_ أولاً : ماهية الغيبوبة الناشئة عن السكر الاضطراري :

يقرر المشرع اعتبار الغيبوبة الناشئة عن تناول مادة مسكرة أو مخدرة مانعاً من موانع المسؤولية الجنائية اذا تم ذلك اضطراراً أي بدون علم الجاني ، أو بعلمه ولكن دون ارادته . فالشخص الذي يرتكب جريمة تحت وطأة مثل هذه الغيبوبة تمتنع مساءلته جنائياً . وقد نص المشرع علي ذلك في المادة 62 من قانون العقوبات التي تقرر أنه ” لا يسأل جنائياً الشخص الذي يعاني من غيبوبة ناشئه عن عقاقير مخدرة أياً كان نوعها اذا أخذها قهراً عنه أو على غير علم منه بها ” . 

_ ثانياً : الشروط الواجب توافرها لاعتبار الغيبوبة مانعاً للمسؤولية الجنائية :

تتمثل هذه الشروط في ثلاثة :

1- أن تكون الغيبوبة اضطرارية .

2- أن يترتب عليها فقد الشخص الشعور أو الاختيار . فاذا كان المتهم ثملاً ولم يكن في حالة سكر شديد مما يفقده الشعور أو الاختيار فذلك لا يفيد امتناع مسؤوليته الجنائية ، ويلاحظ أنه ليس بلازم أن يجتمع لدى الشخص فقد الشعور والاختيار معاً ، بل يكفي أن يتجرد من أحدهما فقط وهو ما يستخلص صراحة من نص المادة 62 السابق الاشارة اليها .

3- أن يتعاصر فقد الشعور أو الاختيار مع ارتكاب الجريمة .

_ ثالثاً : المقصود بالغيبوبة الاضطرارية أو ” السكر غير الاختياري ” : 

يقصد بذلك أن يكون الشخص قد تناول العقاقير المخدرة دون علمه أو بعلمه ولكن دون ارادته ، ويستخلص من ذلك أنه لابد من تناول مادة كحولية أو مخدرة . ولئن كان المشرع قد نص صراحة على ” العقاقير المخدرة ” فانه من المتفق عليه فقهياً وقضاءاً أن ذلك يشمل كل مادة مخدرة أو كحولية متى كان يترتب على تناولها فقد الشعور أو الاختيار . والمادة المخدرة لا تقتصر فقط على ما هو وارد في الجداول الملحقة بقانون المخدرات ، بل يشمل ذلك كل مادة مخدرة أياً كان نوعها ، ولو لم تكن مذكورة في قانون المخدرات ، وأياً كانت طريقة تناولها سواء بالبلع أو الشم أو الحقن متى كان يترتب عليها فقد التمييز أو الاختيار أو الاضعاف منهما الى حد كبير . كما يشمل ذلك أيضاً سائر المواد الكحولية التي يكون لها نفس الأثر . لكن أهم ما يشترط في الغيبوبة أن يكون تناول المواد الكحولية أو المخدرة اضطرارياً وهو ما يتحقق في حالتين : 

_ أولهما : أن يكون هذا دون علم الجاني سواء وقع في غلط من تلقاء نفسه فتناول هذه المواد جاهلاً طبيعتها ، أو كان آخر قد دسها له في طعام أو شراب .

_ ثانيهما : أن يكون بعلم الجاني ولكن دون ارادته سواء أخذها لضرورة علاجية أو أجبر على تناولها تحت تأثير اكراه مادي أو معنوي .

_ رابعاً : حكم الغيبوبة الاختيارية : 

يقصد بالغيبوبة الاختيارية أن يتناول الشخص باختياره مادة كحولية أو مخدرة يترتب عليها فقد الشعور أو الاختيار . فهل يسأل الشخص جنائياً فيما لو ارتكب جريمة تحت تأثير هذه الغيبوبة التي اختارها بنفسه ؟ يفرق في هذا الشأن بين فرضين لا يثير أولهما أدنى مشكلة في القول بمسؤولية الشخص ، وهذان الفرضان هما :

1- أن يتناول الشخص المادة الكحولية أو المخدرة كوسيلة لارتكاب الجريمة أو بقصد التشجيع على ارتكابها .

2- أن يتناول الشخص هذه المادة لذاتها بما يترتب عليه ذلك من ارتكاب الجريمة تحت تأثير فقده الشعور أو الاختيار .

وفي الفرض الأول تقوم المسؤولية الجنائية للشخص متى ثبت أنه استعان بالمادة الكحولية أو المخدرة كى يستمد الجرأة على اقتراف الجريمة . وهذا هو الحل الذي يجمع عليه الفقه والقضاء .

أما في الفرض الثاني فالفقه مختلف حول ما اذا كان الجاني السكران اختياراً تمتنع مسؤوليته أم لا .

وعلى أي حال فان السكران اختياراً يسأل مسؤولية مدنية عن تعويض الضرر الناشئ عن خطأه . وقد كان المشروع التمهيدي للقانون المدني يتضمن نصاً في هذا المعنى ولكن صرف النظر عنه لأن حكمه مستفاد من القواعد العامة . أما في حالة السكر الاضطراري فانه يندرج ضمن عموم الفقرة الثانية من المادة 164 من القانون المدني التي تجيز للقاضي أن يلزم غير المميز بتعويض عادل اذا لم يكن هناك من هو مسؤول عنه أو تعذر الحصول على تعويض من المسؤول .

_ خامساً : موقف القضاء من الغيبوبة الاختيارية : 

يؤكد القضاء على اعتبار السكران اختياراً مسؤولاً مسؤولية جنائية عن كل جرائمه ، وليس لسكره في هذه الحالة تأثير على مسؤوليته الجنائية . ولكن اذا كانت الجريمة التي ارتكبها السكران اختياراً من جرائم القصد الخاص فانه لا يسأل عنها بل يسأل عن جريمة آخرى قوامها القصد العام ان كان لمثل هذه الجريمة وجود فتنتفي مسؤوليته الجنائية على الاطلاق باعتبار أن القصد الخاص لا يكتفي في ثبوته باعتبارات وافتراضات قانونية . وبالتالي فاذا اتهم مثل هذا السكران اختياراً بجريمة قتل عمد وهي من جرائم القصد الخاص التي تتطلب نية ازهاق روح انسان حي فانه لا يسأل الا عن جريمة ضرب أو جرح أفضى الى موت وهى جريمة يكفي لقيامها توافر القصد العام . أما اذا لم يكن يعاقب على الجريمة الا مقترنة بالقصد الخاص فلا مناص من تقرير عدم مساءلته الجنائية كما لو اتهم السكران اختياراً بتزوير أو سرقة .