الخطأ الطبى في العمليات الجراحية

البحث لأستاذ لدكتورعادل المقدادي
محاضر بجامعة كاليفورنا سابقا
أستاذ مشارك بكلية الحقوق مسقط

المقدمة

تعتبر مهنة الطب من أهمالمهن الإنسانية ، والتي يتوجب على من يمارسها احترام جسم الإنسان في جميع الظروفوالأحوال ، حيث يتحتم على الطبيب أن يحافظ على أرواح الناس وسلامتهم ، عندما يقومبواجباته ، لأن مهنة الطب تفرض عليه واجب أخلاقي وقانوني وذلك ببذل أقصى الجهودعندما يقوم بمعالجة مرضاه .
ولإعطاء الطبيب المجال الكافي لمعالجة مرضاه في جومن الثقة والاطمئنان ودون خشية أو تردد ، فقد كان قديماً لا يسأل الأطباء عنأخطائهم التي ترتكب أثناء ممارسة مهنتهم( ) ، ولكن بمرور الزمن وتزايد عدد الأطباءوتنوع أعمالهم ، وما صاحب ذلك من زيادة في استعمال الآلات والأجهزة الطبية ، الأمرالذي أدى إلى كثرة المخاطر الناجمة عن الأعمال الطبية ، هذا إضافة إلى تزايد الوعيالعام لدى المرضى ، فلم يعد لديهم إلقاء ما يصابون به من أضرار ناجمة عن عمل الطبيب، إلى القضاء والقدر ، وإنما في بعض الأحيان إلى أخطاء الأطباء( ) ، وبسبب هذاالتطور والوعي ، فقد أصبح من الممكن مساءلة الأطباء عن الأخطاء الناجمة عن ممارستهمالأعمال الطبية حيث صدرت التشريعات القانونية التي تنظم عمل الأطباء ومحاسبتهم فيحالة صدور أخطاء طبية من جانبهم ( ) .

وكانت مسؤولية الطبيب تترتب إذا أرتكبأخطاء عمديه ، ثم مالبثت أن تطورت فأصبح الأطباء لا يسألون فقط عن الأخطاء العمديةوإنما أيضا عن الإهمال والخطأ الجسيم ، وقد كان ذلك نتيجة للتطور العلمي في طرقالعلاج الطبي .
ولعل أهم ما يبرر مساءلة الطبيب هو الخطأ الطبي الذي يصدر منهأثناء ممارسة مهنة ، وهذا الخطأ يختلف عن الخطأ الذي يرتكبه الإنسان العادي أثناءممارسة عمله ، وذلك بالنظر للطبيعة الفنية والعلمية التي تتصف بها الأعمال الطبية .
ولما كانت مهنة الطب تنطوي على وجود تخصصات مختلفة حصلت نتيجة حاجات الناسوالتقدم العلمي الذي حصل في مجال الأعمال الطبية ، ومن هذه التخصصات : الطب الباطنيوطب الأطفال والأمراض النسائية وأمراض القلب والجراحة وغيرها من التخصصات الأخرى ،لهذا فإن الأخطاء الطبية تختلف وتتنوع تبعاً لتلك التخصصات الطبية .
وقدتناولنا في هذه الدراسة نوعاً من هذه الأخطاء الطبية وهو الخطأ الطبي في العملياتالجراحية ، بالنظر لأهمية وخطورة هذا النوع من الأخطاء الطبية ، وكونها تنشأ أثناءقيام الطبيب الجراح بالتداخل الجراحي ، الذي ينصب على جسم الإنسان أو عضو من أعضائه، وقد يؤدي الخطأ في العمليات الجراحية إلى فقدان الإنسان لحياته أو فقدان عضو منأعضائه أو حصول تشوه أو عاهة أو, شلل في أحد أعضاء جسم الإنسان .
وسوف نتناولفي هذا الموضوع دراسة مفهوم الخطأ الطبي بشكل عام ثم نحدد بعد ذلك الخطأ الطبي فيالعمليات الجراحية ، ثم نستعرض صوراً للأخطاء الطبية في مجال العمليات الجراحية ،وسوف نعتمد في ذلك على أهم الصور الشائعة التي ترافق العمليات الجراحية والتيأبرزها القضاء ، ثم نوضح بعد ذلك كيفية إثبات الخطأ الطبي في العمليات الجراحية عندمساءلة الطبيب الجراح عن أخطائه الطبية .
وعليه سوف نقسم هذه الدراسة إلى ثلاثةمباحث فنتناول في المبحث الأول ، مفهوم الخطأ الطبي الجراحي ، ثم نوضح في المبحثالثاني صور الأخطاء الطبية في العمليات الجراحية ، وأخيراً نتناول في المبحث الثالثكيفية إثبات الخطأ الطبي في العمليات الجراحية .

المبحث الأول: مفهوم الخطأ الطبي الجراحي

دراسة الخطأ الطبي الجراحي تقتضينا تحديد مفهوم الخطأ الطبيبوجه عام ثم نتناول بعد ذلك تحديد مفهوم الخطأ الطبي في العمليات الجراحية ، وسوفيكون ذلك في مطلبين على التوالي .

المطلب الأول: مفهوم الخطأ الطبي بوجه عام

يعرف الخطأ بصورة عامة ، بأنه انحراف عن السلوك المألوف للشخص العادي( ) ،فإذا خرج الشخص بسلوكه عن سلوك الإنسان العادي فإنه يكون مخطئاً وتترتب مسؤوليته ،وطبيعي فإنه لا يمكن مساءلة الشخص عن خطأ ارتكبه تجاه الغير ، مالم تتوافر أركانالمسؤولية وهي الخطأ والضرر وعلاقة السببية .
أما بالنسبة للطبيب ، فلما كانالالتزام الذي يقع على عاتقه تجاه مرضاه هو التزام ببذل عناية ، والذي يفرض عليهبذل العناية اللازمة التي تقتضيها الأصول العلمية والفنية في مجال الطب ، لأجل شفاءالمريض وتحسن حالته الصحية ، عليه فإن إخلال الطبيب بهذا الالتزام يشكل خطأ طبياًيرتب مسؤولية الطبية ، فالخطأ الطبي بوجه عام يكون عند وجود تقصير في مسلك الطبيب .
وقد استقر الفقه والقضاء وكذلك القوانين ، على أن التزام الطبيب تجاه المريضهو التزام ببذل عناية ( ) ، وأن كانت هناك بعض الحالات يكون فيها التزام الطبيبالتزاماً بتحقيق نتيجة ( ) ، ويفترض في العناية المطلوبة من الطبيب ، هي العنايةالتي تقتضيها الأصول العلمية في الطب ، والتي يتوجب أن يقدمها طبيب في مستواهالمهني ، فيما لوجود في نفس الظروف ، وعليه فإذا خرج الطبيب عن ذلك يشكل خطأ يستوجبمساءلته عن أي ضرر يصيب المريض . وعليه فإن معيار الخطأ الطبي ، هو معيار عام أساسهسلوك الطبيب العادي ، ولأجل معرفة خطأ الطبيب في علاج مريضه ، يتوجب قياس سلوكهوذلك بمقارنته بسلوك طبيب أخر من نفس مستواه ، فإذا كان الطبيب عاماً وأردنا تقديرسلوكه وفيما إذا كانقد أخطأ أم لا ، علينا قياس سلوكه بطبيب عام من نفس مستواه ،أما إذا كان الفعل صادراً من طبيب متخصص وأردنا قياس سلوكه ، ففي هذه الحالة يتوجبمقارنته بسلوك طبيب متخصص وبمستواه( ) .
وفي جميع الأحوال عند تقدير الخطأ الطبيللطبيب يتوجب الأخذ بنظر الاعتبار الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب عند ارتكابهالفعل وفيما إذا كانت الإمكانيات المادية كالأدوات والآلات متوافرة للعلاج أم لا .
وعليه يمكن الوصول إلى النتيجة التالية عند تقدير خطأ الطبيب ، وبالتالي تحديدمسؤولية ، وهي وجوب الأخذ بنظر الاعتبار ثلاثة عناصر هي ، قياس سلوكه عن طريقمقارنته بسلوك طبيب آخر من نفس تخصصه ومستواه المهني ، ومعرفة الظروف التي أحاطتبعمل الطبيب وتأثيرها عليه ومدى توافر الإمكانيات المادية المستخدمة في العملالطبي( ) .
فالطبيب يكون مسئولاً عن جميع أخطائه مهما كان نوعها وسواء كانتيسيرة أم جسيمه ، عادية أو فنية ، فهو مسؤول عن كل تقصير في مسلكه الطبي ، إذا لميكن تصور وقوعه من طبيب يكون في مستواه الطبي ، إذا وجد في نفس ظروفه التي أحاطت بهأثناء ممارسته عمله الطبي .
ومن أمثلة الأخطاء الطبية الشائعة رفض علاج المريضأو التأخر في ذلك ، إذا كان المريض في حالة خطرة تستدعي من الطبيب مساعدته والتدخلالسريع لعلاجه( ).
وكذلك يعتبر من الأخطاء الطبية ، الخطأ في تشخيص المرض ، إذاكان مبنياً على جهل في الأصول العلمية بمهنة الطب والتي يتوجب عليه معرفتها( ) ،كما لو أخطأ الطبيب في تشخيص نوع المرض الذي يعاني منه المريض ، وكان ذلك يعود إلىعدم استعماله الوسائل العلمية في التشخيص كالسماعة والأشعة والتحاليل المختبرية إذاكان في مستشفى ، حيث يتوجب عليه استعمال هذه الوسائل في معرفة حالة المريض( ) .
كذلك يعتبر من الأخطاء الطبية ، خطأ الطبيب في وصف العلاج اللازم للمريض ، حيثيكون الطبيب مخطئا ، إذا وصف للمريض دواء لا يناسب حالته الصحية ، إذ يقع عليه أنيأخذ بنظر الاعتبار نوع المرض وحالة المريض وعمره ومدى تحمله للمواد التي تحويهاالأدوية( ) كذلك يعتبر خطأ من جانب الطبيب إذا وصف للمريض دواء غير مناسب لحالتهالمرضية أو أنه يؤدي إلى مضاعفات كبيرة ومضرة بصحته ، كذلك يعتبر خطأ طبي حقنالمريض بمادة غير المادة المتعارف عليها بالنسبة لحالة المريض ، كما يعبر خطأ منجانب الطبيب إذا استخدم علاجاً قديماً مهجوراً أو لجأ إلى أسلوب علاجي غير معروف أوغير مأمون العواقب( ).
ويعتبر أيضاً من الأخطاء الطبية التي يسأل عنها الطبيبخروجه عن الغاية أو الهدف من عمله الطبي تجاه المريض ، فإذا تخلف هذا الهدف عن عملهيكون مسؤولاً عن ذلك ، كما لو أجرى تجارب على المريض لا بقصد علاجه وإنما لاكتشافعلاج جديد، فالتجربة في هذه الحالة لا تستهدف علاج المريض الذي تمت ممارسة التجربةعليه ، ويلاحظ في هذه الحالة بأن الطبيب إذا خرج عن الغاية المفروضة عليه وهي شفاءالمريض ، فإن مسؤوليته قد تترتب إذا كان القصد منها للبحوث العلمية البحتة وأصابالمريض منها ضرراً ( ).
ولابد من الإشارة هنا ، إلى أن المادة (26) من النظامالأساسي للدولة في سلطنة عمان رقم (101) لسنة 1996 تلزم الطبيب عند إجراء تجربةطبية أو علمية على المريض أخذ رضائه على ذلك .
كما نشير بهذا الصدد ، إلى أنالفقرة ( ج ) من المادة (19) من القانون العماني لمزاولة مهنة الطب البشري وطبالأسنان ، حملت الطبيب المسؤولية عن الأضرار التي تصيب المريض ، إذا أجرى عليهتجارب أو أبحاثاً علمية غير معتمدة من قبل وزارة الصحة ، وحتى ولو كانت هذه التجاربمعتمدة من وزارة الصحة ، فنحن نرى عدم إجرائها للمريض إذا لم تتضمن فائدة مباشرة له، فإذا لم يراع الطبيب ذلك وأجرى مثل هذه التجارب ، فإنه يكون قد أزال عن عملهالطبي الحماية القانونية .

المطلب الثاني: الخطأ الطبي في العملياتالجراحية

يلتزم الطبيب الجراح تجاه المريض ببذل العناية اللازمة عند إجراءالعملية الجراحية له ، إلا أن التزامه يكون هنا أكثر أهمية ، لأن عمل الجراح يتطلبدرجة عالية من الحرص ، إذا أنه ينصب على جسم الإنسان ، حيث ينطوي على قدر منالخطورة والمجازفة ، ولهذا فإن مسؤولية الطبيب الجراح تنشأ إذا لم يتخذ الاحتياطاتاللازمة قبل وأثناء إجراء العملية الجراحية للمريض .
وبناء على ذلك يقع عليه قبلإجراء العملية الجراحية ، القيام بفحص المريض فحصاً شاملاً ، وهذا الفحص يجب أن لايقتصر على المكان أو العضو الذي سيخضع للعملية الجراحية ، وإنما يمتد هذا الفحصليشمل حالة المريض العامة للتأكد من أن حالته تسمح بإجراء العملية الجراحيةوالنتائج التي يترتب عليها( ) ، وعليه أن يتأكد من توافر الإمكانيات اللازمة للقيامبالعملية الجراحية ، من حيث توافر المواد والآلات والأشخاص المساعدين له كالطبيبالمخدر والممرضين .

وعليه يعتبر الطبيب الجراح قد أرتكب خطأ، إذا أجرى العمليةالجراحية للمريض ، دون القيام بفحص حالته الصحية وما يمكن أن يترتب عليها من نتائجبعد إجراء العملية( ) ، إذ قد تسوء حالة المريض أثناء أو بعد إجراء العملية ، عندماتكون حالته العامة لا تسمح بإجراء العملية ، فيكون الطبيب الجراح في هذه الحالةمسؤولاً عن ذلك .كذلك يسأل الطبيب الجراح بسبب الخطأ الناتج عن عدم فحص العضو الذيسوف تجرى له العملية، للتأكد من حاجة هذا العضو للعملية الجراحية ، كفحص المثانة أوالكلى لاستخراج حصاة فيها ، إذ أن الأمر يتطلب قبل إجراء العملية فحص هذه الأعضاءللتأكد من حاجة المريض لإجراء هذه العمليات ، وعلى الطبيب الجراح القيام بعملياتالفحص والتحاليل المختبرية والتصوير بالأشعة ، لمعرفة حالة العضو قبل إجراء العملية، فقد يكون العضو سليماً ولا يحتاج المريض لأجراء العملية ، أو قد يقوم الجراحباستئصال عضو سليم بدل العضو التالف( ).كذلك يعتبر الطبيب الجراح قد ارتكب خطأ ،إذا أجرى العملية الجراحية دون أن يحتاط لذلك ، بإحضار طبيب مختص بالتخدير ، خصوصاًبالنسبة للعمليات الكبرى التي تحتاج إلى وقت من الجراح لإجرائها ، حيث لا يمكنعملها دون الاعتماد على تخدير المريض من قبل طبيب مخدر .
ويتوجب من الطبيبالجراح قبل إجراء العملية الجراحية للمريض ، التأكد من أنه قد أمتنع عن الأكلوالشرب قبل إجراء العملية ، والقاعدة العامة أن الطبيب الجراح كغيره من الأطباءالآخرين لا يضمن نتيجة عمله الطبي والشفاء التام من ذلك ، طالما التزم ببذل العنايةالكافية التي تتطلبها الأصول العلمية والفنية لإجراء العملية لمرضاه ، إلا أنمسؤوليته تنشأ إذا تأكد بأنه لم يقم بواجبه في إجراء العملية الجراحية للمريضبالمستوى والمهارة التي تتناسب وتخصصه وما يمكن أن ينتظره المريض منه . فالخطأالطبي في العمليات الجراحية ، هو مخالفة الطبيب الجراح ، أثناء إجراء العمليةالجراحية ، للأصول العلمية المتبعة في مجال مهنته ، ولمعرفة خطأه يقاس سلوكه بسلوكطبيب جراح من نفس تخصصه ومستواه المهني ، وما يتمتع به من مؤهلات علمية ، مع الأخذبنظر الاعتبار الظروف الخارجية والإمكانيات المادية التي توفرت عند إجراء العمليةالجراحية ، وفي ضوء ذلك يسأل الطبيب الجراح ، عن كل تقصير في مسلكه الذي لا يمكنتوقعه من طبيب جراح أخر في نفس مستواه وتخصصه ، فيما لو وجد في نفس الظروف التيأحاطت به عند إجراء العملية الجراحية .

المبحث الثاني: صور الأخطاء الطبية فيالعمليات الجراحية

للأخطاء الطبية الجراحية صور تختلف عن الأخطاء الطبية فيالتخصصات الأخرى ، وهذه الأخطاء الجراحية بعضها يكون شائعاً كثير التكرار ، والبعضالأخر يكون فيها خطأ الطبيب الجراح واضحاً ، ونورد فيما يلي صوراً لبعض هذهالأخطاء.
من المعلوم أنه يقع على الطبيب الجراح قبل إجراء العملية الجراحيةللمريض أخذ موافقته على ذلك ، ويجب أن تصدر هذه الموافقة بعد معرفته بحقيقة العمليةوالنتائج المحتملة عنها( ) ، إذ لا يجوز إجراء العملية دون رضا المريض ، وتزدادأهمية ذلك في الأحوال التي قد يتعرض فيها المريض للخطورة عند إجراء العملية ، إلاأنه في حالة الضرورة التي لا تسمح فيها ظروف المريض بالتعبير عن إرادته ، فيمكن فيهذه الحالة أخذ موافقة ممثله القانوني أو أقرب أقربائه ، وبخلاف ذلك يعتبر الطبيبمخطئاً ويكون مسؤولاً ، إذا أجرى العملية دون رضا المريض أو من يمثله قانوناً( ) فيكون مسؤولاً عن النتائج الضارة للعملية الجراحية ولو بذل العناية المطلوبة فيها( ).أما في حالة الضرورة أو الاستعجال ، فيرى الفقه في هذه الحالة إعفاء الطبيب منالحصول على رضا المريض ، ولا يعتبر تصرفه خطأ يوجب مسؤوليته(4) ، ولكن يشترط في مثلهذه الأمور ، أن تكون حالة المريض لا تحتمل التأخير وإن يكون فاقد الوعي وغير قادرعلى التعبير عن إرادته(5)، وتطبيقاً لذلك قضي بعدم مسؤولية الطبيب الجراح الذي قامباستئصال ثدي امرأة بأكمله أثناء إجراء عملية لإزالة كيس دهني من نفس ثدي المريضة ،حيث وجد من الضروري إزالة الثدي لاكتشاف إصابته بالسرطان(6) .

ويلزم من الطبيبالجراح استخدام الطرق الحديثة في الفحص لمعرفة حالة المريض قبل إجراء العمليةالجراحية ، وعلية في هذه الحالة استخدام السماعة وأجهزة رسم القلب والتحاليل الطبيةوالتصوير بالأشعة في تشخيص المرض كلما كان ذلك ممكناً ، فيكون مسؤولاً إذا أخطأ فيتشخيص حالة ، المريض وكان ذلك يعود إلى عدم استخدام الطرق الحديثة في التشخيص ،والتي تقتضيها حالة المريض ،
وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض المصرية بمسؤوليةالطبيب الجراح الذي أهمل في عملية تشخيص المرض والذي لا يمكن وقوعه من جراح يقظ فيمستواه المهني فيما لو وجد في نفس الظروف الخارجية التي كانت تحيط بالجراحالمسؤول(1).
وعلىالطبيب الجراح إجراء العملية الجراحية للمريض في المستشفى(2)،وذلك لتوفر جميع الوسائل اللازمة لإجراء العمليات الجراحية من أدوات وأجهزة وموادطبية وأوكسجين وغيرها ، وبناء على ذلك فقد قضت إحدى المحاكم في أبو ظبي بمسؤوليةالطبيب عن وفاة امرأة كانت حاملاً ، حيث أجرى عملية الولادة لها في منزلها دوننقلها إلى المستشفى ، إذا استعصى عليه إخراج الجنين من بطن أمه ، وأدى إلى تدهورحالتها الصحية وعلى أثر ذلك تم نقلها إلى المستشفى حيث توفيت في غرفة الإنعاش معالجنين ، وقد قضت المحكمة بمسؤولية الطبيب عن ذلك ، لأنه ارتكب عدة أخطاء منهامعرفته بعسر الولادة الذي يقتضي إجراء عملية قيصرية في المستشفى ، كذلك إهماله فيعدم استخدام الأدوات اللازمة لمثل هذه الحالة كتزويدها بالسوائل والأكسجين لحاجتهالمثل هذه المواد ، كما أن عمله ينم عن جهل وإهمال ، حيث كان الواجب عليه أن يقومبنقل المرأة الحامل إلى المستشفى قبل أن تسوء حالتها الصحية(3).

كما يقع علىالطبيب الجراح اتخاذ الاحتياطات اللازمة عند استعمال الأدوات اللازمة في العملياتالجراحية ، حيث يكون مسؤولاً إذا أهمل في ذلك ، وعليه فقد قضت إحدى المحاكمالفرنسية ، بمسؤولية الطبيب الجراح عن موت المريض الناتج عن انفجار آلة كهربائيةكانت مستعملة من قبل الجراح أثناء العملية الجراحية ، لأنه أهمل في استخدامهابالقرب من جهاز أخر الأمر ، الذي أدى إلى انفجار تلك الآلة الكهربائية(4) ، كما تمتمسائلة الطبيب الجراح عن الحروق التي أصيب بها المريض ، نتيجة استعماله آلةكهربائية ، وقد كان ذلك ناجماً عن عدم الحيطة والتبصر التي يفترض بالطبيب الجراحمراعاتها عند إجراء العملية الجراحية(5) ويطلب من الطبيب الجراح التأني والاحترازعند إجراء العملية الجراحية للمريض ، وعليه فيعتبر مسؤولاً عن عدم احترازه عندإجراء العملية الجراحية أو عند استعمال الأشياء أثناء الجراحة . ولهذا فقد قضت إحدىالمحاكم الفرنسية بإدانة الطبيب الجراح بسبب ما بدر منه من رعونة تمثلت في إجراءالعملية بسرعة ودون احتراز من جانبه بخلاف ما تقتضي به الأصول المتبعة في العملياتالجراحية(6) ، كما قضت أيضاً أحدى المحاكم الفرنسية بمساءلة الطبيب الجراح عند خطأهالذي أدى إلى سقوط مريضة من منضدة الجراحة والذي نتج عنه إصابتها بتشوه في ذراعها ،حيث يعتبر ذلك خطأ من جانب الطبيب الجراح الذي قام بإجراء العملية الجراحية دونالتأكد من سلامة المنضدة وآلات تثبيت المريضة عليها ، إذ كان عليه التأكد من حسناستقرار المريضة عليها(7).

وعلى الطبيب الجراح استخدام الطرق الحديثة عند إجراءالعمليات الجراحية ، والابتعاد عن الطرق البدائية في ذلك ، وتطبيقاً لذلك فقد قضتإحدى المحاكم في كندا بمسؤولية الطبيب الجراح عن الأضرار التي أصابت المريض بسببتجبير كسر في فخذ طفل ، حيث اتبع في ذلك طريقة بدائية نتج عنها تلف سريع للعضو الذيتم تجبيره وقد أدى ذلك إلى بتره ، وقد أشارت المحكمة عندما أدانت الطبيب الجراح فيهذا الحكم ، إلى أنه من الواجبات الأساسية التي تقتضيها مهنته إتباع الوسائلالعلمية لكي يساير مستجدات العلوم الحديثة عند إجراء علاج المريض( ) .

ويتوجب منالطبيب الجراح إتباع الأصول العلمية المتعارف عليها عند إجراء العملية الجراحية ،فإذا خرج عن ذلك تترتب مسؤوليته ، وبناء على ذلك فقد قضت إحدى المحاكم الكويتيةبمساءلة الطبيب الجراح عن خطأ مهني ارتكبه في عملية ختان أجراها على خلاف الأصولالفنية المتبعة في مثل هذه الحالة ، حيث أخطأ بإزالة كامل الجلد للعضو وليس جزء منهكما هو متبع في عملية الختان، الأمر الذي أدى إلى تشويه مكان العملية( ) .ويقع علىالطبيب الجراح عند الانتهاء من العملية الجراحية التأكد من إزالة المواد وقطع الشاشالمستعملة في العملية ، ومن الأخطاء التي تتكرر دائماً ترك الطبيب الجراح لبعض هذهالمواد أو قطع الشاش في مكان العملية ، وسبب ذلك قد يعود إلى انكماش هذه القطع داخلجسم المريض حيث يصعب تمييزها عن أحشاء الجسم ، حيث يقوم الجراح بعد الانتهاء منالعملية بخياطة الجرح فتبقى إحدى هذه القطع في مكان العملية داخل جسم الإنسان ،وبعد فترة من إجراء العملية يشعر المريض بآلام في مكان العملية وقد يصاحب ذلكارتفاع في درجة الحرارة التي تعود للالتهابات الناتجة عن تعفن هذه القطعة في داخلجسم الإنسان ، الأمر الذي يستلزم إعادة فتح جرح العملية لاستخراج قطعة الشاش من جسمالمريض ، وقد تؤدي مثل هذه الحالات في بعض الأحيان إلى وفاة المريض نتيجة لتأثرالمريض بالتعقيمات والالتهابات الناتجة عند ذلك( ) . وغالباً ما يدفع الطبيب الجراحمسؤولية ذلك على مساعديه من الممرضات والممرضين ، على اعتبار أن من واجباتهم تنظيفمكان العملية من هذه القطع بعد الانتهاء من العملية ، إلا أن ذلك لا يعفي الطبيبالجراح من هذه المسؤولية فالقضاء دائماً يتشدد مع الطبيب الجراح في مثل هذه الحالات، لأنه يتوجب عليه التأكد من عدد قطع الشاش المستخدمة في العملية الجراحية وخلومكان العملية منها ونظافته قبل القيام بخياطة جرح العملية ، ولكن ذلك لا يعني إعفاءالممرضين المساعدين من المسؤولية في هذه الحالة ، حيث يتحملون جانب من هذهالمسؤولية إذ يقع عليهم القيام بنظافة مكان العملية قبل خياطة الجرح ( ).كما يقععلى الطبيب الجراح بعد إجراء العملية الجراحية ، القيام بواجب الإشراف والرقابة علىالمريض حتى يستطيع استعادة كامل وعيه ووظائف أعضائه وخصوصاً الأمعاء ، وعليه فقدقضت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها بمسؤولية الطبيب الجراح عند الأضرار التيأصابت المريض الذي لم يتم إنعاشه بعد العملية بشكل تام لاستعادة وظائف أعضاء جسمه( ) . وهذا لا يعني وجوب ملازمة الطبيب الجراح لمريضه طوال الوقت بعد إجراء العملية ،ولكن تركه بعد العملية دون إشراف ورقابه يعد إخلالاً من جانبه يرتب مسؤوليته إذاأدى تركه بدون مراقبة إلى نتائج ضارة لم تكن تحصل للمريض لو كان قد خضع لإشرافالطبيب الجراح

المبحث الثالث: إثبات الخطأ في العمليات الجراحية

من المقررقضاءً وفقهاً ( ) أن التزام الطبيب تجاه المريض ، يعتبر التزاماً ببذل العناية ،وهذا يعني أن الطبيب لا يكون مسؤولاً عن نتيجة العلاج ولكن عليه بذل العنايةاللازمة بهدف شفاء المريض، وذلك بإتباع الوسائل العلمية في علاجه أو عند إجراءالعمليات الجراحية ، وقد أكدت ذلك المادة (18) من قانون مزاولة مهنة الطب البشريوطب الأسنان العماني الرقم ( 22 ) لسنة 1996، حيث نصت على ذلك بالقول : ” لا يكونالطبيب المعالج مسؤولاً عن نتيجة العلاج بشرط أن يكون قد بذل العناية اللازمةواستعمل جميع الوسائل المهيأة له لتشخيص حالة المريض وإعطائه العلاج الصحيح ” .
وإذا أخل الطبيب بذلك ، ولم يبذل العناية المطلوبة عند علاج المريض ، فإن ذلكيشكل خطأ طبي من جانبه يرتب مسئوليته ( ) ، سواء كانت عقدية أم تقصيريه ( ) . وقدنصت على ذلك المادة ( 19 ) من نفس القانون المذكور بالقول : ” يتحمل الطبيب مسؤوليةعمله والأضرار الناتجة عنه في الحالات الأتيه : ب- إذا وقع منه إهمال , أو تقصير،أو لم يبذل العناية اللازمة ” .
وبناء على ذلك يتطلب من الطبيب الجراح بذلالعناية اللازمة عند إجراء العملية الجراحية للمريض وعليه إتباع الأصول العلميةالثابتة عند إجرائها، فإذا أخل بذلك يكون مسؤولاً عن الأضرار التي تصيب المريض .
وإلى جانب ذلك، هناك حالات يكون فيها التزام الطبيب التزاما بتحقيق نتيجة ،حيث يكون فيها الطبيب ملزماً بسلامة المريض من خطر حوادث قد تقع للمريض أثناء قيامهبالعمل الطبي .

وسوف نتولى في هذا المبحث دراسة إثبات خطأ الطبيب الجراح فيالالتزامات التي يكون مضمونها بذل عناية وفي الالتزامات الأخرى التي يكون فيهاملزما بتحقيق نتيجة، وذلك في مطلبين على التوالي .

المطلب الأول: إثبات الخطأفي الالتزام ببذل عناية

يلزم من الطبيب الجراح عند إجراء العملية الجراحيةللمريض أن يبذل في ذلك جهود صادقة ، ويجب أن تتفق هذه الجهود مع الأصول العلميةالمتعارف عليها في مهنته . فإذا لم يبذل الطبيب العناية اللازمة عند إجراء العمليةالجراحية ، يتحمل المسؤولية عن الأضرار الناتجة عن ذلك( ) ، ولتحديد مسؤولية الطبيبفي هذه الحالة ، فإن عبء إثبات خطأه يقع على عاتق المريض( ) ، سواء كانت مسؤوليةالطبيب تجاه المريض عقدية أم تقصيريه( ) ، ذلك لأن التزام الطبيب الجراح تجاهالمريض هو التزام ببذل عناية ، ومضمون هذا الالتزام لا يختلف سواء وجد بين المريضوالطبيب عقد أم لا ، لذلك يتوجب على المريض إثبات وجود التزام على عاتق الطبيببعلاجه إما بناء على وجود عقد بينهما أو طبقاً لأنظمة وتعليمات المستشفى الموجودفيه( ) .
كما عليه أن يثبت عدم بذل الطبيب الجراح العناية اللازمة عند إجراءالعملية الجراحية وذلك بإقامة الدليل على وجود إهمال أو خروج من جانب الطبيب عنالأصول العلمية المتعارف عليها في ميدان مهنة الطب ، والتي لا يقدم عليها طبيب أخربمستواه فيما لو وجد بنفس ظروفه( ).

وهذا يعني أنه لا يكفي في هذه الحالةلمساءلة الطبيب الجراح إثبات المريض لخطأ الطبيب بعدم بذل العناية المطلوبة ، وإنمايتوجب من المريض إثبات وجود التزام على عاتق الطبيب لعلاجه وإصابته بضرر أثناءتنفيذ هذا الالتزام ، إذ لا يجوز إفتزاض خطأ الطبيب الجراح لمجرد إصابة المريض بضررأثناء إجراء العملية الجراحية ، وإنما يتوجب إثبات صدور خطأ من جانب الطبيب الجراح( ) ، كعدم إجراء فحصه قبل العملية الجراحية أو عدم إتباع الأصول العلمية المستقرةعند إجراء العملية الجراحية أو عدم متابعته بعد إجراء العملية الجراحية ، وللطبيبالجراح حتى في حالة إصابة المريض بضرر أثناء أو بعد إجراء العملية الجراحية ، أنينفي عنه المسؤولية ، إذ أثبت أنه بذل العناية اللازمة أثناء إجراء العمليةالجراحية .

المطلب الثاني: إثبات الخطأ في الالتزام بتحقيق نتيجة

هنا كحالات يكون فيها التزم الطبيب الجراح تجاه المريض التزاماً بتحقيق نتيجة( ) ، ومنهذه الحالات حالة قيام الطبيب بعمل محدد أو ضمان سلامة المريض من الأضرار غير تلكالتي قد تنتج عند إجراء العملية الجراحية ، فيكون الطبيب فيها ملزماً بسلامة المريضمن الحوادث التي قد يتعرض لها خارج نطاق العملية الجراحية( ). ومن هذه الحالاتعمليات نقل الدم والتحاليل الطبية وكذلك تركيب الأجهزة الصناعية والأسنان . وقداستقر الفقه والقضاء على اعتبار التزام الطبيب تجاه المريض في مثل هذه الحالاتالتزاماً بتحقيق نتيجة ، حيث يكون فيها الطبيب مسؤولاً عن تحقيق النتيجة المطلوبة.

فعمليات نقل الدم تعتبر من الحالات التي يلتزم فيها الطبيب بتحقيق نتيجة ، فإذااحتاج المريض إلى نقل الدم إليه بسبب العملية الجراحية ، فيتوجب أن يكون هذا الدممطابق لفصيلة دمه ، كما يجب أن يكون خالياً من الأمراض والتزام الطبيب في هذهالحالة محدد بتقديم دم يتناسب مع فصيلة دم المريض وسليماً من الأمراض ، ويكون مخلاًبالتزامه هذا إذا نقل إلى المريض دماً غير مناسب ، كما لو كان يختلف عن فصيلة دمه ،كما يكون الطبيب أيضاً مسؤولاً تجاه المريض ، لو كان هذا الدم ملوثاً ، وفي هذهالأحوال يكون الطبيب مسؤولاً عن الضرر الذي يصيب المريض ، وتترتب مسؤولية الطبيبولو لم يكن هو الذي أجرى تحليل دم المريض للتعرف على فصيلته بل قام بذلك طبيب أخر ،ذلك لأنه ملزم تجاه مريضه بتقديم دم سليم يتفق مع فصيلته ، إلا أنه يستطيع أن يتخلصمن المسؤولية ، إذا استطاع إثبات السبب الأجنبي الذي لا ينسب إليه( ) .
وكذلكيكون الطبيب الجراح ملزماً بتحقيق نتيجة ، إذا استخدم آلات وأجهزة أثناء إجراءالعملية الجراحية ، وهذه النتيجة هي عدم حدوث ضرر للمريض عند استخدام الآلاتوالأجهزة أثناء إجراء العملية له( ) ، حيث يكون مسؤولاً عن الأضرار التي تصيبالمريض ، إذا كانت بسبب وجود عيب أو عطل في هذه الآلات والأجهزة ، لأنه يقع علىالطبيب الجراح ، أثناء إجراء العملية الجراحية للمريض ، استعمال آلات وأجهزة صالحةلا تصيب المريض بأضرار، وهناك حالات اشرنا لبعضها سابقاً ، قضت فيها المحاكمبمسؤولية الطبيب عن الأضرار والوفاة التي حصلت للمريض بسبب انفجار الأجهزة الطبيةأو نتيجة خروج لهيب من المشرط الكهربائي ، أو احتراق جلد المريض نتيجة وجود خلل فيأجهزة الأشعة( ) .

ومن التطبيقات القضائية الأخرى ، ما قضي بمساءلة الطبيب عنكسر حقنة الدواء في عضلات المريض ، كذلك مساءلة طبيب الأسنان عن تمزق لسان المريضوتلف أغشية فمه بسبب ناتج عن الأجهزة المستخدمة في علاج المريض( ) . إلا أن الطبيبقد يستطيع التخلص من المسؤولية إذا استطاع أن يعزو ذلك إلى السبب الأجنبي .
كذلكيعتبر التزام الطبيب تجاه المريض في تركيب الأعضاء الصناعية التزاماً بتحقيق نتيجة، ومن أمثلة ذلك تركيب الأسنان والأطراف الصناعية ، وفي حكم صادر عن محكمة النقضالفرنسية ، اعتبرت فيه التزام طبيب الأسنان بتركيب الأسنان الصناعيه تجاه المريضالتزاماً بتحقيق نتيجة ، فيما يتعلق بتصميمها وملائمتها للمريض وخلوها من الأمراض ،وعليه في هذه الحالة أن يركب لمريضه الأسنان الصناعية المناسبة له ، ويعتبر مخطأإذا لم يفي بهذا الالتزام ( ) .

أما في الجراحة التجميليه التي تتطلب تداخلجراحي بقصد إزالة تشويه في جسم المريض قد يكون ظاهراً أو خفياً ، فقد تشدد القضاءمع الطبيب الجراح في هذه العمليات عند وجود خطأ أو إهمال من جانبه ، إلا أن القضاءلم يستقر على تحديد نوع التزام الطبيب الجراح في هذه العمليات ، وإن كانت هناك بعضالقرارات التي ذهبت فيها المحاكم الفرنسية إلى تقريب هذا الالتزام من الالتزاماتالتي يسأل فيها الطبيب عن تحقيق نتيجة( ) ففي قضية تتعلق بجراحة تجميلية أدانت فيهامحكمة باريس في 7 / 11 / 1972 الطبيب الجراح على الرغم من بذل الجهود واليقظةاللازمين في هذه العملية ، لأنه لم يقدم للمحكمة ما يبرر فشل العملية الجراحية عكسما هو متوقع وما يحدث في مثل هذا النوع من العمليات الجراحية ( ) . كما أن القضاءالمصري يتشدد أيضا مع الطبيب الجراح في العمليات الجراحية، ويظهر ذلك من القراراتالتي صدرت عن محكمة النقض المصرية ، حيث تطلبت من الطبيب الجراح عناية أكثر فيجراحة التجميل وإن كان كغيره من الأطباء لا يضمن نجاح العملية التي يجريها ، إلا أن العناية المطلوبة منه أكثر منها في أحوال الجراحة الأخرى ، اعتبارا بأن جراحةالتجميل لا يقصد منها شفاء المريض من علة في جسمه وإنما إصلاح تشويه لا يعرض حياتهلأي خطر( ) .

ولإثبات خطأ الطبيب الجراح في الحالات التي يكون فيها التزامهبتحقيق نتيجة ، يكفي من المريض إثبات وجود الضرر الذي أصابه من جراء تنفيذ الطبيبللعملية الجراحية ، وهذا كاف لعدم تحقق النتيجة المطلوبة ودون حاجة من جانب المريضلإثبات وجود خطأ من قبل الطبيب الجراح ، إذ أ ن وجود الضرر الذي يصيب المريض في هذهالحالات يكفي لمساءلة الطبيب الجراح ، ولا تزول عنه هذه المسؤولية ، إلا إذا أستطاعأن يرجع ذلك إلى السبب الأجنبي بأن يثبت أن الضرر الذي تعرض له المريض ناجم عن قوةقاهرة أو خطأ المريض نفسه أو خطأ الغير ، ولا يستطيع الطبيب في هذه الحالات أن يثبتأنه بذل العناية المطلوبة لتنفيذ التزامه لكي يعفي نفسه من هذه المسؤولية( ) .

وأيا كان نوع التزام الطبيب الجراح ، فلا بد من إثبات رابطة السببية عندمساءلة الطبيب الجراح عن خطأه ، بمعنى أن المريض عليه إثبات أن الضرر الذي أصابهكان ناجما عن خطأ الطبيب الجراح ، ولهذا فقد قضت محكمة النقض الفرنسية ، بأن مجردنسيان الجراح قطعة من الشاش في مكان العملية ، لا يمكن القول بكونه هو السبب في كلالأضرار الناجمة عن الالتهابات التي تعرض لها المريض ، إلا إذا جرى إثبات أن ذلككان قد أدى إلى هذه الالتهابات وسوء حالة المريض ( ) .

ومع ذلك ، فالقضاء سارعلى إقامة قرينة لصالح المريض المضرور ، عند وجود خطأ من جانب الطبيب الجراح ،فأقام مسؤولية الطبيب إذا كان من شأن خطأ الطبيب إحداث مثل الأضرار التي يتعرض لهاالمريض( ) ، وعليه في هذه الحالة لكي يتخلص من المسؤولية نفى هذه القرينة ، فالقضاءبخصوص وجود علاقة السببيه بين خطأ الطبيب والضرر الذي يصيب المريض ، أصبح يقيمقرينة على توافر تلك العلاقة لمصلحة المريض ، وعلى الطبيب لكي يكون بمنأى عن هذهالمسؤولية إثبات السبب الأجنبي .وعند وجود شكاوي تتعلق بالأخطاء الطبيبة ، عادةتحال مثل هذه الدعاوي من قبل الإدعاء العام في سلطنة عمان إلى اللجنة الفنيةالمختصة في وزارة الصحة ، وذلك بالاستناد إلى المادة ( 21 ) من قانون مزاولة مهنةالطب البشري وطب الأسنان لتحديد مسؤولية الطبيب عند ذلك ، قبل التحقيق معه من قبلالإدعاء العام ، فإذا تأكد للجنة المذكورة وجود خطأ أو إهمال من جانب الطبيب ، ففيهذه الحالة يقع على الإدعاء العام إجراء التحقيقات اللازمة لاتخاذ الموقف القانونيالذي تتطلبه العدالة وللإدعاء العام في هذه الحالة وجوب انتداب الخبراء وسماعالشهود ، فإذا أتضح من التحقيقات أن هناك خطأ طبي نتج عنه وفاة المريض ، أو أن هذاالخطأ أدى إلى تعطيل في أحد أعضاء جسم المريض أو وجود عاهة مستديمة ، ففي هذهالحالة تحال هذه القضايا إلى المحكمة المختصة للبت فيها( ) .

بالنظر لصعوبةإثبات خطأ الطبيب من جانب المريض ، فقد جرت العادة أن يستعين القاضي عند معرفةالأخطاء الطبية ، الاستعانة بأهل الخبرة من الأطباء المختصين بذلك( ) ، حيث يستطيعانتداب خبير أو أكثر للتحقق من الوقائع التي تتعلق بالأخطاء الطبية في العملياتالجراحية ، وللقاضي عند الاستعانة بأهل الخبرة في المسائل الطبية اللجوء إلى ذلك فيالمسائل الفنية التي تبرر ذلك ، لتكملة قناعته في الأمور التي يجهلها( ) ، والخبيرفي رأيه الذي يبديه للقاضي هو يساعد القضاء في الوصول إلى الحقيقة.
وعلى الخبيرعند تقديم تقريره للقاضي أن يدعم رأيه في الأصول العلمية المتعارف عليها ، وعليهإذا كان الطبيب الجراح قد خرج في سلوكه عن ذلك بيان هذا الأمر في التقرير المقدمللقاضي .
ويعود للقاضي تقدير رأي الخبير في المسائل الطبية المعروفة عليه ، وهوغير ملزم بالتقيد بما أثبته الخبير ولا بالنتائج التي توصل إليها ، فله السلطة فيتقدير سلوك الطبيب المهني ، فالقاضي غير ملزم بما يبديه الخبير أو الخبراء فيالمسائل الطبية ، إذا كانت تتعارض مع وقائع القضية المعروضة أمامه ، ومع ذلك فأنتقرير الخبير يعتبر من العناصر المهمة التي يستعين بها القاضي في تقرير خطأ الطبيب( ) ،إذ قد يأخذ بآراء الخبراء إذا كانت كافية للدلالة على خطأ الطبيب الجراح( ) وعلىالقاضي عند تقدير خطأ الطبيب الجراح ، أن ينظر إلى واجبات الطبيب المهنية التيتتطلب منه إتباع الأصول العلمية المتعارف عليها في مجال مهنته ، كما يقع عليهمراعاة الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب الجراح عند تنفيذ العملية الجراحية ،فإذا أتضح له أن الطبيب الجراح كان قد خرج في مسلكه الطبي عما يجب أن يقوم به طبيبأخر في مستواه المهني فيما لو وجد في نفس ظروفه ، فأنه يكون بذلك قد أخطأ وتترتبمسؤوليته الطبية ، بمعنى أخر أنه يقع على القاضي عند معرفة خطأ الطبيب الجراح ،اللجوء إلى مقارنة سلوكه بسلوك طبيب أخر من نفس مستواه المهني فيما لو وجد في نفسظروفه المحيطة به ، وعندها يجري الحكم على سلوك الطبيب الجراح .

الخاتمة

في دراستنا لموضوع الخطأالطبي في العمليات الجراحية ، فقدقسمنا هذا الموضوع إلى ثلاثة مباحث ، حيث خصصنا المبحث الأول لبيان مفهوم الخطأالطبي ، ثم تناولنا في المبحث الثاني صور للأخطاء الطبية في مجال العمليات الجراحيةوأخيراً تناولنا في المبحث الثالث كيفية إثبات الخطأ الطبي في نطاق العملياتالجراحية .
ففيما يتعلق بمفهوم الخطأ الطبي ، فقد وضحنا أولاً الخطأ الطبي بوجهعام ثم تناولنا بعد ذلك الخطأ الطبي في العمليات الجراحية ، وبخصوص مفهوم الخطأالطبي بوجه عام ، تبين لنا من خلال دراسة ذلك ، بأن التزام الطبيب في أغلب الأحيانهو التزام ببذل عناية ، وهذا الالتزام يفرض عليه بذل الجهود الصادقة التي تقتضيهاالأصول العلمية في مجال مهنة الطب بقصد شفاء المريض وتحسين حالته الصحية ، وعليهفإن أخلال الطبيب بذلك يرتب مسؤوليته تجاه المريض ، وبمقتضى ذلك يكون مفهوم الخطأالطبي بوجه عام ، بأنه إخلال الطبيب في بذل العناية اللازمة التي تقتضيها الأصولالعلمية في مهنة الطب ، والتي يتوجب على الطبيب العادي بذلها فيما لو وجد في نفسظروفه . أما بخصوص الخطأ الطبي في العمليات الجراحية ، فبالنظر لأن عمل الطبيبالجراح ينصب على جسم الإنسان ، لذا فأنه ينطوي على قدر من الخطورة والمجازفة ،وعليه يتطلب منه بذل درجة عالية من الحرص عند إجراء العملية الجراحية للمريض ،ولهذا فقد توصلنا إلى أنه يقع على الطبيب الجراح واجب إجراء الفحوصات اللازمة قبلإجراء العملية الجراحية ، للتأكد من حالة المريض الصحية وكذلك من حاجة المريضلأجراء العملية الجراحية ، كما يقع عليه أيضاً التأكد من توافر الأشخاص المساعدينوالأجهزة والمواد التي تساعده على إجراء العملية الجراحية ، وعليه عند إجراءالعملية الجراحية ، إتباع الأصول العلمية المتعارف عليها عند القيام بها ، وأن يقومبها بالمستوى والمهارة التي تتناسب ومستواه وتخصصه المهني ، وعليه يكون الخطأ الطبيفي العمليات الجراحية ، عند مخالفة الطبيب الجراح للأصول المتبعة في ذلك ، وعندتقدير خطأه يجب أن يقاس سلوكه بسلوك طبيب أخر من نفس مستواه وتخصصه المهني مع الأخذبنظر الاعتبار الظروف الخارجية التي أحاطت به عند إجراء العملية الجراحية .

أماالمبحث الثاني فقد عرضنا فيه صوراً لبعض وأهم الأخطاء الطبية في نطاق العملياتالجراحية ، وقد اعتمدنا في ذلك على أحكام القضاء التي برزتها المحاكم في بعض الدول، ومن هذه الأخطاء مثلاً إجراء العملية الجراحية دون رضا وموافقة المريض أو أقربائه، أو عدم استخدام الطرق الحديثة في الفحص والتشخيص ، كعدم استخدام أجهزة رسم القلبأو التحاليل الطبية أو التصوير بالأشعة ، كذلك لاحظنا من الأخطاء الطبية التيأبرزها القضاء عدم إجراء العملية الجراحية في المستشفى وكذلك عدم اتخاذ الاحتياطاتاللازمة لتوقي الأخطار الناجمة عن الآلات والأدوات الكهربائية المستخدمة فيالعمليات الجراحية ، وكذلك ترك بعض المواد في مكان العملية الجراحية ، أو عدمالأشراف والرقابة على المريض بعد إجراء العملية الجراحية . وعليه نوصي بخصوص هذهالأخطاء وجوب تشدد القضاء مع الطبيب الجراح لكونها تعرض حياة المريض إلى الخطر أوالوفاة. ولهذا فإننا نوصي بوجوب اتخاذ الجراح جميع الاحتياطات اللازمة عند إجراءالعملية الجراحية لتلافي مثل هذه الأخطاء .
أما المبحث الثالث والأخير ، فقداستعرضنا فيه لكيفية إثبات الخطأ الطبي في مجال العمليات الجراحية ، وبالنظر لكونالتزامات الطبيب الجراح بعضها يكون التزاما ببذل عناية ، وبعضها يتطلب منه تحقيقنتيجة معينة ، لهذا فقد بحثنا النوعين ، وبالنسبة لإثبات الخطأ في الالتزام ببذلعناية ، أتضح لنا أن عبء إثبات خطأ الطبيب الجراح يقع على المريض ، ولكي تترتبمسؤولية الجراح في هذه الحالة ، يطلب من المريض إثبات وجود التزام على عاتق الطبيببعلاجه ، أما بناء على وجود عقد بينهما أو طبقاً لأنظمة وتعليمات المستشفى الموجودفيه ، كما يقع علية إثبات عدم بذل الطبيب العناية اللازمة عند إجراء العمليةالجراحية ، أما بشأن الالتزام بتحقيق نتيجة ، فقد بينا بعض الحالات التي يكون فيهاالتزام الجراح بتحقيق نتيجة ، منها حالة نقل الدم إلى المريض ، أو عند تركيب أعضاءصناعية له أو في حالة استخدام أجهزة وآلات عند إجراء العملية الجراحية للمريض وقدتوصلنا في مثل هذه الحالات إلى أن الطبيب الجراح يلتزم بنتيجة محدده ، تتناسب ونوعالعملية ، ففي عمليات نقل الدم عليه أن ينقل للمريض دماً من نفس فصيلة المريض وخاليمن الأمراض ، وعند تركيب أعضاء مناسبة للمريض من حيث تصميمها وخلوها من الأمراض ،أما في حالة استخدام الأجهزة والآلات أثناء العملية الجراحية فإن الجراح يلتزم بعدمتعريض المريض للمخاطر التي قد تنجم عن استخدام هذه الآلات ، أما بالنسبة للجراحةالتجميلية ، فهي وأن كان التزام الطبيب الجراح يكون التزاماً ببذل عناية ، إلا أننالاحظنا بأن القضاء يتشدد مع الطبيب الجراح في مثل هذه الحالة ويجعل التزامه قريب منالالتزام بتحقيق نتيجة ، لأن القصد منها ليس شفاء المريض من مرض وإنما إصلاح تشويهفي جسم الإنسان ولهذا لا يجوز أن يعرض حياة المريض للخطر .
وفي جميع الأحوال ،لابد لمساءلة الطبيب الجراح من إثبات المريض لرابطة السببية بين خطأ الطبيب الجراحوالضرر الذي أصابه ، وقد تبين لنا من خلال الدراسة أن القضاء سار على إقامة قرينةلصالح المريض عند وجود خطأ من جانب الطبيب فأقام مسؤولية الطبيب عند ذلك إذا كان منشأن ذلك إحداث مثل الأضرار التي تعرض لها المريض . وأخيرا تناولنا في نهاية البحثكيفية تحريك الدعاوي التي تتعلق بالأخطاء الطبية في سلطنة عمان ، حيث يتطلب الأمرعند وجود شكاوي في هذه الحالة ، أحالتها من قبل الإدعاء العام إلى اللجان الفنية فيوزارة الصحة للتأكد من وجود إهمال أو خطأ من جانب الطبيب ، وبعد التحقق من ذلك ،يجري إحالة مثل هذه الدعاوي من قبل الإدعاء العام إلى المحكمة المختصة للنظر فيهاوإصدار الأحكام المناسبة فيها.