الشعوذة كدليل إدانة في الجرائم و السرقات

المحامي : الدكتور مسلم اليوسف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على إمام المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم و بعد :

كلما عشنا رأينا العجب العجاب ، فقد حصلت سرقة في أحد الأماكن وكان لي صلة قرابة مع البيت المسروق ، فاتصل أحدهم معي وقص لي ما حصل و أنهم قد أخبروا الأمن فحضر و أخذ البصمات و مخلفات السرقة …. إلخ .

ثم قال لي أن أحد أفراد العائلة ذهب إلى الشيخ فلان ( طبعا المشعوذ ) فقال له : أن السارق فلان و فلان و أن السرقة قد حصلت في الساعة كذا و كذا و أن المسروقات في المكان الفلاني …. إلخ .

و المشكلة أن الساحر قد نطق بالأسماء و الأوصاف و الأمكنة المحددة مما جعل أصحاب المشكلة يعتقدون جازمين بصحة المعلومات التي أدلى بها هذا الدجال .

فنصحت القوم بأن هذا الاتهام باطل لا يجوز و أن كل ما يقوله هذا المشعوذ باطل و كذب ذلك أن الشيطان عدو لنا و هو يريد الفتن و غرس العداوات بين الأهل و الأقارب .

و رغم كل ما قلتو فعلت ، فقد أخبروا أصحاب الشأن رجال الأمن : أن السارق فلان و قد شاهدناه في يوم كذا و ساعة كذا و هو يخفي المسوقات في المكان كذا بناءا على المعلومات الشيطانية .

و فعلا الشرطة العزيزة لم تكذب خبر ألقت القبض على السارق المزعوم و أنزالت عليه سوء العذاب و لمدة ساعتين متواصلتين ثم ذهبت الشرطة إلى بيت المتهم فلم تجد فيه شئيا و المتهم لم يعترف ، لأنه لم يسرق بل كان الأمر كله كذب بكذب بسبب جري ضعفاء الدين و العقل وراء الشيطان و جنوده .

قال تعالى : ( وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً) (الإسراء:53) .

و قال جل جلاله : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (فاطر:6) .

فالشيطان عدو مبين و هو يريد أن يوقع العداوة و البغضاء بين العباد و مع هذا نجعل هذا الشيطان وليا لنا فمن يذهب إلى الساحر ( الشيخ ) لفتح مندل أو ما شابه إنما يذهب إلى ولي الشيطان حتى يخرجه عن دينه و يقذفه في الفتن بين الأهل و الأقارب و المعارف و الجيران .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أتى عرافا أو كاهنا ، فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ) .

رواه الترمذي و ابن ماجه و الدارمي و هو حديث صحيح .

و في رواية أخرى : من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ) .

و عن عمران بن حصين رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له . ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد .) . رواه البزار بإسناد جيد .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : من أتى عرافا أو ساحرا أو كاهنا فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم .

وهؤلاء الذين يذهبون إلى هذا الساحر ويقولون له قد سرق لنا شيء أو أشياء فيقول لهم : أن الذي سرقكم اسمه فلان أو أن علاماته كذا و وكذا فصدقوه – و هو ما يحصل بالفعل – فقد كفروا بما أنزل على محمد صلى الله عليه و سلم أي أنهم قد نكروا و جحدوا بالقرآن الكريم و بالتالي فقد خرجوا عن الملة إن لم يتوبوا من هذا الفعل الكبير.

و الطامة الكبرى أن هؤلاء السحرة – بحسب قول أحدهم – يملكون شهادات شكر تقدير من بعض الأجهزة الأمنية و الساحر يتباهى بهذه الشاهدة .

و الطامة الثانية أن المتهم المسكين يقدم إلى القضاء بناء على هذا الدليل المزعوم المخالف للشرع و القانون والعقل القويم ( طبعا إن اعترف نتيجة للضغط الشديد عليه من رجال الأمن ) .

وعليه فإننا نهيب برجال القانون ( قضاة – محامون – رجال أمن ) أن ينتبهوا إلى هذا الأمر ، فلا يقع البريء بحيل و أساليب الشيطان و رجاله .

بل على رجال الأمن مكافحة السحرة و الدجالين بكافة الطرق و الأساليب .

كما نهيب بالقضاة الانتباه إلى تلفيق التهم بهذه الطريقة الشيطانية فقد أصبح أمر شائع جدا في تهم السرقات .

كما نتمنى على المحامين عدم قبول أمثال هذه الدعاوى مهما كان الإغراء لأن من يعين على ظلم فهو ظالم ومن يعين على كفر فهو كافر .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أعان على خصومة بظلم أو يعين على ظلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع ) . رواه ابن ماجه و هو حديث صحيح .

و أختم قولي بكلمات الله تعالى جل و علا :
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة:168)