة مبتغى صعب المنال على إعتبار أن نفس القانون أحال على عديد النّصوص العامّة التي تفتقر إلى أدنى خصوصيّة ودون مراعاة لطبيعة المهمّة المناطة بعهدة أمين الفلسة وخصائص الميدان الإقتصادي على إعتبار أن القانون الجنائي للمعاملات يتّسم بالتعقيد الفنّي والجسامة علاوة على صعوبة الكشف عن الجرائم ([8]) .

2– التجريم العام:

أمام قصور النصوص الخاصّة على الإحاطة بكل الجرائم المرتبطة بالفلسة وجد المشرّع ضالّته في النّصوص العامة التي أحال إليها في أكثر من مناسبة نظرا لعموميّة عباراتها وشموليّتها ممّا يجعل منها الأقدر من غيرها على الإحاطة بالظاهرة الإجرامية لدى أمين الفلسة إلى جانب نجاح النصّ العام في تحقيق العلّة من التجريم والمتمثّل أساسا في حفظ أموال الغير وحماية الإئتمان. ويمكن أن يفسّر هذا اللجوء إلى النصّ العام كذلك بعجز المشرّع عن إيجاد جرائم خاصّة بأمين الفلسة يراعى فيها طبيعة المهمّة وشخصيتها الجاني والأمثلة على ذلك عديدة ومن ذلك الإحالة على الفصل 96 وما بعد من المجلّة الجزائيّة المتعلّق بالإستيلاء على المال العمومي وإستغلال الصّفة للحصول على منفعة وهي جرائم يمكن أن تنطبق على أمين الفلسة كما يمكن أن تشمل غيره من عامّة الناس.

كما لجأ المشرّع إلى النصّ العام بالنسبة لجريمة خيانة الأمانة وأحال على الفصل 297من المجلّة الجزائيّة الّذي توسّع فيه المشرّع من حيث التجريم ليسحبه على المحاولة رغم صعوبة تصوّر محاولة الإختلاس أو الإتلاف نظرا لوجود المال بين يدي الجاني أصلا.

ولقد كانت الفرصة مواتية أمام المشرّع عند سنّه لقانون 11 نوفمبر 1997 لوضع تجريم خاص بأمين الفلسة يراعي طبيعة المهمّة وشخص الجاني وخصوصيّة القانون الجنائي الإقتصادي غير أنه أعرض عن ذلك وفضّل اللجوء إلى تقنية الإحالة رغم ما تحمله من مساوئ وإفتقارها إلى الدّقة والوضوح في بعض المواضع.

ولعلّ الجرائم الخاصّة تعتبر أكثر نجاعة في التصدّي للظاهرة الإجرامية مقارنة بنظيرتها العامّة الواردة بالمجلّة الجزائيّة والتي هي في مجملها جرائم قصدية لا تقوم إلا بتوفّر ركنها المعنوي الذي يصعب إثباته على خلاف جملة الجرائم الواردة بقانون نوفمبر1997 والتي تصنّف ضمن الجرائم الماديّة التي تقوم بمجرد إرتكاب ركنها المادي وهو ما يجعل من التفصّي من المسؤوليّة أمرا صعب المنال.

وسواء كان التجريم عامّا أو خاصّا فإن عقاب مرتكب هذه الجرائم على إختلاف أنواعها يقتضي بالضرورة إيجاد نظام تتبّع ناجع وفعّال لمحاسبة مرتكبيها.

الفرع الثاني: خصوصيّة نظام التتبّع:

جاء بالفصل 20 من مجلّة الإجراءات الجزائيّة: “النّيابة العموميّة تثير الدعوى العموميّة وتمارسها، كما تطلب تطبيق القانون وتتولّى تنفيذ الأحكام“. وبذلك فإنّه يمكن تعريف التتبّع بأنه: الحقّ المخوّل للنيابة العموميّة في متابعة مرتكبي الجرائم من خلال إثارة الدعوى العموميّة ضدّهم وممارستها ومراقبة سيرها والسهر على تنفيذ الأحكام الصادرة في شأنها([9]). وإذا كان هذا واقع الحال بالنسبة للمجرمين العاديين فإن طبيعة التجريم المسلّط على أمين الفلسة يخلق نوع من الخصوصيّة على مستوى ممارسة حق التتبّع (الفقرة الأولى) أو على مستوى موانع ممارسة هذا الحقّ (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: ممارسة حقّ التتبّع:

تختصّ النّيابة العموميّة بإثارة الدعوى وممارستها وذلك من خلال بحثها عن عناصر الإدانة وكذلك البراءة بغرض تسليط العقاب الرّادع والعادل على الجاني من أجل الجرم الذي إقترفه([10]).

إلاّ أنّ ممارسة هذا الحقّ يمكن أن تحتوي على بعض الخصوصيّة إذا ما تعلّق الأمر ببعض الجرائم أو كذلك ببعض الأشخاص كما هو الحال بالنسبة لأمين الفلسة وذلك سواء من خلال إجراءات الإثبات (أ) أو على مستوى طرق تعهيد النّيابة العموميّة (ب).

أ- خصوصيّة نظام الإثبات عند التتبّع الجزائي:

إن تتبّع أمين الفلسة جزائيا من أجل إرتكابه لجريمة ما يحتوي على بعض الخصوصيّة تتعلّق أساسا بإثبات عناصر الجريمة وخاصة منها تلك المتعلّقة بالصفة.

فبالنسبة لجريمة خيانة الأمانة المرتكبة من طرف الوكيل أو جريمة الإستيلاء على الأموال العموميّة فإن الفصل 570 م ت جعل من أمين الفلسة وكيلا قضائيا في حين شبهه الفصل 24 من قانون 11 نوفمبر 1997 بالموظّف العمومي لذلك فإنّه لإثبات الجريمتين لابدّ من إثبات توفّر الصّفة في شخص الجاني عند إرتكابه للفعل الإجرامي ، فصفة الوكيل مرتبطة بفرع آخر من فروع القانون وهو القانون المدني في حين أنّ صفة شبه الموظّف العمومي تعتبر على صلة وثيقة بالقانون الإداري وهي مسائل أوّلية يتعيّن إثباتها لمعرفة مدى إنطباق النصّ الجزائي من عدمه.

ومن المعلوم أن إثبات هذه المسائل هو من إختصاص القضاء الجالس، وإثبات توفّر الصّفة أكثر من ضروري على إعتبار أن الفصل 297 م.ج إشترط توفّر صفة الوكيل في حين أن الفصل 96 وما بعده من المجلّة الجزائيّة أوجب ضرورة توفّر صفة شبه الموظّف العمومي.

ورغم أن هذه المسائل مرتبطة بفروع أخرى من القانون إلاّ أنّ النظر فيها هو من إختصاص القاضي الجزائي المتعهّد بالنّظر في الدعوى العموميّة، فإثباته للجريمة غير منفصل عن إثبات الوكالة مثلا كما أن النظر في الجريمة بصورة أصليّة يرتب النظر بصورة تبعيّة في العقد ([11])وهو ما وقع تكريسه في التشريع التونسي بالفصل 132 م إ ج الذي جاء فيه: “يجوز للمحاكم أن تحكم طبق قواعد القانون المدني في المسائل الأوّلية ذات الصبغة المدنية التي تثار أثناء قضية جزائية ….” هذا المبدأ حاول فقه القضاء التونسي تكريسه في عدّة قرارات ومنها القرار التعقيبي المؤرخ في 24-11-1976 الذي جاء فيه: “إذا أثيرت أثناء قضية جزائية مسألة أوّلية ذات صبغة مدنية وكانت من النوع الذي يمكن للمحكمة المدنية البتّ فيه فإنها تحكم في المسألة الأوليّة المذكورة في حدود القانون المدني وإلاّ وجب عليها تأجيل النظر فيها حتى تقول كلمتها بشأنها المحكمة المختصّة بالفصل 132 م إ ج“.([12])

وهذا المبدأ يعتبر على قدر من الأهمّية إلا أنّ المسألة يمكن أن تكون محسومة سلفا بالنسبة لأمين الفلسة إستنادا إلى منطوق الفصلين 570 م ت و 24 من قانون 1997 اللّذين شبهاه بالوكيل وبالموظّف العمومي. كما أن الخصوصيّة على مستوى الإثبات يمكن أن تشمل الوسائل المعتمدة في إثبات الجرائم، ومن المعلوم أن المبدأ في القانون الجزائي هو “الإثبات الحر” وذلك بناءا على منطوق الفصل 150 م إ ج الذي جاء فيه: ” يمكن إثبات الجرائم بأيّة وسيلة من وسائل الإثبات” إلاّ أنّه بالنسبة لأمين الفلسة يمكن إثبات الجرائم المرتكبة من طرفه بإستعمال بعض الوسائل الخاصّة من ذلك الدفتر المرقّم الذي يمسكه ويقيّد به جميع عمليّات الفلسة كما أن الفصل 16 من قانون 11 نوفمبر 1997 ألزمه بفتح حساب خاصّ بالفلسة وتحرير تقارير متّصلة بأعماله إلى جانب الإحتفاظ بنسخة من هذه التقارير لمدة 10 سنوات حسب منطوق الفصل 27 بحيث يمكن اللجوء إليها عند الإقتضاء للتّثبت من كلّ الإخلالات والتجاوزات الواقعة على مال الفلسة.

وبذلك تكون هذه التّقارير والدّفاتر حجّة ضدّ أمين الفلسة شأنه في ذلك شأن التّاجر حسب ما نصّ عليه الفصل 11 من المجلّة التجاريّة([13]).

إلاّ أن وسائل الإثبات الخاصّة لا تمنع من اللجوء إلى الوسائل العامة الواردة بالفصول 150 إلى 161 م إ ج كالإقرار وشهادة الشّهود والمحاضر والتّقارير التي يحرّرها مأموروا الضابطة العدلية وكذلك الإختبارات في صورة إذا ما أمرت المحكمة باللجوء إليها .

ب- طرق تعهّد النّيابة العموميّة عند ممارسة حقّ التتبّع:

إنّ النّيابة العموميّة هي المتعهّدة عادة بممارسة التتبّع وإثارة الدعوى العموميّة وذلك حسب ما جاء بالفصل 20 م إ ج (1) إلاّ أنّ هذا الإجراء يعرف بعض الخصوصيّة إذا ما تعلقّ الأمر بأمين الفلسة وذلك نظرا لطبيعية التجريم المسلط عليه (2).

1- طرق التعهّد العادية:

تعتبر النّيابة العموميّة الهيكل القضائي الذي خوّل له المشرّع سلطة ملاحقة مرتكبي الجرائم وإثارة الدعوى العموميّة في شأنها.

إلاّ أنّ ذلك يقتضي بالضرورة حصول العلم للنيابة العموميّة بإقتراف جرم معيّن لذلك جاء بالفصل 26 م إ ج أن: ” وكيل الجمهورية مكلّف بمعاينة سائر الجرائم وتلقّي ما يعلمه به الموظّفون العموميّون أو أفراد الناس من الجرائم وقبول شكايات المعتدى عليهم“.

وتبعا لذلك فإنّ النّيابة العموميّة تثير الدّعوى الجزائيّة وتمارسها بصفة أصليّة بمناسبة متابعتها لأعمال الفلسة التي يمكن أن يترتّب عنها تتبّع جزائي ضد المدين المفلس من أجل التسبّب في الإفلاس مثلا أو كذلك أمين الفلسة إذا ما شاركه في ذلك أو بناء على شكاية تقدّم بها المتضرّر من الجريمة ومن ذلك أن يقوم المدين المفلس أو جماعة الدّائنين بالتبليغ عن أمين الفلسة إذا ما قام بالإستيلاء على المال الموضوع بين يديه.

إلاّ أنّ ذلك قد يطرح إشكالا بخصوص المدين المفلس الذي غلّت يده بموجب حكم الإفلاس ونزعت كافّة حقوقه المدنيّة والسياسيّة ومنها الحقّ في التقاضي: فهل يمكن لهذا الأخير إثارة التتبّع الجزائي؟

إذا كان التبليغ عن الجرائم مسموح به لأيّ كان فإن الأمر نفسه ينسحب على المدين المفلس وذلك نظرا إلى أن مثير الدعوى ليس طرفا في القضية على خلاف القيام على المسؤوليّة الخاصّة أو القيام بالحقّ الشخصي حسب منطوق الفصل 26 من م إ ج الذي يصبح بموجبه القائم طرفا من أطراف النزاع وهو ما يتعارض مع مبدأ غلّ اليد النّاتج عن الحكم بالإفلاس وبذلك فإنّ المدين المفلس بإمكانه التبليغ عن الجرائم التي يرتكبها أمين الفلسة إلاّ أنّه ليس له صلاحية القيام على المسؤوليّة الخاصة أو القيام بالحقّ الشخصي إلاّ بعد إسترجاع كافة حقوقه وردّ إعتباره طبق أحكام الفصل 581 م .ت([14]).

إلاّ أنّ تعهّد النّيابة العموميّة بمتابعة الجرائم التي يرتكبها أمين الفلسة حسب الطّرق العادية لا ينفي وجود طريقة خاصّة جاء بها قانون 11 نوفمبر1997.

2- طريقة التعهد الخاصّة:

خصّص المشرّع الباب الخامس من قانون 11 نوفمبر 1997 للعقوبات الجزائيّة ونصّ بالفصل 30 منه على أنه :” يتولّى رئيس المحكمة المتعهّدة بالنظر إعلام النّيابة العموميّة بكل ما يكتشفه من إخلالات أو تجاوزات يقوم بها المصفّي أو المؤتمن العدلي أو أمين الفلسة أو المتصرّف القضائي عند مباشرته للمأمورية المكلّف بها“.

والملاحظ عند قراءة هذا الفصل أن واجب الإعلام بالإخلالات والتجاوزات التي يرتكبها أمين الفلسة أسند إلى رئيس المحكمة المتعهّدة بالإفلاس دون سواه والحال أنه كان من الأجدى والأنفع أن لا يقع هذا الإفراد إذ أنّ القاضي المنتدب للفلسة هو الأكثر إطّلاعا على إجراءاتها بشكل يخوّله أكثر من غيره لإكتشاف الجرائم التي من الممكن أن يرتكبها أمين الفلسة.

ونفس هذا التوجّه تضمّنه مشروع القانون عند عرضه على مجلس النواب للمصادقة عليه بتاريخ 21-10-1997 ([15]) إلاّ أنّه إستجابة لمقترح لجنة التشريع العام أفرد رئيس المحكمة بواجب الإعلام رغم أنّ ردّ الحكومة على مقترح اللجنة كان في إتجاه اإسناد واجب الإعلام إلى كل من القاضي المنتدب للفلسة ورئيس المحكمة وهو الرأي الأرجح لضمان الرّقابة اللازمة على أعمال أمين الفلسة وهو ما يدعو بالضرورة إلى تنقيح هذا الفصل وإسناد واجب الإعلام لكل من القاضي المنتدب ورئيس المحكمة وهو ما يوفّر أكثر نجاعة لنجاح إجراءات الفلسة ويحول دون إمكانية تفصّي أمين الفلسة من العقاب.

ورغم إرتكاب الجريمة فإنه قد تطرأ أحيانا بعض الموانع التي تحول دون معاقبة الجاني وممارسة التتبّع في شأنه.

الفقرة الثانية: موانع ممارسة حق التتبّع:

توجد بعض الموانع التي تحول دون ممارسة حقّ التتبّع ويمكن تقسيمها إلى موانع قانونية (أ) وأخرى واقعية (ب).

الموانع القانونية لممارسة حقّ التتبّع:
ضبط القانون جملة من الموانع تحول دون إثارة التتبّع ضدّ أيّ متّهم مهما كانت صفته ومهما كان نوع الجريمة الّتي إرتكبها بشكل تنقضي معه الدعوى العموميّة.

ولقد تضمّن الفصل 4 م إ ج جملة من الأسباب التي تنقضي بها الدعوى العموميّة إلا أنّ أهمّها والذي يطرح إشكالا على مستوى التطبيق هو مرور الزمن على إعتبار أن معظم الجرائم المرتكبة من قبل أمين الفلسة هي جرائم حينيّة ( خيانة الأمانة مثلا) وسريان التقادم فيها يبدأ من تاريخ إرتكاب الفعل الإجرامي كالإختلاس أو الإستيلاء.

وقد جاء بالفصل 5 م إ ج أنّ الدعوى العموميّة تسقط بمضي 10 أعوام بالنسبة للجنايات وثلاثة أعوام بالنسبة للجنح وهما أجلين يجب إحترامهما لإتصالهما بالنّظام العامّ([16]).

وكما هو معلوم فإنّ جملة الجرائم التي يمكن أن يرتكبها أمين الفلسة هي من صنف الجنايات لذلك أوجب الفصل 27 من قانون 11 نوفمبر 1997 على الأمين الإحتفاظ بنسخة من تقارير أعمال الفلسة لمدّة عشرة أعوام وهو الأجل الأقصى لسقوط الدعوى العموميّة إذا ما إتصل الأمر بجناية.

لذلك فإن إختيار المشرّع لهذه المدّة لم يكن إعتباطيا بل كان مقصودا وذلك للحيلولة دون تفصّي أمين الفلسة من العقاب وبإنقضاء هذا الأجل تفقد النّيابة العموميّة حقّها في إثارة التتبّع.

الموانع الواقعيّة لممارسة حقّ التتبّع:
وهي جملة من الموانع التي تفرضها عمليّة التفليس ككل ويمكن أن تتّصل بصفة الجاني أي أمين الفلسة وكذلك بطبيعة المهمّة المسندة إليه.

أمّا فيما يخصّ صفة الجاني فيمكن القول بأنّ أمين الفلسة هو شخص حرفي متمتّع بالدراية والخبرة اللاّزمة لإدارة عمليّة الإفلاس، فهو يكلّف من قبل المحكمة المتعهّدة بالإفلاس وذلك إذا ما توفّرت فيه جملة من الشروط والخصال التي جاء بها الفصل 4 من قانون 1997 وأهمّها المقدرة العلمية والذهنيّة وكذلك الخبرة اللاّزمة وجملة هذه الشروط من شأنها أن تجعل من أمين الفلسة في صورة إرتكابه لجريمة مجرما على قدر كبير من الحرفيّة بشكل يسهّل عليه إمكانيّة طمس معالم الجريمة وذلك بإتخاذ كل الإحتياطات والتدابير اللاّزمة قبل الإقدام على أي عمل بشكل يصعب معه التفطّن إلى الجريمة وإثارة التتبّع في شأنه وهو ما يمكن أن يبرّر شدّة العقوبات التي تبنّاها المشرّع عند صياغه نصوص التّجريم.

أمّا المانع الثاني فهو متّصل بطبيعة المهمّة المسندة لأمين الفلسة الذي يخضع لرقابة كلّ من المحكمة المتعهّدة والقاضي المنتدب، وكما هو معلوم فإن أمين الفلسة وعند قيامه ببعض الإجراءات يجب عليه الحصول على إذن قضائي لإتمامها وهو ما يمكن أن يضفي نوع من” الحصانة” على الأعمال الّتي يباشرها، كما أنّ هذه التراخيص والأذون يتمّ منحها بناء على التقارير التي يقدّمها أمين الفلسة وبالتّالي فإنه من السهل عليه تحريرها بطريقة تتماشى ومصالحه الذّاتية إذا كانت تحدوه رغبة في القيام بجرم معيّن كالإستيلاء على بعض الأموال مثلا.

كما أنّ إفتقار الجهاز القضائي في بعض الحالات للدّراية والمعرفة اللاّزمة قد يسهّل على الأمين نظرا لإنفراده بجلّ أعمال الفلسة القيام ببعض الأعمال التي تتماشى ومصالحة الخاصّة في غياب إطار رقابة من المهنيين والمختصين خاصّة و أن مؤسسة المراقبين التي نصّ عليها الفصل 475 م ت ظلّت نظريّة على إعتبار مجانية هذه الخطّة([17]).

وجملة هذه الموانع الّتي تحول دون إثارة التتبّع الجزائي في صورة إرتكاب المحظور جعلت من المشرّع يتوخّى الشدّة والصرامة إزاء أمين الفلسة في صورة إرتكابه للجريمة.

المبحث الثاني: خصوصيّة الزجر:

من المسلّم به في القانون الجنائي الإقتصادي هو غياب أو إستبعاد العقوبات السالبة للحرّية لأنّها لا تتماشى والميدان الإقتصادي إذ تعتبر العقوبة السجنية عقوبة منبوذة وغير محبّذة ممّا أدّى إلى الدعوة لعدم اللّجوء إليها بكثافة إلاّ في حالات جدّ استثنائية.

فبالرّجوع إلى القانون الجنائي الإقتصادي نلاحظ أن هناك شبه غياب للجنايات والإقتصار فقط على الجنح والمخالفات([18]).

غير أنّ المشرّع وعند صياغته لنصوص قانون11 نوفمبر 1997 لم يلتزم بهذا التوجّه وإختار الشدّة والصرامة خاصّة في ظل إعتماد تقنية الإحالة واللجوء إلى نصوص المجلّة الجزائيّة المتعلّقة بخيانة الأمانة وجرائم الإستيلاء على الأموال العموميّة.

وقراءة النّصوص الجزائيّة الواردة بقانون 1997 تفضي إلى إبداء ملحوظيّن أساسيين أوّلهما تنوّع العقوبات ( الفرع الأول) وثانيها شدّة تلك العقوبات ( الفرع الثاني).

الفرع الأول: تنوّع العقوبات:

بمراجعة جملة النّصوص المتعلّقة بالمسؤوليّة الجزائيّة لأمين الفلسة سواء الواردة بقانون 1997 أو بالمجلّة الجزائيّة نلاحظ أن المشرّع قد إعتمد عقوبات ذات صبغة جزائيّة ( الفقرة الأولى) وأخرى ذات صبغة تأديبيّة ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: العقوبات الجزائيّة:

قسّم الفصل 5 م.ج العقوبات القابلة للإنطباق على كافة الجرائم إلى عقوبات أصليّة تشمل القتل والسجن بقيّة العمر والسجن لمدّة معيّنة والعمل لفائدة المصلحة العامّة والخطيّة، وأخرى تكميلية تضمّ منع الإقامة والمراقبة الإدارية ومصادرة المكاسب والحجز الخاصّ والإقصاء والحرمان من بعض الحقوق ونشر مضامين بعض الأحكام.

وبالرّجوع إلى النّصوص الجزائيّة المنطبقة على أمين الفلسة نلاحظ أنّ المشرّع قد إعتمد على بعض العقوبات الواردة بالفصل المذكور (أ) مع تبنّي بعض الجزاءات الخاصّة(ب).

العقوبات المنصوص عليها بالفصل 5 من المجلة الجزائيّة:
وهي جملة العقوبات التي تبنّاها المشرّع بقانون 11 نوفمبر 1997 وكذلك بالمجلّة الجزائيّة وتراوحت بين عقوبات(1) أصليّة وأخرى تكميلية (2).

1– العقوبات الأصلية:

عند زجر الجرائم المرتكبة من قبل أمين الفلسة تبنّى المشرّع عقوبتي السجن لمدّة معيّنة والخطيّة.

فما يلاحظ بالنسبة للعقوبة السجنيّة أنّ المشرّع لم يعتمدها صراحة بقانون 11 نوفمبر 1997 بل أنه أحال عليها في بعض النّصوص وهو الشأن بالنسبة للفصل 576 م ت الذي أحال على الفصل 297 م.ج.

وكما سبق بيانه فإن الفصل 32 من قانون 1997 أحال على الفصل 96 وما بعده من المجلّة الجزائيّة وذلك فيما يتّصل بالإستيلاء على أموال عموميّة وهي جرائم إرتأى المشرّع أن يرصد لها عقوبات مختلفة ومتفاوتة المدّة من خمسة أعوام إلى عشرين عاما بحسب خطورة الجرم المرتكب من قبل أمين الفلسة.

أمّا الفصل 297 م.ج المحال عليه من قبل الفصل 576 م ت فقد تضمّن تسليط عقوبة سالبة للحرّية لمدّة ثلاثة أعوام والتي يقع الترفيع فيها لمدّة 10 سنوات إذا ما توفّرت ظروف التّشديد الواردة بالفصل 297 م.ج ومنها توفّر صفة الوكيل.

كما قد يكون أمين الفلسة عرضة لعقوبة الفصل 289 م.ج والمتمثّلة في سنتين سجنا إذا ما إرتكب أحد الأفعال الواردة بالفصل المذكور وهي نفس العقوبة التي أحال عليها الفصل 577 م.ت.

أمّا بالنسبة للخطايا فإنّ المشرّع قد إعتمدها إمّا كعقوبة أصلية أو ثانوية جاءت لتدعيم العقوبة السجنية.

والخطيّة كعقوبة أصليّة وقع اللجوء إليها بكثرة في إطار قانون 11 نوفمبر 1997 وكذلك قانون السجّل التجاري فيما يخصّ الفصول المتعلّقة بالإشهار وهو توجّه صائب يتماشى مع طبيعة الميدان الاقتصادي. وفي جملة هذه النّصوص إعتمد المشرّع جملة من العقوبات الماليّة يتراوح مقدارها بين 500 و10 آلاف دينار وهي عقوبات جدّ مرتفعة مقارنة بالذمّة المالية لأمين الفلسة مما يجعلها تحقق الغاية المرجوّة منها وهي الرّدع عن إرتكاب الجريمة.

أمّا الخطيّة كعقوبة ثانوية مدعّمة للعقوبة السجنية فقد وقع اللجوء إليها في إطار المجلّة الجزائيّة بالفصل 297 م.ج وكذلك بالفصل 96 وما بعده من ذات المجلّة، وبناء على جملة هذه النّصوص فإن المحكمة ملزمة بالنّطق بهذه العقوبة إلى جانب العقوبات السجنية وذلك إستنادا إلى الصياغة التي إعتمدها المشرّع في جملة هذه الفصول ” يعاقب بالسجن… وبخطيّة…” فواو العطف في هذه الحالة تفيد صيغة الإلزام أي أنّ القاضي ليس له الخيار بين إحدى العقوبتين بل يجب عليه الحكم بهما معا وهو ما يعتبر من مظاهر التشديد في العقوبة.

غير أن جملة هذه العقوبات الأصلية ورغم شدّتها لم تمنع المشرّع من إعتماد بعض العقوبات التكميليّة.

2– العقوبات التكميليّة:

بالرّجوع إلى بعض الفصول الواردة بالمجلّة الجزائيّة والقابلة للإنطباق على أمين الفلسة نلاحظ أن البعض منها تضمّن إمكانية الإلتجاء إلى تسليط بعض العقوبات التكميليّة على شخص الجاني إلى جانب الحكم بالعقوبات الأصلية الواردة بالفصل 5 م.ج.

وتعتبر العقوبات التكميليّة في بعض الأحيان اشدّ وقعا على شخص الجاني من العقوبة السجنية أو الخطيّة نظرا للآثار التي ترتّبها خاصّة إذا ما تعلق الأمر بالعزل من الوظيفة أو المنع من مباشرة بعض المهن.

وجاء بالفصل 98 من المجلّة الجزائيّة أنّه:” للمحكمة في جميع الصور الواردة بالفصلين المذكورين أي 96 و 97 م.ج أن تسلّط كلّ أو بعض العقوبات المقرّرة بالفصل الخامس على أولئك المجرمين“. وأضاف الفصل 99 م.ج:

” وتنسحب وجوبا أحكام الفصل 98 على الجرائم المنصوص عليها بهذا الفصل“. أمّا الفصل 100 م.ج فجاء فيه: ” يمكن الحكم عليه زيادة على ذلك بالعقوبات التكميليّة المقرّرة بالفصل 5 من هاته المجلّة“. وأمّا الفصل 302 م.ج فقد جاء فيه بأنّه: ” كلّ مجرم يرتكب إحدى الجرائم المقررّة بالقسمين الرابع والخامس من هذا الباب يمكن الحكم عليه زيادة على ذلك بالعقوبات التكميليّة المقرّرة بالفصل 5 من هاته المجلّة“.

وإذا كانت الصياغة الواردة بالفصول 98 و 100 و302 م.ج تترك للمحكمة الخيار بين تسليط العقوبة الجزائيّة من عدمها على شخص الجاني فإنّ الصياغة الواردة بالفصل 99 م.ج :” وتنسحب وجوبا” تلزم المحكمة بتسليط العقوبة التكميليّة على شخص الجاني في صورة الحكم بالإدانة لكن التساؤل المطروح يخصّ نوع العقوبات التكميليّة التي يمكن تسليطها على أمين الفلسة في صورة إرتكابه للجريمة؟

بالرّجوع إلى القائمة الواردة بالفصل 5 م.ج نلاحظ أن هناك بعض العقوبات التكميليّة التي يمكن تسليطها على أمين الفلسة ومنها عقوبة الحجز الخاصّ وذلك بحجز أدوات الجريمة وإستصفائها لفائدة صندوق الدولة.

إلاّ أنّ عقوبة نشر مضامين الأحكام تبقى الأكثر تلاؤما مع مهمّة أمين الفلسة نظرا لإنعكاسها الخطير على وضعه المهني.

العقوبات الخاصّة:
وهي بعض العقوبات التي لم يقع التّنصيص عليها بالفصل 5 من المجلّة الجزائيّة وتشمل أساسا عقوبة الردّ (1) وعقوبة الفصل 31 من قانون 11نوفمبر1997 (2).

1– ردّ ما وقع الإستيلاء عليه:

جاء بالفصل 98 من م.ج أنّه:” على المحكمة في جميع الصور المنصوص عليها بالفصلين 96و97 م.ج أن تحكم فضلا عن العقوبات المبيّنة بهذين الفصلين برد ما وقع الإستيلاء عليه أو اإختلاسه أو قيمة ما حصل عليه من منفعة أو ربح ولو إنتقلت إلى أصول الفاعل أو فروعه أو إخوته أو زوجه أو أصهاره سواء بقيت تلك الأموال على حالها أو وقع تحويلها إلى مكاسب أخرى“.

ويستنتج من الفصل المذكور أنّ الردّ يتمثل في تعويض عيني يتمّ بإعادة الشيء المختلس إلى صاحبه إذ كان ذلك ممكنا أو ما يقوم مقامه في صورة إستحالة الردّ.

وصياغة الفصل 98 م.ج تفيد الوجوب ” على المحكمة…” أي أن هذه الأخيرة ملزم بالحكم على الجاني بردّ ما إستولى عليه أو قيمة ذلك الشيء، وهو عقاب ذو صبغة مدنيّة أكثر منها جزائيّة لأنّه لا يتسلّط مباشرة على الذمّة المالية للجاني بإعتبار عدم ملكيته للشيء المستولى عليه، كما أنّ المستفيد في هذه الحالة هو المتضرّر على خلاف الخطيّة التي تستفيد منها خزينة الدولة.

كما أنّ المشرّع فرض على المحكمة الحكم بردّ الأشياء المستولى عليها ولو تمّ إحالتها إلى الغير من أصول الفاعل أو فروعه أو إخوته أو زوجته أو أصهاره وذلك دون تحديد لدرجة القرابة وهو ما يوفّر أكبر الضمانات لتنفيذ هذا الجزاء([19]).

إنّ صياغة الفصل المذكور يمكن أن تتلائم مع الجرائم التي يمكن أن يرتكبها أمين الفلسة خاصّة في صورة إختلاس أو الإستيلاء على أموال المدين رغم إحالتها بعد ذلك أو التفويت فيها إلى الغير في محاولة للتفصّي من الجزاء ، ولعّل ذلك ما جعل المشرّع يعتمد صيغة الإطلاق في صياغة الفصل 98 م.ج ليضمن تنفيذ العقاب في كل الحالات .

2– عقوبة الفصل 31 من قانون 11 نوفمبر 1997:

جاء بالفصل 31 من قانون 1997 أنّه:” كل مصفّ أو مؤتمن عدلي أو أمين فلسة أو متصرّف قضائي يخلّ بالواجبات الواردة بأحكام الفصل 16 أوّلا وثانيا وثالثا من هذا القانون يعاقب بخطيّة يتراوح مقدارها بين 500 وألف دينار“.

ولعلّ من أهمّ الواجبات المحمولة على أمين الفلسة والورادة بالفصل 16 هو واجب فتح حساب مالي خاصّ لغاية إيداع المبالغ المتأتيّة من أعمال الفلسة، وقد رتّب المشرّع بالفصل 31 من قانون 11 نوفمبر 1997 عن عدم الخضوع لهذا الواجب:” فائضا يحتسب بالفائض التجاري وفقا للنصوص الجاري بها العمل إبتداءا من التاريخ الذي أصبحت فيه تلك المبالغ مستحقّة إلى غاية دفعها بالكامل“.

والملاحظ أن الفصل 31 من قانون 1997 جاء بعقوبة جديدة تسلّط على أمين الفلسة وهي ذات صبغة مدنيّة أكثر منها جزائيّة.

لكنّ هذه العقوبة على قدر من الفاعليّة ويمكن أن تحول دون وقوع المحضور وهو إمتناع أمين الفلسة من إيداع الأموال المتأتّية من عمليّات الفلسة بحساب خاصّ قصد الإستيلاء عليها لخاصّة نفسه كما أن المحكمة ملزمة بتسليط هذه العقوبة على أمين الفلسة في صورة إخلاله بالواجب المحمولة عليه بالفصل 16 وذلك بالنظر إلى الصياغة الواردة بالفصل 31:” وينتج وجوبا…”

ورغم جملة هذه العقوبات المسلّطة على أمين الفلسة والمتّسمة خاصّة بالشدّة والصرامة إلاّ أن ذلك لم يمنع المشرّع من اللجوء إلى بعض العقوبات التأديبيّة.

الفقرة الثانية: العقوبات التأديبيّة:

جاء بالفصل 25 من قانون نوفمبر1997 أنّ :” كلّ إخلال بواجب المهمّة يترتّب عنه إمّا الإنذار الذي يسلّطه الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف الكائن بدائرتها مكتب المعني بالأمر أو الشطب من القائمة الذي يقرّره وزير العدل وذلك بعد أن يطلب من المعني تقديم ماله من ملحوظات كتابية“. وبالرّجوع إلى الفصل المذكور يتضح أن أمين الفلسة يمكن أن يكون عرضة لعقوبتين تأديبيتين هما الإنذار أو الشطب من القائمة وهو ما يفرض النّظر في طبيعتهما (أ) ثم حالات إنطباقهما (ب).

طبيعة العقوبة التأديبيّة:
لقد إعتنى المشرّع التونسي عناية خاصّة بتنظيم الجانب الأخلاقي والقانوني المتعلّق بالمهن المساعدة للقضاء ولكن دون أن يقوم بتعريف الخطأ التأديبي لقيام المسؤوليّة التأديبيّة.

والمشرّع إعتمد توجّها عامّا في خصوص المسؤوليّة التأديبيّة وذلك من خلال عدم حصر الأخطاء التأديبيّة وترك مسألة ضبطها وتكييفها لسلطة التأديب صاحبة النظر.

ويمكن تعريف الخطأ التأديبي بكونه كلّ فعل مخالف للموجبات المهنيّة وكل تقصير أو خطأ خلال مباشرة الوظيفة أو إخلال بشرف المهنة([20]).

والأخطاء التأديبيّة قد تنشأ عن خطأ جزائي بإعتبار أن الخطأ التأديبي الذي يرتكبه أمين الفلسة يتعلّق بأفعال إيجابيّة أو سلبيّة يقع القيام بها أثناء ممارسة المهنة فهي تشكل إذا إخلالا بواجب المهمّة ويترتب عنها إلى جانب التتبّع الجزائي تتبع تأديبي.

لكن هذا لا يعني أن كلّ خطأ جزائي هو بالضرورة خطأ تأديبي فهنالك عديد الأفعال المجرّمة التي لا تشكل أخطاء تأديبية كما أن العقاب الجزائي موجّه إلى عموم الناس على خلاف العقوبة التأديبيّة التي تختص بها فئة الموظّفين.

وقد ينشأ الخطأ التأديبي عن خطأ غير جزائي فقد يشكّل الفعل المرتكب خطأ مدنيا من ذلك تخلّف أمين الفلسة عن إستيلام أموال المفلس الموجودة لدى الغير أو إهمال قطع مرور الزمن على دين مستحق للمفلس في ذمّة الغير، فهذه الأفعال بإقترافهما من قبل أمين الفلسة يمكن إعتبارها من قبيل الأخطاء الفادحة التي تشكّل إخلالا بواجب المهمّة المحمولة على أمين الفلسة وما إلتزم به نحو من يمثّلهم من مفلس وجماعة دائنين ببذل العناية اللاّزمة لتسيير أموال الفلسة على الوجه المطلوب ويمكن أن ينتج عن الفعل الواحد ثلاثة أنواع من المسؤوليّة أولى جزائية وثانية مدنية وثالثة تأديبيّة وهذا التشدّد المبالغ فيه تبرره غاية المشرّع الذي يهدف إلى حماية الإقتصاد من خلال التوصّل إلى إنقاذ المؤسسات المارّة بصعوبات إقتصادية.

ب- حالات انطباق العقوبة التأديبيّة:

تؤول المسؤوليّة التأديبيّة في صورة ثبوتها على أمين الفلسة إلى تسليط عقاب تأديبي على هذا الأخير حيث نصّ الفصل 25 من قانون 11 نوفمبر1997 أنّ: “كلّ إخلال بواجب المهمّة يترتّب عنه إمّا الإنذار الذي يسلّطه الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الكائن بدائرتها مكتب المعني بالأمر أو الشطب من القائمة الذي يقرّره وزير العدل وذلك بعد أن يطلب من المعني تقديم ماله من ملحوظات كتابيّة“. وهو ذات الجزاء المنصوص عليه بالفصل 39 من ذات القانون في صورة عدم إبرام عقد تأمين يغطّي المسؤوليّة المدنيّة لأمين الفلسة وكذلك بالفصل 40 في صورة عدم إحترام واجب مباشرة المهنة بعد الترسيم بالقائمة. وبذلك فإن أمين الفلسة يمكن أن يكون عرضة إمّا لعقوبة الإنذار أو الشطب من القائمة.

والمشرّع في قانون1997 لم يحدّد سلّما معيّنا لتطبيق هذه العقوبات ونصّ على كونه من الممكن إتّخاذ كلا العقوبتين على كل إخلال بواجب المهنة.

ولكن رغم ذلك نجده في بعض المواضع قد أقرّ عقابا تأديبيّا محدّدا لصنف معيّن من الأخطاء التي يرتكبها أمين الفلسة، فقد نصّ الفصل 6 من قانون 1997 على أن: ” تتولّى اللّجنة المشار إليها بالفصل الثالث من هذا القانون إقتراح إستبعاد كل من فقد شرطا من شروط الترسيم أو أظهر خلال ممارسته لنشاطه إنحيازا أو تقاعس أو قصور أو إرتكب خطأ فادحا يقتضي شطبه من القائمة“.

وهذا الفصل تضمّن قائمة من الأخطاء التي إعتبرها المشرّع موجبة للشطب نظرا لخطورتها وقد يتمثّل هذا الخطأ في عدم تحلّي أمين الفلسة بالحياد وإنحيازه لشقّ من الشركاء دون الآخر وهذا الخطأ إن صدر عن أمين الفلسة يكون قد أخلّ بالدور المنوط بعهدته بإعتبار أن هذا الأخير مساعد للقضاء مطالب بالسهر على حسن سير إجراءات الفلسة وإيصال الحقّوق إلى أصحابها بكل أمانة ونزاهة.

أمّا إذا أظهر أمين الفلسة تقاعسا أو قصورا فإنّ العقوبة المستوجبة هي الشطب من القائمة، فالمشرّع قد حاول بهذا النصّ التعرّض إلى أكثر ما يمكن من الحالات الموجبة للشطب، وكأنّه أراد أن يجعل هذه العقوبة خاصّة بهذه الحالات فقط دون غيرها من أوجه الإخلال بواجب المهمة.

لكن هذا التحليل لا يتماشى مع ما نصّ عليه المشرّع ضمن الفصل 25 من قانون 11 نوفمبر1997 من كون كلّ إخلال بواجب المهمّة قد يترتّب عنه كلا العقوبتين أي الإنذار أو الشطب.

ويبدو أنّه من الضّروري أن تربط أحكام الفصلين 6 و 25 ببعضها حتى يتسنّى التوصّل إلى فهم منطقي لكليهما، فأخطاء الفصل 6 ونظرا لخطورتها تستوجب عقوبة أشدّ وهي الشطب، أمّا بقيّة الإخلالات المعنيّة بالفصل 25 فإن عقابها مبدئيا الإنذار.

وهنالك صنف من الأخطاء ترك فيها المشرّع الخيار لسلطة التأديب للإجتهاد في تطبيق عقوبتي الإنذار أو الشطب، أي أن نفس الفعلة قد تؤدي إمّا إلى تطبيق العقوبة الأولى أو الثانية وهو ما أورده المشرّع ضمن الفصلين 39 و 40 من قانون 1997، إذ جاء بالفصل الأوّل أن إخلال أمين الفلسة بواجب إبرام عقد تأمين يغطي مسؤوليّته المدنيّة الناتجة عن نشاطه أو إمتناعه عن الإدلاء بشهادة في التأمين سارية المفعول إلى اللجنة المنصوص عليها بالفصل 3 من القانون يعرّضه لإحدى العقوبتين المنصوص عليها بالفصل 25، كما نصّ الفصل الثاني على أن إخلال مسيري الشركة المهنيّة بشرط الترسيم بقائمة أمناء الفلسة يعرّضهم لإحدى العقوبتين الواردتين بالفصل 25 من القانون المذكور.

وبقراءة الفصل 6 من قانون 1997 يمكن أن نستنتج أن المشرّع أعطى لرئيس المحكمة التي عيّنت أمين الفلسة حقّ تحريك الدعوى التأديبيّة عندما يظهر الأمين خلال ممارسته لمهامه إنحيازا أو تقاعسا أو قصورا أو يرتكب خطأ فادحا وهذا الخطأ يمكن أن يتمثّل في خطأ مدني أو خطأ جزائي وكذلك تأديبي ولئن تعلّق هذا الفصل بقائمة معينة من الأخطاء التي منح فيها رئيس المحكمة حق تحريك الخطأ التأديبي وهي الأكثر شدّة إلا أنّ ذلك لا يمنع من تعميم ذلك الإجراء على كلّ الأخطاء التي من الممكن أن يرتكبها أمين الفلسة والتي تمثّل خطأ تأديبيا يستوجب تسليط إحدى العقوبتين المنصوص عليهما بالفصل 25 من قانون 1997.

ومن بين نقائص قانون 11 نوفمبر 1997 أنّه لم يتضمّن أي تنصيص على إمكانيّة الطعن في القرارات التأديبيّة ولا طرق الطعن التي يمكن توجيهها ضدّ هذه القرارات ولا الجهة التي يمكنها التعهد بهذه الطعون ولعلّ هذا السكوت يشكّل إحالة إلى النّصوص العامة المتعلقة بهذه المسألة وذلك بواسطة رفع دعوى في تجاوز السلطة التي جاء بها القانون عدد 40 لسنة 1972 المؤرخ في 1 جوان 1972 المتعلق بالمحكمة الإدارية كمحكمة مختصّة بتلقي الطعون في المقررات الإدارية.

ورغم هذا النقص فإن قانون 1997 أعطى أمين الفلسة حقّ الدفاع عن نفسه ومكّنه من ردّ الإتّهامات الموجهة إليه وهو ما منحه الفصل 25 لهذا الأخير من خلال تقديم ملحوظاته الكتابيّة قبل إتّخاذ قرار الشطب من القائمة من قبل وزير العدل، غير أنّ هذا الحقّ لا يشمل قرار الإنذار الموجّه من قبل الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف.

وبناء على ما سبق بيانه يمكن القول أن المشرّع حشد كمّا هائلا من العقوبات إتّسمت كلها بالشدة والصرامة.

الفرع الثاني: شدة العقوبات

بالتأمّل في جملة العقوبات القابلة للإنطباق على أمين الفلسة نلاحظ أن قانون 11 نوفمبر1997 جاء مشدّدا في مؤاخذة أمين الفلسة عن الأخطاء التي من الممكن أن يرتكبها أثناء إدارته للفلسة.

فبالرجوع إلى هذا القانون نجده لم يترك أي مخالفة دون أن يرتب عليها عقابا معينا إمّا مدنيا أو جزائيا أو تأديبيا وهي عقوبات جدّ صارمة قد لا تتلائم ونوعية التجريم (الفقرة الثانية) إلا أنّ هذه الشدّة لها ما يبررها (الفقرة الأولى).

الفقرة الأولى: مبررات الشدّة:

بالرّجوع إلى جملة النّصوص المنظّمة للمساءلة الجزائيّة لأمين الفلسة نلاحظ أن المشرّع إعتمد جملة من العقوبات جدّ صارمة وهي شدّة لها ما يبرّرها (أ) وتتلائم أحيانا مع طبيعة المهمّة (ب).

أ- شدّة العقوبات تكريس لإختيار تشريعي:

إن التشدّد الذي إعتمده المشرّع التونسي عند صياغة النّصوص الإجراميّة المتعلقة بأمين الفلسة يهدف أساسا إلى منع هذا الأخير من الوقوع في المحظور وإرتكاب الجرم وهو ما من شأنه أن يساهم في إنجاح إجراءات الفلسة وذلك بمنع التلاعب في أموالها.

وقد جاءت هذه الشدّة مكرّسة لفكرة الردع العام بما هو ترهيب لكل فرد من الجماعة بالعقوبة الجنائية، لتصبح هذه العقوبة أداة ردع للكافة من إرتكاب الجريمة([21]) فتكون بذلك هذه العقوبة المشدّدة بمثابة الإنذار الموجّه للجاني والناس كافّة بسوء عاقبة الإجرام كي يتجنّبوه ([22]).

والشدّة في العقوبات تعتبر أداة وقاية من إرتكاب الجريمة تجعل من أمين الفلسة يفكّر مليّا قبل الإقدام على أيّ عمل إجرامي وهو ما من شأنه أن يحقّق مقصد المشرّع من توخي هذا الخيار.

فالمشرّع قد جرّم تقريبا كل فعل مخالف للقانون يمكن أن يأتيه أمين الفلسة ورتّب على ذلك عدّة جزاءات منها ما هو مدني ومنها ما هو جزائي إلى جانب الجزاءات التأديبيّة التي أضافها قانون 11 نوفمبر1997.

ومؤاخذة أمين الفلسة بتلك الشدّة من شأنها أن تصلح غيره ممّن يحمل تلك الصفّة ويمنعه من إرتكاب الجريمة وهو الإتّجاه الذي كرّسه علم الإجرام الحديث وعبر عنه الفقيه Jean Pradel بالقول:” نحن لا نصلح فقط من نودعه السجن وإنّما نصلح الآخرين عن طريقه هو…”. ([23])

ولعّل هذه السياسة الجنائيّة المتّبعة في مؤاخذة أمين الفلسة قد حقّقت أهدافها إلى حدّ كبير وهو ما يتجلّى خاصّة بالرّجوع إلى فقه القضاء التونسي إذ يصعب إن لم يندر العثور على أحكام جزائيّة جناتها ممّن لهم صفة أمناء الفلسة وهو ما يمكن أن يبرّر إختيار المشرّع لهذه السياسة المشدّدة في العقاب.

ب- شدّة العقوبات تتلائم وطبيعة المهمّة:

إنّ دراسة المهمّة المناطة بعهدة أمين الفلسة يمكن أن تبرّر نسبيّا إختيار المشرّع التشدّد في معاقبة هذا الأخير عند إرتكاب الفعل الإجرامي.

فالأمين عند إدارته للفلسة محمول على إحترام الإجراءات والتوفيق بين جملة من المصالح: مصلحة المدين المفلس الذي غلّت يده عن التصرّف في ماله وذلك من خلال حماية حقوقه والحرص على عدم ضياعها وكذلك مصلحة جماعة الدائنين في إستخلاص ديونهم من أموال المدين الفلس.

وبما أنّ أمين الفلسة من بين مساعدي القضاء فإنّ صفته تلك قد تكون من بين مبرّرات التشدّد في العقاب على إعتبار ما يجب أن يتوفّر في هذا الأخير من نزاهة وشفافيّة عند التعهّد بإجراءات الإفلاس ولعلّ صفة “الأمين” التي أطلقت عليه خير دليل على ذلك.

كما أنّ إطلاق يد أمين الفلسة في الإدارة والتصرّف وكذلك ازدواجيّة المهام التي يتمتّع بها قد تبرّر هذه الشدّة بإعتبار أن المشرّع قد منحه كل الصلاحيات ووفّر له كافّة الضمانات للقيام بمهمّته على الوجه الأكمل و في صورة إرتكابه للجريمة فإن عقابه يكون مشدّدا.

أمّا التبرير الأخير يتعلّق بالمصلحة العامّة على إعتبار إرتباط الفلسة بالنظام العامّ الإقتصادي، فإرتكاب أمين الفلسة لجريمة فيه مسّ بالصالح العامّ إذا ما تسلّط الفعل على مؤسّسة إقتصادية تمثل حلقة من حلقات النسيج الإقتصادي سعى المشرّع إلى توفير كل السبل لإنقإذها في صورة مرورها بصعوبات إقتصادية.

وجملة هذه المبرّرات يمكن أن تفسر الشدّة التي توخّاها المشرّع إزاء أمين الفلسة، لكنّ هذه الشدّة لا تتلائم بتاتا مع شخص هذا الأخير.

الفقرة الثانية: عدم تلائم العقوبة مع أمين الفلسة:

لقد إحتوت جملة النّصوص الجزائيّة المتّصلة بمسؤولية أمين الفلسة على عقوبات مشدّدة (أ) وهو ما يدعو بالضرورة إلى تفريدها حتّى تتلائم مع شخص الجاني (ب).

شدّة العقوبات:
بالتمعّن في جملة النّصوص المنظمة للمسؤوليّة الجزائيّة لأمين الفلسة نلاحظ أنّها إحتوت على عقوبات جدّ صارمة في حق هذا الأخير.

فالفصل 297 م.ج المتعلّقة بخيانة الأمانة نصّ على عقوبة بدنيّة تصل إلى حدود 10 سنوات بالنسبة للوكيل وهو نصّ قابل للإنطباق على أمين الفلسة في صورة إرتكابه لخيانة في إدارة أموال الفلسة حسب منطوق الفصل 576 م.ت وذلك في ظلّ إمتناع المشرّع عن سنّ نصّ خاص بهذه الجريمة صلب قانون 1997 يتلائم مع طبيعة المهمّة وشخص الجاني، كما أن جملة الفصول المتعلّقة بشبه الموظف العمومي والتي أحال عليها قانون 1997 ( الفصول من 96 إلى 100 م.ج) تضمّنت عقوبات بدنيّة جدّ صارمة تصل إلى السجن مدّة عشرين عاما إلى جانب معلوم الخطيّة المسلّط على شخص الجاني وهي عقوبات لا تتلائم بالمرّة مع القانون الجنائي الإقتصادي الذي عادة ما يقتصر فيه على العقوبات المالية دون غيرها، كما أن الجمع بين العقوبة البدنيّة ونظيرتها الماليّة يعتبر من مظاهر التشديد في العقاب وهي عقوبات وإن كانت تتماشى مع طبيعة هذه الجرائم إلا أنّها لا تتلائم مع خصوصيّة الميدان الإقتصادي.

ولقد كانت الفرصة ملائمة أمام المشرّع في قانون 1997 لإقرار عقوبات مالية تتلائم مع ميدان الأعمال إلاّ أنه أعرض عن ذلك وفضّل الإحالة إلى النّصوص العامّة الواردة بالمجلّة الجزائيّة والمنظمّة لعقوبات جدّ مرعبة بالنسبة لأمين الفلسة.

كما أنّ العقوبات الماليّة التي إعتمدها المشرّع بالفصول 31 و32و33 من قانون 1997 جاءت مرتفعة وتصل إلى حدود 10 آلاف دينار وهي خطيّة مشطّة في الحقيقة قد يعجز الأمين أحيانا عن تسديدها ممّا يجعله عرضة للعقوبة البدنيّة أو لعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامّة بناء على منطوق الفصل343م إ ج.

ورغم هذا الزخم والكمّ الهائل من الجرائم فإنّ المشرّع أضاف بعض العقوبات التأديبيّة بقانون 1997 ومنها عقوبة الشطب من القائمة والّتي يتّخذها وزير العدل لنكون بذلك أمام نتيجة حتميّة مفادها أنّ المشرّع لم يترك أي فعل دون جزاء الذي جاء في أغلب الأحيان مشدّدا.

غير أنّه يمكن التلطيف من هذه العقوبات عبر إعتماد ظروف التخفيف الواردة بالفصل 53 م.ج كلّما توفّرت شروطها خاصّة وأنه لم يرد في جملة النّصوص الجزائيّة ما يمنع صراحة من إعتماد هذا الفصل عند النطق بالعقوبة كما أنّه يمكن للقاضي تفريد العقوبة بما يتلائم مع شخص الجاني.

ضرورة إعمال مبدأ تفريد العقوبة:
لقد إتّبع المشرّع التونسي في مآخذة أمين الفلسة سياسة عقابيّة مشدّدة مركّزا على صفة الجاني دون الأخذ بعين الإعتبار طبيعة المهمّة المسندة إليه وهو ما أدّى إلى سنّ عقوبات صارمة في جانبها البدني لا تتلائم مع خصوصيّة القانون الجنائي الإقتصادي.

ولئن كانت الصّفة المسندة لأمين الفلسة ظرفا لتشديد العقاب في حقّه إلاّ أنّه من الضروري تفريد العقوبة بأن يأخذ في الإعتبار الفعل الإجرامي أوّلا وصفة الجاني ثانيا حتى تتحقّق بذلك العلّة من التّجريم، فلا يعقل مثلا معاقبة أمين الفلسة بعقوبة سجنية تصل إلى 20 سنة من أجل إستلائه على مبلغ زهيد من مال الفلسة بل لا بدّ من تسليط عقوبة تتماشى وخطورة الفعل الإجرامي المرتكب من قبل الأمين وهو ما أغفله المشرّع بقانون 11 نوفمبر 1997 خاصّة من خلال إحالته إلى المجلّة الجزائيّة فيما يتعلّق ببعض الجرائم.

كما يمكن إعتماد مبدأ التجنيح وذلك بالنزول بالجريمة من صنف الجنايات إلى صنف الجنح إذا كان الفعل المرتكب لا يشكّل خطورة كبيرة، وكذلك تطبيق قواعد الفصل 53 م.ج المتعلّقة بتخفيف العقاب بإعتبار أن لا شيء يمنع قانونا من اللجوء إلى النصّ المذكور.

وجملة هذه الحلول بإمكانها أن تلطّف من الضغط المسلط على أمين الفلسة نتيجة للخوف من الوقوع في الخطأ وإرتكاب المحظور نظرا لوجود تخمة في التجريم وشدّة في العقاب وهو ما من شأنه أن يغلّ يد الأمين في التصرّف شأنه في ذلك شأن المدين المفلس الذي رفعت يده عن التصرّف في ماله وكل ذلك في إنتظار تدخّل من المشرّع للتلطيف من حدّة هذه العقوبات أو إيجاد نصوص خاصّة تتلائم مع مهمّة إدارة الفلسات عموما.

خاتمة الفصل الثاني:

سعيا منه إلى الإحاطة بكلّ الجرائم التي من الممكن أن يرتكبها أمين الفلسة إختار المشرّع إتباع شموليّة على مستوى التجريم ممّا أدّى إلى زخم كبير على مستوى الأفعال المجرّمة بشكل أمكن القول معه بأنّ المشرّع لم يترك أي فعل مخالف دون أن يعطيه وصف الجريمة.

ومع هذا التوسّع على مستوى التجريم أضاف المشرّع جملة من العقوبات المتنوّعة والمختلفة إتّسمت بشدّة وصرامة غير مسبوقتين بالنسبة للقانون الجنائي الإقتصادي وهو ما لم يراعى فيه خصوصيّة ميدان الأعمال والمجال الاقتصادي بشكل عامّ.

ورغم سنّ المشرّع لقانون 11 نوفمبر 1997 المنظّم للمهنة التي ظلّت مهمّشة لمدّة طويلة إلاّ أنّ هذا القانون وفي جانبه الجزائي كان دون المأمول بالنسبة لأصحاب هذه المهن خاصّة أنه لم يراعي خصوصيّة مهامهم ولجأ في جانب كبير إلى القواعد العامّة الواردة بالمجلّة الجزائيّة وهي نفس القواعد التي كانت منطبقة قبل صدور قانون 1997 وبذلك جاء هذا القانون جديد الشكل قديم المضمون في جانبه الجزائي.

ومع صدور قانون 11 نوفمبر1997 كان حريّ بالمشرّع التونسي أن يغضّ الطرف على الإحالة إلى النصّ العام وذلك بسنّ جملة من النّصوص تنظّم التجريم والعقاب وتراعي صفة الجاني وخطورة الفعل و ذلك عبر إفراد أمين الفلسة بقواعد خاصّة تنظّم مسؤوليّته الجزائيّة وتلطّف من حدّة النصّ العامّ المسلّط على عاتقه في صورة الوقوع في المحظور.

خاتمة عامّة:

يضطلع أمين الفلسة بدور في غاية التعقيد والغموض، فهو مطالب عند تعيينه من طرف المحكمة المتعهّدة بالإفلاس بمهمّتين: الأولى تمثيل المدين المفلس الذي غلّت يده بموجب حكم الإفلاس ليحلّ أمين الفلسة بذلك محلّه بحصر هذه الأموال وتحصيل الدّيون لدى الغير وتنفيذ العقود التي أبرمها المفلس قبل حكم الإفلاس وكذلك ببيع أموال المفلس كلّما دعت الضرورة لذلك، وحتى مواصلة نشاط المؤسسة التجاريّة إذا كان في ذلك فائدة ترجى، ومن جهة ثانية يمثّل أمين الفلسة جماعة الدّائنين فيقوم بحماية مصالحهم خشية أن يقوم المدين المفلس بتهريب أمواله أو التفويت فيها عند شعوره بأن حالته التجاريّة ميؤوس منها.

ورغم التناقض الذي يعتري هاتين المهمتين فإن أمين الفلسة مطالب بتحقيق أفضل النتائج في إدارة هذه الأخيرة وتحقيق المعادلة بين المصالح المتضاربة التي يمثلها في كنف من الموضوعيّة والحياد وهو ما يصعب تحقيقه لأنّ إرضاء الأطراف التي يمثّلها يكاد يكون أمرا صعب المنال.

وقد ظلّت هذه المهنة رغم أهميّتها مهمّشة لزمن طويل ولم يخصّص لها المشرّع سوى بعض الفصول المتناثرة في المجلّة التجارية لا تفي بالحاجة لتنظيمها.

وأمام النّداءات إلى ضرورة تنظيم هذه المهنة في إطار نظام قانوني خاص جاء قانون 11 نوفمبر1997 لغاية ذلك والذي شبّه أمين الفلسة بالموظّف العمومي على معنى الفصل 82 من المجلّة الجزائيّة ممّا خلق إزدواجيّة في الصّفة بالنسبة لهذا الأخير وإنعكس بشكل رئيسي على مسؤوليّته الجزائيّة فأصبح عرضة لجملة من النّصوص الجزائيّة منها ما يتّصل بصفته كوكيل ومنها ما هو على إرتباط بصفة شبه الموظّف العمومي.

وبالإضافة إلى هذا التجريم العامّ الذي يتّسم بالشدّة والصرامة فإن قانون 1997 جاء بجرائم خاصّة عدّدها الفصلان 31 و33 منه تتعلّق بالإخلال بالواجبات المحمولة على أمين الفلسة والمنصوص عليها بذات القانون وقد عكست جملة هذه النصوص رغبة من المشرّع في الإحاطة بكلّ الجرائم التي يمكن أن يرتكبها هذا الأخير لذلك جاء التجريم ممتدّا على كافّة مراحل الفلسة بدءا بإفتتاحها مرورا بتسييرها وصولا إلى ختمها وعبر إعتماد بعض الوسائل منها التجريم المباشر وكذلك بالإحالة إلى النّصوص العامة.

وإلى جانب هذا الحشد التجريمي جاءت العقوبات الجزائيّة جدّ صارمة ومبالغ فيها فصار كل إخلال من قبل أمين الفلسة فيه تهديد إمّا لشخصه أو لذمتّه المالية وهو ما يتعارض مع طبيعة المهمّة وخصوصيّة ميدان القانون الإقتصادي بشكل عامّ ممّا يفرض تدخّلا سريعا من المشرّع لمراجعة بعض فصول القانون المذكور وخاصّة الجزائيّة منها.

وهذا التنقيح يجب أن يراعي بالضرورة طبيعة المهمّة المسندة لأمين الفلسة وشخصيّة هذا الأخير وذلك عبر محاولة التلطيف من شدّة العقوبات سواء منها الواردة بالقانون 11 نوفمبر 1997 أو من خلال الإحالة إلى المجلّة الجزائيّة، وهي إحالة يجب أن يقع الحدّ منها بمحاولة تبنّي نصوص خاصّة تنظّم مسؤولية أمين الفلسة الجزائيّة حتّى لا تصبح إدارة الفلسات مهمّة شاقّة ومرعبة في آن.

والله ولي التوفيق

[1] – A. Touffait et Jean Robin : Délits et sanctions dans les sociétés : 2ème édition : Sirey : Paris 1973. P123.

[2] -Mohamed Mahfoud : l’incrimination , thèse en droit : F.D.S.P.T 1998: P 216

[3] – Wilfrid Jean Didier : Droit Pénal des affaires : Dalloz 2ème édition 1996 : P 57.

[4] – البشير الفرشيشي: دروس في مادة جرائم الشركات التجارية: المرحلة الثالثة علوم جنائية : 2006-2007.

[5] – Geneviève Guidicelli : Droit pénal des affaires : 4ème édition Paris 1996 : p P34.

[6] – الأستاذ البشير الفرشيشي للفصل 20 من قانون 1997: المسؤولية الجزائية لمسيري الشركات التجارية : ملتقى نظمه المعهد الأعلى للقضاء.

[7] – من هذه الجرائم: جريمة الفصل 297 م ج الفصل 289 م . ج الفصل 96 وما بعده م . ج الفصل 31 من قانون 1997- الفصل 32 من قانون 1997- الفصل 33 من قانون 1997.

[8] – أحمد حسني الجندي: القانون الجنائي للمعاملات التجارية: الكتاب الأول: القانون الجنائي للشركات : مطبعة جامعة القاهرة 1989 ، ص 22.

[9] – R. Merle et A.Vitu : Traite du droit criminel : T3 :2ème édition : Paris 1979 : P381.

[10] – G. Stefani, G. Levasseur et B. Bouloc : Procédure Pénale : 16ème édition : Paris 1996 : P65.

[11] – علي زكي العرابي باشا: المبادئ الأساسية للإجراءات الجزائية: الجزء الأول : مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر: القاهرة 1957

ص 433.

[12] – تعقيب جزائي عدد 881 مؤرخ في 24- 11- 1976: ن م ت : قسم جزائي عدد 2: ص 182.

[13] – نص الفصل 11 من م ت: “يمكن قبول دفاتر التجارة لدى القضاء للإحتجاج بها بين التجار في أعمال تجارتهم بشرط أن تكون منظمة حسب التراتيب…”

[14] – جاء بالفصل 581 م ت : ” يستعيد المفلس إعتباره بمفعول قانون إذا وفّى بجميع المبالغ الواجبة عليه أصلا وفوائض ومصاريف”.

[15] -مداولات مجلس النواب في 21 أكتوبر 1997.

[16] -تعقيب جزائي عدد 1350 مؤرخ في 8-5-1964: م ق ت عدد 3 لسنة 1964 ص 149.

[17] – عبد المجيد الفاهم : المرجع السابق: ص 280.

[18] -رمسيس بهنام: نظرية التجريم في القانون الجنائي : منشأة المعارف بالإسكندرية 1989: ص 39.

[19] – الطيب اللومي: التشريع الجديد في جرائم الاستيلاء على أموال عموميّة: المرجع السابق.

[20] – عبد الحافظ الشيحلي: القانون التأديبي وعلاقته بالقانون الجنائي والإداري: دار الفرقان : الطبعة الأولى : ص 27.

[21] – مصطفى العوجي: القانون الجنائي العام: الجزء الأول : الطبعة الأولى: مؤسسة نوفل:بيروت 1984 ص 65.

[22] – محمود نجيب حسني: دروس في علم الإجرام والعقاب: دار النهضة العربية 1986: ص 228.

[23] – Jean Pradel : Droit Pénal et science pénitentiaire :Dalloz : Paris 1989 : p427.

1 – محمد زكي محمود: أثار الجهل والغلط في المسؤولية الجنائية: دار الفكر العربي : القاهرة1986 :ص2.

[1] – عبد المجيد الفاهم: الكامل في الإجراءات الجماعية: دار الميزان للنشر: أكتوبر 1999: ص 166.

[2] – عبد المجيد الفاهم: الكامل في الإجراءات الجماعية: دار الميزان للنشر: أكتوبر 1999: ص 166.

[3] – عبد المجيد الفاهم: المرجع السابق ص 167

[4] – عبد المجيد الفاهم: المرجع السابق ص 168.

[5] – درس القانون التجاري: السنة الرابعة شعبة قضائيّة: كليّة الحقوق بتونس: 1996-1997.

[6] – يعقوب قوادر: أمين الفلسة: م ق ت: جوان 1994: ص 126.

[7] – عبد المجيد الفاهم: المرجع السابق ص169.

[8] – حكم ابتدائي تجاري عدد 308 مؤرخ في 21 ماي 1963: م ق ت 9-10-1964 ص11.

[9] – قرار تعقيبي مدني عدد 8539 مؤرخ في 9 أكتوبر 2001: غير منشور: انظر الملحق عدد1.

[10] – عبد العزيز الهمامي: أمين الفلسة:ملتقى جهوي بدائرة محكمة الإستئناف بقابس: ص35.

[11] – عبد الحميد بوكمشة: الافلاس: م ق ت : مارس 1964: ص 24.

[12] – عبد العزيز الهمامي: المرجع السابق: ص 36.

[13] – الفصلان 27و 29 من قانون 25 جانفي 1985 الفرنسي.

[14] – عبد العزيز الهمّامي: المرجع السابق: ص 37.

[15] – حكم ابتدائي عدد 975 صادر عن ابتدائية تونس في 28-12-1963: م ق ت : 9-10-1964 ص 43.

[16] – عبد العزيز الهمامي: المرجع السابق: ص 139.

[17] – عبد العزيز الهمامي:أمين الفلسة: القانون عدد 71 لسنة1997 المؤرخ في 11-11-1997: ملتقى جهوي بدائرة محكمة الاستئناف بقابس: 8-2-1998.

[18] – Yves Chartier ; droit des affaires : édition Puf 1989 :P241.

[19] – قرار تعقيبي مدني عدد 7584 مؤرخ في 17 أكتوبر 2001 : غير منشور: أنظر الملحق عدد2.

[20] – عبد المجيد الفاهم: المرجع السابق: ص 179

[21] – قرار تعقيبي عدد 9761 مؤرخ في 8-10-1984: نشرية محكمة التعقيب: القسم المدني ج 2 لسنة 1984.

[22] – قرار تعقيبي مدني عدد 70921 مؤرخ في 24 نوفمبر 1999 : ن.م.ت:قسم مدني:1999.

[23] – ثامر بن الهادي لجنف: حماية الدائنين في الفلسة: مذكرة ختم الدروس بالمعهد الأعلى للقضاء: السنة القضائية: 1994-1995.

[24] – قرار تعقيبي مدني عدد 5705 مؤرخ في 27 أفريل 2001: غير منشور: انظر الملحق عدد3.

[25] – قرار تعقيبي مدني عدد 18190 مؤرخ في 12 جويلية 2002 : غير منشور: انظر الملحق عدد4.

[26] – الفصول من 404 إلى 462 من م م م ت .

[27] – قرار تعقيبي مدني عدد 2765 مؤرخ في 26ديسمبر 2005: غير منشور: انظر الملحق عدد5.

[28] – عبد المجيد الفاهم: المرجع السابق ص 182.

[29] – François collart et Philippe Delebecque : Contrats Civils et commerciaux 4ed 1998 : Dalloz P477.

[30] – article 1984 du code civil Française

[31] – محمد الزين:النظرية العامة للإلتزامات: العقد : مطبعة الوفاء: الطبعة الثانية: تونس 1997.

[32] – François collart et philippe Delebecque : op. cit: p 475.

[33] – Yves Guyon : administrateur provisoire -syndic : Unité ou dualité des fonctions D.S 1982.P78.

[34] – الفصل 4 من قانون 11-11-1997.

– الفصل 5 من ذات القانون.[35]

[36] – الفصل 6 من نفس القانون

[37] – محمود نجيب حسني: جرائم الإعتداء على الأموال قانون العقوبات اللبناني : دار النهضة العربية: القاهرة 1969: ص 377.

[38] – تعقيب جزائي عدد 598 بتاريخ 26-1-1977 : ن م ت : القسم الجزائي 1977: ص 29.

[39] – جندي عبد الملك: الموسوعة الجنائية: الجزء الثالث:دار العلم للجميع: بيروت لبنان: ص 328.

[40] – Michel Véron : Droit Pénal Special : Masson 1976 : P42.

[41] – فوزية عبد الستار: شرح قانون العقوبات: القسم الخاصّ: مطبعة جامعة القاهرة: 1983: ص 281.

[42] – قرارا تعقيبي عدد 1805 مؤرخ في 12-10-1977: ن م ت: القسم الجزائي 1977: ص 76.

[43] – تعقيب جزائي عدد 688 مؤرخ في 9-3-1977: ن م ت : القسم الجزائي 1977: ص117.

[44] – قرار تعقيب جزائي عدد 12083 مؤرخ في 8-2-2005: ن م ت : القسم الجزائي 2005.

[45] -قرار تعقيب جزائي عدد 10153 مؤرخ في 5-10-2005: ن م ت القسم الجزائي 2005.

[46] – jean Claude berville : Quelques Réflexions sur l’élément morale de l’infraction : Révue science criminelle 1973 :P865.

[47] -Merle et vitu: traité de droit criminel : 6éme édition 1988 : tome1.

[48] – محمود نجيب حسني: النظريّة العامة للقصد الجنائي: الطبعة الثانية : دار النهضة العربيّة القاهرة : 1988:ص 268.

[49] – حسني مصطفى: جريمة خيانة الأمانة : دار المطبوعات الجامعية : القاهرة 1982: ص78.

[50] – تعقيب جزائي عدد 3546 مؤرخ في 21-5-1990: ن م ث 1990: ق ج ص 105.

[51] – تعقيب جزائي مؤرخ في 19-1-1989 : ن م ث القسم الجزائي ،1990 ص 132.

1 – فتحي الميموني: دورة الإفلاس المعهد الأعلى للقضاء: 7 و 8 أفريل 1993 ص 98.

2 –عبد المجيد الفاهم : المرجع السابق ص 279.

[52] – عبد المجيد الفاهم: المرجع السابق: ص 278.

[53] – قانون عدد 44 لسنة 1995 مؤرخ في 2 ماي 1995: الرائد الرسمي للجمهورية التونسية 1995: ص749.

[54] – Loi du 25 Janvier 1985, J.O.R.F.

[55] – قانون عدد 29 لسنة 1995 مؤرخ في 13 مارس 1995: الرائد الرسمي للجمهورية التونسية 1995:ص495.

[56] – قانون عدد 60 لسنة 1994 مؤرخ في 23 ماي 1994: الرائد الرسمي للجمهورية التونسية 1994: ص896.

[57] – قانون عدد 80 لسنة 1994 مؤرخ في 4 جويلية 1994: الرائد الرسمي للجمهورية التونسية 1994:ص1168.

[58] – قانون عدد 61 لسنة 1993 مؤرخ في 23 جوان 1993: الرائد الرسمي للجمهورية التونسية 1993:ص899.

[59] – تعقيب جزائي عدد 2627 مؤرخ في 4 نوفمبر 1963 : ن م ت 1963 ص 154.

[60] – تعقيب جزائي عدد 35213 مؤرخ في 12-6-1990: ن م ت 1990 ص 75.

[61] – تعقيب جزائي عدد 2868 مؤرخ في 13-10-2005: ن م ت: ق ج: 2005

[62] – تعقيب جزائي عدد 3925 مؤرخ في 4-6-1965: ن م ت 1965 ص 565.

[63] – قرار تعقيبي جزائي عدد 2627 مؤرخ في 4 نوفمبر 1963: نشرية محكمة التعقيب ق ج 1963: ص 154.

[64] – عبد المجيد الفاهم المرجع السابق: ص 282.

[65] – يتصل الفصل 509 بما قام به أمين الفلسة من أعمال لإدارة أموال الفلسة في صورة انعقاد الصلح البسيط أما الفصل 544 قيتعلق بإعداد تقرير حول أعمال التصفية في صورة اتحاد الدائنين.

[66] – عبد المجيد الفاهم: المرجع السابق ص 284

[67] – عبد المجيد الفاهم: المرجع السابق : ص 284.

[68] – تعقيب جزائي عدد 78893 مؤرخ في 3-10-1996 ن م ت : ق ج سنة 1996 ص 143.

[69] -عبد المجيد الفاهم: المرجع السابق ص 286.

[70] – الطيب اللومي: التشريع الجديد في جرائم الاستيلاء على أموال عمومية: مجلة القضاء والتشريع أفريل 1986 ص 15.

[71] – قرار تعقيبي جزائي عدد 8959 مؤرخ في 18-7-1973: ن م ت 1973 ص: 198.

[72] – قرار تعقيبي جزائي عدد 17398 ، مؤرخ في 5-2-1986 : ن م ت : 1987 ص 111.

[73] – إسماعيل بن صالح العياري: عنصر الإختلاس في السرقة : م ق ت عدد 10 : 1986 : ص 7.

[74] -ا ساسي بن حليمة: خواطر حول أحكام الفصل 99 م ج م ق ت -2-1986- ص 32.

[75] – René Garraud : Traité théorique et pratique du droit pénal Français : T5 : p305.

[76] – درصاف العشّي: المسؤولية الجزائية : مذكّرة للإحراز على شهادة الدراسات المعمّقة : كلّية الحقوق والعلوم السياسية بتونس . 2000-2001.

[77] – تعقيب جزائي عدد : 19638 مؤرخ في 15-11-1986 : ن م ت عدد 1 سنة 1987 : ص 218

[78] – الأستاذ البشير الفرشيشي : دروس في مادة الجرائم الاقتصادية: شعبة علوم الإجرام : السنة الدراسية 2005-2006.

[79] – الأستاذ البشير الفرشيشي : نفس المرجع.

[1] – عبد الرزاق جاجان : قيام صفة التاجر في التشريع التونسي : رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص : 1993-1994، كلية الحقوق بتونس : ص1.

2 توفيق بن نصر : مفهوم التوقف عن الدفع في إنقاذ المؤسسات: ملتقى دراسي نظمه المعهد الأعلى للقضاء في 10 أكتوبر 2003: ص3.

3 – أحمد محمد محرز: القانون التجاري: عمليات – المصارف- الإفلاس: دار الكتب القانونية مصر، 2003، ص315.

4 – علي حسن يونس: الإفلاس والصلح الواقي منه: مطبعة جامعة عين شمس: القاهرة: 1991: ص 2.

1 – دكتور أحمد محمد محرز المرجع السابق : ص 316.

2 – المرجع السابق ص 317.

3 – المرجع السابق ص 317.

1 – دكتور أحمد محرز: المرجع السابق ص 317.

2 – علي حسن يونس: المرجع السابق ص 27.

[2] – دكتور أحمد محرز: المرجع السابق ص 318

[3] – أحمد محرز: المرجع السابق: ص319.

[4] – أحمد محرز: المرجع السابق: ص319.

[5] – الياس ناصيف: الإفلاس : الجزء الثالث: بيروت: لبنان 1982: ص 12.

[6] – من هذه النصوص: قانون 8-8-1935 ومرسوم 20-5-1955 وقانون 13-7-1967.

[7] – عبد المجيد الفاهم: الكامل في الإجراءات الجماعية: دار الميزان للنشر : طبعة أولى: أكتوبر1999: ص 1.

[8] – محمد الهادي لخوة: درس القانون التجاري: سنة رابعة شعبة قضائية، 1996-1997.

1 – وقع ضبط شروط الانتداب والاختصاص بمقتضى أمر 18-6-1956

2 – القانون عدد 71 لسنة 1997 المؤرخ في 11نوفمبر1997 المتعلق بالمصفين والمؤتمنين العدليين وأمناء الفلسة والمتصرفين القضائيين:الرائد الرسمي للجمهورية التونسية: 1997:ص2047.

1 – أنظر الفصول من 21 إلى 27 من مجلة الشركات التجارية .

1 – علي حسن يونس : المرجع السابق : ص 292.

[9] – جاء بالفصل 472 م ت : “إذا تعين أمناء عديدون لا يجوز لهم إجراء أي عمل إلا مجتمعين”.

[10] – يمكن تحديد مقدار التعويض استنادا إلى أحكام الفصل 278 م ا ع.

[11] – إدوارد عبيد : أحكام الإفلاس :مطبعة باخوس وشرتوني : بيروت لبنان 1972 : ص 493.

[12] – – يعقوب قوادر: أمين الفلسة: م ق ت: جوان 1994 : ص6 .

[13] – – جاء بالفصل 107 م إ ع : “الخسارة الناجمة عن جنحة أو ما ينزل منزلتها تشمل ما تلف حقيقة لطالبها وما صر فه أو لابد أن يصرفه لتدارك عواقب الفعل المضرّ به والأرباح المعتادة التي حرم منها بسبب ذلك الفعل وتقدير الخسارة من المجلس القضائي يختلف بإختلاف سبب الضرر من كونه تغريرا أو خطأ”.

[14] – شبيلة الزعباني : أمين الفلسة : مذكرة ختم الدروس بالمعهد الأعلى للقضاء: 2002: ص7.

1 – درس التأمينات العينية للأستاذ البشير الفرشيشي: سنة رابعة شعبة قضائية : السنة الدراسية 2004-2005 .