القصور في قانون 12-19 لحماية العمال المنزليين في المغرب

بقلم ذ نورالدين حمضي

الباحث في سلك الدكتوراه تخصص قانون الشغل
مقدمة
بعد أزيد من 13 سنة عن صدور مدونة الشغل , وبعد

مخاض عسير أوفى المشرع المغربي بذلك الوعد الذي كان قد قطعه على نفسه في المادة الرابعة من مدونة الشغل عندما استثنى صراحة فئة عمال وعاملات المنازل أو ماكان يطلق عليهم بخدم البيوت , من الاستفادة من مقتضيات مدونة الشغل حيث كان عليهم أن ينتظروا إلى غاية 16 من أغسطس 2016 وهو اليوم الذي تحقق فيه ذلك الوعد , وخرج إلى حيز الوجود قانونا خاصا بعاملات وعمال المنازل.

لقد عرف المجتمع المغربي قبل صدور قانون 12-19 المتعلق بعاملات وعمال المنازل نقاشا وجدلا كبيرين, بين مختلف شرائحه الحقوقية والقانونية بهدف إصدار قانون يحمي هذه الفئة من شتى ألوان الظلم والحيف والتهميش الذي عاشته وتعيشه في غيابات المنازل , بدءا بأجور زهيدة مقابل عدد ساعات عمل طويلة , في ظروف مزرية قاسية تختلف حدة قساوتها باختلاف طبيعة الأسر المشغلة. أمام هذا الوضع إذن , كان لابد لآلة المشرع أن تتحرك وتستجيب لنداء هذه الفئة بإصدار تشريع خاص بها, وبالتبع إنهاء الجدل الدائر حولها، ذلك ماحدث فعلا في أواخر 2016, غير أنه بإلقاء نظرة على هذا المولود التشريعي الجديد والذي طال انتظاره سرعان ما نصاب بنوع من الحسرة وخيبة الأمل, بفعل تلك الإعاقة التي ولدت معه مما يدفعنا وبإلحاح شديد إلى التساؤل عن مدى نجاعة المشرع المغربي, وإلى أي حد استطاع من خلال تشريعه لقانون 12-19 أن يوفر الحماية اللازمة لفئة عاملات وعمال المنازل ؟

هذا ماسنحاول معالجته عبر محورين, سنخصص الأول منهما للحديث عن مظاهر التهميش والإقصاء الذي طال حقوق عمال وعاملات المنازل في قانون 12-19 , على أن نعالج في المحور الثاني ضعف الفعالية الحمائية في مقتضيات قانون 12-19 .

المحور الأول : مظاهر التهميش والإقصاء الذي طال حقوق عمال وعاملات المنازل في قانون 12-19

قبل الحديث عن التهميش والإقصاء الذي طال حقوق عاملات وعمال المنازل من خلال قانون 12-19 لابد وأن نعترف أن لهذا القانون من الايجابيات التي تدفعنا للحديث عنها ولضرورة تخصيص حيز لها في بحثنا هذا , حتى لا تكون نظرتنا لهذا القانون نظرة تشاؤمية مطلقة , لأن غايتنا من هذه الدراسة تبيان حقيقة هذا القانون بشكل مجرد وموضوعي. ومن هذه الإيجابيات أو الحسنات كون هذا القانون وضع حدا لذلك الفراغ القانوني الذي كانت تعاني منه فئة عاملات وعمال المنازل, حيث أضحت هذه الأخيرة اليوم , تتوفر على نظام خاص بها عسى أن يغنيها عن الإزدواجية في القوانين واجتهادات القضاء التي غالبا ما كانت تذهب عكس مصالحها.

لقد جاء هذا القانون حاملا معه تسمية جديدة ,هي العاملة والعامل المنزلي بدل تسمية خدم البيوت التي كانت توحي إلى ثقافة الاستعباد وعقلية السخرة اللتان ظلتا حاضرتين في السلوكيات المرتبطة بالخدمة المنزلية ,والتي لطالما ووجهت بانتقادات كثيرة على المستويين الداخلي والدولي, على اعتبار أنها لم تكن تتماشى والتوجه العام للاتفاقيات الدولية سواء الاتفاقية 189 بشأن العمل اللائق للعمال المنزلين أو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948. أيضا جاء هذا القانون بإلزامية كتابة عقد العمل وفق نموذج يحدد بنص تنظيمي.

كما منع تشغيل عاملات وعمال المنازل الذين هم دون الثامنة عشرة سنة والذين تتراوح أعمارهم مابين 16-18 بالإشتغال كعاملات وعمال للمنازل لفترة انتقالية لاتتجاوز 5 سنوات من تاريخ صدور هذا القانون , كما خص هذه الفئة الأخيرة بشروط خاصة عند تشغيلهم ,كذلك جاء هذا القانون بتحديد ساعات العمل وجعلها 48 ساعة تقسم على أيام الأسبوع بحسب إتفاق طرفي العقد مع تخفيظ هذه المدة الى 40 ساعة فقط إذا تعلق الأمر بعاملات وعمال المنازل الذين أعمارهم دون الثامنة عشرة وفوق السادسة عشرة. كما عمل أيضا على تمتيع فئة العمال المنزلين براحة أسبوعية حددت في 24 ساعة متصلة وعطلة سنوية مدفوعة الأجر تقدر بيوم ونصف اليوم عن كل شهر من العمل , مع اشتراط أن تكون مدة الشغل التي قضتها العاملة أو العامل المنزلي لا تقل عن 6 أشهر متصلة.

وعملا منه على سد باب الوساطة الاستغلالية في هذا المجال , جاء قانون 12-19 فمنع على الأشخاص الذاتيين القيام بأعمال الوساطة ذات مقابل من أجل تشغيل عاملات وعمال المنازل. لكن السؤال الذي يعترضنا في هذا الصدد هو هل هذه الحسنات السالف ذكرها ستغني عن النظر في تلك الثغرات والهفوات الفظيعة التي يعاني منها هذا القانون؟ كلا كلا

فبالعودة إلى المادة 15 من قانون 12-19 نجد المشرع من خلالها قد خص الأم المرضعة باستراحة لإرضاع طفلها حددت مدتها في ساعة واحدة عن كل يوم طيلة 12 شهرا , إلا أنه في مقابل ذلك حرمها من حقها في إجازة للأمومة ولم يعترف لها بهذا الحق أبدا, الأمر الذي يثير الاستغراب والعجب . كيف لمشرع يقر ويبيح للأم المرضعة الحق في استراحة للرضاعة ,ولا يعترف لها بإجازة للأمومة؟ لماذا لم يعتمد نفس التوجه الذي سار عليه في مدونة الشغل حينما خص المرأة العاملة الحامل بإجازة أمومة حددت في 14 أسبوعا, سبعة منها قبل الوضع وسبعة بعده.

كذلك حينما نبحث في هذا القانون عن الساعات الإضافية التي قد تشتغلها العاملة أو العامل المنزلي فإننا لا نجد لها أثرا يذكر, ويزداد الوضع حرجا حينما يأتي هذا القانون فارغا أيضا من أي مقتضى يقضي باستفادة العاملة أو العامل المنزلي من التعويضات التي يوفرها الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي , في تناقض صارخ مع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب , وعلى الخصوص منها الاتفاقية 189 التي تقر بضرورة إعمال المساواة بين العمال المنزليين وباقي العمال.

وما يزيد العمال المنزلين حرمانا وإقصاءا هو إحجام المشرع عن منحهم حقا من الحقوق الأساسية ويتعلق الأمر بالانتماء النقابي لما لهذا الحق من أهمية قصوى باعتباره السبيل الوحيد الذي يحمي مختلف شرائح المأجورين من الاستغلال والقهر والظلم , ويمكنها من التمتع بحقوقها المشروعة ومن تحسين أوضاعها المادية والمهنية لتؤدي واجبها على أحسن وجه.

فكيف يسمح المشرع بعدم التنصيص على هذا الحق خصوصا كونه حق كوني مضمون بالدستور والقوانين الدولية ؟؟.

ونرى من جانبنا أنه بات من الضروري الاعتراف لعاملات وعمال المنازل بحقهم في الانتماء النقابي وجعلهم في نفس المستوى مع الأجراء الخاضعين لمدونة الشغل. وفي نفس السياق نتسائل عن مدى ناجعة الآليات الحمائية التي خص بها المشرع فئة عاملات وعمال المنازل من خلال قانون (12-19)…

هذا ما سنحاول الوقوف عنده في المحور أدناه.

المحور الثاني : ضعف الفعالية الحمائية لقانون 12-19

لعل من مميزات تشريعات الشغل عامة أن المشرع من خلالها يعمل على خلق نوع من التوازن بين طرفي عقد العمل غير انه وبالرجوع الى مقتضيات قانون 12-19 نجد هذا الاعتبار يكاد ينعدم متجاهلا بذلك مصالح العمال المنزلين في كثير من الأحيان, فبالعودة الى المادة (1) من هذا القانون نجد المشرع قد استثنى بصريح العبارة بعض الفئات من الاستفادة من مقتضيات هذا القانون باعتبارها تتوفر على نظام خاص ينظمها ,غير انه بالتمعن جيدا في فقرات هذه المادة وعلى الأخص مدلول “العمال الذين ينجزون أشغالا لفائدة المشغل بصفة مؤقة” فهذا الوصف يثير مخاوف كبيرة كونه قد ينطبق على العمال المنزلين المياومين , ونرى انه كان حري بالمشرع ان يرفع هذا اللبس ويضع حدا لأي تأويل واجتهاد.

كذلك وفي نفس السياق وباستقراء المادة (19) من نفس القانون السالف الذكر والمتعلقة بالأجر, هذا الأخير الذي جعله المشرع يقل عن الحد الأدنى للأجور المعمول به في قطاعي الصناعة والتجارة بنسبة 40 في المائة وحتى لو سلما أن المشرع قد أخد بعين الاعتبار مزايا الإطعام والسكن فانه في نظرنا يبقى توجها خاطئا وغير عادل.

فما قول المشرع لعاملات وعمال المنازل الذين يشتغلون في المنازل بصفة دائمة واعتيادية لكنهم لا يستفيدون من مزايا الإطعام والسكن ؟ وما نظرته في تلك الفئة من العاملات والعمال المنزلين الذين يعتبرون المعيل الوحيد لأسرهم؟ كيف لهذا الأجر الزهيد والهزيل أن يسد حاجاتهم وذويهم؟

كان حري بالمشرع أن يمكنهم من الاستفادة من الحد الأدنى للأجر المعول به في قطاعي الصناعة والتجارة كاملا دون نقصان, خصوصا مع ارتفاع تكلفة المعيشة وكثرة متطلبات الحياة.

وتستمر محدودية هذا القانون حينما جعل المشرع في المادة (21) منه حق العاملة أو العامل المنزلي في التعويض عن الفصل معلق على قضائهم مدة شغل لاتقل عن سنة كاملة وعملا بمبدأ المخالفة فإن العمال المنزلين الذين فصلوا من الشغل قبل مرور سنة عن اشتغالهم لا يكون من حقهم الاستفادة من التعويض عن الفصل. الأمر الذي قد يعطي الضوء الأخضر ويفتح باب التحايل والخداع أمام المشغلين الذين سيستندون على هذا المقتضى للتخلص من عمالهم قبل مضي سنة عن إشتغالهم واستبدالهم بآخرين. والأجدر أنه كان على المشرع أن يجعل حقهم في التعويض عن الفصل مستحق بقضائهم مدة 6 أشهر من الشغل فقط كما هو الحال بالنسبة للعمال الخاضعين لمدونة الشغل. والذين بالاضافة الى هذا الحق مكنهم المشرع أيضا من الاستفادة من باقي التعويضات الأخرى المرتبطة بالفصل , كالتعويض عن أجل الإخطار والتعويض عن الضرر وكذا التعويض عن فقدان الشغل, الأمر الذي أغفله المشرع في قانون 12-19 وهو في الواقع تناقض لانرى فيه إلا مزيدا من الإقصاء الذي لايزيد وضعية العمال المنزلين إلا ضعفا وصغارا أمام المركز القوي للمشغل ,هذا الأخير مكنه هذا القانون من التحكم بزمام الأمور حيث جعل العديد من حقوق العاملة أو العامل المنزلي لا يمكن بلوغها إلا بموافقته ورضاه ودليلنا في هذا المادة 11 من هذا القانون التي جعلت حق الاستفادة من برامج التربية والتكوين التي توفرها الدولة مقرونة باتفاق بين المشغل والعاملة أو العامل المنزلي أي أنه إذا لم يحصل إتفاق بين الطرفين أو منع المشغل عن ذلك فليس هنا مقتضى يلزمه أو يعاقبه , والحال أنه كان على المشرع أن يقرن هذا الحق بجزاء يطال المشغلين المخالفين له ويبعده بذلك عن أي مجال للتفاوض والمساومة بشأنه.

ومن جهة أخرى جاء هذا القانون فضيق من صلاحيات العون المكف بتفتيش الشغل ومنعه من ممارسة مهامه وفق مانصت عليه الاتفاقية الدولية 129 المصادق عليها من طرف المغرب , وتشمل كما عبرت عنها مدونة الشغل مايلي:

-السهر على تطبيق الأحكام التشرعية والتنظمية المتعلقة بالشغل

-إعطاء المشغلين والأجراء معلومات ونصائح تقنية حول أنجح الوسائل لمراعاة الأحكام القانونية.

-إحاطة السلطة الحكومية بكل نقص أو تجاوز في المقتضيات التشريعية والتنظيمية المعمول بها.

-إجراء محاولات التصالح في مجال نزاعات الشغل الفردية.

مما جعل من الدور الردعي لهذا العون ضعيفا عديم الفعالية مقتصرا على استقبال الشكايات في مكتبه وإجراء محاولات صلح بشأنها وفي حاله فشلها يحرر محضرا بذلك يسلمه للعاملة أو العامل المنزلي ليدلي به اذا قرر اللجوء إلى المحكمة.

لكن من منضو رنا نرى أنه كان على المشرع أن يمنح العون المكلف بتفتيش الشغل الحق في القيام بالزيارات الميدانية, إلى أماكن اشتغال العمال المنزليين من أجل الوقوف على مدى إلتزام الأطراف باحترام مقتضيات هذا القانون وكذا استفسارهم عن أوضاع عملهم ولو خارج أصوار المنازل, حتى يدرك المشغل أن هناك أجهزة مراقبة حقيقية تتابع أوضاع العاملة أو العامل المنزلي.

كذلك جاءت معظم الغرامات التي خصها المشرع في قانون 12-19 ذات قيمة هزيلة لامهابة فيها ولن ترقى إلى ردع المشغلين المخالفين لهذا القانون مما يذهب بهيبة النص القانوني ويفرغه من محتواه.

ويزداد العمال المنزليين حسرة بإستقراء المادة 27 من قانون 12-19 التي علقت العمل بهذا الأخير على إنصرام سنة كاملة ليس من تاريخ صدوره فحسب , بل ابتداء من التاريخ الذي تنشر فيه بالجريدة الرسمية النصوص اللازمة لتطبيقه مما يبعث على طول انتظار, فصبر جميل…

خاتمة

من خلال ماتقدم حول قانون 12-19 المتعلق بعاملات وعمال المنازل لايسعنا إلا أن نوجه نداء استغاثة إلى المشرع من أجل الإسراع بمعالجة هذه الثغرات والهفوات التي لانجد لها تفسيرا يريح تفكيرنا, والتي لاجرم أن بقائها سيذهب بقيمة هذا القانون ويجعله معطوبا معاقا لايقوى على بلوغ الهدف المتوخى منه.

المراجع:

– القانون رقم 65.99 المتعلق مدونة الشغل

– القانون رقم 19.12 بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين.

– رأي المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي حول 19.12.

بقلم ذ نورالدين حمضي
الباحث في سلك الدكتوراه تخصص قانون الشغل