الجنين حسب القانون التونسي في بحث قانوني متعمق

الاستاذة رباب الخبثاني

أقرّ القانون لكل إنسان شخصية قانونية و ذمة مالية كما ضمن الدستور لكل فرد التمتّع بحقوقه كاملة بالطرق و الشروط المبينة بالقانون. و لا يحد من هذه الحقوق إلا بقانون يتّخذ لإحترام حقوق الغير و لصالح الأمن العام و الدفاع الوطني و لإزدهار الإقتصاد و للنّهوض الإجتماعي[1].

هذه الشخصية القانونية تخوّل للشخص الطبيعي إكتساب الحقوق و تحمّل الإلتزامات[2]، و الإعتراف بالشخصية القانونية لكل إنسان لم يكن أمرا هيّنا، ذلك أن الكائنات الحيّة الأخرى لا تتمتّع بصفة “الشخص القانوني”. فالحيوان لا يتمتّع بالحقوق و ليست له شخصية رغم الجدل الذي بدى للبعض إثارته[3]. كذلك شهد التاريخ حرمان بعض الأشخاص كالعبيد من الشخصية القانونية، بإعتبار أن العبد لم يكن “شخصا” بالمفهوم القانوني، بل شيء موضوع حقوق لغيره[4]. و هو ما يحتّم إعادة النظر في مفهوم الشخص الطبيعي، من خلال تحديد بداية و نهاية الشخصية القانونية.

يصعب قانونا تحديد بداية الشخصية و نهايتها وهو ما يدعو إلى التدقيق في معطيات هذين العنصرين الزمنين. حسب المفهوم التقليدي، يكون بدء الشخصية القانونية رهين حدوث واقعة قانونية، و زوالها يتّبع حدوث واقعة أخرى، فهي تدوم طوال المدة الفاصلة بين الولادة و الوفاة. أي أنها لا تستساغ إلا لدى الإنسان المولود الحي[5]. فالولادة و تحقق الحياة بعدها تعتبر نقطة بداية الشخصية القانونية.

لكن مع التقدم العلمي وقع تجاوز هذا المفهوم، حيث أنه أكّد على ضرورة الإعتماد على معيار بيولوجي يستند إلى فكرة الوجود و الحياة، و بذلك الرجوع إلى المراحل الأولى من تكوين الشخص الطبيعي و هي المرحلة الجنينية.

و لتأكيد هذا الرأي و تدعيم شخصية الجنين، يمكن مقارنته بوضعية الشخص الإعتباري لوجود تشابه في الطور التكويني بين الحالتين. فالأصل أن الشخصية الإعتبارية لا توجد إلاّ من وقت الإعتراف بها و إستيفاء كل الإجراءات التي اقتضاها القانون. إلاّ أنّه قد يترتّب على وجودها من حيث الواقع آثارا قانونية في المرحلة السابقة لإقرار القانون لها، و تعتبر كالجنين في فترة الحمل، فتثبت لهذه الشّركة التي تتمتّع بالشخصية الإعتبارية أهلية محدودة، و بذلك تعتبر جميع العقود التي تبرم من طرف مؤسسيها صادرة عنها[6].

لكن يبقى دائما البحث عن مدى تمتّع الجنين بالشخصية القانونية يقتضي معرفة الطبيعة القانونية للجنين. و لقد عبّر الكثير ممن درسوا هذا الموضوع عن خيبتهم من النتائج غير القطعية التي توصّلوا إليها[7].

فمن أولى الإشكالات التي يصطدم بها الباحث في هذا الشأن هو تعريف الجنين. لأن التعاريف و المفردات المستعملة لا تبدو في غاية الدقّة و الوضوح. ذلك أنّه و بالرجوع إلى أحكام التشريع يتّضح أن المشرّع التونسي تعرض إلى الجنين و لكن بصورة غير دقيقة فقد وقع ذكر مصطلح الحمل صلب الفصول 35، 147، 148، 150، و 184 من م.أ.ش و الفصل 574 من م.إ.ع. و الفصل 214 من م.ج.

الحمل في أصل اللغة: هو ما يحمل في البطن من الولد، بذلك فهو يرادف عبارة الجنين. كما أنّه يمكن أن ينطوي على معنى آخر يرتبط بالوضعية التي تكون عليها الأم، أي الحمل كعارض قد يطرأ على المرأة فتصير بذلك حاملا وهو ما تعرّضت له أحكام الفصل 35 من م.أ.ش. المتعلق بالعدّة و ما جاء كذلك بالفصل 149 من نفس المجلة[8].

و الحمل بإعتباره عارضا رتّب عليه جانب من الفقه الإسلامي بعض النتائج، حيث اعتبروا الحمل مرضا موجبا لإبطال تصرفات الحامل خاصة ما انعقد منها في الأشهر الأخيرة للحمل و عند المخاض و هذا ما ورد في لائحة الأحكام الشرعية للشيخ “جعيط” إذ جاء في المادة 1133 حسب تحريرها الحنفي أن : ” المرأة إذا أخذها الطلق ممّا فعلته في تلك الحالة يعتب من ثلث مالها و إن سلمت من ذلك جاز ما فعلته”. على أساس أن المرأة الحامل في هذه الفترة ترافقها أعراض نفسية، كالإحساس بالرهبة و الخوف و أخرى جسدية كالشعور بالإرهاق و بما أن هذه الحالات قد تؤثّر على إرادة، فبالتالي يمكن إبطال تصرفاتها.

لكن بالرجوع إلى القانون التونسي يتّضح أن المشرّع لم يعتبر الحمل حالة مرضيّة يقع على أساسها إبطال تصرفات المرأة الحامل. فلئن لم يكن من المستساغ اعتبار الحمل مرضا، فإنه من المعقول اعتباره حالة مشابهة يجب مراعاتها و ترتيب حماية للحامل على أساسها وهذه النظرية تبناها المشرع في المادة الشغلية، إذ أفرد المرأة الحامل بحماية خاصة من خلال المعاملة الإستثنائية التي خصّها بها[9]. هذا عن وضعية الأم الحامل، أما في معناه الثاني و المتعلق بالجنين فهو كما تفيد عبارات اللغة و كتب التفسير: “المادة التي تتكوّن في الرحم من عنصري الحيوان المنوي و البويضة”.

فالجنين في أصل اللغة هو المستور في الرحم[10] كما جاء في كتاب “روح المعاني” “للألوسي”[11] أنّ : ” الجنين هو ما كان في الرحم و بذلك فإن الجنين هو الولد ما دام في البطن”.

و بصورة أدق، فإن الجنين هو مصطلح يعبّر به عن الأطوار التي يمرّ بها الإنسان داخل الرحم إذ أنّ أصل الجنين نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم بعد ذلك يتمّ تخليقها بتمييز أجزائها وهو ما عبر عنه القرآن الكريم في قوله تعالى: ” وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ”[12].

هذا التعريف الوارد في كتب الفقه و المعاجم لا يميّز بين مراحل الحمل و درجات نمو الجنين، فهذا المفهوم يطلق على ما في الرحم، منذ بدء التكوين بحدوث التلقيح. و يعبر عنه في القرآن الكريم بالعلوق إلى حين الوضع. لأنه يفصل مراحل نمو الحمل دون إحداث تفرقة جوهرية بينها.

في حين أنه و بالرجوع إلي التعريف العلمي للجنين يتّضح أنّه يميّز بين مرحلتين، الأولى تقترن بالأطوار الأولية للحمل أي تلك التي يكون الهمل لا يتحرك و لا يتولد عنه الحياة و يعرف بلفظ ” Embryon” و المرحلة الثانية فهي تستغرق الحيز الزمني الفاصل بين ظهور الحياة و الحركة في الجنين إلى حين ولادته و يسمى في هذه الفترة ب “Foetus “[13].

بعد التعرّض إلى التعريف اللغوي و الفقهي للجنين ننتقل إلى تحديد مفهوم الجنين في القانون التونسي.

بإستقراء الأحكام المتعلّقة بالجنين نستشفّ أن المشرّع لم يعطه تعريفا بل أكثر من ذلك فإنه لم يستعمل هذا المصطلح من أساسه إذ أنّه كما سبق الذكر آنفا استعمل لفظ الحمل. و في غياب تحديد مدقّق للجنين في القانون التونسي يجب التساؤل عن مدى إعتراف المشرع بهذه المرحلة من مراحل تكوين الإنسان و بالتالي دخولها في دائرة القانون وهل أنّ المرحلة الجنينية لها تنظيم خاص بها في القانون التونسي أم أنها تدخل ضمن التنظيم المقرر للمراحل الأخرى من حياة الإنسان؟

إن مسألة تكييف وضعيّة الجنين القانونية لها جذورها التاريخية ذلك أنّها طرحت في المجتمعات القديمة التي عرفت العبودية و قد اقترنت الصعوبة بتحديد مصير الجنين، في صورة بيع الحامل أو عتقها[14]. فهناك نظريات فقهية اعتبرت الجنين مجرد شيء و ليس شخص و حتى الحقوق المسندة له هي حقوق استثنائية معلّقة على ميلاده حيّا و لا تغيّر في طبيعته. في المقابل ظهرت نظريات أخرى ترى أن الجنين شخص طبيعي حتى و إن كانت شخصيّته منقوصة بإعتبارها لا تشهد إلا الجانب الإيجابي المتمثل في التمتع ببعض الحقوق.

و أدّى هذا الجدل حول شخصية الجنين إلى تَبَنّي اللجنة الوطنية للأخلاقيات الطبية لفكرة أن الجنين ما هو إلا شخص إحتمالي و بناءا عليه فهو يستحقّ حقوقا خاصة و حماية مناسبة. و تلتقي هذه الفكرة مع ما سبق أن أقره القانون الروماني و الإسلامي و مع ما جاء في ديباجة إتفاقية حقوق الطفل.

و في رأي صادر عن اللجنة الوطنية للأخلاقيات الطبية[15] سنة 1996[16]، وصفت تلك اللجنة الجنين بأنه شخص إحتمالي « Une personne humaine potentielle » وهو نفس الوصف الذي سبق اللجنة الأخلاقيات الطبيّة بفرنسا أن أطلقته[17]. و يلتقي في فلسفته مع الشرائع القديمة و الديانات السماوية و القوانين الحديثة و المعايير الدولية لتأكيدها جميعا على كرامة الإنسان و حرمته و تفضيله على سائر الكائنات و المخلوقات[18].

يعتبر القانون الروماني من أوّل القوانين القديمة التي أقرّت أحكاما خاصة للجنين و ذهبت في اتجاه أنّه إذا كان الأصل في الشخصية القانونية أنّها تبدأ بميلاد الإنسان و تنتهي بوفاته فإن هناك حالة تبدأ فيها الشخصية القانونية قبل الميلاد و هي حالة الجنين الذي يتمتع قبل مولده بشخصية ناقصة. و قد تمّ إقرار هذه القاعدة في العصر العلمي و هي تقتضي بأن الحمل المستكنّ يعتبر مولودا متى كانت له مصلحة في ذلك[19] فللجنين حقّ الإرث من أبيه إذا توفي أبوه قبل مولده، و لكنّه يشترط لذلك أن يولد حيّا و قابلا للحياة[20].

و قد اعتمد القانون الإسلامي على نفس هذا الحل تقريبا إذ أثبت الفقه للحمل في بطن أمّه أهليّة وجوب ناقصة تجعله قابلا للإلزام فقط دون الإلتزام. فتثبت بعض الحقوق الضرورية له، و لا يثبت شيء عليه. و قد علّل الفقهاء و الأصوليون ذلك بأنّ “الجنين ليس له وجود مستقلّ من كل وجه، بل يجب أن يكون جزء ا من أمّه كأنّه عضو من أعضائها تابع لها…، و هو من وجه آخر يمكن أن يعتبر مستقلاّ عن أمه لأنّ له حياة خاصّة، وهو يتهيّأ لأن ينفصل عنها بعد حين و يصبح إنسانا مستقلاّ”[21]، فلذا اقتصرت أهليّة الحمل على الحقوق الضرورية له. و لا سيّما أنّه ربّما لا يخرج إلى الدنيا حيّا، فلا حاجة إلى التوسع في منحه حقوقا و ربطه بإلتزامات تكون كلّها عرضة للإنتقاص إذا لم يكتب له استمرار الحياة حتّى الولادة[22].

واتفقت المذاهب الإجتهادية على أهليّة الحمل لحقوق أربعة تثبت له: و هي النسب من أبيه و أمّه و من يتّصل بهم بواسطتهما، و الإرث ممن يموت من مورّثيه لأنه متفرّع عن النسب فيوقف للحمل من تركة مورّثه أكبر النصيبين على التقدير و استحقاق ما يوصي له به و استحقاق ما يوقف عليه[23]. أمّا ما عدا هذه الحقوق فلا أهليّة له في استحقاقها فلا تجوز له الهبة مثلا لأنّ عقد الهبة يشترط إلزامه بالثمن و تسليم الشيء الموهوب له و هذا غير ممكن للجنين[24]. و أحاطه كذلك بحماية ضد الإعتداءات المحتملة، حيث عامل المرأة الحامل معاملة خاصة أثناء فترة الحمل، ذلك إعفاؤها من القيام ببعض الواجبات الدينية كلما خشي ضرر على حملها، مثل ذلك الصوم. على هذا الأساس، فإن القانون الروماني و كذلك التشريع الإسلامي قد أقرّا جملة من الحقوق لفائدة الجنين و كرّسا له حماية من خلال حماية الأم.

في نفس السياق، ساير القانون المقارن هذا الإتجاه، حيث أقرّ القانون الفرنسي حق الجنين في الإرث صلب الفصل 725 من م.م.ف. و في الوصيّة و الهبة صلب الفصل 906 من نفس المجلة المذكورة. كما مكّنه من بعض الحقوق في مادة التأمين على الحياة و مادة الضّمان الإجتماعي. و بالبحث عن وضعية الجنين في القانون التونسي يتضح أنّه تأثّر بما جاء في الفقه الإسلامي بإعتباره مصدرا من المصادر المادية للقانون، فقد أقر حق الجنين في الميراث من خلال الفصول 147 إلي 150 من م.أ.ش و مكّنه كذلك من حقّه في الوصيّة ضمن الفصل 184 من نفس المجلة، و تتّحد الصورتان في إشتراط ميلاد الحمل حيا.

لكن القانون التونسي خالف القانون الفرنسي و كذلك اللبناني في خصوص إقرار الهبة لفائدة الجنين حيث أنّه لم يعترف له بمثل هذا الحقّ و ذلك لإنعدام ممثّل له. في حين مكّنه من التمتّع بغرامة التأمين في عقود التأمين على الحياة[25] و كرّس له حقا في التعويض. و أقرّ له بعض الحقوق الأخرى في ميدان التغطية الإجتماعية مع أمّه لأنه يعتبر حقا مشتركا بين الأم و الجنين. إذا فإنّ الأحكام المكرّسة لبعض حقوق الجنين تكتسي إثبات وجوده ثم ميلاده حيا، و هو ما يضفي على هذه الحقوق الطابع المشروط بشرطي الوجود و تحقّق الحياة.

بالرغم من الأهميّة النظريّة لهذه الحقوق، و إعتبارها الركيزة الأساسية لتدعيم شخصية الجنين، يجب العمل على إثباتها و ذلك من خلال ما توصّل إليه التطوّر العلمي في عديد المجالات و منها إثبات النسب عن طريق التحليل بالجينات، كما أن العلم قد يحدّ من صلابة الشروط المرتبطة بالحقوق المدنيّة، حيث أن الطبّ الحديث قد توصّل إلى التأكّد من حياة الجنين داخل رحم الأم. و أنّ الولادة ما هي إلا أمر كاشف و ملموس للحياة و ليست مقررة لها.

نظرا لأهمية حقوق الجنين و خاصّة حقّه في الحياة، فإن المشرع قد حمى هذا الحقّ من خلال تنظيمه لمسألة الإجهاض صلب الفصل 214 من م.ج حيث أقّر تحريم الإجهاض كمبدأ عام، لكن أجازه في الأشهر الثلاثة الأولى وفق شروط معينة.

التطورات الطبيّة بقدر ما ساهمت في الإقرار بحقوق الجنين و حاولت تدعيمها، إلا أن بعضها قد يحدّ من ذلك خاصة بعد ما توصّل إليه العلم بخصوص عمليات الإنجاب الإصطناعي، فالجنين أصبح في ضل هذه التطورات الطبيّة عبارة عن شيء يمكن التصرف فيه، ممّا يفقده إنسانيته و قداسته.

و كما هو معلوم اليوم، أصبحت الإكتشافات العلمية تهدّد الكيان البشري، و لم تعد تراعي مصلحة الإنسان خاصّة بعد ما وقع إثارته من خلال عملية الإستنساخ، تلك القضيّة الهامة التي تجعلنا في حيرة من أمل العلماء و طموحهم في محاولة القيام بالإستنساخ البشري و سيطرتهم على الحياة. فيصبح هناك إنتاج صناعي لأجنة بشرية دون تناسل، و هذا العمل يمثّل قطيعة مع قانون الطبيعة و يضع الإنسان في مرتبة دون ما هو عليه. لذا وجب العمل على تنمية هذه الشخصية حتى يتمتّع الجنين بأكبر حماية ممكنة وهو ما حدا بالمشرع التونسي إلى إصدار قوانين تضمن كرامة الإنسان و تصون حرمته الجسدية و ذلك في القانون المتعلّق بأخذ الأعضاء البشرية و زرعها[26] و في القانون المتعلق بالطب الإنجابي[27].

إن الشخصيّة القانونية تبقى الإطار الأمثل لتفسير الوضع القانوني للجنين و تكييف هذه المرحلة يكون بطرح مسألة تحديد بداية الشخصية القانونية و مدى مشروعية الإعتراف بشخصيّة قانونية للجنين في القانون التونسي و على فرض الإعتراف بها. هل تكون شخصية قانونية حقيقية أم هي محض مجاز قانوني على غرار ما هو مقرر للشخص الإعتباري، إلى جانب الآثار التي ستترتب على إسناد هذه الشخصية القانونية؟

لتوضيح وضعية الجنين القانونية لا بد من الوقوف في جزء أول على الشخصيّة القانونية للجنين بين الوجود و العدم (جزء أول)، و في جزء ثاني على الآثار المترتّبة عن إسناد هذه الشخصية القانونية (جزء ثاني).

تميّز الشّخصيّة القانونيّة باعتبار عناصرها، الأفراد بعضهم عن بعض، فعناصر تعريف الفرد وهويّته ناتجة عن شخصيّته القانونيّة.

ولقد أقرّت القوانين أن بدءَ الشّخصيّة القانونيّة يكون رهين حدوث واقعة قانونيّة، وزوالها أيضا يتّبع حدوث واقعة أخرى: فهي إذا تدوم طول المدّة الفاصلة بين حدثين طبيعيين وهما الولادة والوفاة. إلاّ أنّه إذا خرجنا عن الحل المبدئي و استقرأنا ما هو موجود على المستوى القانوني، نستطيع القول إن الجنين وهو في المرحلة الجينيّة تثبت له بعض الحقوق وبذلك فإن القانون يسبق حدث الولادة.

هذا ما نستنتجه من خلال قراءة أولية لبعض فصول مجلة الأحوال الشخصيّة والمجلة الجزائيّة[28]، حيث نلاحظ أنّ الجنين يتمتّع ببعض الحقوق وبجملة من الحماية. لكن هذا الرّأي لا يكون قطعيّا إلا بعد دراسة معمّقة لنصوص القانون باعتبارها المنطلق لإقرار الحقوق والحماية للجنين من خلال مكانته في التشريع المدني والجزائي (الفصل الأوّل). حيث من خلالها نستطيع رسم معالم شخصيّته القانونية هل هي كاملة أو مشروطة ومحدودة إلى جانب التأكد من مدى واقعيتها (الفصل الثاني).

الجزء الاول: الشخصية القانونية للجنين بين الوجود والعدم
الفصل الأوّل: مكانة الجنين في التشريع

إنّ البحث عن مكانة الجنين في التشريع التونسي يمكّننا من بيان دور القانون في الإقرار بالشخصيّة القانونية لهذا الأخير. فالقانون يسبق وقوع حادثة الانفصال، إذ هو آت لا محالة. فإن كان الجنين في فترة الحمل مرتبطا بأمّه وتابعا لها، فهو في ذات الوقت مهيّأٌ للانفصال عنها بعد حين. وبذلك توجد الشخصيّة القانونية لفائدة الجنين. ويعد من المولودين، فيتمتّع بالحقوق دون أن يتكلف بالالتزامات. إذ البعض من القواعد التشريعيّة يعمل بالمقولة العامة التي تهدف إلى المحافظة على مصالح الجنين اللاحقة، فيعدّ الجنين مولودا كلّما اقتضت مصلحته ذلك، وينتفع بالهبات والتبرّعات وبالوصايا وله المطالبة بجبر الضرر الحاصل له إذا كان في تاريخه موجودا.

فالتشريع المدني والجزائي التونسي عَمِلاَ على إسناد حقوق وتقرير حماية للجنين. وهذه الحقوق نجد مؤيداتها خاصّة في الأحكام المتعلّقة بالميراث[29].

إنّ الإقرار المبدئي ببعض من الحقوق و بعض من الحماية للجنين يكون في بعض الحالات متّسما بالإزدواج بحيث تكون حماية الجنين مقترنة بأمّه (المبحث الثاني). وفي حالات أخرى يتمتع الجنين بحماية وحقوق منفردة بدون اعتبار للأمّ (المبحث الأوّل).

المبحث الأوّل: تفرد الجنين بحقوق مدنيّة وحماية جزائيّة

يعني التفرد أنّ الجنين يستأثر بهذا الامتياز لوحده، أي دون أن تشاركه أمّه في ذلك. فينعم بحماية جزائيّة (القسم الثاني) وكذلك حقوق ماليّة وغير ماليّة (القسم الأوّل).

القسم الأوّل: تمتّع الجنين بحقوق مدنيّة

إنّ النظر في وضعية الجنين القانونيّة وصفته، باعتباره كائنًا حيًّا له شخصيّة قانونيّة مستقلّة به مثل سائر الأشخاص الطبيعيّة الأخرى، تخوّل له اكتساب الحقوق.

كذلك بالرّجوع إلى بعض فصول مجلة الأحوال الشخصيّة، المتعلقة بالحمل ومن خلال جرد لهاته النصوص باعتبارها المنطلق الأوّل لإقرار الحقوق، يتسنّى لنا الوقوف على صنفين من الحقوق بعضها ذو صبغة ماليّة (الفقرة الأولى) والبعض الآخر ذو صبغة غير ماليّة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: حقوق الجنين الماليّة

الإقرار بحقوق ماليّة للجنين له أهميّة كبرى باعتبار أنّها تمثل عنصرًا أساسيًّا لإسناد الشخصيّة القانونيّة. والأحكام المتعلقة بهذه الحقوق نجد أساسها القانوني في مادّة الأحوال الشخصيّة وبالتحديد في مؤسسات قديمة كالميراث (أ)[30] و الوصيّة (ب)[31] ومؤسسة حديثة تتمثل في مادّة التأمين على الحياة (ج).

ميراث الجنين
نظّم المشرّع التونسي الأحكام المتعلقة بميراث الجنين في الباب الثامن من الكتاب التاسع المتعلق بالميراث تحت عنوان “المسائل المتنوّعة”. في هذا الإطار كانت الأحكام المتعلّقة بإرث الجنين مشفوعة بالأحكام المتعلّقة بإرث المفقود. هذا التصنيف يؤكّد بعدا حمائيا لهذه الأحكام، إذ نجد فكرة إيقاف جزء من التركة للمفقود وللجنين، وهي صورة للمصلحة المحمية قانونا. ونجد جذور الأحكام المتعلّقة بميراث الحمل في كل المذاهب الفقهيّة السنيّة والشيعيّة منها. إذ أنّ إرث الحمل من المسائل المتّفق عليها. ورد عن النبي صلى الله عليه وسلّم ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنّه قال: “إذا استهل المولود ورّث”. كذلك ورد في لائحة الأحكام الشرعيّة في المادّة 853: “أنّه توقف قسمة التركة بين الورثة إذا كان فيهم حمل من زوجة ولو أخا لأم، إلى أن يوضع الحمل أي ينتهي أجل الحمل ولا يعجل القسمة للوارث المحقق، ويوقف المشكوك فيه (لقصر مدّة الحمل غالبا فيظن فيها عدم تغيير التركة)”.

كما أنّ القوانين في الدول الغربية، من ذلك القانون الفرنسي، أقرّت حق الجنين في الإرث من خلال الفصل 725 من المجلة المدنية الفرنسية: “حقّ الجنين في الإرث بشرط الوجود وتحقق الحياة وقابليتها”.

ويتّضح ممّا سبق أنّ أساس ميراث الحمل مكرّس في جل التشريعات وهو ما حدا بالمشرّع التونسي إلى الإقرار بحقّ الجنين في الإرث. و لكن القانون التونسي حدّد شرطين لاستحقاق الجنين للإرث، وهما وجود الحمل وأهليّة الحمل للتمليك.

لكن بالرغم من وجود هذه الشروط يلاحظ أنه تمت إحاطة الجنين بنزعة حمائيّة بدت واضحة من خلال الأحكام المتعلقة بقسمة التركة، إذ ينص الفصل 147 من م.أ.ش. على أنّه: “يوقف من التركة للحمل الأكثر من حظ ابن واحد أو بنت واحدة إذا كان الحمل يشارك الورثة أو يحجبهم حجب نقصان، فإن كان يحجبهم حجب حرمان، يوقف الكل ولا تقسم التركة”.

في هذا الإطار تطرح مسألة المعاملة بين الجنين والوارث، فالفرق في المعاملة أمر واضح ذلك أنّ الحمل يعامل دائما على أساس ما هو أفضل له، بخلاف الوارث الموجود فيعامل على أسو إ حال رعاية واحتياطا للقادم المجهول[32].

وهو ما كرّسه أيضا الفصل 148 من م.أ.ش. الذي جاء فيه: “إذا كان الحمل يشارك الورثة أو يحجبهم حجب نقصان فمن لا يتغيّر فرضه يعط حظه ومن يتغيّر فرضه من الأكثر إلى الأقلّ يعط الأقلّ ومن يسقط في إحدى حالتي الحمل لا يعطى شيئا”.

وعلى هذا الأساس فإنّ الجنين الوارث الذي يستقلّ بالميراث وحده أو يحجب من معه حَجْبَ حرمان، توقف له التركة كلّها إلى وقت ولادته، كما توقف له من التركة الأكثر من حظ ابن واحد أو بنت واحدة، أي يوقف له أوفر النصيبين في صورة ما إذا كان الحمل وارثا على فرض دون آخر، يفرض له على التقدير الذي يرث به، ويوقف له نصيب على هذا الأساس[33].

إنّ أحكام ميراث الجنين تكرّس فكرة مراعاة حق الجنين وحماية مصلحته، إذ لا يخفى أن الحمل أحقّ بالإرث من غيره لضعفه، ومن الظلم أن نحكم بالإرث للقويّ ونحرم منه الضعيف. مع أنّ صلت الحمل بالمورّث كصلة القوي ولا فرق بينهما إلاّ ضعف الحمل وقوّة غيره والضعف من دواعي الإرث لا من دواعي الحرمان منه[34]. ومن الأكيد أن فكرة المصلحة المحميّة والنفع نجدها أيضا في مؤسسة الوصيّة.

حق الجنين في الوصيّة
تعدّ الوصيّة مؤسّسة قانونيّة تكرّس الشخصيّة القانونية للجنين. وقد عرّف المشرّع التونسي الوصيّة صلب الفصل 171 من م.أ.ش. بأنّها: “تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرّع سواء كان عينا أو منفعة”. فالوصيّة استثناءً من الحكم القاضي ببطلان التعامل في العقود المستقبلية، فهي تعامل من الموصي في تركته بإرادته المنفردة. وعلى هذا النحو ليست من العقود الناقلة للملكيّة بين الأحياء.

أجمع فقهاء الشريعة الإسلامية على صحّة الوصيّة للحمل كإجماعهم على صحّة توريثه، واتفقوا على جواز الوصية للحمل استحسانا من غير حاجة إلى القبول لعدم وجود ولي عنه[35].

أقرّ القانون التونسي الوصيّة للجنين متأثرا بالفقه الإسلامي باعتباره مصدرا من مصادر القانون، حيث نصّت لائحة الأحكام الشرعيّة في المادّة 1139: “تصح الوصيّة للحمل الموجود أو الذي سيوجد ويستحقها إذا استهلّ صارخا”. فيعتبر بذلك الفصل 184 من م.أ.ش. امتدادا لأحكام الفقه الإسلامي، إذ نصّ على أنّه: “تصح الوصيّة للحمل بشرط أن يكون موجودا في تاريخ الإيصاء وأن يوضع حيّا في المدّة المعيّنة بالفصل 35. وتحفظ غلة الموصى به من حين وفاة الموصي إلى أن ينفصل الحمل”.

خالف الفصل 184 من م.أ.ش. لائحة الأحكام الشرعيّة، فالمادّة 1139 أجازت الوصية للحمل المعدوم في حين أن التشريع التونسي اشترط أن يكون الحمل موجودا في تاريخ الإيصاء ولم يجز الإيصاء لمن سيوجد أي المعدوم الموصى له.

هذا الحكم يتماشى مع ما اقتضاه الفصل 181 من م.أ.ش.: “أن الموصى له يستحق الوصيّة مع ما زاد فيها من زمن وفاة الموصي”. وقد خالف بذلك ما اشتهر عن مذهب الإمام مالك الذي لم يشترط وجود الموصى له ولو في بطن أمّه، وأقرّ بذلك حق الجنين الموجود أو الذي سيوجد[36].

بالرجوع إلى القانون التونسي وكما اتّضح سابقا فإنّه لا يسمح بالإيصاء للمعدوم بل أقرّ حقّ الحمل في الوصيّة إلاّ أنّ صحّتها ونفاذها موقوف على شروط.

ما يمكن أن نقرّ به هو عدم استثناء صورة الوصيّة للجنين، فعبارة الفصل 179 م.أ.ش. جاءت مطلقة و يجب أن تأخذ على إطلاقها[37].

في هذا الإطار نجد صورة أخرى لم يتعرّض لها القانون التونسي في الفصول من 171 إلى 199 م.أ.ش. وهي صورة المرأة التي تلد أكثر من جنين في وقت واحد فكيف يقع تقسيم الموصى به بينهم؟

إذا ما ولدت المرأة أكثر من جنين في وقت واحد، كانت الوصيّة لهم جميعا، ويقسم الموصى به بينهم بالتساوي إذا ولدوا أحياء، وإن ولد أحدهم حيّا ، كانت الوصيّة للحيّ دون الميت. لكن في صورة ما إذا مات أحدهم بعد ولادته حيّا كان نصيبه لورثته إن كان الموصى به عينا، وإن كانت منفعة عادت إلى ورثة الموصي ما لم يكن هناك شرط آخر فيعمل به[38].

وقد نصّت مجلة الأحكام الشرعية في المادة 194 على أنّه: “إذا انجلى الحمل الموصى له عن أكثر من واحد وزّع الموصى به على عدده والذكر والأنثى سواء إلا إذا نصّ الموصي على خلافه” وهو حلّ مأخوذ من المذهب المالكي ويمكن تبنيه في القانون التونسي من خلال الفصل 57 من م.ح.ع. الذي ينصّ على أنّه: “إذا لم يعيّن مناب كل من الشركاء يحمل على التساوي بينهم”. والفصل 183م.أ.ش. الذي اقتضى أنّه: “… تقع القسمة مع مراعاة الموصي في المفاضلة والتساوي”.

من هنا نلاحظ اختلاف مؤسسة الوصية عن مؤسسة الإرث، ذلك أن في الوصيّة لا يجب التمييز بين الذكر والأنثى، إلاّ في حالة ما إذا نصّت الوصيّة على غير ذلك. لكن هذا الحكم لا ينطبق في صورة الوصية الواجبة، إذ أنّها تعطي للذكر مثل حظ الأنثيين على معنى أحكام الفصل 192 من م.أ.ش. وذلك لما للوصيّة الواجبة من علاقة بأحكام المواريث.

أمّا بالنسبة لاستحقاق الوصيّة وما زاد فيها للجنين، فقد اقتضى الفصل 191 من م.أ.ش. أن ذلك يكون ابتداءً من وفاة الموصي، وهو ما يطرح مسألة مدى إمكانية استحقاق الجنين للوصيّة إذا توفي الموصي قبل أن يولد الجنين. ما نستطيع قوله هو أنّ الجنين يتمتّع في مادّة الوصيّة بحقّ اقتضته مصلحته باعتباره إنسانا حيّا وهو في أطواره الأولى ومعدّا للحياة[39]. إلى جانب إقرار حقوق الجنين المالية من خلال مؤسستي الميراث والوصيّة، فإن المشرّع التونسي أقر له حقا آخر تتأكد من خلاله الشخصيّة القانونية للجنين بكل وضوح وهو حقه في التأمين على الحياة.

التأمين على حياة الجنين
تعتبر مؤسسة التأمين على الحياة مؤسسة حديثة العهد، إذ تكرّس إمكانية تمتّع الجنين بغرامات التأمين، ومن خلال هذه المؤسسة تتأكّد شخصية الجنين القانونية بصفة واضحة.

و التأمين على الحياة هو عقد يتعهّد بمقتضاه المؤمّن مقابل أقساط سنويّة أو قسط يدفع مرّة واحدة بأداء مبلغ من المال إلى المتعاقد معه أي المؤمّن له أو إلى من يعيّنه هذا المتعاقد أي المستفيد إذا تحقّق حادث احتمالي يتّصل بحياة شخص آخر أو بموته[40].

يقوم عقد التأمين على الحياة على أساس قاعدة الاشتراط لمصلحة الغير، لما فيها من مرونة تسمح بتعدّي أثره إلى الغير. وفي أغلب عقود التأمين على الحياة، نجد ثلاثة أشخاص ضمن هذا العقد وهم المؤمّن والمؤمّن له والمستفيد في حالة التأمين على الوفاة. فالمؤمّن في هذه الحالة حتّمت عليه المصلحة الاعتراف بإمكانيّة الاشتراط لمصلحة المستفيد أو المنتفع، وقد يكون هذا المستفيد غير معيّن في العقد أو غير موجود كما هو الشأن بالنسبة للجنين.

وقد أكّد كلّ من فقه القضاء والفقه هذه الإمكانيّة، حيث اعتبر الفقه أنّ الشرط المضمّن في بوليصة التأمين، والقاضي بأن الغرامات تصرف إلى الأبناء الذين يعيشون في البيت من الممكن أن ينسحب على الجنينين التوأمين اعتمادا على المبدأ القانوني القاضي بأنّ الجنين يفترض مولودا كلما اقتضت مصلحته ذلك[41].

هذا النّوع من التأمين يعدّ اعترافا بالشخصيّة القانونية للجنين، بحيث لم يكن مشروط بالولادة، وهذا ما كرّسه القانون التونسي في مجلة التأمين، حيث أقرّ مبدأ جواز التأمين على حياة الحمل أو من سيولد من الأبناء. فقد جاء بالفصل 39 فقرة 2 من القانون عدد 24 لسنة 1992 المؤرخ في 9 مارس 1992 المتعلق بإصدار مجلة التأمين على أنّه: “يعتبر أشخاصا معيّنين القرين والأبناء من ولد منهم ومن سيولد والورثة دون بيان أسمائهم”. هذا الفصل يسمح للجنين بالانتفاع من غرامة التأمين باعتباره ممن “سيولد” من الأبناء. لكن هذه الغرامة يمكن أن يتحصّل عليها الجنين باعتباره وارثا.

إنّ حقّ الجنين في مادّة التأمين يكون أقوى حيث أنّه يتمتّع بغرامة التأمين باعتبار حقّّه مكرسا في هذه المادّة بدون شرط أو قيد عكس ما هو وارد في مادّة الميراث أو الوصيّة. فالشخصيّة القانونية التي يتمتّع بها الجنين في مادّة الميراث مثلا هي مشروطة أوّلا بشرط الوجود، وهذا الشرط يتبعه شرط ولادة المولود حيا بعد انتهاء مدّة الحمل. وعلى هذا الأساس، ففي فترة الحمل تكون الشخصية القانونية غير تامة لأنها لا تستقرّ نهائيا إلاّ بالولادة فهي بعبارة أخرى شخصيّة قانونية مؤقتة.

فعبارة الفصل 39 “ومن سيولد” هي عبارة أوضح مما ورد في الفصلين 147 و148 م.أ.ش. لأنّها تدلّ على أنّ الجنين شخص مستقل بذاته، وتؤكّد على تفرّد الجنين بغرامة التأمين.

ما يميّز وضعيّة الجنين في مادّة التأمين على الحياة عن مؤسسة الميراث والوصيّة، هو أنّ الجنين لا يعتبر خلفا للمؤمّن، وبذلك لا يكون عرضة لمزاحمة دائني المؤمِّن وباقي ورثته في هذا الحقّ المباشر الذي ترتّب له من قبل المؤمّن. هذا ما نستنتجه من خلال الفقرة الأولى الواردة بالفصل 39 من م.ت. الذي ينصّ على أنّه: “يكتسب المستفيد المعيّن بالعقد حقًا خاصّا ومباشرا على هذا المبلغ”. حسب هذه القاعدة القانونية فإنّ حق الجنين في غرامة التأمين لا يزاحم عليه من أي شخص. فهذا الحق هو “حق خاص ومباشر”، أي يهمّ الجنين شخصيّا وينصّ على غرامة التأمين مباشرة، وهو عكس ما هو مألوف في مادّة الميراث حيث أنّ التّركة لا تقسم بين الورثة إلاّ بعد استيفاء الدّين، فهي عرضة لمزاحمة دائني المورّث.

إذن ما يمكن ملاحظته هو أنّ الجنين يتمتّع بحقوق مالية تبرز إقرار المشرّع الضمني بالشخصيّة القانونية، والتي تبدو أكثر تطورا في مادّة التأمين عن مؤسستي الميراث والوصيّة.

والسؤال الذي يطرح هنا: هل تظهر هذه الشخصيّة القانونية من خلال دراسة حقوق الجنين غير الماليّة؟

الفقرة الثانية: حقوق الجنين غير الماليّة

بعد التعرّض إلى حقوق الجنين الماليّة من الجدير معالجة حقوقه غير الماليّة. ومن أهمّ هذه الحقوق التي يمكن أن تسند إليه هي أساسا حقّه في النسب (أ) وفي الجنسيّة (ب).

نسب الجنين
يعتبر النّسب من أهمّ الحقوق التي تثبت للجنين، ذلك أنّ ثبوت النسب يعتبر عاملا محدّدا لكثير من الحقوق سواء الماليّة أو غير الماليّة منها. لكن الإقرار بهذا النسب لم يَلْقَ تأييدا مطلقا سواء كان ذلك في الفقه الإسلامي أو في الفقه الحديث ذلك أنّ مسألة نسب الجنين طرحت عدّة مسائل من بينها مسألة نفي الحمل ثم مسألة استلحاقه.

لقد أثير جدل كبير بين الفقهاء بخصوص مسألة نفي الحمل باعتبار أنّ هذه المسألة ارتبطت باللّعان والتلاعن بين الزوجين[42]، واللعان له معنيان:

المعنى الأوّل لغوي ويساوي البعد، إذ يقال لعنه الله أي أبعده عن رحمته. أمّا المعنى الثاني فشرعي، وقد عرّفه ابن عرفة بأنّه حلف الزوج على زنا زوجته أو على نفي حملها منه وهي تحلف بدورها بتكذيبه. وفي اللعان هناك علاقة زوجية قائمة وصحيحة إذ أنّ ولد اللعان تم حمله حال قيام الزوجيّة التي تستوجب مبدئيا إلحاق نسبه بأبيه، لكن الإشكال في صورة نفي الزّوج للحمل الذي سيولد، هذه المسألة أثارت خلافا فقهيا، إذ انقسم الفقهاء إلى رأيين.

الرّأي الأوّل: يتّسم بجواز نفي الحمل، إذ جاء في “بداية المجتهد” لابن رشد المالكي أنّ الفقهاء اختلفوا في هذا الباب فهناك من قال بنفيه وهي حامل، وقال مالك أنه متى لم ينفه وهو حمل لم يجز له أن ينفيه بعد الولادة بلعان[43]. أي أنّه يتمّ نفي نسب الحمل قبل الولادة.

أمّا الرأي الثاني: فإنّه يري العكس ومنهم الحنفيّة الذين يقرّون بعدم جواز قطع نسب الحمل قبل الولادة، ولا تثبت له الأحكام التي لا تتحقّق إلاّ للولد بعد الولادة[44]. فالجنين يتمتّع بالنسب ولو ظاهريّا لذا لا يجوز نفي نسبه قبل الولادة أي أنّه يفترض وجود النسب قبل النفي وهذا حقّ يتمتّع به الجنين.

أمّا القانون التونسي فلا يقرّ باللعان وحده لنفي النّسب وهو ما نستنتجه من خلال مقتضيات الفصلين 75 و76 م.أ.ش. فعبارات النفي والتلاعن لا تكفي وحدها لقطع النسب بل يجب أن يصدر حكم من المحكمة وبذلك فإنّ توجيه تهمة الزّنا للزوجة لا تكفي وحدها بنفي النسب بل يجب على الزّوج أن يقوم بقضيّة في نفي النّسب وفي هذا الرّأي تأكيد لحماية حقّ الجنين في النسب، وهو ما يحمل على الاعتقاد من أنّ قرينة الفراش يتمتّع بها كلّ من الولد والجنين، ذلك أنّ نفي الحمل ليس إلا دحضًا لهذه القرينة التي تشكّل نوعًا من الحصانة للجنين الناتج من زواج شرعي، وتمتد الحماية للجنين حتى في صورة الزواج الباطل إذ أنّه يثبت له. وذلك حسب عبارة الفصل 22 م.أ.ش. الذي ينصّ على أنّه: ” يبطل الزّواج الفاسد وجوبا بدون طلاق و لا يترتّب على مجرد العقد أي أثر و يترتب على الدّخول الآثار التالية فقط… ثبوت النسب…” والفصل 36 مكرّر من قانون الحالة المدنية[45].

وقرينة الفراش ممتدّة لمدّة الحمل أدناها وأقصاها وكذلك مدّة العدّة باعتبار أنّ هذه المدّة هي التي يقع إثبات النسب فيها وفي هذه الفترة يتعيّن على الأمّ الترقّب وذلك لتجنّب اختلاط الأنساب من ناحية واحترام حق الزّوج والجنين من ناحية أخرى.

و عمل فقه القضاء التونسي على تأييد هذه الفكرة فورد في أحد القرارات التعقيبية[46] أنّه: “خلافا لما ذهب إليه القرار المنتقد، فإنّ ترسيم المولود بدفاتر الحالة المدنية إنّما جعل لثبوت الولادة في تاريخ معيّن، دون أن تكون لذلك علاقة بثبوت النسب أو نفيه. وأنّ نفي النّسب لا يكون إلاّ بحكم الحاكم طبق وسائل الإثبات القانونية التي خوّلها الفصل 75 م.أ.ش. وتأسيسها على ذلك، فإنّ القرار المطعون فيه لها اعتبر أنّ ثبوت النّسب يتوقف على الترسيم بدفاتر الحالة المدنيّة، وأنّه لا يمكن طلب نفيه إلاّ بعد وقوع إتمام إجراءات الترسيم، يكون قد خالف أحكام الفصل 75 المشار إليه، بصورة تعرّضه للنقض”.

هذا الموقف الذي تبنّته محكمة التعقيب يقرّ بأنّ ثبوت النسب لا يتوقّف على الترسيم بدفاتر الحالة المدنيّة وهو يكرّس ضمنيا إمكانية تمتّع الجنين بالنسب لأن الحمل لا يرسم بدفاتر الحالة المدنية. بالرّجوع إلى القانون المقارن نجد أنّ مسألة نفي النّسب لا تطرح في التشريع الفرنسي ولتدعيم هذا الرّأي نجد غياب الأساس القانوني للقيام بدعوى النسب. ليس كما هو الشأن بالنسبة للقانون التونسي الذي يسمح بالقيام بدعوى نفي النسب بالاعتماد على الفصلين 75 و76 م.أ.ش. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نجد الفصل 316 من م.م.ف. المتعلق بآجال القيام بدعوى نفي النسب والتي تمارس في ظرف ستة أشهر من تاريخ الولادة، وهو ما اعتمده بعض الفقهاء كحدّ لاستبعاد دعوى نفي النسب بالنسبة للجنين الذي لا يعدّ شخصا قانونيا ولا يتمتع بحقه في النّسب[47].

لكن هذا الموقف لا يمكن الأخذ به في التشريع التونسي لأنّنا نجد أساسا قانونيا يتمثل في ضرورة القيام بدعوى قضائية لنفي نسب الجنين، بالاعتماد على الفصلين 75 و76 م.أ.ش.

وبصدور القانون عدد 75 لسنة 1998 المؤرخ في 28 أكتوبر 1998 الذي يتعلق بإسناد لقب عائلي للأطفال المهملين أو مجهولي النسب، وقع تدعيم وضعية الجنين بطريقة غير مباشرة من خلال ما نصّ عليه الفصل الأوّل من هذا القانون على أنّ نسب المولود يمكن أن يقع إثباته بالإقرار أو شهادة الشهود أو بواسطة التحليل الجيني، ومن خلال هذا نلمس تحسنًا لوضعيّة الجنين وذلك بتكريس حماية حقّه في النسب كما يتأكد ثبوت النسب عندما يتمّ بصفة مباشرة من الأب وذلك عن طريق الاستلحاق.

المشرّع التونسي لم يعرّف الاستلحاق وبصورة أدقّ فهو لم يتعرّض إليه ولكن حسب التعريف الفقهي، الاستلحاق هو إقرار الأب بالبنوّة من علاقة غير شرعيّة وإلحاق الطفل موضوع الإقرار ببقيّة الأبناء الشرعيين لحفظه من خطر العزل والتهميش.

وفي الاستلحاق هناك شرط يتمثل في أن يكون الولد مجهول النسب وأن لا يقول الأب أنّه حاصل من الزّنا.

هذه المؤسسة تمتد جذورها إلى الفقه الإسلامي حيث جاء في الفقه المالكي أنّه يصح استلحاق الحمل ولا يتوقف ذلك على الولادة[48].

بالرّجوع إلى القانون التونسي وبالتحديد إلى الفصول 68 و73 و74 م.أ.ش. المتعلقة بالإقرار المجرّد كوسيلة من وسائل إثبات النسب يتضح أنّ المشرّع لم يتعرّض إلى إستلحاق الحمل بصفة صريحة وفي هذا الحيّز التساؤل يطرح نفسه: هل يجوز تأويل سكوت المشرّع عن هذه المسألة بالتوسيع من دائرة الإقرار على معنى الفصل 68 ليشمل إستلحاق الحمل، و يمكن بذلك تقديم حماية أكبر لحقوق الجنين؟

إلى جانب إثبات نسب الجنين كحقّ من حقوقه العائليّة، يمكن كذلك التطرّق إلى الجنسية كحق من الحقوق وبالتالي تأكيد شخصيّته القانونيّة.

جنسية الجنين
تعتبر الجنسية أهمّ حق سياسي يمكن أن يتمتّع به أي فرد. فهي الرابطة القانونية التي تربط الفرد بالدّولة وبمقتضاها يمارس الحقوق والواجبات المترتّبة عن ذلك عملا بالقانون الدّاخلي والدّولي.

وباعتبار الحق في الجنسية جزءًا لا يتجزّأ من العناصر المكونة للشخصيّة القانونية، خصّها المشرع التونسي بمجلة خاصة وهي مجلة الجنسية، تضمّنت مجموعة من النصوص القانونية تعنى بكيفية إكتساب و حماية الجنسية.

فهل أقرّ المشرّع التونسي حق الجنين في الجنسيّة؟

إنّ الجنسية يمكن أن تكون بصفة أصلية أو مكتسبة. بالنسبة للجنسية الأصلية تسند إما بموجب النسب أو بموجب الولادة بتونس. على معنى الفصل السادس من م.ج.[49] فبالتمعّن في عباراته المشرع إشترط أن يكون أحد الأبوين تونسيا، و بالتالي يتمتّع الجنين بصفة آلية بالجنسية التونسية إما عن طريق والده التونسي الجنسية أو عن طريق والدته التونسية الجنسية. وهو ما يعرف بثبوتها على أساس النسب.

أما الفقرة الأخيرة من هذا النص تضمنت شرطا آخر لإكتساب الجنسية التونسية وهو أن يولد الجنين بتونس، و هكذا يصبح مكان الولادة هو المحدّد لجنسيته.

وقد نصّت الفصول 7 و8 و9 و10 من م.ج. على شروط اكتساب الجنسيّة التونسية إذا كان الجنين قد ولد بتونس من أمّ تونسيّة وأب أجنبي.

وعلى هذا الأساس يكتسب الجنين الجنسيّة التونسيّة بالميلاد على أرض الإقليم، وهو ما يسمى بحق الإقليم لكن هذا الإسناد يتوقف على شرط الولادة.

أمّا الجنسية المكتسبة فتكون إمّا بفعل القانون أو عن طريق التجنيس[50]. بفعل القانون بمقتضى الفصل 12 من م.ج. و بالتجنيس من خلال ما تضمّنته م.ج. في فصولها من 19 إلى 23.

تاريخيا مسألة الجنسية لم تكن مطروحة في التشريع الإسلامي، فالجنسيّة تعتبر مؤسسة تهمّ الدّولة الحديثة، لكن ما كان يأخذ بعين الاعتبار في السابق هو العامل الديني، حيث قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ” مَا مِنْ مَوْلُود إِلَّا يُولَد عَلَى الْفِطْرَة ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَ يُنَصِّرَانِهِ وَ يُمَجِّسَانِهِ “[51].

من أهمّ المسائل التي طرحت في الفقه هي التي تتعلق بالحالة الدينية للجنين، خاصّة في الدّول التي تشمل طوائف دينيّة مختلفة، فما هو دين الجنين إذا كانت أمّه غير مسلمة وأبوه مسلم؟ وإلى أيّ مدى يمكن اعتبار الجنين وارثا في بلد يمنع التوارث بين المسلمين وغير المسلمين؟

إنّ المسألة متوقفة على الانتماء الدّيني للجنين، إذ أنّ هذه المسألة ليست غريبة عن الفقه الإسلامي، فالجنين كان يحمل على أنّه مسلم، إذ يحكم بدفنه في مقابر المسلمين، أي أنّ الفقهاء قد حكموا بإسلام الجنين قبل ولادته، فهم بذلك غلبوا إسلام الجنين على دين الأمّ[52] باعتبار أنّ الأبَ مسلم. من هنا يقع تقديم حماية أكبر لحقوق الجنين. وهذا ما سنتعرض له من خلال الإجابة عن التساؤل الآتي:

هل يتمتّع الجنين بحماية جزائيّة بصفة منفردة؟

القسم الثاني: تمتع الجنين بحماية جزائيّة

لقد حرص المشرّع التونسي على حماية حقّ الجنين في الحياة باعتباره حقًّا أساسيا وسندا لكل الحقوق الأخرى وذلك من خلال تجريم عدّة أفعال قد تمسّ من حرمته الجسديّة أبرزها الإجهاض (الفقرة الأولى) رغم وجود صور أخرى من الاعتداءات التي تطال جسد الجنين وتتمثل في التجارب العلميّة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: حماية الجنين من جريمة الإجهاض

الإجهاض من أخطر الاعتداءات التي قد لا تنال من السلامة الجسديّة للجنين فحسب بل تتجاوزها إلى حقه في الحياة.

في غياب تعريف تشريعي للإجهاض عرّفه الفقهاء بأنه: “إخراج الحمل من الرّحم في غير موعده الطبيعي عمدا وبلا ضرورة وبأيّة وسيلة من الوسائل”[53]. أمّا الطبّ الشرعي فقد عرّف الإجهاض بأنّه :” تفريغ للرحم من محتوياته بإستعمال أي أدوية أو أدوات أو عقاقير من شأنها إخراج متحصّلاته قبل إكتمال الأشهر الرحمية”[54]. و يتّفق هذا التعريف مع ذلك الذي اعتمده اللغويون في تفسير الكلمة إذ جاء في المصباح: “أجهضت المرأة ولدها، أسقطته ناقص الخلق فالإجهاض إسقاط المرأة جنينها بفعل منها عن طريق دواء أو غيره أو بفعل من غيرها”[55].

إنّ حماية حقّ الجنين في الحياة من خلال القانون التونسي تتأكد بالرّجوع إلى أحكام المجلة الجزائيّة حيث نجد الفصل 214 من م.ج. قد أدرج في الباب الأوّل من الجزء الثاني المُعَنْوَنْ “بالاعتداء على الأشخاص” من القسم الأوّل “في قتل النفس” وتحت الفرع الأوّل “في القتل العمد”، وبذلك نستشفّ أن جريمة الإجهاض تشكل قتل النفس عمدا وهي صورة من صور الاعتداء على الأشخاص كما نلاحظ أنّ الفقرة الأولى والثانية من هذا الفصل توحيان بشمول تحريم الإجهاض في كافة مراحل الحمل.

وقد اعتبر المشرّع الاعتداءات التي تسلّط على الجنين جريمة خاصة تسمّى بالإجهاض ولم يعتبرها من قبيل ارتكاب جريمة القتل لأنّ الجنين يختلف عن المولود الحيّ. وبذلك أقرّ عقوبات صارمة لمرتكب الإجهاض باعتباره جنحة يستوجب اقترافها أو محاولة ذلك عقوبةً تختلف بحسب المقترف: الأم أو فاعل آخر[56].

كذلك من خلال التمعّن في عبارات الفصل 214 من المجلة الجزائيّة[57]، نلاحظ أنّ هذا النصّ تضمّن عديد المفارقات ذلك أنّه تطرّق لمسألة الإجهاض دون أن يذكر هذه الكلمة بصفة صريحة في النصّ العربي والحال أنّها موجودة في النصّ الفرنسي. كما أنّ المشرّع فضّل عبارة “إسقاط حمل” عوضا عن كلمة “إجهاض” و استعمال عبارة “إبطال الحمل” عوضا عن كلمة “إجهاض” أو “قطع إرادي للحمل”. و يتّضح هنا أنّ استعمال المشرّع عبارة “إسقاط الحمل” للدّلالة على الإجهاض لا يشكل استعمالا على غاية من التوفيق لأنّ عبارة “إسقاط الحمل” لا تشمل كافة معاني الإجهاض على النحو المشار إليه[58].

فالإجهاض يختلف عن إسقاط الحمل الذي يمكن أن يكون عفويا أو نتيجة حادث عرضي يحصل للأم دون أن تتدخل فيه إرادة المرأة أو غيرها. كما يختلف الإجهاض على الولادة السابقة لأوانها[59] وعلى عمليّة تطهير الأرحام[60].

و بالرّجوع إلى القوانين المقارنة، نتبيّن أنّ أغلب الدّول الأوروبيّة حرّمت الإجهاض ومنعته وفي ذلك حماية لحق الجنين في الحياة. في هذا الإطار نذكّر ببعض المبادئ التي حظيت بإجماع دولي، من ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل الصادرة سنة 1989 والتي وقّعت عليها الدّولة التونسيّة و جاء في ديباجتها أن:” الطفل وبسبب عدم نضجه البدني والعقلي يحتاج إلى وقاية ورعاية ومعاملة خاصة بما في ذلك حماية قانونية مناسبة قبل الولادة وبعدها”. وبذلك يتّضح أنّ الحماية تمتدّ إلى فترة ما قبل الولادة أي المرحلة الجينيّة.

هذا المبدأ سبق أن وقع تكريسه في إعلان “جنيف” لحقوق الطفل سنة 1924 وإعلان حقوق الطفل المعتمد من الجمعية العامّة في 20 نوفمبر 1959.

و بالتالي تعتبر جريمة الإجهاض من أبرز الأفعال التي تسلّط على الجنين ولكنها ليست الوحيدة إذ يجب كذلك حمايته ضد بقية الاعتداءات والتي من أبرزها التجارب العلميّة.

الفقرة الثانية: حماية جسد الجنين ضدّ التجارب العلميّة

أمام التّطوّر الكبير الذي شهدته العلوم في مختلف مجالاتها وخاصة العلوم الطبيّة، تتالت الاكتشافات وتعددت التجارب الموجهة أساسا لفائدة الإنسان، من أجل تطوير الخدمات الطبية وإيجاد طرق علاج جديدة أكثر نجاعة قد تمنح الأمل لعديد المرضى. كان الجنين أرضية خصبة لإجراء العديد من الأبحاث، وأصبح في الآونة الأخيرة موضوعا للعديد من الممارسات العلمية والطبيّة خاصّة في مجال الهندسة الوراثية. والسؤال هنا يطرح حول حقيقة الحماية الجزائيّة التي يمنحها القانون لهذا الكائن البشري الذي من حقّه الخروج للحياة سليما وببنية طبيعيّة ومتكاملة؟

إنّ المجال الطبّي لا يمكن أن يتطور ويتقدّم ويؤدي خدمات أكثر للإنسان إلاّ بتطبيق النظريات والأفكار التي تمّ التوصّل إليها وإدخالها حيز التنفيذ، وذلك بإجراء العديد من التجارب التي تتراوح بين الفشل والنّجاح. وقد تعرّض المشرّع التونسي لمسألة التّجارب العلميّة ضمن مجلة واجبات الطبيب الصادرة بموجب الأمر عدد 93-1155 المؤرخ في 17 ماي 1993. حيث تمّ تصنيف التجارب إلى نوعين، تجارب علاجية تجرى على الإنسان بهدف معالجته وتحسين وضعه الصحّي وتجارب غير علاجيّة، وهي علميّة بحتة تهدف إلى البحث والاكتشاف وقد نظمتها الفصول 105 إلى 111 من المجلة المذكورة.

وبالتأمل في نصوص هذه المجلة التي نظّمت التجارب على الإنسان نلاحظ أنّها لم تتناول مسألة إخضاع الجنين للتجارب، إذ بقي في هذه المرحلة دون حماية مما جعل سلامته البدنيّة مهدّدة. هذا الفراغ التشريعي تمّ تجاوزه نسبيّا مع القانون عدد 93 لسنة 2001 المؤرّخ في 7 أوت 2001 والمتعلق بالطب الإنجابي، والذّي تعرّض لمسألة إخضاع الجنين للتجارب العلميّة. هذه التجارب والأبحاث التي تجرى على الجنين تتخذ العديد من الصّور، وقد يترتّب على بعضها تشويه في خلقة الجنين، كأن يقوم الأطباء والباحثون بإيقاف نموّ بعض أعضاء الجنين، أو استبدال أماكن نموّ هذه الأعضاء بعضها ببعض[61] فينتج عن ذلك ولادة الطفل مشوّها وعلى غير صورته الطبيعية.

والتجارب العلميّة قد تستهدف أيضا متحصّل الإجهاض، فالجنين الذي تمّ إجهاضه يعتبر مادّة ثمينة بالنسبة للباحثين[62] خاصّة إذا تمّ ذلك في مراحل متقدّمة من الحمل ويخشى أن يؤدي ذلك إلى التشجيع أكثر على الإجهاض.

لذلك سعت أغلب التشريعات إلى توفير حدّ أدنى من الحماية للجنين، من ذلك أنّ المشرّع منع في الفصل 9 من قانون الطبّ الإنجابي، الحصول على أجنّة بشريّة بواسطة الأنبوب أو بأيّة تقنيات أخرى إن كان القصد منها هو الدّراسة والبحث أو التجربة. ولم يسمح بإجراء أي تجربة على الجنين إلاّ إذا كان لغايات علاجيّة لفائدة الجنين نفسه وبموافقة كتابيّة من الزّوجين وهو ما أكده الفصل 10 من القانون نفسه[63].

فالمبدأ إذن هو منع إخضاع الجنين للتجارب العلميّة إلاّ بصفة استثنائيّة ولغايات علاجيّة. وفي صورة تجاوز هذا المنع فإنّ الفصل 31 من نفس القانون أقرّ إلى جانب العقوبات الإداريّة عقوبات جزائيّة تصل إلى السّجن مدّة خمس سنوات مع خطيّة قدرها عشرة آلاف دينار تسلط على الطبيب الذي لا يحترم الأحكام سابقة الذّكر. وهو ما يعكس حرص المشرّع التونسي على حماية الجنين من الاعتداءات التي تسلّط على جسده وتجعل منه مادّة بين أيدي العلماء يخضعونها لتجاربهم وأبحاثهم. وضمن التوجه نفسه ذهبت العديد من القوانين المقارنة من ذلك أنّ المشرّع الفرنسي منع في قانون 20 ديسمبر 1988 المتعلق بالتجارب الواقعة على الإنسان إجراء التجارب على المرأة الحامل لما يمكن أن تسبّبه من أضرار بدنيّة للجنين. كذلك المشرع الألماني ضمن القانون المتعلق بالتجارب العلميّة و الصادر في 13 ديسمبر 1990 منع نهائيّا استعمال الأجنة في الأبحاث والتجارب، أمّا في ما يخص القانون الإسباني الصادر في 27 ديسمبر 1988 فإنّه لا يسمح بإخضاع الجنين للتجارب إلاّ إذا ثبت أنه غير قابل للحياة[64].

إنّ كل هذه الحماية التي يتمتع بها الجنين تهدف أساسا إلى حماية حقّه في الحياة. إلاّ أنّه وفي حالات أخرى نجد الجنين والأم يتمتعان معا بالحقوق والحماية.

المبحث الثاني: ازدواجية من حيث إسناد الحقوق وتقرير الحماية

بعد التعرّض إلى الحقوق المدنيّة والحماية الجزائية الخاصة بالجنين في المبحث الأوّل سيتمّ التعرّض في هذا المبحث إلى الحقوق التي يتقاسمها مع الأمّ (القسم الأوّل) باعتبار أنّ الجنين تابع من الناحية العضويّة لها. فمن البديهي أن يكون مرتبطا بأمه من حيث الحقوق التي تتمتّع بها إلى جانب الحماية الجزائيّة (القسم الثاني).

القسم الأوّل: إسناد حقوق مزدوجة

كما سبق الحديث فإنّه لا يستأثر الجنين بكلّ الحقوق لخاصة نفسه بل هناك حقوق اختلف الفقهاء حول ما إذا كان أصلها يعود للجنين أو للأمّ الحامل. لكن لا بدّ أن يكون للحمل نصيب في هذه الحقوق وهي تتمثل أساسا في نفقة الحامل (الفقرة الأولى) وما يترتّب للأم من تغطية اجتماعيّة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: نفقة الجنين من خلال نفقة الحامل

إنّ نفقة الزّوجة الحامل واجبة على زوجها بحكم الزّوجيّة مهما كانت حالتها الماديّة ويعتبر واجب الإنفاق من الحقوق الثابتة للزوجة بمقتضى العقد والزّوجيّة الصحيحة[65].

ولئن كان الإنفاق واجبًا للزوجة فإنّه غير واجب للخطيبة وكذالك في صورة الزّواج المبرم خلافا للصيغ القانونية، ذلك أنّ الزواج الباطل لا ينجرّ عنه واجب الإنفاق عملا بالفصل 22 من م.أ.ش. والفصل 36 من القانون عدد 3 لسنة 1957 المؤرّخ في غرّة أوت 1957 المتعلق بالحالة المدنيّة.

ومطالبة الزّوجة الحامل زوجها بالإنفاق عليها أثناء الزّوجية يستوجب منها أمرين وهما:

إثبات الزّواج من خلال الاستظهار برسم الصّداق الذي يحرره العدلان الموثقان أو عقد الزّواج الذي يحرره ضابط الحالة المدنية. وكذلك أن تقوم الزّوجة بواجباتها اتجاه زوجها على معنى أحكام الفصل 23 من م.أ.ش. الذي يحمّل الزّوج واجب الإنفاق على زوجته ويقابله التزام هذه الأخيرة بحسن المعاشرة والمساكنة وفي صورة نشوز الزّوجة يسقط حقّها في النفقة[66]. وهنا التساؤل يطرح نفسه هل تجوز النفقة للجنين باعتبار انتسابه للزّوج؟

إنّ الإجابة بنعم تجعل الزّوجة الناشز تحتفظ بالنفقة، وهذا الحلّ يتنافى مع ما جرى عليه العمل فقها وقضاء، ولا يأخذ بعين الاعتبار إن كانت الزّوجة حاملا أو غير حامل.

والنفقة على الزوجة الحامل لا تقتصر على فترة قيام الزّوجية فقط بل هي واجبة للزّوجة كذلك بعد الطلاق إلى انتهاء عدّتها وهو ما أكده الفصل 38 من م.أ.ش. “يجب على الزّوج أن ينفق على زوجته المدخول بها وعلى مفارقته مدّة عدّتها”.

كما أنّ النفقة على الزّوجة الحامل تمتدّ إلى حين وضع حملها ذلك أنّ عدّة الحامل تنتهي بذلك الحدث ويجد هذا الفصل أساسه في الفقه الإسلامي، إذ جاء في قول الله تعالى: ” أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ “[67].

والخطاب في قوله تعالى “فأنفقوا” موجه إلى الأزواج الأمر الذي جعل فقهاء الإسلام يعتبرون أنّ النفقة تشمل المطلقة دون المتوفي عنها زوجها[68].

إذا فإنّ اقتران النفقة بمدّة الحمل وتزامنها معها، يجعلنا نقرّ بأن النفقة هي حق للجنين، فإنّ طيلة مدّة العدّة تتمتّع المطلّقة الحامل بالنفقة. لكن هذا الرّأي غير مبرر لأنّه يجعل النفقة تتضاعف في صورة ظهور الحمل وتعدد الأجنّة.

وبالرّجوع إلى أحكام الفقه الإسلامي نتبيّن أن المذاهب الفقهيّة اتّفقت على أنّ النفقة تجب للحامل ولا للحمل إلاّ أنهم اختلفوا في السبب الذي يوجب الإنفاق على الحامل[69].

وهذا الرّأي نجد له صدى في تشريعنا الوضعي الذي يقرّ أنّ النفقة تجب للحامل لا للحمل وسبب هذه النفقة هو الحمل بالأساس وهو ما يتأكّد من خلال قراءة الفصل 35 من م.أ.ش. الذي يعتبر أنّ الحامل تجب لها النفقة إلى حين الوضع. وبهذا لا يمكن دفع النفقة قبل ظهور الحمل لانعدام السبب الذي جعلت من أجله وإنّما يجب دفعها ببداية ظهور الحمل والذي أصبح اليوم من السهل على الحامل إثباته.

وما يمكن التأكيد عليه في هذا السياق هو أنّ حقّ الجنين في النفقة مرتبط بالأمّ، والملاحظ أنّ حق الحامل أكثر اكتمالا من حق الجنين.

كذلك المرأة الحامل يجب أن تتمتّع بالحق في المسكن لأنه يدخل في نفقة العدّة. لكن بالرجوع إلى قانون 2008[70] من خلال تنقيح الفصلين 56 و 56 مكرر من مجلة الأحوال الشخصية يتضّح أن المشرع لم يذكر المرأة الحامل و لم يعطها حقها في التمتّع بالمسكن بل اقتصر فقط على ذكر المرأة الحاضنة و المحضون في الفصل 56 من نفس المجلة.

إنّ ارتباط حقّ الجنين في النفقة بوالدته يكرّس الطابع المزدوج لبعض الحقوق المسندة للجنين ويبرز ذلك بصفة جليّة في مادّة الضمان الاجتماعي.

الفقرة الثانية: التغطية الاجتماعيّة

إنّ الحمل يمثل حالة تؤول إليها الأمّ وقد تأثّر في صحّتها، واعتبارا لهذا الوضع حظيت المرأة الحامل من خلال التشريع الاجتماعي بالعديد من الامتيازات، تبرز من خلال إعفاء المرأة الحامل من بعض الأعمال الشاقّة والمرهقة كالأعمال الليليّة، وذلك حسب ما نصّت عليه الفصول من 68 إلى 71 من م.ش. كما تمّ إعفاؤها ضمن الفصلين 77 و78 من م.ش. من القيام بالأعمال الخطيرة كالأشغال تحت الأرض. وقد تأكّدت هذه الحماية بالنسبة للأمّ اعتبارا لطابعها المزدوج، إذ تشمل الحامل والجنين.

من خلال هذه النصوص نلاحظ مدى اهتمام المشرّع بالمرأة الحامل حيث خصّص بابا كاملا لمجلة الشغل تحت عنوان “حماية الأمومة” وفرض على المؤجرين عدم طرد المرأة الحامل إذا كان سبب تغيّبها حَمْلُها واعتبر هذا التغيّب غير موجب لقطع عقد الشغل وفصلها، وذلك صلب الفصلين 20 و64 من م.ش. وهذه الأحكام تكفل حق المرأة الحامل في العمل مع التمتع بالرّاحة قصد المحافظة على صحّتها أوّلا وحماية الجنين ثانيا، على أنّ الحمل يقترن بنقص في دخل المرأة يضاف إلى ذلك حاجتها إلى عناية طبية خاصّة[71] وهو ما جعل التشريع الإجتماعي يتدخّل لتغطية هذا النقص المالي في دخل المرأة الحامل، وذلك من خلال صرف غرامات تكميليّة وتوفير خدمات طبيّة لها.

وقد اعتبر جانب من الفقه الفرنسي أنّ هذه التغطية هي حقّ خالص للحامل، وشأن الحمل في ذلك شأن أي مرض قد يصيب المرأة. لكن هناك جانب من الفقهاء يقر أنّ التغطية هي حق للجنين. ويمكن إرجاع هذا التردّد والاختلاف في المواقف الفقهيّة للطابع المزدوج للحماية الماليّة والصحيّة للأمّ والجنين.

القسم الثاني: إقرار حماية مزدوجة

بالتمعّن في الفصل 214 من المجلة الجزائيّة نجد أنّ الحماية التي أقرّها المشرّع بالنسبة للجنين ليست خالصة له فحسب لأنّ تجريم الإجهاض خلال هذه المرحلة يهدف كذلك إلى حماية الأمّ، ذلك أنّ إجراءَه في هذه المرحلة يمثل خطرا على صحّة الأمّ وعلى حياتها من جهة وفي أقل الصّور خطرا قد يتسبب في أمراض رحميّة ينجر عنها عقم المرأة علاوة على المضاعفات النفسيّة لهذا الإجهاض المتأخر. وهذا الأمر يتضح من خلال تأكيد المشرّع في الفقرة الرّابعة من الفصل 214 من م.ج. على ضرورة إجراء هذا الإجهاض في مؤسسة مرخص لها، وطبق شروط محدّدة. ومن هذا المنظور يتّضح أنّ صحّة الأمّ هي محور الحماية التي أقرّها المشرع وهذا يتجلى خاصّة من خلال مسألة إمكانيّة تنفيذ العقوبة على الحامل (الفقرة الثانية)، أمّا الجنين فبالرّغم من أنّ المشرّع أقرّ له حماية خاصّة خلال المرحلة الثانية من الحمل، إلاّ أن هذه الحماية تبقى دائما محدودة بالرّغم من أنّها ظاهريّا تبدو ناجعة (الفقرة الأولى).

الفقرة الأولى: حماية ظاهريا ناجعة خلال الفترة الثانية من الحمل

بعد دخول الجنين في المرحلة الثانية من الحمل، التي تبتدأ من الشهر الرّابع يحظى هذا الأخير بحماية خاصّة خلال هذه الفترة اعتبارا لاكتماله الخلقي[72] وذلك بعد أربعة أشهر من العلوق، وقد جاء في الحديث النبوي ” إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك…”.

ويقول الغزالي في هذا الصدد “إنّ الإجهاض جناية على موجود حاصل ولها مراتب، أن تقع النطفة في الرّحم وتخلط بماء المرأة، أو تستعدّ لقبول الحياة، وإنشاء ذلك جناية، فإن صارت مضغة وعلقة كانت الجناية أفحش، وإن نفخ فيه الرّوح واستوت الخلقة، ازدادت الجناية تفاحشا”. وفي هذه الفترة يصبح الحمل أكثر حماية ويتأكد ذلك من خلال إحاطة الإجهاض ببعض الشروط[73].

إلاّ أنّ الأمّ يرخص لها بالإجهاض بعد ثلاثة أشهر إن خشي أن مواصلة الحمل يمكن أن يتسبّب في انهيار صحّتها أو توازنها العصبي، ونستشف من خلال هذا أنّ الإجهاض في هذه الصّورة هو من أجل المحافظة على صحّة الأمّ وهذا الرّأي كرّسه جانب من الفقه الإسلامي إذ جاء في هذا الصّدد أنّه “إذا كان هناك عذر يقتضي الإجهاض بعد ظهور الحمل كشعورها بالهزال والضعف عن تحمل أعباء الحمل وكون الوضع بالنسبة لها يتم من غير الطريقة الطبيعيّة أي بالعمليّة القيصريّة خاصّة إذا كان قد تكرّر فلا مجال في مثل هذه الأحوال مطلقا لمنع الإجهاض”[74].

وبالرغم من أنّ المشرّع خصّ الجنين بحماية خلال الفترة الثانية من الحمل إلاّ أنّ هذه الحماية تبقى نسبيّة ممّا يوحي بأن تحسّن وضعية الجنين خلال فترة الحمل يبدو ظاهريا باعتبار أن المشرّع أجاز الإجهاض في عدّة حالات وذلك لضروريات علاجيّة وصحيّة والجدير بالملاحظة في هذا السياق أنّ الفقرة الرّابعة من الفصل 214 من م.ج. قد وقع تنقيحها بمقتضى قانون 26 سبتمبر 1973 وأضيف إليها “انهيار صحّة الأمّ” أو “توازنها العصبي” كما أضيف إلى هذه الحالة صورة احتمال إصابة الوليد بمرض أو آفة خطيرة.

فبالنسبة للحالة الأولى للإجهاض الطبي أي الذي يجرى قصد مراعاة صحّة الأمّ وتوازنها الصحّي وتجنيبها المخاطر المترتّبة مباشرة عن الحمل، فإن ما نلاحظه حسب الصياغة الجديدة لهذا النصّ أنه أدخل صورة انهيار صحّة الأم أوتوازنها العصبي، وهو توسّع من شأنه أن يحدّ من الحماية الجزائية التي يتمتع بها الجنين. كما أنّ انهيار صحّة الأمّ يبقى بدوره مفهوما واسعا من شأنه أن يشمل عدّة أمراض أو أعراض عاديّة قد ترافق الحمل، وبالتالي فإنّ انهيار صحّة الأم أو توازنها العصبي يجب أن يحمل على معنى الخطر المحقق الذي يهدّد صحّة الأمّ.

إنّ البحث عن شخصية قانونية للجنين من خلال الفصل 214 من م.ج. يمكن أن يؤدي إلى التقليل من أهميّة هذه الشخصيّة التي تشكو من حالة تبعيّة ذات طابع مزدوج على امتداد مراحل الحمل والحماية التي أقرّها المشرّع صلب هذا الفصل. في الفقرة الثانية من الحمل تبدو غير ناجعة ويعود ذلك إلى أنّ القانون الجزائي التونسي تأثر بالرّأي القائل بأنّ الجنين لا يعد شخصا لمدّة ثلاثة أشهر[75] كما أنّه لا يعتبر كائنا حيّا بذاته مهما بلغ من مراحل نموّ.

والحماية المزدوجة للجنين تظهر أكثر من خلال مسألة إمكانية تنفيذ العقوبة على الحامل.

الفقرة الثانية: مسألة تنفيذ العقوبة على الحامل

لقد كرّس المشرّع التونسي حماية خاصّة للأمّ الحامل ومن ذلك حماية للجنين الذي في بطنها حيث أنّه أفردها بأحكام خاصّة إذ جاء بكلّ من قانون 14 ماي 2001[76] وأمر 4 نوفمبر 1988 المتعلق بنظام السجون[77] على وجوب تمتّع السجينة الحامل برعاية طبيّة قبل الولادة وبعدها وذلك صلب الفقرة الأولى من الفصل 8 من القانون المشار إليه أعلاه، إذ أكّد المشرّع على الرّعاية الصحيّة وعناية خاصة للسجينة الحامل من ذلك أنّ هذه الأخيرة تخضع إلى مراقبة طبيّة مستمرّة من قبل طبيبة مختصة وذلك إلى غاية الوضع، وهو ما نصت عليه القاعدة 23 من القواعد النموذجيّة الدنيا لمعاملة السجناء حيث أنه: “يجب أن تتوفر في سجون النساء المنشآت الخاصة الضرورية لتوفير الرّعاية والعلاج قبل الولادة وبعدها ويجب حيثما كان ذلك في الإمكان اتّخاذ ترتيبات لجعل الأطفال يولدون في مستشفى مدني وإذا ولدوا في السجن لا ينبغي أن يذكر ذلك في شهادة ميلادهم”.

والاهتمام بصحة السجينة الحامل يمتد إلى مرحلتي الولادة وما بعدها. بالنسبة للولادة أكد المشرّع صلب كل من الفقرة الأولى والثانية من الفصل 8 من قانون 14 ماي 2001 على وجوب اتّخاذ الترتيبات لجعل الأطفال يولدون بمصحّة إستشفائية خارج السجن، وإذا ولد الطفل يحجّر التنصيص بدفاتر الحالة المدنية ورسومها والنسخ المستخرجة منها على وقوع الولادة بالسجن[78].

نلاحظ أنّه ورد بهذين الفقرتين إضافة هامة على مستوى توفير الحماية المزدوجة للأم السجينة الحامل وولدها باعتبار أنّ الولادة تتطلّب أجهزة ومعدّات وإطار طبّي وصحّي متخصّص قد لا يتوفّر بالضرورة داخل السجون، ويتحتّم على إدارة السّجن التكفّل بنقل السجينة الحامل عند اقتراب الوضع إلى أقرب مركز توليد أو مؤسسة إستشفائيّة مؤهلة للغرض لتتم عمليّة الولادة في أحسن الظروف، على أن يتمّ تأمين المراقبة اللازمة للسجينة خلال وجودها بالمؤسسة وفق عملية الوضع.

وحماية السجينة الحامل يمكن أن يكون كذلك من خلال حماية حملها فالفصل 9 من المجلة الجزائية[79] بالرّغم من أنه يكرّس حماية الجنين وينصّ على مبدأ شخصيّة العقوبة إلاّ أنّه كذلك كان يحمى الحامل إذ جاء به: “أنّ المرأة المحكوم عليها بالقتل وثبت أنّها حامل، لا تشنق إلاّ بعد وضع حملها”. وهذا الفصل يعتبر نواة الإقرار بالشخصية القانونية للجنين وتأكيدا لحقه في الحياة رغم أنّ حياته احتمالية إذ ليس من المعقول والمنطق أن يأخذ بجريمة أمّه وينفذ فيه حكم الإعدام بالتبعيّة. فهذا الجنين الذي تنتظره الحياة قد يصبح في يوم ما رجلا ينتفع مجتمعه بخدماته[80]. وحتى إن لم يصبح كذلك فإنه لا يعقل أن يصادر حقه في الحياة بسبب فقدان أمه لحقها في الحياة وهذا الحل الذي اعتمده المشرّع التونسي منذ سنة 1913 نجد له سندا في الشريعة الإسلاميّة[81]، وفي القوانين المقارنة والمعايير الدّوليّة.

ففي الفقه الإسلامي ورد أنّه يمنع رجم الحامل حتى تضع حملها وترضعه ويستغني عن لبنها، إلاّ إذا تكلفت امرأة بإرضاعه[82].

هذا حكم الشريعة الإسلاميّة إذا كان الحدّ رجما، وأيضا إذا كان الحدّ جلدا أو قطعا لليد، وذلك لأجل الاحتياط لحياة الجنين وصيانة له حتى لا يتعرّض للتلف. حيث أنّ الضرب والقطع يولدان إرهاقا نفسيا للأمّ ويؤدّي إلى إفساد صحّة الجنين، فيؤذى في جسمه أو نفسه أو يتلف ويهلك. وفي مجلة الجنايات والأحكام العرفيّة تعرّض الفصل 211[83] إلى حكم مماثل للحكم المقرّر في الفصل 9 من المجلة الجزائيّة الحاليّة.

إنّ صياغة الفصل 9 من المجلة الجزائيّة تنطوي على بعض الغموض فهو لا ينصّ إلاّ على شنق المرأة الحامل، وهذه الصياغة قد تسمح بقتل الحامل بطريقة أخرى خاصّة إذا كانت أداة التنفيذ غير المشنقة كالرّمي بالرّصاص مثلا، وهو يتنافى والأساس القانوني للحماية بالنسبة للجنين. ولتأييد هذه الحماية يجب أن تأخذ عبارة “شنق” على معنى كلمة “تعدم” التي تهمّ جميع أشكال تنفيذ عقوبة القتل، لأن أساس تأجيل تنفيذ العقوبة بالنسبة للحامل هدفها حماية الجنين، فتنفيذ العقوبة لا يقتصر على الجانية بل يمتدّ إلى الحمل وهو ليس جانيا.

هذا تكريس لمبدأ شخصيّة العقوبة الذي يحمي الجنين من الموت نظرا لأنّ مصيره مرتبط بمصير أمّه، وهذه الحماية تهمّ جميع مراحل الحمل عكس ما هو منصوص عليه بالفصل 214 م.ج. حيث وقع التمييز بين الفترة الأولى للحمل وهي الأشهر الثلاثة الأولى والفترة الثانية أي الفترة اللاحقة بها. إذن ما يمكن استنتاجه من خلال الفصل 9 من م.ج. هو الإقرار بالشخصيّة القانونية للجنين، حيث نجد المشرّع قد كرّس حقّ الجنين في الحياة أو القابليّة لها، وهذا الموقف الذي ينص على عدم تنفيذ العقوبة على الحامل ومراعاة الجنين بتأجيلها إلى حين الوضع، قد يعكس نوعا من استقلاليّة هذه الشخصيّة ويقصي الرّأي القائل بأنّ الجنين مجرّد عضو من أعضاء الأمّ.

إنّ كل هذه الحماية التي تتمتّع بها الأمّ إنّما هي حماية مقرّرة لفائدة الجنين حتى يتمتّع بحقّه الأساسي في الحياة.

بعد التعرّض إلى مكانة الجنين في التشريع والإقرار بتمتّعه بالشخصيّة القانونية من خلال الحقوق والحماية المسندة إليه بصفة فرديّة أو بصفة مزدوجة مع الأمّّ، هناك تساؤل يطرح نفسه حول خصائص هذه الشخصيّة القانونيّة؟

الفصل الثاني: خصائص الشخصيّة القانونيّة المسندة للجنين

لئن ثبت الاعتراف بشخصيّة قانونية للجنين، إلا أنها على اختلاف الشخصيّة المسندة للإنسان بعد ولادته تتميّز بمميّزات خاصّة بهذه المرحلة. وهنا يمكن التساؤل عن هذه الخصائص التي على أساسها لا يمكن الإقرار بوجود شخصيّة قانونيّة مكتملة للجنين؟

هذا ما سيقع تناوله في (مبحث أوّل)، شخصيّة قانونية منقوصة وفي (مبحث ثان)، شخصية قانونية مشروطة.

المبحث الأوّل: شخصيّة قانونيّة منقوصة

إنّ الاعتراف بالشخصيّة القانونية تتأكّد من خلال الحقوق التي رتّبها القانون للجنين والحماية الجزائية التي متّعه بها. إلاّ أنّ إسناد هذه الشخصيّة قد اتّسم ببعض التردّد، وذلك للنقص الذي اتسمت به وعدم الاكتمال، و هذه الصّورة قد ازدادت اهتزازا في المادّة الجزائيّة من خلال أحكام الفصل 214 من م.ج. (القسم الثاني) إلى جانب الطابع الضيق لبعض الحقوق (القسم الأوّل).

القسم الأوّل: الطابع الضيّق لحقوق الجنين

إنّ الحقوق المدنية التي يتمتّع بها الجنين تتّسم بالهشاشة خاصّة في مادّتي الوصية و الميراث (الفقرة الأولى) وكذالك الهبة (الفقرة الثالثة) و الشفعة (الفقرة الثانية) التي يقرّها القانون المقارن كحق لفائدة الجنين. وبدراسة هذه الحقوق يستنتج أنّ شخصيّة الجنين القانونيّة هي بالأساس منقوصة.

الفقرة الأولى: شروط تمتع الجنين بالوصيّة و الإرث

لقد ساير القانون التونسي الفقه الإسلامي و أقرّ حق الجنين في الوصية، إلا أن هذا الحق قد جعله خاضعا لعدّة شروط. فما هي شروط صحّة الوصيّة للجنين؟

لقد اشترط المشرّع التونسي من أجل صحّة الوصيّة للجنين، أن يكون الحمل موجودا في بطن أمّه حين الإيصاء، أن يوضع حيّا في المدّة المعيّنة بالفصل 35 من م.أ.ش. وأخيرا غياب اشتراط ثبوت نسب الحمل.

إنّ شرط أن يكون الحمل موجودا في بطن أمّه حين الإيصاء قد اشترطها الفصل 184 من م.أ.ش. فوجود الحمل حين الإيصاء يُقصي إمكانية الإيصاء للحمل المعدوم. خلافا لما أقرّه المشرّع المصري من صحّة الإيصاء للحمل الموجود والمعدوم[84].

يترتّب عن تخلف الشرط المذكور بطلان الوصيّة، فحصول الحمل بعد الإيصاء ولو قبل الوفاة لا يمكن أن يتحقق مع الشرط. ومسألة التّأكد من وجود الحمل زمن الإيصاء دقيقة وصعبة ذلك أنّه يمكن أن يوضع الجنين في المدّة القانونية دون أن تكون الأمّ حاملا عند الإيصاء خاصّة وأنّ المشرّع اعتبر أقصى مدّة الحمل سنة. فيمكن أن لا تكون المرأة حاملا عند الإيصاء وتضع مولودها بعد تسعة أشهر من الحمل وبعد سنة أو أقل من الإيصاء فيستحق مولودها الوصيّة رغم عدم وجوده حين إنشائها. ولا يكفي وجود الحمل عند الإيصاء وإنما يجب أن يوضع حيا في المدة المعينة قانونا بالفصل 35 من م.أ.ش.

و إلى جانب ضرورة وجود الحمل في بطن أمه حين الإيصاء، اشترط القانون أن يوضع حيّا، فصحّة الوصيّة إذًا موقوفة على تحقق الشرطين معا وهما أن يوضع الجنين حيا وفي المدّة المعيّنة بالفصل 35 من م.أ.ش.

ففي حالة ما إذا ولد الجنين ميّتا كانت الوصية باطلة وقد عبّر فقهاء الشريعة الإسلامية عن هذا الشرط بالاستهلال أي رفع الصوت بالصياح والصّراخ.

والفقهاء قد اختلفوا في مسألة اشتراط كل الحياة أو بعضها. إذ أنّ المذهب الحنفي اكتفى بولادة الجنين أكثره حيّا، في حين تمسّكت المذاهب الأخرى بولادته حيّا بأكمله. فإذا ولد الجنين ميّتا بطلت الوصيّة لكن في صورة ما إذا ولد حيّا ثم مات بعد ذلك، انتقل حق قبول الوصية لورثته. أمّا القانون الفرنسي اشترط قابلية المولود للحياة بعد ولادته[85]. وهذا الشرط وارد بالمادة 906 من م.م.ف. و هو أضيق من الشرط الموجود بالفصل 184 من م.أ.ش. الذي اكتفى بولادته حيّا.

لكن لا يكفي انفصال الجنين عن أمّه حيّا حتى يستحقّ الوصيّة بل يجب أن يوضع في المدّة القانونية التي أحالها الفصل 184 من م.أ.ش. إلى الفصل 35 من نفس المجلة وهي مدة سنة فإن ولد الجنين لأكثر من سنة من تاريخ الإيصاء كانت الوصية باطلة. والحلّ الذي تبناه المشرّع أي مدّة سنة كان واقعيا ومتماشيا والحقائق العلميّة التي أكّدت أنّه في الحالات العاديّة لا يمكن أن يمكث الجنين في بطن أمّه أكثر من ذلك. و تعرض فقه القضاء للوصيّة في إحدى القرارات التعقيبية التي وقع فيها إتمام الوصيّة في 24 ماي 1951 و الطاعنة ولدت في 15 نوفمبر 1952 فهي حينئذ لا تستحق الوصية لعدم توفر شرط الفصل 184 من م.أ.ش.[86].

والملفت للانتباه بخصوص الفصل 184 هو غياب تحديد صفة الحامل فهي يمكن أن تكون متزوّجة أو معتدّة من طلاق أو وفاة أو حتى زواج باطل ولم لا عزباء؟

وفي ما يخصّ غياب اشتراط ثبوت نسب الحمل فإنّ التساؤل الذي يفرض نفسه بخصوص الوصيّة للحمل يتمثل في الدّافع الذي يجعل الشخص يوصي لحمل لم يوجد بعد؟

والإجابة عن هذا التساؤل تفترض وجود افتراضين:

أوّلهما أن يكون هذا الحمل قريبًا للموصي و سَيُحْجَبُ من الميراث حَجْبَ حرمان، ووعيا منه بذلك وتخفيفا من حدّة هذا الحرمان يتولى الإيصاء له. أمّا ثانيهما فألاّ تكون للحمل صلة قرابة ظاهرة بالموصي، لكن هذه الفرضية ليست فرضيّة صلبة إذ أنّ الصّلة الدّمويّة وحدها هي التي تدفع الموصى للإيصاء للحمل.

لكن ما هي هذه الصلة الدّمويّة على فرض وجودها خاصّة وأنّ المشرّع يشترط ألاّ يكون الموصى له وارثا؟

إنّ اكتفاء المشرّع اشتراط وجود الحمل عند الإيصاء فضلا عن ولادته حيّا في المدّة القانونيّة يجعلنا نتساءل عن سبب عدم تعرّضه لشرط ثبوت النّسب الشرعي للحمل فهذا الفراغ يمكن أن يمكّننا من القول بصحّة الوصيّة لحمل كان نتيجة اتصال جنسي خارج فراش الزّوجيّة.

إلى جانب هذه الشروط التي اشترطها المشرّع لتصح الوصيّة للجنين فقد اشترط شرطا آخر يتمثل في أن الموصى له يجب أن لا يكون وارثا. أصل هذا الشرط، الحديث الشريف الذي رواه الترمذي وأبو داوود والنّسائي عن أبي قلابة قال: “سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجّة الوداع: إنّ الله أعطى لكلّ ذي حق حقه فلا وصيّة لوارث”[87]. لكن المشرّع التونسي لم يأخذ هذا القيد على إطلاقه، بل أجاز الوصيّة للوارث على شرط إجازتها من بقيّة الورثة، وجعلها في حدود الثلث بالنسبة لغير الوارث، إلا إذا أجاز الورثة ما زاد منها على ذلك وهو ما نصّ عليه الفصل 179 من م.أ.ش.[88]

لكن هل ينطبق القيد الوارد بالفصل 179 م.أ.ش. على أحكام الوصيّة المنصوص عليها بالفصل 184 م.أ.ش.؟

لا يخضع الحكم الاستثنائي الوارد بالفصل 184 م.أ.ش. للأحكام الخاصّة بسائر الوصايا، أي تلك المترتبة للأشخاص الطبيعيين المولودين، وهذا الرّأي يجعل الجنين يجمع بين حقه في الإرث والوصيّة. ويكون الحق المرتّب للجنين من خلال الوصيّة غير خاضع لإجازة الورثة المنصوص عليها بالفصل 179 م.أ.ش. و هذا الرّأي يفتح المجال أمام التحيّل على أحكام الإرث، أي أنّ الجنين يتحصّل على حقه في الإرث وأيضا الوصيّة، وبالتالي يخالف قواعد العدل والإنصاف.

و لكن الجنين لا يعتبر وارثا إلاّ بشروط. فما هي هذه الشروط؟

لقد حدّد القانون التونسي شرطين لإستحقاق الجنين للإرث و هما وجود الحمل و أهلية الحمل للتمليك.

فبخصوص الشرط الأوّل أي وجود الحمل عند وفاة المورّث فهو مرتبط بالمدّة التي من المحتمل أن تستمر قائمة حتى الوضع ولقد أجمع الفقهاء على أنّه إذا كان الحمل يرث من غير أبيه فلا بدّ أن يولد في غضون تسعة أشهر من تاريخ الوفاة. وإذا كانت الحالة الزوجية غير قائمة فلا بدّ أن يولد الحمل في بحر 365 يوما من تاريخ الوفاة[89]، وهو ما نصّ عليه الفصل 150 من م.أ.ش.

أمّا الشرط الثاني فيتمثل في أهليّة الحمل للتملك ذلك أنّ الفقه الإسلامي اشترط انفصال الحمل عن بطن أمه حيّا حتى يكون أهلا للتملك والمشرّع التونسي اقتفى هذا الأثر.

نلاحظ من خلال مؤسستي الإرث و الوصية الطابع الضيق لحقوق الجنين. و السؤال الذي يطرح هنا: هل يستطيع الجنين أن يتمتّع ببعض الحقوق المالية الأخرى كالشفعة و الهبة؟

الفقرة الثانية: مدى تمتع الجنين بالشفعة

إنّ تمتع الجنين بالحقوق يظل محكوما بمنطق شخصيّته القانونيّة التي لا يمكن مثلا أن تقوم بالدّعاوى. لكن الخلاف الفقهي قد ثار حول أهليّة الجنين في التمتع بالشفعة، ذلك أنّ الإقرار بمثل هذه الحقوق يجعل منه أهلا للتعامل. وهو ما يتعارض مع شخصيّته القانونيّة المنقوصة.

غير أنّ جانبا من فقهاء الإسلام أقرّ إمكانية القيام بالشفعة للجنين وقد ورد في هذا السياق في “القواعد”[90] لابن رجب أنّ من الحقوق التي اختلف في شأنها الفقه: “الأخذ للحمل بالشفعة إذا مات مورثه بعد المطالبة، قال الأصحاب لا يؤخذ له، ثم منهم من علّل بأنه لا يتحقق وجوده ومنهم من علل بانتفاء ملكه، ويخرج وجه آخر بالأخذ له بالشفعة بناء على أنّ له حكما وملكا”. والجدير بالإشارة في هذا الحيز هو تحديد الشفعة إن كانت حقّا يمنح للأشخاص أم أنها لا تدخل في دائرة الحقوق؟

بالرّجوع إلى الأحكام المنظمة للشفعة وبالتحديد الفصول 110، 111، 114 و115 من م.ح.ع.[91]، نتبيّن أن الشفعة هي دعوى مرتبطة بتوفر عدّة شروط والتزامات. ففيما يتعلّق بصفة الشريك المشترطة في الشفيع، فإنه ليس هناك ما يمنع من اعتبار الجنين شريكا، وذلك بالاعتماد على اعتباره إمّا مالكا لحصّة مشاعة في عقار مشترك، أو باعتباره وارثا للشفيع. هذا ما ورد بالفصل 110 من م.ح.ع. لكن هذه الفرضية الثانية تطرح مشكل انتقال دعوى القيام بالشفعة إليه باعتباره وارثا. وحسم هذا الإشكال يبقى متوقفا على مدى إمكانيّة تمتع الجنين أصالة عن نفسه بالشفعة.

إنّ إجراءات القيام بدعوى الشفعة تصطدم بعدّة صعوبات، تتمثل في ضرورة عرض الشفيع الثمن على البائع، وفي صورة الرّفض فإنّه يقوم بتأمينه بصندوق الودائع، لكن هذا الأمر لا يمكن إقراره للجنين نظرا لأنه فاقد لأهليّة القيام بالدّعوى. إضافة إلى ذلك فإنّ الشفيع يحل محلّ المشتري إزاء البائع في جميع حقوقه والتزاماته في المرحلة اللاحقة لصدور الحكم، وهذا يفترض قدرا من الأهليّة غير متوفّر للجنين.

ومن خلال هذه العوائق التي تحول دون قيام الجنين بهذه الدعوى فإنه لا يمكن إقرار هذا الحق له ولكن أمام غياب قدرة الجنين على القيام بهذا الحقّ. هل يجوز لولي الجنين ممارسة هذا الحق؟

الإجابة يمكن أن تكون إيجابية في القوانين المقارنة التي تقرّ بالولاية على أموال الجنين، لكن الصعوبة تطرح على مستوى القانون التونسي الذي لا يتضمّن نصّا صريحا يقرّ بالولاية على أموال الجنين وحتى بالرّجوع إلى أحكام الفقه الإسلامي التي نصّت على الولاية على أموال الجنين، فإنّ الولي أو الأمين ليس إلاّ مجرّد حافظ لأموال الجنين والولاية عليه ليست إلاّ مؤقتة فهي بذلك لا تستغرق القيام بدعوى الشفعة. وتبقى أهليّة الجنين كعائق لإقرار بعض الحقوق له وتظهر بصفة جلية عند الحديث عن حقه في استحقاق الهبة.

الفقرة الثانية: مدى استحقاق الجنين للهبة

يرى جانب من الفقه أنّ الاعتراف بالشخصيّة القانونية للجنين إنّما هو استثناء، فهذه الشخصيّة لا تعطيه إلاّ أهليّة وجوب محدودة، وصلاحيته لاكتساب الحقوق تقتصر على الحقوق التي لا يشترط لثبوتها القبول كالميراث والوصيّة، إذ لا يعتبر القبول شرطا لصحّة الوصيّة، أمّا إذا كان اكتساب الحقوق يتوقف على القبول كالهبة لأنها تنعقد بالإيجاب والقبول، فإنّ الجنين لا يصلح لاكتسابها[92].

الهبة عرّفها المشرّع التونسي صلب الفصل 200 من م.أ.ش. بأنها: “عقد بمقتضاه يُمَلّكُ شخص شخصا آخر مالا بدون عوض”. من خلال هذا التعريف يتّضح أنّ عقد الهبة هو عقد من العقود الناقلة للملكية من الواهب إلى الموهوب له فهو عقد بين الأحياء بموجبه يتصرّف الواهب في ماله دون عوض بنيّة التّبرّع.

وإن لم يرد هذا الشرط صراحة في القانون التونسي، إلاّ أنّ بقية القوانين العربية قد نصّت على ذلك مثل المادّة 487 من القانون المدني المصري وكذلك المادّة 455 من القانون المدني السوري وأيضا الفصلين 507 و508 من القانون المدني اللبناني.

إذًا فعقد الهبة يجعل القواعد المقرّرة في نظرية العقد تسري عليه، وهو ما يجعل شروط انعقاده تطابق الإيجاب والقبول الصادرين من الواهب والموهوب له.

واشتراط القبول يحتّم أن يكون الموهوب له موجودا حقيقة فلا يكفي أن يكون موجودا حكما كالجنين في بطن أمّه. وهذا يؤدي إلى القبول ببطلان الهبة في هذه الصورة لأنّ الهبة إيجاب وقبول والجنين لا يقدر على ذلك. لكن ما الحل في صورة صدور الإيجاب لفائدة شخص لم يولد بعد، أي لجنين مازال في بطن أمه فكيف يتم القبول؟

بالتأمل في أحكام الفقه الإسلامي بخصوص الهبة يتبيّن أنّ المذهب المالكي أجاز الهبة للجنين حيث ورد عنها: “أنّ يوقف الشيء الموهوب فإن مات بعد ولادته حيّا كان الشيء الموهوب لورثته، وإن ولد الجنين ميّتا بقي المال على ملك الواهب”[93].

لكن بصفة مجملة الرأي السائد في الفقه الإسلامي هو الرّأي الرّافض للاعتراف بحق الجنين في الهبة وهذا الموقف تبناه المشرّع التونسي، وهذا على خلاف ما ورد بالقوانين المقارنة كالقانون اللبناني الذي أجاز بصفة صريحة في المادّة 513 موجبات على “أنّ الهبات التي تمنح للأجنة في الأرحام يجوز أن يقبلها الأشخاص الذين يمثلونهم” ويتّضح من هذا القانون أن المشرّع اللبناني أجاز بصفة صريحة قبول الهبة لمن يمثل الجنين، كذلك القانون المصري المتعلّق بالولاية على المال الصادر سنة 1952 أقرّ بصحّة نصب الولي على الحمل ليقبل الهبة.

وهذا الموقف ليس بالغريب عن القانون الفرنسي الذي نصّ هو بدوره صلب المادّة 906 من م.م.ف. على حق الجنين في الهبة ولم يقف عند هذا الحدّ فحسب بل أجاز علاوة على ذلك إمكانيّة الرّجوع في الهبة في الصورة التي يرزق الواهب ولدا.

كما يسمح الفصل 961 من م.م.ف. للواهب الرّجوع في الهبة أثناء فترة الحمل أي إذا كان الطفل جنينا[94]. لكن هذا الأمر لا يجوز التسليم به في القانون التونسي رغم أنّ الفصل 210 من م.أ.ش. في الفقرة الثالثة منه نصّ على جواز الرّجوع في الهبة إذا رزق الواهب بعد الهبة ولدا يظل حيّا إلى وقت الرّجوع، وذلك لأنّ عبارة هذا الفصل واضحة.

من خلال دراسة مؤسستي الشفعة والهبة نلاحظ أنّ الجنين رغم تمتعه بالشخصيّة القانونيّة إلاّ أنّ حقوقه مازلت تتّسم بالهشاشة والاستعصاء، إلى جانب حمايته التي تتّسم بالمحدوديّة.

القسم الثاني: حماية جزائيّة محدودة

محدوديّة الحماية الجزائيّة للجنين تتجلى بوضوح من خلال قراءة أوليّة للفصل 214 من م.ج. وبالتحديد الفقرة الثالثة منه[95]. حيث نستشفّ أنّه بالرّغم من الحماية التي كرّسها المشرّع في الفقرة الأولى من الفصل المذكور وذلك بمنعه إسقاط الحمل وتسليط عقوبة على ذلك، إلاّ أنّه أجاز الإجهاض الإرادي في فقرة ثانية كما أجاز الإجهاض العلاجي أو الصحّي في فقرة ثالثة، فما يمكن استنتاجه من هذا الفصل أنّ المشرّع جعل تحريم الإجهاض هو المبدأ والترخيص فيه والاستثناء. (الفقرة الأولى) لكن في بعض الحالات يعجز المشرّع عن التصدّي لظاهرة الإجهاض وذلك نتيجة عدّة أسباب (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: إمكانية إجهاض الحمل خلال الفترة الأولى

لقد أجاز المشرّع إمكانية إبطال الحمل خلال الفترة الأولى منه لكن يجب أن يتمّ ذلك بشروط ثلاث وهي متكاملة:

أوّلا أن تجرى عمليّة الإجهاض من طبيب مباشر، ثمّ إنّ العمليّة يجب أن تتمّ في مصحة استشفائيّة وأخيرا يجب أن يتمّ ذلك خلال ثلاثة الأشهر الأولى. لكن هذه الشروط التي أكّد عليها المشرّع تختلف عمّا هو موجود في القانون المقارن وذلك على مستوى الأجل الذي يباح فيه الإجهاض إذ أنّ القانون الفرنسي حدّده بشهرين وعشرة أيّام، أما في السويد فإنّ الفترة تصل إلى حدود أربعة أشهر وخمسة عشرة يوما، في بريطانيا العظمى الأجل هو ستة أشهر وواحد وعشرين يوما[96].

لكن هذه الشروط الشكليّة التي نص عليها الفصل 214 فقرة ثانية منه لا تمثل حدّا لسلطات الأم في الإجهاض الذي يبقى خاضعا لمشيئتها وهو ما يفضي إلى تهميش سلطة الأب.

الحمل يكون خلال الثلاثة أشهر الأولى خارج دائرة الحماية القانونيّة إذ على الرّغم من إجماع الفقه على تحريم الإجهاض بعد نفخ الرّوح فيه إلاّ بعذر فإنّ هذه المرحلة قد ظلت غامضة، لذلك وجد اختلاف بين الفقهاء. حيث جاء في الفقه الحنفي أنّه يجوز للمرأة إسقاط الحمل ولو بلا إذن الزّوج، أمّا المالكيّة فقد كانوا أكثر تشدّدا من الحنفيّة في هذه المسألة ذلك أنّهم منعوا الإجهاض ولو قبل الأربعين يوما على ما هو معتد في المذهب[97]. خلال هذه الفترة تحتفظ الأمّ بحقها في منح الجنين الحياة أو حرمانه منها وهو ما يفترض قدرا كبيرا من التبعيّة نحو الأمّ على اعتبار أنّ الجنين سوف لن يبلغ الحماية التي تخضع لها أعضاءها فالأم لا تستطيع أن تطلب ترخيصا في قطع أعضائها دون موجب طبي ممّا أدّى ببعض الفقهاء إلى القول بأنّ الجنين في هذا الطور هو شيء تملكه ويمكن لها إبقائه أو إتلافه.

إلاّ أن التساؤل يطرح بالنسبة للعقوبات المقرّرة في طالع الفصل 214 من م.ج. إذا كانت الأمّ تتمتّع بكلّ هذه الحريّة في إبقاء الجنين أو إسقاطه؟

بالرّجوع إلى أحكام الفقرة الأولى من الفصل المذكور نتبيّن أنّ التجريم مرتبط بالظروف التي تحف بالإجهاض أي الوسائل المعتمدة لهذا الغرض والأشخاص الذين شاركوا في هذه العمليّة.

والعقوبات تدرّج بها المشرّع بحسب ما إذا أقدمت المرأة على الإجهاض بنفسها أو بمساعدة الغير واستعمالها لأدوات معيّنة، فالعقاب في الصورة الثانية أرفع، ومبررات ذلك أنّ المرأة التي تقدم على إجهاض نفسها تلحق ضررا بكائن واحد وهو الجنين، لكن إذا ما أجهضها الغير فهناك متضرّران الأمّ والجنين ولذلك يكون العقاب أشدّ باعتبار أنّ أهل الإختصاص الطبي هم أدرى بالوسائل التي يمكن اعتمادها إلى جانب قدرتهم بالخصوص على إخفاء آثار الإجهاض وعوارضه.

والمرأة عادة تلجأ إليهم ولذلك توصف جريمة الإجهاض وصفا أشدّ، كما أنّ في هذا الطور من المفيد التصدّي لظاهرة الإجهاض الخفيّ[98]. باعتبار أنّ الإجهاض الذي يتمّ في ظروف غير صحيّة أي خارج مصحة استشفائيّة قد يشكّل خطرا على صحة الأمّ إذ قد يتسبّب في وفاتها في بعض الأحيان[99].

وهو ما حدا بالمشرّع رغم الحرّية التي تتمتع بها الأم في القيام بعملية الإجهاض خلال الثلاثة أشهر الأولى من الحمل، إلى إحاطته بضمانات صحيّة وذلك من خلال اشتراط إجراءه من طرف طبيب مباشر بصفة قانونيّة وفي مؤسسة استشفائية. وقد صدر في هذا الإطار قرار عن محكمة الاستئناف بتونس عدد 289 مؤرخ في 23 مارس 1994[100].

وهو ما اعتمده القانون الفرنسي الصادر في 17 جانفي 1975 الذي يوجب إجراء الإجهاض بشروط وذلك لتجنب التجاوزات التي وقعت، حيث أن عملية الإجهاض يقوم بها طلبة في الطب والعلوم أو من قِبَلِ أطباء غير مختصين، وفنيين سامين في التصوير بالأشعة، وحتى من أطباء نفسانيين[101]. وبناء على ما سبق ذكره فإنّ حريّة الأمّ في الإجهاض تبقى حريّة غير مطلقة بل هي مقيّدة بشروط لكن هل أنّ هذا التقييد يقف عند حدّ الشروط التي أوجبها المشرّع أم يتحدّاها إلى سلطات الأب في هذا الشأن؟

بالرّجوع إلى أحكام الفقرة الثالثة من الفصل 214 م.ج. لا نرى أن هناك ما يسمح بحسم مسألة سلطة الأب في منع الإجهاض أو الموافقة عليه، إذ المسألة تبقى على مشيئة الأم وحريتها في أخذ القرار من عدمه وتهميش دور الأب في اتخاذ قرار الإجهاض ليس فيه غرابة بالرجوع إلى القوانين المقارنة التي هي بدورها أقصت سلطة الأب في هذا الشأن ذلك أن مجلس الدولة الفرنسي من خلال قرار صادر له بتاريخ 31 أكتوبر 1981[102] قد أقصى الأب من سلطة اتخاذ قرار الإجهاض أو المشاركة فيه عندما اعتبر أنّ أحكام الفصل 462 (فقرة رابعة) من مجلة الصحّة العموميّة الفرنسيّة ذات تطبيق اختياري وهي بذلك لا ترتّب أي حقّ للأب.

لكن هل يوجد أساس قانوني آخر يسمح للأب بالتدخل لمنع الإجهاض؟ هذا الأساس يتعلق بالسلطة الأبويّة باعتبارها وظيفة اجتماعية تستهدف حماية الطفل وتأكيد سلامته الجسديّة، وهو ما يجعل قرار الإجهاض من مشمولات هذه السلطة. لكن نجد صعوبة تعترض تبنّي هذا الأساس القانوني تتعلّق بمدى إمكانية التسليم بوجود مثل هذه السلطة قبل الولادة، حيث أنّ هذا الأساس القانوني رغم وجاهته وواقعيّته، يبقى عاجزا عن التعرّض للزوجة ومنعها من إجراء الإجهاض، إذ لا يوجد في عبارة النص الجزائي[103] ما يحمل على الاعتقاد بوجود أي سلطة للأب. كما أن المسألة لها مساس بحرية الزوجة الشخصيّة، ولا يبقى للأب إلا نفوذا أدبيا يجعلها تتراجع عن قراراها كتهديدها مثلا بالطلاق في صورة اقترافها لهذا الخطأ. على اعتبار أنّ الإجهاض حتى وإن كان مشروعا، فإنه يشكل إضرارا بالزّوج يحرمه من حقه في الأبوّة.

لذلك فإنه يجب التنصيص صراحة على تشريك الأب في اتخاذ مثل هذا القرار، ذلك أن الجنين يعتبر نتاجا للعلاقة الزّوجيّة وقاسما مشتركا بينهما.

لكن الجدير بالملاحظة في هذا السّياق حتّى وإن كان للزّوج سلطة في منع الزّوجة من الإجهاض إلاّ أنّه لا يمكن التصدّي كليّا لظاهرة الإجهاض ذلك أنّ المشرّع نفسه رغم سعيه للتّصدّي لهذه الظاهرة من خلال التجريم والعقاب إلاّ أنّه لم ينجح في القضاء عليها ويعود ذلك لأسباب عديدة. وهنا يقع التساءل عن هذه الأسباب التي تحول دون التّصدّي لظاهرة الإجهاض؟

الفقرة الثانية: أسباب العجز عن التّصدّي لظاهرة الإجهاض

يعود فشل السّياسة الزّجريّة التي اتّبعها المشرّع للحدّ من ظاهرة الإجهاض إلى خصوصيّة الإجهاض الذي يعدّ من أسرار العائلة والذي من المفروض أن يبقى داخل هذا الإطار، فضلا عن وجود حالة مشابهة وهو الإجهاض الطبيعي الذي يتمّ عرضا دون تدخّل أحد. يضاف إلى ذلك أنّ الإجهاض عادة ما يتمّ في الخفاء وفي سرّيّة مطلقة مع الحرص الكامل على إخفاء آثار الجريمة ممّا يجعل من الصّعب الكشف عنها، وحتّى الحالات القليلة التي يتمّ فيها الكشف عن مثل هذه الجرائم، يكون نتيجة الوشاية التي يمكن أن تصدر عن شخص حريص على ولادة الطفل مثل الزّوج أو أحد أفراد العائلة أو أي شخص آخر شهد عمليّة الإجهاض أو حصل له علم به[104]. وللتأكد من تلك الوشاية يتمّ عرض المرأة في صورة إنكارها على الاختبار الطبّي الذي يمكن من التثبت من وقوع الإجهاض من عدمه.

كما يمكن أن تصدر الوشاية عن الأطبّاء والجرّاحين وغيرهم من أعوان الصّحة، الذين وإن كانوا ملزمين بالحفاظ على السرّ المهني عملا بالفصل 254 م.ج. فإنّهم إذا اكتشفوا أثناء مباشرتهم لمهنتهم، أنّ إسقاط الحمل كان متعمّدا وبطريقة مخالفة للقانون، فإنّ إعلامهم للسلطات المختصّة لا يعتبر خرقا لهذا الواجب، لكن تجدر الملاحظة أنّ الفصل المذكور يستعمل عبارة “الوشاية” وهي تفيد في اللغة النميمة والكذب[105] وهي أفعال مكروهة، يرفضها الأفراد ويترفّعون عنها ويستصغرون شأن كلّ من يقوم بها، وبالتالي فإنّ استعمالها في الفصل 254 م.ج. المتعلق بالحفاظ على السّر المهني لن يشجع الأطباء وإطارات الصحّة على الإعلام في صورة حصول جريمة إجهاض لذلك كان من المستحسن تغييره مثلا بلفظ “الإشعار” أو “الإعلام”. وذلك لتشجيع النّاس وخاصّة أهل الاختصاص على التبليغ عن هذه التجاوزات.

إذن، وأمام صعوبة إثبات حصول جريمة الإجهاض، فإنّ تتبّع مرتكبيها يكون نادرا جدّا، ممّا يؤدي إلى إفلات عديد النجاة من العقاب.

وقد ساهم أهل الاختصاص في بعض الأحيان في تفشّي هذه الظاهرة من ذلك ما وقع التّصريح به في مؤتمر صحفي بتاريخ 17 جانفي 1985 بفرنسا من مسيّري الحركة الفرنسيّة للتنظيم العائلي، القيام بإجراء 2141 عمليّة إجهاض مخالفة للقانون سنة 1984 في مراحل متقدّمة من الحمل دون أن يقع القيام بأي تتبّع ضدّهم[106].

وبالتالي فإنّ قلّة التتبعات لا تعني بالضرورة عدم حصول عمليات إجهاض ممنوعة، فبالرّجوع إلى الإحصائيات الصّادرة عن وزارة العدل حول التتبعات التي أجريت ضد مرتكبي جرائم الإجهاض، يلاحظ انخفاض هذه التتبّعات وقلتها. ففي سنة 1996 وقع تتبّع حوالي 18.96 حالة فقط[107]. والأكيد أنّ الجرائم المرتكبة فعلا أكثر بكثير من هذه النسب وذلك بالنظر إلى السرّية التي تتّسم بها هذه الجريمة، إضافة إلى صعوبة إثباتها وقلّة التبليغ عنها، إذ نادرا ما يصل إلى السلطات العلم بهذه الجرائم وذلك في حالة حدوث نتائج خطيرة تترتّب عن الإجهاض يصعب إخفائها: مثل موت المرأة، أمّا في الحالات العاديّة فإنّ الجريمة ترتكب ويتمّ إخفاء آثارها دون أن يعلم بها أحد، وبذلك تبقى العقوبة التي يقررّها المشرّع ضد مرتكبي جرائم الإجهاض، تبقى نظريّة، باعتبار أنّ الواقع يشهد حصول العديد من التجاوزات والاعتداءات على حق الجنين في الحياة.

إنّ الشخصيّة القانونية التي يتمتّع بها الجنين هي بالأساس منقوصة فهل هي كذلك مشروطة؟

المبحث الثاني: شخصية قانونية مشروطة

لقد أجمع جانب هامّ من الفقهاء على أنّ ثبوت الشخصيّة القانونيّة والحقوق التي رتّبها المشرّع تقتضي توفر شرط الوجود وتحقق الحياة بعد الولادة (القسم الثّاني). فشرط الوجود يمثل الفيصل بين الجنين والمعدوم، ذلك أنّ المشرّع قد رتّب على هذا الوجود نتائج قانونيّة هي الفارق بين هذين المفهومين. وشرط الوجود مرتبط أساسا بمسألة مدّة الحمل (القسم الأوّل) التي اختلف في شأنها الفقه.

القسم الأوّل: مدّة الحمل

لقد ارتبطت مسألة مدّة الحمل أساسا بقرينة الفراش باعتبارها وسيلة لإثبات النسب وتصنّف مبدئيّا مدّة الحمل إلى نوعين: أقصاها (الفقرة الثانية) وأدناها[108] (الفقرة الأولى).

الفقرة الأولى: تحديد أدنى مدّة الحمل

لقد اتّفق جل الفقهاء على أنّ أدنى مدّة الحمل ستة أشهر ومناط هذا الإجماع الفقهي، قول الله تعالى: ” وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا “[109]. وقوله تعالى: ” وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ “[110]. وعمد الفقهاء إلى خصم العامين من ثلاثين شهرا فاتفقوا على اعتبار أدنى مدّة الحمل هي ستة أشهر. ويقول أيضا الرّازي في تفسير هذين الآيتين أنّ مدّة الحمل لا تقلّ عن ستة أشهر حيث جاء في قوله تعالى:”وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ”[111]. مع العلم أنّ لتكوين الجنين زمانا مقدرا، فإذا تضاعف تحرّك الجنين فإذا تضاعف إلى ذلك مثلاه انفصل الجنين عن الأمّ، وهذا بحسب التّقريب والتجربة إذ لم يقم على ضبط برهان[112].

وقد أقرّ التشريع التونسي هذا الأجل حيث جاء في الفصل 71 من م.أ.ش. أنّه: “إذا ولدت الزّوجة لتمام ستة أشهر فأكثر من حين عقد الزّواج سواء كان العقد صحيحا أو فاسدا، ثبت نسب المولود من الزّوج”. وإنّ هذا الاستقرار على أجل معيّن يعود إلى التجربة البشريّة، كما أنّ نفس المدّة يعمل بها القانون الفرنسي. لكن يمكن القول أنّ الأجل الذي أخذ به المشرّع التونسي يصبح قابلا للتغيير والتعديل تبعا لما قد يتغيّر في المعطيات الطبيّة الحديثة التي تراهن اليوم على انتشال الأجنة وإبقائها على قيد الحياة بصفة طبيعيّة حتى وإن وقع الوضع قبل بلوغ ستة أشهر من الحمل. لكن الجدير بالذّكر هو أنّ العلم لم يصل إلى تحديد أدنى مدّة الحمل بكل حسم ودقّة. فهل استطاع أن يحدّد أقصاها؟

الفقرة الثانية: تحديد أقصى مدّة الحمل

لقد كان تحديد هذه المدّة محلّ اختلاف الفقهاء خاصّة المذاهب الفقهية الإسلاميّة[113]، وسبب هذه الاختلافات يعود إلى غياب النصّ الصّريح في القرآن والسنّة. كما يعود أيضا إلى مستوى المعرفة الطبيّة والعلميّة في ذلك الوقت.

وقد اختار المشرّع التونسي أن يحدّد أقصى مدّة الحمل على أقصر الآجال المعتمدة في المذاهب الإسلامية، حيث جاء في الفقرة الأخيرة من الفصل 35 من م.أ.ش. أنّ أقصى مدّة الحمل سنة من تاريخ الطلاق أو الوفاة، كما مكّن الفصل 150 م.أ.ش.[114] بإلحاق المولود بالزّوج المتوفى، ومكّنه من وراثة أبيه إذا ما ولد في أجل سنة بعد الوفاة. أمّا الفصل 69 م.أ.ش. فإنّه لا يثبت النسب لولد أتت به أمّه بعد سنة من غيبة الزّوج عنها أو وفاته أو تاريخ الطلاق. لكن وحسب الفصل 150 م.أ.ش. لا يرث الولد غير أبيه متى تمّت الولادة قبل مرور تسعة أشهر من تاريخ موت المورّث فيكون الهدف من اختصار أجل الحمل اجتناب الإنجاب المتعمّد بعد وفاة المورّث، وهو ما قد يحصل إذا كانت مدّة الحمل سنة كاملة.

وعلى كلّ فإنّه لتحديد المدّة القصوى للحمل يجب أن نميّز بين حالتين:

حالة أولى: إذا تعلق الأمر بحق الجنين في إرث أبيه تكون المدّة القصوى للحمل سنة كاملة.
حالة ثانية: إذا تعلق الأمر بحق الجنين في إرث غير أبيه، تكون المدّة القصوى للحمل تسعة أشهر.
والغاية هي الوقوف على تاريخ اللقاح، فللمولود أن ينتفع بهذه الآجال وعلى هذا الأساس وجب تحديد هذه المدّة على وجه الدّقة إذ يرتبط تحديدها بتحديد النسب والعدّة والنفقة. وإنّ اختيار أجل غير معقول من شأنه أن يفضي إلى نتائج وخيمة ويترك هامشا للتحيّل والتزوير، وذلك بتطويل مدّة نفقة المعتدّة وإثبات نسب الولد من غير أبيه الشّرعي.

وتظهر هذه الأهميّة خاصة في مادّة الإرث إذ يشترط ليكون الجنين مستحقا للميراث تحقق وجوده في بطن أمّه عند موت المورّث، حتى ولو كان نطفة في الرّحم، فإنّه بذلك يكون من جملة الورثة، ويستدلّ على وجود الحمل في بطن أمّه وقت وفاة المورّث بأن يولد حيّا في مدّة يعلم منها أنّه كان موجودا في بطن أمه حين وفاة مورّثه أو الحكم بها[115].

أمّا بالنسبة للوصيّة فإنّ المشرّع اعتمد مدّة السنة المنصوص عليها في مادتي العدّة والنّسب، وذلك من أجل مراعاة مصلحة الحمل للاستجابة لبعض الحالات الاستثنائيّة التي يتجاوز فيها الجنين القدر الوارد في التأكد الطبيعي. وهو ما يعرف في الطبّ بحالات تواصل الحمل « Grossesse prolongée » أو تجاوز الجنين فترة اكتماله « Past Maturité » وهي حالات لا تتجاوز في الغالب العشرة أشهر، وهو ما نجد له صدى في التشريع الفرنسي الذي أخذ بهذه المدّة أي عشرة أشهر. كما أنّ التشريع التونسي المتعلق بالتغطية الاجتماعية ونظرا لتأثره بالقانون الفرنسي، تبنى نفس المدّة رغم تعارضه مع ما هو مقرّر في مادّة النّسب والإرث.

أما في ما يتعلق بتحديد نقطة انطلاق احتساب مدّة الحمل، ففي الميراث يكون الانطلاق هو تاريخ الطلاق أو الوفاة. أمّا في الوصيّة فيكون من تاريخ الإيصاء وليس من تاريخ وفاة الموصي، إذ جاء في فقه القضاء التونسي أنّ: “الموصى لها غير موجودة، وهي لا تستحق الوصيّة لعدم توفر الشروط التي اقتضاها الفصل 184 م.أ.ش.، إذ العبرة بوجود الحمل عند الإيصاء وولادته في غضون مدّة من ذلك التاريخ أقصاها عام”[116].

لذلك وجب تحديد أقصى مدّة الحمل بكلّ دقّة من أجل مراعاة الأحكام المتعلقة بالجنين وحفظ حقوق الورثة. وفي الأخير المساعدة على تدعيم الشخصيّة القانونية للجنين تبقى مجرّد افتراض قانوني إلى حين تحقق الحياة بعد الولادة.

القسم الثاني: شرط تحقق الحياة بعد الولادة

يرتبط هذا الشرط بحدثين متزامنين، أولهما الوضع أي الولادة (الفقرة الأولى) كنقطة إنطلاق الشخصية القانونية، وثانيهما تحقق الحياة (الفقرة الثانية) وهو ما اقترن في الفقه الإسلامي “بالإستهلال”.

الفقرة الأولى: الولادة

تبتدئ الشخصية القانونية عادة بمجرد الولادة فبدايتها تتوقف على وقوع واقعة قانونية. والولادة تعني انفصال الجنين عن أمّه وخروجه كاملا من رحمها، وقطع الحبل السرّي، أي بتمام انفصاله عن والدته[117]. والمشرّع التونسي يبدو أنه أخذ بما استقرّ عليه رأي أغلب المذاهب الفقهية.

غير أنّنا لا نجد تعريفا تشريعيا للولادة، حيث اكتفى القانون التونسي من خلال الفصل 150 من م.أ.ش. باشتراط الولادة لتمتّع المولود بالإرث ونظرا لأهميّة الآثار الناجمة عن اكتساب الشخصيّة القانونية، وحتى يتسنّى لصاحبها أن ينشط في الحياة الاجتماعية، أوجب القانون المتعلق بالحالة المدنيّة وهو قانون غرّة أوت 1957[118] على التصريح بالولادة. ويتمّ ذلك لدى ضابط الحالة المدنيّة الذي لا يتمثّل دوره في التأكّد من صحّة وحقيقة الولادة فقط، بل إن دوره يشمل أيضا التنصيص على ما يقع التصريح به. إذ ينصّ الفصل 3 من قانون 1957 على أنّه: “لا يجوز لضابط الحالة المدنيّة التنصيص بالرّسوم التي يتلقاها إلاّ ما يصرح به الأشخاص الحاضرون لديه، وتحجر عليه الترسيمات التي تخصه شخصيا كطرف أو شاهد”.

وقد نصّ أيضا الفصل 22 من نفس القانون: “يقع إعلام ضابط الحالة المدنيّة بالولادات خلال عشرة أيام التي تلي الوضع”. وقد مدّد المشرّع هذا الأجل إلى خمسة عشر يوما إذا تمّت الولادة خارج البلاد أو خارج المناطق البلديّة. أمّا إذا فات هذا الأجل القانوني، فإنّ ترسيم الولادة في دفاتر الحالة المدنيّة يكون رهين إذن صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالجهة التي ولد بها المولود[119].

كما أنّ كلّ شخص حضر الولادة مثل الأب أو الأمّ أو الأطباء أو القوابل محمولون على القيام بالتصريح بها، وإلاّ وقعت مقاضاتهم طبقا لأحكام الفصل 25 من نفس القانون. وواجب الإعلام محمول على الشخص الذي تمّ الوضع بمحله أو كلّ من شهد الوضع، ويكون واجب الإعلام هذا بالنسبة لهم التزاما قانونيا، وعدم الإعلام يعتبر جنحة يعاقب عليها القانون بالسجن والخطيّة[120]. وينصّ رسم الولادة حسب ما اقتضاه الفصل 26 على اليوم والسّاعة ومكان الولادة وجنس المولود و الإسم الذي يختار له، كما يتضمن الرّسم اسم ولقب ومكان وتاريخ ولادة الأب والأم وكذلك حرفتهما ومسكنهما وجنسيّتهما. وعلى هذا الأساس فإن تعمّد التصريح بغير الحقيقة واصطناع بطاقة ولادة بناء على التصريح المزوّر يكون جناية.

وقد حجّر القانون التونسي التنصيص في الرّسم على كون المولود من أب مجهول أو أم مجهولة أو على عدم تسميته. وكذلك حرص المشرّع على تنظيم وضعيّة اللقيط حسب ما جاء بالفصل 27 من قانون الحالة المدنيّة.

يبدو أنّ للولادة أهميّة كبرى باعتبارها حدثا مرتّبا للحقوق لفائدة الشخصية القانونيّة، من ذلك مثلا السنّ القانونيّة. فالولادة تمثل نقطة انطلاق لاحتساب السنّ القانونية وهو ما يحمل على الاعتقاد بأنها ذات صلة وطيدة بالأهلية. وينبغي أن نضيف أن لتاريخ الولادة أهميّة ترتبط بالآجال القانونية للحمل التي يتعيّن توفرها لثبوت الحق للجنين، فهي تمكّننا مثلا من التّأكد أنّه قد تمّ وضعه خلال مدّة السنة من تاريخ الوفاة أو الطلاق أو الإيصاء. والوضع يرتبط كذلك بالعدّة، إذ جاء بالفصل 35 م.أ.ش.: “تعتدّ المطلقة غير الحامل مدّة ثلاثة أشهر كاملة. أمّا الحامل فعدّتها وضع حملها وأقصى مدّة الحمل سنة من تاريخ الطلاق أو تاريخ الوفاة”.

والوضع باعتباره شرطا لانقضاء العدّة قد يفرز بعض الصّور الملتبسة التي يستعصى حسمها بالحكم فيها بتمام الوضع من ذلك أن تلقي المرأة سقطا أو علقة وهي أمور أثارت نقاشا فقهيا بالنظر إلى الشبهة التي تدور حول هذه الحالات[121]. لذلك أجمع الفقهاء على أنه لا يتحقق وضع الحمل إلا إذا وضعت الحامل شيئا مستبين الخلق أو بعضه، أما إذا وضعت علقة فإنّه بذلك لا يعد وضعا إلا عند الجعفريّة، إذ يقولون بانقضاء العدّة إذا وضعت علقة، أما الشافعيّة والحنابلة فإنهم يقولون إذا كان ليس مستبين الخلق أو بعضه وشهد القوابل أنّه لحم إنسان انقضت به العدّة.

لكن هذه الآراء الفقهية لم يبق لها إلا بعدا تاريخيا نظرا للتقدم العلمي وللبحوث الطبية المتطورة وما وصل إليه علم التشريح، حيث أصبح قادرا على تشخيص الخلايا التي قد تلقيها المرأة. فالطب الحديث تمكن من التأكد من براءة رحم المرأة وخلوه من الجنين بطريقة يقينية ومتأكدة. لقد سبقت الإشارة إلى أنّ الحقوق المرتبة للجنين تبقى موقوفة على ولادته حيّا في المدّة المقررة قانونا، لكن كيف تتم معرفة ذلك؟

الفقرة الثانية: تحقق الحياة بعد الولادة

رغم بداهة شرط تحقق الحياة فإنّه قد شكّل خلافا فقهيا حول ما تحقّق به. والأصل فيه قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: “إذا استهلّ الصبي ورّث”. والاستهلال يعني رفع الصوت بالصّياح والبكاء، أي لا بدّ أن يولد المولود حيا، فإذا ولد الجنين ميّتا لا تبدأ الشخصية القانونية حتى ولو كانت وفاته خلال فترة الوضع[122].

إلاّ أنّ المذاهب الفقهية الإسلاميّة قد اختلفت في هذه المسألة، فالمذهب الحنفي يرى في ثبوت الحياة خروج أكثر الجنين حيّا لأنّ للأكثر حكم الكل. أمّا الإمام مالك فإنه يرى أنّ حياة المولود لا تثبت إلاّ إذا خرج كلّه حيّا وقد أخذ بهذا الموقف المذهب الشافعي وكذلك الحنبلي. أمّا التشريع المصري فإنّه يرى في شرط الحياة أن يولد الجنين و به حياة مستقرّة[123]. وتثبت هذه الحياة بما يدل عليها من علامات ظاهرة كالبكاء والصراخ والمهمّ أنّ يولد الجنين على هذه الحالة ولو للحظة واحدة بعد ولادته[124].

هذه التعقيدات وقع حسمها نتيجة الاستعانة بأهل الخبرة من الأطباء لمعرفة إن كان المولود قد ولد ميّتا أو حيّا إذ اللجوء إلى الأطبّاء الشرعيين من شأنه أن يجزم بتحقّق حياة الجنين اليقينيّة، وبالتالي المساعدة على إبراز شخصيّته القانونيّة.

إضافة إلى شرط الولادة حيّا نجد في القانون المقارن وخاصّة القانون الفرنسي شرطا آخر يتمثل في القابليّة للحياة، وهو يعني أنّه إضافة إلى ولادة الجنين حيّا أن يكون قابلا للحياة. ولقد جعل القانون الفرنسي هذا الشرط في مجالات متعدّدة مثل مادّة الإرث (الفصل 725 م.م.ف.) ومادتي الهبة والوصيّة (الفصل 906 م.م.ف.) وكذلك دعاوى النّسب (الفصل 311 فقرة 4 م.م.ف.). وعلى هذا الأساس فإنّ القانون الفرنسي بوضعه لهذا الشرط الإضافي يمكن من إقصاء الولادات السّابقة لأوانها، إذ يولد المولود حيّا بيولوجيّا دون أن تكون له قدرة على الحياة، أي دون أن تتوفر لديه إمكانيّة العيش الطبيعي المستقل، باعتبار تطوّر العلوم الطبيّة الحديثة التي تمكّن من إنتشال العديد من حالات الولادة المبكّرة، وذلك بالوسائل الحديثة للإنعاش الطبّي. وفي هذا الإطار يختلف القانون التونسي عن القانون الفرنسي بحيث لا نجد لهذا الشرط صدى في الفصول المتعلقة بالإرث، وكذلك في مادّة الوصيّة[125]. إذ يكتفي القانون التونسي بشرط ولادة الجنين حيّا بدون إضافة شرط القابليّة للحياة. وعلى هذا الأساس فإنّه يمكن القول أنّ الشخصيّة القانونيّة للجنين في القانون التونسي تبقى أكثر اتساعا من القانون الفرنسي. فيستوعب كلّ كائن بشري بقطع النظر عن التشوهات الخلقيّة التي يولد بها. لكن التساؤل الذي يطرح نفسه حول مدى اعتبار الحاضنة « Couveuse » امتدادا لرحم الأمّ؟

إنّ الطفل الموجود في الحاضنة يعتبر قد ولد حيّا بمجرّد الوضع وخروجه من الإطار الطبيعي أي رحم الأم وهو ما يتعيّن معه القيام بواجب الإعلام بولادته وتسميته وهو لا يزال في الحاضنة[126]. هذه الوضعيّة تأكد اكتفاء المشرّع التونسي بالتحقّق من الحياة لإسناد الشخصيّة القانونية. وهو يرتبط بالبعد الواقعي لشخصيّة الجنين بالنظر إلى إمكانية التأكّد من حياته داخل رحم الأمّ. وعلى هذا الأساس فإنّه لا يمكن اعتبار الحاضنة امتداد لرحم الأم لأنّ الوضع قد تمّ.

وفي هذا المجال يكون للتقدّم العلمي دور هام في المحافظة على الجنين وهو في تلك المرحلة من خلال العناية المركّزة به ومعالجته والعمل على إكمال مدّة الحمل خارج رحم الأمّ وهو متمتع بالحياة نظرا لاعتباره مولودا وليس جنينا.

إذن ووفق كلّ ما وقع إبرازه في هذا الجزء يتّضح لنا أنّ الشخصيّة القانونيّة للجنين وبالرّغم من بروزها في بعض ما أكّدته الفصول القانونيّة والإحداثات العلميّة، إلاّ أنّها لا تزال محدودة ومكبّلة بالعديد من الشروط التي تلازمها والذي من شأنه أن يكون له بالغ الأثر على مستوى إقرار الحقوق وتدعيم الحماية.

خاتمة الجزء الأول

لقد عمل التشريع المدني و الجزائي التونسي على إسناد حقوق و تقرير حماية للجنين و ذلك إما بصفة منفردة أو مزدوجة مع أمه.

إن تفرد الجنين بالحقوق و الحماية يمكن من القول بأنه كائن حي له شخصية قانونية مستقلة والحقوق المدنية للجنين تنقسم إلى حقوق مالية و غير مالية. تتمثل الحقوق المالية في حقه في الميراث و الوصية إلى جانب مادة التأمين على الحياة.

و تتمثل الحقوق الغير المالية في حقه في النسب و الجنسية.

و تمتع الجنين بحماية جزائية يظهر من خلال حمايته من جريمة الإجهاض و من التجارب العلمية.

أما الحقوق المزدوجة للجنين مع أمه تتمثل في حقه في النفقة و التغطية الإجتماعية.

و الحماية فهي ضد جريمة الإجهاض و تظهر كذلك من خلال حماية المرأة السجينة الحمال و بالتالي حماية الجنين.

تتسم الشخصية القانونية للجنين بالعديد من الخصائص فهي في باب أول شخصية منقوصة من خلال الطابع الضيق لحقوقه إذ أنه لا يتمتع بالحق في الشفعة و في الهبة أما الحماية الجزائية فهي محدودة بعدة عوامل طبيعية و إجتماعية، فالعوامل الطبيعية تتمثل في إمكانية إجهاض الحمل خلال الفقرة الأولى، أما العوامل الإجتماعية فتنحصر في العجز عن التصدي لظاهرة الإجهاض. و في باب ثاني شخصية مشروطة بمدة الحمل و بتحقق الحياة بعد الولادة.

الجزء الثاني: الاثار المترتبة عن اسناد الشخصية القانونية للجنين

لقد مكّن القانون الجنين من بعض الحقوق وقدرا من الحماية، إلاّ أن هذه الحقوق تبقى مشروطة بتوفر شرطي الوجود وتحقّق الحياة بعد الولادة بحيث أنّ عدم تحقيقها ينعكس على الشخصيّة القانونيّة للجنين. فولادة الجنين خارج الآجال المقررة قانونا ينجر عنها عدم الاعتراف له بالحقوق المترتّبة عن وجوده كنسبه وحقه في الميراث وكذلك الوصيّة وغرامة التأمين. كما أنّ ولادة الجنين داخل الآجال القانونية ميّتا لا يرتّب له أي حق. على هذا الأساس فإنّ الآثار المترتبة على إسناد الشخصيّة القانونية للجنين تبقى رهينة عدّة شروط،لأنه في حالة انعدامها تنعدم معها الشخصيّة، وهذا يظهر جليّا من خلال إسناد حقوق مشروطة. لكن لتقرير وضعيّة قانونية أفضل يجب أن يقع اعتماد مصلحة الجنين لإسناد مزيد من الحقوق (الفصل الأوّل) خاصّة مع التطورات والإحداثات العلمية التي تؤدّي في بعض الأحيان إلى تهميش هذه الشخصية القانونيّة (الفصل الثاني).

الفصل الأوّل: الآثار على مستوى الحقوق
إنّ الإقرار بشخصيّة مشروطة للجنين له بالغ الأثر على مستوى حقوقه، ذلك أنها جدّ محدودة ومشروطة بعدة شروط (المبحث الأوّل) هذا إضافة إلى نقص في أهليّته وذمته الماليّة، ممّا حدا بفقه القضاء إلى التدخل والتطور أكثر فأكثر من أجل تدعيم وضعيّة الجنين واعتماد مصلحته لإسناد مزيد من الحقوق وبالتالي تنمية شخصيّته (المبحث الثاني).

المبحث الأوّل: إسناد حقوق مشروطة ومنقوصة
من الآثار المترتّبة عن إسناد شخصيّة منقوصة للجنين تمتّعه بحقوق منقوصة ومحدودة، لأنّها مرتبطة بالعديد من الشروط. من ذلك تحقّق العامل البيولوجي المتمثل في الولادة و التي تعتبر نقطة بداية الشخصيّة القانونيّة للجنين (القسم الأوّل). كذلك للأهليّة دور في هذا المجال (القسم الثاني).

القسم الأوّل: أثر الولادة في إسناد الحقوق

بداية الشخصيّة القانونيّة تكون عادة بمجرّد الولادة. فهذا العامل البيولوجي يبقى هو المحدّد للحقوق التي يتمتع بها الجنين، لكن الخلاف الفقهي قد أثير حول طبيعة هذا الأثر وقد وجد رأيان متضاربان[114]، حيث يرى اتجاه أوّل أنّ هناك أثرا رجعيّا للشرط (الفقرة الأولى)، أمّا الاتجاه الثاني فهو يتمسك بالأثر الكاشف له (الفقرة الثانية) باعتبار أنّ تحققه هو تأكيد لشخصيّة سابقة الوجود.

الفقرة الأولى: الأثر الرّجعي للولادة

إنّ الأخذ بالأثر الرّجعي يجعل من الاعتداد بالمرحلة الجنينيّة لا يكون إلاّ بعد تمام الولادة، أمّا قبل ذلك فإنّه يقع تجاهل الجنين وهو لا يزال في رحم الأمّ[115]. ويترتّب على التسليم بهذا الأثر اعتبار شرط الولادة منشئا للشخصيّة، وما الاعتراف بالمرحلة الجنينيّة في هذه الحالة إلاّ أمرا اقتضته مصلحة المولود، ولا يمكن بالتالي الحديث عن شخصيّة الجنين، حيث يكون المفعول الرّجعي مكرّسا للظهور الفجئي للشخصيّة مع الولادة « Apparition brusque ».

هذه الصّورة تقترب من وضعيّة الشخص الاعتباري في القانون الفرنسي، ذلك أنّ الشركة لا يمكن لها التمتّع بالحقوق ولا تحمل الالتزامات إلاّ بعد اكتسابها الشخصيّة القانونيّة، إلاّ أنّ الأشخاص الذين يؤسسونها يقومون بإبرام عقود لفائدتها. لكن هذه العمليات القانونيّة قد تكون سابقة لترسيم الشركة بالدّفتر التجاري واكتسابها الشخصيّة القانونيّة. وهذه العقود تلزم الشركة بعد استكمال الإجراءات الضروريّة لتكوينها، لكن في حالة فضّها فإنّ مؤسّسو الشركة يكونون ملتزمين شخصيا إزاء الدّائنين. هذا الحلّ قد تضمنه الفصلان 1843 م.م.ف. والفقرة الثانية من الفصل 5 من قانون 24 جويلية 1966[116].

و من هنا يلاحظ أن الأثر الرّجعي لا يتلاءم مع وضعيّة الجنين ذلك أنّ هذا الأثر لا يكرّس البعد الواقعي للشخصيّة القانونيّة إذ لا يراعي الحياة البيولوجيّة الذي رتب عليها المشرّع جملة من الحقوق تمثل أهليّة الجنين وذمّته الماليّة. كما أنّ هذا الأثر الرّجعي للشرط يتعارض مع البعد الوظيفي للشخصيّة التي تهدف إلى حمايته من الاعتداءات أو محاولات التشييء وهو ما يتعيّن معه الأخذ بالأثر الكاشف[117].

الفقرة الثانية: الأثر الكاشف

إنّ القول بالأثر الكاشف يكفي للوصول إلى أهمّ نتيجة يهدف إليها من تبنّى الأثر الرّجعي: وهي الاعتراف للمولود بالحقوق المرتّبة له وهو لا يزال في الطور الجنيني إقتضاءً لمصلحته.

على هذا الأساس، فإنّ شرط الولادة بطبيعته هو أثر كاشف، إذ أنّه على المستوى البيولوجي يعلن الحياة ولا ينشئها. أما من الناحية القانونيّة فإنّ الولادة لا تنشئ حقوقا للمولود، فكثيرا من الحقوق كانت مرتبة له وهو لا يزال في بطن أمّه ثم آلت إليه بعد الولادة وتمّ إثباتها له بمقتضاها. إذ بتحقق شرط الولادة يصبح الحق الذي كان مجرّدا ومعنويّا حقّا مادّيا ومعلوما، فهو الذي يركز هذا الحق ويكرسه، ويعتبر تحقيق هذا الشرط تأكيدا لوضع سابق، فالولادة تكشف شخصيّة الجنين وتمثل نقطة تحوّل فيها باعتبارها نقطة عبور نحو طور آخر للشخصيّة. وهذا يمكننا من تفسير التوسع في دائرة الحقوق وتمتّع الشخصيّة في الطور اللاحق للولادة لعديد من المميّزات كالإسم والمقرّ والجنسيّة وأهلية الوجوب الكاملة.

هذا الأثر يكرّس النظريّة التي تقرّ بوجود الشخصيّة القانونيّة للجنين والتي لا تعتبر أنّ شخصيّة الجنين مجرّد افتراض مخالف للحقيقة.

القسم الثاني: أهليّة الجنين

ما يتمتع به الجنين من حقوق يجعله شديد الارتباط بالشروط الموضوعيّة لكي يتمتع بالشخصيّة القانونيّة، و التمتع بها يطرح مشكلة الأهليّة. فما هي مميّزات أهليّة الجنين وخصائصها؟

الأهليّة لغة هي الجدارة والكفاءة لأمر من الأمور أمّا في الاصطلاح القانوني فهي قابلية الإنسان لتحمل الواجب واستحقاق الحقّ[118]. و شرعا هي بلوغ الإنسان سنّا يصبح به قادرا على أداء الواجب وتحمل التكاليف.

والأهليّة في القانون نوعان: أهليّة الوجوب وأهليّة الآداء، وداخل هذين الصنفين تطرح مسألة تأصيل وضعيّة الجنين. فهذا الأخير تنعدم لديه أهلية الآداء و لذلك لإنعدام قدرته على ممارسة الحقوق و تحمّل ما يقابلها من واجبات[119]، وعلى هذا الأساس فإن أهلية الآداء ترتبط بالإرادة و التمييز و التي لا يستطيع أن يفصح عنها الجنين و هو لا يزال في بطن أمه. و السؤال الذي يمكن طرحه هنا:

هل يتمتع الجنين بأهلية الوجوب (فقرة أولى) و بالتالي الذمة المالية (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى: أهليّة الوجوب

أهلية الوجوب هي صلاحية الشخص لتكون عليه إلتزامات وله حقوق. وعلى هذا الأساس تتصل أهليّة الوجوب بالشخصيّة القانونيّة لا بالإرادة. ولهذه الأهلية عنصران: عنصر إيجابي يتمثل في الالتزام أو الدّائنيّة وعنصر سلبي يتمثل في الالتزام أو المديونيّة[120]. أي أن مناط هذه الأهليّة الحياة أو الصفة الإنسانية. ونظرا لارتباط أهليّة الوجوب بفكرة الشخصيّة القانونيّة، أي أنّه إذا وجدت الشخصيّة وجدت بالضرورة الأهلية، لأنها تثبت للشخص منذ ولادته، أثير جدل كبير بين الفقهاء حول مدى تمتّع الجنين بأهلية الوجوب؟

هناك من الفقهاء الفرنسيين من اعتبر أنّ أهليّة الوجوب لا تثبت للجنين. لكن لا يمكن الأخذ بهذا الرّأي بصورة قطعيّة ذلك أنّ محدوديّة هذه الأهليّة لا تنفي وجودها للجنين، فأهليّة الوجوب تثبت للجنين قبل ولادته بشرط أن ينفصل عن أمه حيّا فإذا ولد ميّتا يتّضح أنّ ذلك الوصف التقديري لم يكن له محلّ ولم يرتبط به شيء من الحقوق[121]. وهذا التكييف التقديري أسّسه الفقهاء على سببين:

أوّلهما أنّ الجنين يحتمل الحياة والموت قبل وجوده في الدّنيا ولو لا وجوده في الحياة لما ثبتت له أهليّته مطلقا، أي أن هذا الشك في ولادة الجنين حيّا أو ميّتا يجعل من التكييف القانوني لأهليّة وجوبه ناقصة. أما السبب الثاني، فيتمثل في أنّ أهليّة الجنين لا تشمل الواجبات، لأنّ ثبوتها يكون بفعل يرتكبه الشخص أو بالتزام يلتزم به، وهذا غير متصوّر في الجنين.

و بالرّجوع إلى التشريع التونسي وبالتحديد الفصل 3 من م.إ.ع. الذي يتعلق بالأهلية والذي جاء فيه: “أن كل شخص أهل للإلزام والالتزام ما لم يصرّح القانون بخلافه”.

وبالرّجوع إلى النصوص القانونيّة الأخرى لا نجد أي نص يقرّ صراحة أن الجنين لا يتمتع بأهلية الوجوب، وقد تأكد ذلك من خلال الفصل 150 من م.أ.ش. الذي يقرّ حقّ الإرث لفائدة الجنين إذا ولد حيّا ولمدّة لا تتجاوز العام و هذا يؤكّد أن الجنين يتمتع بأهلية وجوب غير تامة و لا تكون كاملة إلاّ إذا توفر شرط الولادة حيّا خلال مدّة سنة. كما أنّ الاعتراف للجنين بالشخصيّة القانونية يجعله بصفة فوريّة يتمتّع بأهلية وجوب ولو كانت ناقصة. هذا الإقرار قد ينعكس على الأدوار الطبيعيّة في حياة الإنسان، التي تقترن بالسنّ القانوني والتي تقتصر في صورتها الأصلية على ثلاث مراحل[122]:

تتمثل المرحلة الأولى في الفترة الفاصلة بين الولادة وسن التمييز، وهي السن التي يستطيع الصغير فيها أن يميّز الغبن الفاحش ويفهم نتائج التصرّفات القانونية التي يقدم عليها، ويكون ذلك التعاقد بواسطة وليّه الشرعي.

و المرحلة الثانية فهي تمتد من سنّ التمييز إلى سن الرّشد، والشخص يكون في هذه المرحلة يتمتع بأهلية محدودة ما لم يقع ترشيده[123]،

أمّا المرحلة الثالثة فهي تغطي بقية حياة الإنسان من سنّ الرّشد إلى الموت، ويكون الشخص خلال هذه الفترة متمتعا بمداركه العقلية ما لم يحجر عليه.

وعلى هذا الأساس، فإنّه يضاف إلى هذه المراحل الثلاث الطور الجنيني. و هذا التقسيم نجده في الفقه الإسلامي[124]، الذي أقرّ للجنين بالأهلية. و بالتالي هناك تكريس لفكرة تمتع الجنين بالشخصيّة القانونية.

يبدو أنّ أهلية الجنين تقوم على فكرة القابلية للإلزام والالتزام، و استبعاد بعض الحقوق في القانون التونسي قد يكرّسها. أي أن الجنين: “لا يتمتع بأهلية وجوب”، مثل مؤسسة الشفعة أو الهبة نظرا لأنّ كلا من هاتين المؤسستين تقوم على عدّة شروط، لذلك لا يمكن للجنين التمتّع بهما. كما أنّ القانون في مجال الشفعة لم يضع نصا قانونيا يقرّ بالولاية على أموال الجنين، والهبة كذلك تكون في حق الموهوب له الموجود حقّا وليس حكما كالجنين، لأنّه يجب أن يكون هناك إيجاب وقبول.

فهل يتمتع الجنين بذمة مالية على غرار تمتعه في بعض الحالات بأهلية الوجوب؟

الفقرة الثانية: الذمة المالية للجنين

يبرز الطابع المشروط لحقوق الجنين من خلال قراءة النصوص القانونية المتعلقة بوضعيته القانونية، إذ تمتدّ آثار هذا الطابع إلى ذمته المالية. لكن قبل معالجة الذمة المشروطة للجنين يجب حسم مسألة الاعتراف له بذمّة ماليّة وفي صورة ثبوت هذه الذمة معرفة من سيتولى إدارتها؟

تعرّف الذّمة المالية على أنّها مجموع ما للشخص من حقوق وما عليه من التزامات ذات قيمة ماليّة، حيث أن الحقوق تكون الجانب الإيجابي أمّا الالتزامات فهي تكوّن الجانب السلبي لها. وتوجد الذمة المالية بمجرّد وجود الشخصيّة القانونيّة. فكل شخص يكتسب منذ نشأته الذمة المالية ومن هنا تبرز صلتها بالشخصيّة القانونية. فالذمة المالية ميزة من مميزات هذه الشخصية بل إن فكرة الذمة المالية تستخلص منطقيّا من فكرة الشخصيّة[125]. وهذه الأموال والحقوق والالتزامات تكون وحدة قانونية لا تتجزأ إذ لا يُنظر إليها على أنّها عناصر منفصلة بعضها عن بعض فهي على حدّ تعبير الأستاذين “محمد الشرفي” و”علي المزغني” تشكل الأرضية القادرة على جمع حقوق المالية التي تنشأ للشخص أو عليه، وهي وحدة مجردة لها كيانها المستقل[126].

وقد تعدّدت النظريات في تصوّر الذّمة المالية، فالنظرية الشخصية ترى أن الذمة المالية لها صلة وثيقة بالشخصية. أمّا النظريّة الثانية فهي “نظرية التخصيص”، وتعود إلى الفقه الألماني وهي تفصل بين الذمة والشخصية وتقرّ وجود تلك الذمة دون دعامة شخصية قانونية.[127] وفي إطار هاتين النظريتين أيّهما تمكنت من حسم مسألة الاعتراف بذمة مالية للجنين؟

إنّ نظرية التخصيص تقوم على وجود ذمة مالية قائمة دون الاستناد إلى الشخصيّة. و هي بذلك ترفض منح شخصية قانونية للجنين، إذ أن رفض الشخصيّة يتزامن في العادة مع رفض الذّمة الماليّة[128] باعتبار أنّه لا يمكن أن تتصوّر حقوقا أو ذمة ماليّة في فراغ، أي لا تستند إلى شخصيّة قانونية تتأثّر بها. وهنا التساؤل يطرح نفسه حول مدى اعتبار الحقوق المقرّرة للجنين من قبيل الحقوق التي تدخل في الذّمة الماليّة؟

جاء في القواعد “لابن رجب” أنّه يثبت للجنين الملك بمجرّد موت مورثه، وتبيّن ذلك بمجرد خروجه حيّا أو لم يثبت له الملك حتى ينفصل حيّا، فيه خلاف بين الفقهاء. وهذا الخلاف مطرد في سائر أحكامه الثابتة له. هل هي معلّقة بشرط انفصاله حيّا، أو هي ثابتة له في حال كونه حملا؟

في التشريع التونسي نتبيّن أن عبارة النص في هذا الشأن ليست بالوضوح الكافي للإقرار بذمة مالية للجنين إذ جاء بالفصل 147 من م.إ.ش. : “أنّه يوقف من التركة للحمل من حظ ابن أو بنت واحدة” كما نصّ الفصل 184 فقرة ثانية من نفس المجلة على أنّه. “تحفظ غلة الموصى به من حين وفاة الموصي إلى أن ينفصل الحمل”. وكلمة “يوقف” و”تحفظ” اللتين وردتا في النصين قد تفترضان أن العملية لا تعدّ أن تكون إلاّ مجرّد إجراء تحفّظي لفائدة مستفيد ولا يمكن بالتالي الحديث عن حقّ يدخل ضمن ذمّة مالية. غير أنّ هذا التفسير الذي اعتمد في شأنه تقنيات قانونية مستمدّة من طرق التنفيذ، تصطدم في الواقع بمقتضيات الفصلين 85 و 181 من م.أ.ش. حيث أن هذين النّصّين يقرّان بثبوت الملكية والاستحقاق من زمن وفاة الموصي أو المورّث وهو ما يتعيّن معه التوفيق بين مقتضيات هذه الأحكام. ومن الممكن اعتبار استحقاق الجنين ثابتا منذ وفاة الموصي أو المورّث وتأويل الحفظ أو الوقف في ضوء ذلك أي اعتبار هذا الاستحقاق مراعاة فيه شرط الانفصال وتحقق الحياة بعد ذلك. وحتّى في صورة تأخير قسمة التركة، أي عدم إيقاف نصيب الجنين، فإن حظّ هذا الأخير يمكن أن يتمثل في شكل حصّة معنوية غير محدّدة في التركة من حيث قدرها ونطاقها المادّي « Une quote-part abstraite ».

أمّا النظريّة الشّخصية للذّمة المالية فإنّها ترجع أساسا للفقيهين « AUBRY » و« RAU » حيث تعتبر هذه النظرية أن الذمة المالية مجموع من المال منفصل بكيانه الذاتي عن كلّ عنصر من عناصره وعلى هذا الأساس فإنّ الإقرار للجنين بذمة مالية أمر مقبول. ذلك أنّ انعدام الديون والحقوق لا يحول دون قيام الطفل يوم يولد وليس له مال أصلا لا من ميراث ولا من وصيّة، أن تكون له ذمة مالية[129]. وهذا الأمر ينطبق على المفلس إذ أن حالات الاستحالة القانونية والمادية تحول دون الالتزام والإلزام. وفي هذا الحيّز يشبه الفقيه الذمة المالية بكيس النقود، تدخل فيه وتخرج منه دون أن يتأثّر هو نفسه بل يظلّ قائما حتّى ولو كان خاليا[130]. وبذلك فإنّ الإقرار بذمة مالية للجنين ممكن وفيه تأكيد لحقوقه المالية.

إنّ جملة الحقوق المرتبة للجنين من خلال القانون تستند إلى المصلحة والنفع المنجر عنها له، لذلك وجب التوسع فيها.

المبحث الثاني: ضرورة اعتماد مصلحة الجنين لإسناد مزيد من الحقوق: الحق في التعويض
يمكن القول بأن الحقوق التي أسندت للجنين في مختلف التشريعات سواء القديمة منها أو الحديثة ترتكز على المبدأ القائل أن “الجنين مولود كلما اقتضت مصلحته ذلك”، وعلى أساس المصلحة والنفع المنجر عنها، يمكن تجاوز الطابع الاستثنائي لحقوق الجنين والتفكير في التوسع في دائرة هذه الحقوق.

ساير القانون التونسي هذه النزعة التوسعية لحقوق الجنين. وتأكّد هذا بالرجوع إلى أحكام القانون التي تدعو إلى ذلك كمؤسسة الاشتراط لمصلحة الغير (القسم الثاني). ومن خلال موقف فقه القضاء في مادة التعويض (القسم الأوّل).

القسم الأوّل: مصلحة الجنين من خلال فقه القضاء

إنّ نظام التعويض وقع إقراره في كل الشرائع السماويّة[131] والوضعية منها ويتمثل أساسا في تمكين المجني عليه من الحصول على تعويضات عادلة تكون من حيث المبدأ مساوية في قيمتها لقيمة الأضرار التي مني بها[132]. من هذا المنطلق يمكن لكل شخص حصل له ضرر أن يتحصّل على تعويض لجبره. و بالتالي هل يجوز للجنين الحق في التعويض حسب ما تقتضيه مصلحته عن الضرر الذي قد يلحقه سواء بصفة مباشرة كالاعتداء عليه (الفقرة الأولى) أو بصفة غير مباشرة وذلك في صورة حصول ضرر لشخص تكون له علاقة وطيدة به (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: التعويض عن الضّرر المترتب عند الاعتداء على الجنين

إنّ مسألة التعويض عن الضرر لها علاقة وطيدة بالنتائج الجزائية المرتّبة عن الاعتداء على الجنين، فهل يمكن تكييف هذا الاعتداء إلى الاعتداء العمدي أو الاعتداء غير العمدي؟

لقد اعتبر فقه القضاء الفرنسي أن الفعل غير المتعمّد والذي ترتّب عنه موت الجنين أو جرحه يكون خاضعا للأحكام المتعلّقة بالقتل أو الجرح على وجه الخطأ بحسب الحالات، وذلك خاصة في الصورة التي يكون فيها الجنين قابلا للحياة قبل وقوع الحادث، أو في الحالة التي يكون فيها على درجة متطوّرة من الاكتمال والنضج مع ثبوت العلاقة السببيّة بين الحادث وموت الجنين[133].

من أهمّ القرارات نذكر قرار « Perruche » الذي يقرّ بالتعويض للجنين نتيجة الإعاقة وتفيد وقائع القرار أن الأم أصيبت بمرض “الحصبة” « Rubéole » أثناء حملها ولم يتم إعلامها بذلك من قبل طبيبها المباشر أو مخبر التحاليل. ولقد أثّر هذا المرض في صحة الجنين مما تسبب في ولادته معاقا.

استنادا إلى هذه الوقائع أقرت المحكمة بالتعويض إلى الطفل « Nicolas Perruche » من قبل الطبيب ومخبر التحاليل مستندة في ذلك أن الخطأ الحاصل كان نتيجة الغلط من قبل هذين الأخيرين حيث أنّ نتيجة لجهل الأم لمرضها لم تقم بالإجهاض تفاديا لولادة طفل يعاني من الإعاقة[134].

غير أنّ هناك جانبا من الفقه نقد موقف المحكمة واعتبر أنّ إعاقة الطفل كانت نتيجة مرض الأمّ ولم تكن نتيجة خطأ الطبيب أو المخبر لذلك ليس من حقه التعويض[135].

إنّ الاعتداء المتعمد الذي يؤدي إلى موت الجنين، ترتّبت عليه آثار في الفقه الإسلامي تتمثل في الحرمان من الإرث، بحيث أن القاتل المتعمد لا يرث المورث الهالك الذي توفي نتيجة الاعتداء[136]. وهذا الحل يتصدّى لحالات التحيّل على أحكام الميراث، فقتل الجنين قد يستفيد منه العديد من الورثة، خاصّة إذا كانت ولادته حيّا تحجبهم حجب حرمان ويكون بذلك قتله من قبلهم فائدة لهم، و بالتالي حرمان هذا الجنين من حقّه في الحياة[137].

وقد يؤدّي الاعتداء على الجنين إلى القتل، فيقع التعويض عن ضرر الموت، وهو تعويض للورثة وهذا التعويض نجد أساسه في الفقه الإسلامي في مؤسسة الغرّة التي تعتبر تعويضا عن ضرر شخصي للجنين، يرث عنه ورثته ويحرم من ذلك قاتله. وبذلك فإنّ هذا الحل يرتب حقّا شخصيّا في التعويض لكل من لحقه ضرر من جرّاء موت الجنين، ويؤسس التعويض في هذه الحالة على الأحكام العامّة للمسؤوليّة التقصيريّة بمقتضى الفصول 82 و85 و93 و96 من م.إ.ع.

أمّا التعويض عن الضّرر الذي يصيب الجنين في حوادث المرور والذي يؤدّي في بعض الحالات إلى موته فلمحكمة التعقيب قرار متميز في هذا الشأن ومعها قضاء الموضوع لمحكمة استئناف تونس، من حيث التوجه والرؤية القانونية الواضحة والمطلوبة حاليّا في مثل ظروف الواقعة.

فقد رأت المحكمة بقرارها الصادر بتاريخ 7/02/2005 تجاه دفع شركة التأمين طعنا في الحكم عدد 5204 الصادر عن محكمة الاستئناف بتونس بتاريخ 16/04/2004 التي تولّت نقض الحكم الابتدائي في خصوص التعويض عن الضّرر المعنوي للمقام في حقه. وطعنت شركة التأمين “سـ” في القرار بحجة أن التعويض عن الضرر لا يصحّ إلا متى كان ثابتا وحالا ومباشرا. وأن القرار المنتقد أسس حكمه القاضي بجواز التعويض عن الضّرر المعنوي عن وفاة الجنين مبدأ فقدان الأمل و فكرته لأن الأب كان يأمل أن يرزق طفلا والابن يأمل أن يرزق شقيقا. لكن وفاة الأم الحامل أصابتهما بالخيبة، خاصة وأن الأب لا يزال قادرا على الإنجاب والزّواج من جديد وبذلك فإنّ القول بفقدان الأمل في الإنجاب يعدّ سندا ضعيفا. أنّ الفاجعة التي أصابت والد الجنين بوفاة هذا الأخير تمثل ضررا ثابتا وحالا ومباشرا، إذ أنه رزي في فلذة كبده قبل أن ترى النور وأصيب بخيبة الأمل في أن يبشر به وليدا ويهدهده رضيعا ويلاعبه صبيّا ويتخذه رفيقا عند بلوغه سنّ الشباب ومتكئا وعمادا له في شيخوخته. فإذا هو يتجرّع مرارة الثكل ويرى ثمرة فؤاده تقصف وتوارى التراب فهو الكظيم يلحد بعضه بعضا[138].

وفي هذا المجال فإنّه لا يجب أن يؤخذ بالاعتداء المادي فقط وإنما يتجاوزه إلى الاعتداء المعنوي، كتهديد الحامل أو تخويفها[139]. كذلك عند تقدير الضّرر والتعويض عنه يأخذ بعين الاعتبار نموّ الجنين واكتماله، كما كرّس الفقه الإسلامي هذا المبدأ. حيث ورد في هذا المعنى أنّ “ديّة الجنين إذا سقط من الضربة ميتا فإن كان سقوطه لستة أشهر فصاعدا فقيمة ديّة كاملة وإلاّ ففيه غرة”[140]. وعلى هذا الأساس فإنّ موت الجنين في الطور الأخير للحمل ليس كموته أو إسقاطه في الطور الأوّل منه، وبذلك فإنّ الضرر المعنوي قد يختلف تقديره بحسب الحالات.

والجدير بالملاحظة في هذا السياق أن ركني الضّرر والفعل الضار لا يكفيان لاستحقاق التعويض بل لا بدّ من وجود علاقة سببيّة بينهما، أي أن يكون الاعتداء هو الذي نتج عنه موت الجنين في صورة موت الأم وموت الجنين في بطنها إثر الاعتداء ولم يسقط قبل موتها، هنا تثار الصعوبة باعتبار انعدام العلاقة السببيّة في هذه الحالة.

الحلّ عند بعض فقهاء الإسلام أنّه إذا ماتت الأم ثم ألقته ميتا فعلى الجاني ديّة في الأم ولا شيء في الجنين باعتبار موت الأم أحد أسباب موته لأنه يختنق بموتها. لكن هذا الرّأي لا يمكن التسليم له باعتبار أنّ الاعتداء على الأمّ هو اعتداء في ذاته على الجنين وأنّ موته وإن لم يكن مباشرا فقد تمّ بالتسبّب ذلك أن موت الجنين يمكن أن يرد على السبب الأصلي وهو الاعتداء ولو أن السبب المباشر هو وفاة الأم وهذا الرّأي يمكن تأصيله في نظرية تكافؤ الأسباب. إلاّ أنه في بعض الأحيان قد لا يترتب على الاعتداء موت الجنين بل قد يلحق به أضرارا بدنيّة، قد تكون إعاقات جسميّة أو ذهنيّة تظهر بعد الولادة بالرّغم من أن الضرر والفعل الضار والعلاقة السببية بينهما تمتد إلى المرحلة الجنينية. وقد أقرّ فقه القضاء الفرنسي حق الطفل في التعويض نتيجة الضرر الذي لحقه وهو لا يزال جنينا[141] في رحم أمّه ويبدو هذا الموقف منسجما مع مصلحة الجنين وهو ما تقتضيه المرحلة الجنينية من حماية شأنها في ذلك شأن كل مراحل الشخصيّة.

ومراعاة لمصلحة الجنين الفضلى يمكن تبني هذه الحلول في القانون التونسي لأنّ الاعتراف له بالتعويض عن الضرر البدني أو الذهني يكون من باب أولى وأحرى من الإقرار له بالتعويض المترتب له عند وفاة أحد والديه.

الفقرة الثانية: تعويض الضرر الناتج عن وفاة أحد أقاربه

قد يحدث في الواقع أن يتأثر أشخاص آخرون بالضرر الذي يصيب المتضرر الأصلي وهو ما يرتّب لهم حقّا في التعويض عن الضرر الذي أصابهم والذي يكون انعكاسا لضرر الهالك. في هذا الإطار يمكن التساؤل إن كان الجنين يدخل ضمن هؤلاء الأشخاص لكي يتمتع بحقه في التعويض عند وفاة أحد أقاربه وفي صورة إقرار هذا الحق له فهل هذا التعويض المرتّب له هو تعويض كامل أي يشمل التعويض عن الضّرر المعنوي والضّرر المادّي؟

لم يعد تبرير التعويض عن الضّرر المعنوي اللاحق بالمتضرر المباشر يطرح أيّ إشكال، فقواعد العدل تقتضي أن يمنح كلّ من أصيب بضرر، تعويضات مناسبة تخفّف عليه وطأة هذا الضّرر، وتساعده على استعادة التوازن الذي فقده. أمّا تبرير التعويض عن الضّرر الأدبي الذي لا يلحق المتضرّر مباشرة، وإنّما ينعكس على غيره بالتبعيّة، فلا يزال يثير جدلا فقهيّا إلى يومنا هذا. وفي هذا الحيّز من المفيد تعريف الضّرر الأدبي، وهو ذلك الذي يصيب الإنسان في مشاعره وأحاسيسه ويرتبط في الغالب بالشعور باللوعة والحسرة على فقدان شخص ما.

من الثابت أنّ الأشخاص الذين يتمتّعون بتعويض عن الضّرر المعنوي هم من أقارب المتضرر الأصلي إلاّ أنّه بالرّجوع إلى القانون التونسي نتبيّن عدم وجود نصّ في م.إ.ع. يحدد هؤلاء الأشخاص الذين لهم حق التعويض. وفي غياب نصّ قانوني ينظم هذه المسألة أثيرت بعض الصّعوبات تتعلق خاصّة بمدى إمكانيّة الاعتراف للقاصر غير المميّز أو الجنين بالحق في التعويض عن الضّرر المعنوي إذا كانت تجمعه بالهالك علاقة قرابة.

ففي حوادث المرور ينتقل الحق في التعويض عند الوفاة إلى الورثة في جميع الحقوق التي اكتسبها المصاب خلال وجود شخصيّته القانونيّة ومنها التعويض عن الأضرار والآلام التي شعر بها في الفترة اللاحقة لإصابته وبين وفاته. ويشمل ذلك الجنين عند وفاة أبيه أو والدته لكونه سيشعر بالحسرة من وفاتهما عند بلوغه سن التمييز لتضرره. فالضّرر المعنوي يكون تأثيره كبيرا على الطفل الذي يكون عرضة لليتم وفقدان الأب أو الأم وما ينتج عنها من حالات نفسيّة مثل الاكتئاب والإنزواء لعدم شعوره بالتوازن العاطفي الذي يحرم منه[142]. لكن محكمة التعقيب تبنت في مرحلة أولى عدم التعويض للجنين عن وفاة والده. بقرارها الصادر في 20 ماي 1982 رأت أنه: “لا يستحق ابن الهالك تعويضا عن الأضرار المعنوية إذ لا وجود لها طالما أنه كان يوم وفاة والده جنينا في بطن أمه و حتى بعد ولادته فإنه لا يحس بأي شيء من المرارة و الآلام نتيجة افتقاده لوالده قبل ولادته”[143]. أما بالنسبة للصغير غير المميّز (أقل من سنة) نجد القرار الصادر في 3 مارس 1982 حيث رأت المحكمة أن: “الطفل الصغير السن لا يلحقه أي ضرر أدبي من وفاة والده لعدم شعوره بالعاطفة نحوه و لعدم إدراكه له، ولا يستحق غرامة عن هذا الضرر”[144].

و في مرحلة ثانية و من خلال قرار 4 جوان 1996 اتّخذت المحكمة موقف آخر حيث اعتبرت أن الجنين كائن يشعر و يتألم و: “سيشعر بالحرمان من عطف والده و إشرافه على رعايته هذا بالإضافة إلى مرارة الإحساس باليتم الذي سيلازمه طيلة حياته”[145].

هكذا فإن الإتجاه الجديد لمحكمة التعقيب قد تجاوز هذا الموقف الرافض و قبل التعويض عن الضرر المعنوي للجنين وهو موقف سليم لتطابقه التام مع ثبوت الإحساس و الشعور لدى هذا الأخير[146].

كما أنّه يجب التفريق بين وضعية الجنين ووضعيّة المولود إذا قمنا بتناول الضّرر المعنوي من جانب آخر. ذلك أنّ انفعالات الأم الحامل وشعورها بالأسى واللوعة لوفاة زوجها تنعكس على الجنين وتخلف له اضطرابات نفسيّة قد ترافقه على امتداد حياته، وهذا ما يؤكّده علم النّفس الحديث الذي يتناول بالدّرس المرحلة السابقة للولادة، وهو ما يحمل على التساؤل عن إمكانيّة اعتبار هذا الضّرر غير المباشر ضررا معنويّا يخوّل للجنين المطالبة بالتعويض عنه.

و قد توسع فقه القضاء الفرنسي في صفة الأشخاص الذين يمكنهم المطالبة بجبر الضرر المنعكس عليهم مباشرة من جرّاء وفاة المجني عليه واعترافا بالتعويض عن الضّرر الاحتمالي. كما اعترف بحق الخليلة في التعويض عن الضرر المعنوي المترتب عن وفاة خليلها[147] و الخطيب لفقدان خطيبته. وهو ما يؤكّد على ضرورة مراعاة مصلحة الجنين من خلال الاعتراف له بالتعويض عن الضّرر المعنوي.

بعد قبول فقه القضاء التونسي التعويض للجنين عن الضّرر المعنوي الذي لحقه من جرّاء فقدانه لوالديه أو أحد أقاربه فهل تجوز له إمكانية القيام لدى المحكمة للحصول على التعويض على أساس الضّرر المادّي الذي يلحقه من جرّاء فقدانه لمن سيتولى شؤونه؟

هذه المسألة طرحت على فقه القضاء واقترنت أساسا بالتعويض عن الأضرار الماديّة المترتبة عن موت الأب في حادث مرور أو حادث شغل وإقرار حقّه في الجراية.

بالرّجوع إلى القانون المقارن نجد أنّ المشرّع الفرنسي كرّس مبدأ التعويض للجنين وذلك صلب الفصل 3 فقرة رابعة من قانون 9 أفريل 1898 وقد أيّد فقه القضاء الفرنسي هذا الموقف التشريعي وذلك عند تأكيده على النزعة التوسّعيّة لحقوق الجنين. إذ أنّ الجراية تحتسب من تاريخ وفاة الأب وليس من تاريخ ولادة الطفل.

بالرّجوع إلى القانون التونسي عدد 28 لسنة 1994 المؤرّخ 21 فيفري 1994 المتعلق بالتعويض عن فواجع الشغل والأمراض المهنيّة، لم يتعرّض إلى وضعية الجنين، وهو ما يطرح إمكانيّة الاعتراف له بهذا الحق في الجراية. ذلك أنّ القانون القديم لا يعترف بالحق في الجراية إلاّ للأبناء الذين لم يتجاوزوا سنّ السّادسة عشر دون التمييز بين الإناث والذّكور وبين المزاولين للدراسة ومن انقطعوا عنها. وجاء قانون 1994 وأضاف الجديد، حيث أدخل تحسينات على قيمة النسبة المئوية المعتبرة لاحتساب جراية الأيتام. فالفصلان 48 و49 وقع فيهما تقدير جراية الأيتام الفاقدين لأحد أبويهم بنسبة 20% من الأجر السّنوي للهالك بالنسبة لليتيم الواحد، وبـ30 %بالنسبة لليتيمين وبـ40% بالنسبة لثلاثة أيتام فما فوق. لكن ما يعاب على هذا القانون، أنّه لم يتعرّض لوضعية الجنين، حيث انحصرت قائمة المستفيدين بالجراية في الزّوج والأبناء، وفي صورة عدم وجودهم يترتب هذا الحق للأصول والفروع.

والأبناء عرّفهم القانون بأنّهم أولئك الذين ينحدرون من زوج الهالك والذين وقع تبنيهم من قبله في قائم حياته، أو الذين من الممكن إثبات انتسابهم إليه. وعلى هذا الأساس يمكن للجنين أن يثبت نسبه للهالك بولادته حيّا خلال فترة معينة نصّت عليها الفصول 184، 174 و150 م.أ.ش.، لذلك يمكن أن يتقرّر حق الجنين في هذه الجراية تدعيما لمصلحته ويضمن المساواة بين جميع أبناء الهالك من ولد منهم ومن لم يولد، وبذلك فإنّ الجنين يتمتع بالجراية بداية من تاريخ وفاة الهالك وليس تاريخ ولادته.

أمّا في حوادث الطرقات فقد اعتبر القضاء التونسي والمغربي أن العبرة في تحقيق الضّرر المادّي للشخص الذي يدّعيه نتيجة لوفاة آخر هو أن يثبت أنّ الهالك كان يعيله فعلا وقت وفاته على نحو مستمر ودائم، وأنّ فرضية الاستمرار على ذلك في المستقبل محققة[148]. لكن هذا المشكل لا يوضع مع قانون 15 أوت 2005[149]، لأن القانون لم يقص أحدا من حقه في التعويض عن الأضرار بالرّابطة القائمة بين الطرفين بشرط إثباتها وعلى الخصوص بما في ذلك الجنين عند إصابة والده أو والدته رغم أنّه لم يتعرّض إلى هذه الحالة. ولذلك نرى ضرورة التعرّض إليها لأن القضاء قد يجد الحلّ لذلك. فقد جاء في قرار تعقيبي[150]: “إنّ القيام في حق من تضرّر مباشرة من خطأ مؤمن المعقب ضدّها الأولى، وهو جنين في بطن أمّه بفقده والده الذي كان يرعاه ويوفر له جميع لوازمه الحياتيّة من نفقة وتعليم وغيرها حتّى بلوغه سنّ الرّشد، وبفقده نتيجة الخطأ غير المباشر فقد خسر تلك المكاسب الماديّة، الأمر الذي يوجب تعويضه عنها من طرف المتسبب فيها”. ومن خلال هذه الحيثيّة حاولت محكمة التعقيب التأكيد على وجود الضّرر المادّي، وهما الإخلال بالمصلحة الماليّة والطابع المحقق للضّرر.

بالنسبة للشرط الأوّل الذي يتعلّق بالمصلحة الماليّة فهو ثابت في هذه الحالة، ويتمثل في حرمان الطفل من النفقة والرّعاية الماديّة التي تكون حقا للأبناء على الأولياء، حيث نصّ الفصل 46 م.أ.ش. أنّه:” يجب على الأب الإنفاق على أولاده…” ولا شكّ أنّ موت المعيل يمثل خسارة لهذه المكاسب الماديّة.

أمّا بالنسبة للشرط الثاني المتمثل في الطابع المحقق لهذا الضّرر، فهو يتحقق بمجرّد الوضع أي ولادة الطفل حيّا. لكن الإنفاق يستوجب والطفل ما يزال جنينا في بطن أمّه، نتيجة حاجة هذا المولود إلى معيل[151] حيث أنّ الضّرر في هذه الحالة ليس محتملا، فبثبوته يستحقّ الجنين التعويض دون النّظر إلى أهلية المتضرر إذ يكتفي الفصل 83 م.أ.ش. بالرّوابط التقليديّة للمسؤوليّة، حيث ينصّ على: “أنّ من تسبّب في مضرّة غيره خطأ سواء كانت المضرّة حسيّة أو معنويّة فهو المسؤول بخطئه إذا ثبت أنّه هو السبب الموجب للمضرّة مباشرة”. وعبارة “الغير” الواردة في هذا النصّ، يقصد بها المتضرر، فإنّ هذا الأخير قد يكون رشيدا، طفلا أو حتى جنينا في بطن أمه، يستحق التعويض عن الضّرر اللاحق به. وبذلك فإنّ الضّرر الذي يلحق بالجنين، هو ضرر شخصي مستقل عن الضّرر الذي أصاب الهالك نفسه، و لا يقدّر التعويض عنه بحسب نصيبه في الإرث، وإنما يراعي في تحديده ما حصل له من ضرر، إذ أنّ التعويض لا يعدّ خلافة الجنين للهالك في حقوق يتقاسمها مع الورثة. وهذا ما ذهبت إليه محكمة التعقيب في القرار المذكور عندما أقرّت حق الجنين دون ما اعتبار لما سبق الحكم به لوالدته وأخته إذ لا شأن له بذلك، وأنّ الأمر لا يتعلق بميراث وإنما بتعويض مضرّة.

وبناء على هذا فإنّ فقه القضاء أقرّ بالتعويض المادّي و المعنوي للجنين وذلك حسب ما تقتضيه مصلحته وتكريس هذا الحق يجعل الجنين في مكانة مساوية لإخوته المولودين.

القسم الثاني: مصلحة الجنين من خلال القانون

لقد اعتمد المشرّع على مصلحة الجنين كأساس للتوسّع في حقوقه ويتجلّى ذلك من خلال مؤسسة الاشتراط لمصلحة الغير كأداة تعاقديّة ناجعة للتوسّع في حقوق الجنين وارتباطها بمفهوم المصلحة.

لكن قبل الخوض في أصل المسألة يجب التعرّض أوّلا إلى مؤسسة الاشتراط لمصلحة الغير (الفقرة الأولى) وثانيا إلى مصلحة الجنين من خلال قرينة العلوق (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الاشتراط لمصلحة الغير

قديما وفي ظل القانون الرّوماني، كان يعتبر أنّ الالتزام لا ينشأ إلاّ بين الأطراف التي تقوم بالشكليات الضروريّة، وهذا الموقف قد استمرّ حتى بعد ظهور الرّضائيّة في بعض العقود إذ جاء في” تقنين جستنيان” « Codification Justinien » أنّه لا يجوز الاشتراط لمصلحة الغير، وفي صورة حدوثه لا يكون له أي مفعول. لكن هذه المؤسسة تطورت في التشريعات الحديثة وبالخصوص في القانون الفرنسي[152].

والاشتراط لمصلحة الغير هو عقد يشترط فيه المشترط على الطرف الآخر وهو المتعهّد أن يؤدي لشخص ثالث أجنبي وهو المستفيد حقا معيّنا ومن أهم التطبيقات كان في مجال التأمين على الحياة التي يشترط فيها المؤمن على شركة التأمين دفع مبلغ من المال، عند وفاته للغير، مقابل أقساط تأمين يدفعها طيلة حياته، بحيث يحق للغير المنتفع أن يطالب مباشرة شركة التأمين، عند وفاة المشترط بأن تدفع له المبلغ المتفق عليه بينها وبين المشترط.

لقد نظم المشرّع التونسي الاشتراط لمصلحة الغير في الفصلين 38 و39 من م.إ.ع. كما كان لفقه القضاء دور في تطوير هذه التقنية. ذلك أنه يسّر التقنيات التعاقديّة التي تقوم على هذا الشكل وتوسع في مفهوم المصلحة الدّافعة للمشرط وذلك بقبوله للمصلحة المعنويّة كالعاطفة التي يحملها المشترط للمستفيد[153]. أمّا الشروط التي تخصّ المشترط له، فإنه يكفي أن تتوفر لديه أهليّة الوجوب، إذ لا مجال للبحث عن توفر أهليّة الأداء، حيث أنّ تدخله غير مطلوب.

وفيما يتعلّق بتعيين المشترط له، فإن الفصل 38 من م.إ.ع. أجاز إمكانية الاشتراط بمنفعة تعود على الغير وإن لم يعين هذا الغير بعد. لكن يشترط أن يكون قابلا للتعيين فيما بعد.

أمّا الشرط الثاني المرتبط بوجود المشترط له، فلا نجد في النصوص المتعلقة بالاشتراط لمصلحة الغير أيّ شرط صريح يوحي بذلك لكن يمكن أن نستنتج من خلال الفقرة الثانية للفصل 38 من م.إ.ع. التي تتعلق بقيام المستفيد وقبوله الوارد بالفقرة الثالثة بوجود هذا الشرط.

وفي هذا الحيز يطرح التساؤل نفسه عن إمكانيّة التسليم بصحّة الاشتراط لمصلحة الجنين كأداة للتوسع في حقوقه؟

بالرّجوع إلى أحكام الفقه الإسلامي نجد أن الاشتراط لمصلحة الجنين جائز[154]. لكن التسليم بصحة بهذا الاشتراط يثير العديد من الصعوبات خاصة في صورة عدم تحقق شرط الحياة، ومثال ذلك كأن يموت المشترط قبل أن يُعيّن المستفيد، أو أن تكون صفة الشخص المشترط له مرتّبة على البطلان. كالاشتراط لفائدة جنين ميّت لما يجعل العقد غير قابل للتنفيذ نظرا لغياب المستفيد في الاشتراط. ففي مثل هذه الصور ما هو مآل العقد المبرم بين المشترط والمتعهّد؟

الحل الذي يمكن اعتماده هو اعتبار الفائدة من تبعات التركة أو جزء منها[155]. وهذا الحل وقع الأخذ به في جميع صور الاشتراط لمصلحة الغير إلاّ في مادّة التأمين على الحياة ذلك أن الإشكال طرح على مستوى الفقه الفرنسي الذي تساءل حول إلزاميّة القاعدة الواردة بالفصل 66 من قانون التأمين على الحياة[156]، وذلك بمناسبة النظر في عقد تأمين على الحوادث الذي أبرم قبل صدور هذا القانون واشترط فيه المؤمن منح المال إلى الشخص المشترط له، أو امرأته أو أطفاله دون غيرهم. وقد استنتج من عبارة الشرط أن المؤمن رفض الاشتراط لمصلحته الشخصية بصفة ثانويّة بما يجعل القيمة المترتبة له لا تسقط في التركة في غياب المستفيدين، كما أنّ بطلان الاشتراط لغياب المستفيد يمكن تجاوزه باعتبار أنّ الاشتراط كان موقوفا على شرط تعليقي يتمثل في وجوده. وهو ما يسمح للمحكمة بالاعتراف بصحّة الالتزام، وبحق المؤمّن في الاحتفاظ بأقساط التأمين[157].

لكن يبدو أن لهذا الحل مآخذ تتمثّل في أنه قد يلحق أضرارا بحقوق الورثة وذلك عن طريق التنصيص على قيمة التركة، وبذلك فإن هذا الحلّ الذي يكرّس الحرية التعاقديّة قد يمثّل صورة من صور التحيّل على قانون الميراث، وهو ما يجعل تعميمه الوارد في مادّة التأمين على الحياة، ضمانة جديدة لحفظ حق الورثة. هناك أيضا صعوبة ثانية تتمثل في مدى إمكانية استغلال مؤسسة الاشتراط لمصلحة الغير لمنح “الهبة” للجنين وتجاوز سكوت المشرّع الذي لم ينصّ على هذه المسألة.

يبدو أنّ هذه الصيغة تبقى مستساغة قانونا، باعتبار الطابع التبرّعي الغالب على العلاقة القانونية بين المشترط والمستفيد، وهذا الطابع يتماشى مع أهلية الجنين. لكن هذا الاعتراف باستحقاق “الهبة” قد يؤدّي إلى وضعيّات غير منسجمة مع النظام القانوني خاصّة إذا صدر الاشتراط أثناء مرض الموت، لذلك يجب على المشرّع التّدخّل لإقرار حق الجنين في الهبة وتنظيم الولاية عليه، خاصة وأنّ القانون المقارن قد أقرّ له مثل هذا الحق. كذلك الفقه الإسلامي وخاصّة المذهب المالكي الذي وسّع من حقوق الجنين اعتمادا على قيمتي العدالة والمصلحة.

الفقرة الثانية: مصلحة الجنين من خلال قرينة العلوق

يبرز التوسّع في حقوق الجنين من خلال الاستناد إلى قرينة العلوق، حيث أن العلوق يمثل الطور الأوّل للتخلق، يقول الله تعالى: “ثم خلقنا النطفة علقة”. فالعلوق عبّر عنه هنا بالخلق وما ذلك إلا لأنّ في هذه المرحلة يظهر أوّل تطوّر واقعي في الإنسان، فالنطفة تدخل في مرحلة مغايرة تمام المغايرة للمرحلة التي كانت عليها ولذلك استحقت أن توصف بوصف الخلق[158].

والعلقة تمثل مجموع الخلايا التي اتخذت لنفسها شكل التوتة والتي يطلق عليها اسم الجرثومة التوتيّة، وتكون ناتجة من البويضة الملحقة. أما قرينة العلوق فهي تلك الفترة الزّمنية التي يرجع أثناءها بداية التخلق، وتستغرق الحيز الزّمني الفاصل بين أدنى مدّة الحمل وأقصاها. غير أن هذه القرينة لا نجد لها أثرا في الفقه الإسلامي، وكذلك في القانون التونسي، أمّا القانون الفرنسي فقد اعتمدها في الفصول 311 م.م.ف وما يليه المتعلق بالنسب والذي يفترض وقوع العلوق في الفترة الفاصلة بين 300 يوما إلى 180 يوما قبل الولادة.

وقد وقع تنقيح الفقرة الثانية من الفصل 311 م.م.ف. بقانون 4 جويلية 2005[159]، وهو تنقيح جاء تتويجا لما ساد في فقه القضاء فيما يتعلق بترتيب جراية الأبناء في مادّة حوادث الشغل في ظل قانون 9 أفريل 1898، الذي اشترط أن يحصل العلوق قبل وقوع الحادث. أمّا النصّ الحالي فإنّه يشترط أن يكون الطفل مولودا أو أن يكون الجنين موجودا حين الوفاة.

لكن الإشكال يثار في تعدّد صور العلوق وذلك مراعاة لمصلحة كلّ طفل. ورغم سكوت المشرّع التونسي عن تحديد تاريخ العلوق، فإنّه يمكن الأخذ بالفترة الفاصلة بين أدنى مدّة الحمل وأقصاها، وهي الفترة الزّمنية الفاصلة بين ستة أشهر والسنة السابقة للولادة، إلاّ أن الأخذ بهذه الفترة مع مراعاة مصلحة الجنين، قد يؤدي إلى إثارة عدّة صعوبات. وتبقى قرينة العلوق وثيقة الاتصال بمسألة تحديد النسب خارج إطار الزّواج[160]، لذلك فالاعتداد بمصلحة الجنين والأخذ بتاريخ العلوق يبقى مرتبطا بمؤسّسة الأسرة ونظام الأبناء في القانون التونسي، خلافا لما هو مقرّر في الفقه الفرنسي الذي يسلم بشرعيّة النسب مكتفيا في ذلك بالولادة أثناء الزّواج.

بعد التطرّق إلى آثار إسناد الشخصية القانونية للجنين علي مستوى الحقوق سوف يتم التطرق إلى نوع آخر من الآثار على مستوى الحماية.

الفصل الثاني: الآثار المترتبة على مستوى الحماية
في خضمّ التطور الطبي الحديث، أصبحت شخصيّة الجنين محل تساؤل. فكل ما وقع الإقرار به لصالحه هو محاولة لتأكيد شخصيّته القانونية وتدعيم لحقوقه.

و التقدّم الحاصل في مجال الطّب الإنجابي من خلال صدور قانون 2001[161] قد هزّ شخصيّة الجنين التي هي في حاجة إلى حماية أكبر.

لذلك تدخل المشرّع من أجل كبح جماح العلم لاستبعاد تشييء الجنين (المبحث الأوّل) والعمل على تنمية شخصيّته القانونيّة (المبحث الثاني).

المبحث الأوّل: تجاوز نظريّة تشييء الجنين
بالرّغم من أنّ التطوّر الطبي ساهم بقدر كبير في تنمية شخصيّة الجنين إلاّ أنّه من ناحية أخرى ساهم في اهتزازها، وذلك بإدخال التقنيات الحديثة التي أدّت إلى تشييئه.

حيث يصبح الجنين مجرّد شيء وليس شخصا وهو ما يؤثر على الإنسانيّة جمعاء. هذا ما حدا ببعض الدّول إلى مناقشة بعض التقنيات الجديدة ومعرفة المشاكل التي طرحها على مستوى الأخلاق والدّين والقانون. ومن هذه التقنيات نجد تقنية كراء الرّحم (القسم الأوّل) والحمل بالطرق الاصطناعيّة (القسم الثاني).

القسم الأوّل: الحمل لفائدة الغير

هي تقنية كثيرة الانتشار في المجتمعات الغربية وتتمثل في اتفاق بين امرأتين إحداهما الأمّ من الصّلب[162] والثانية المرأة المستعارة، تلتزم هذا الأخيرة بمقتضى عقد تلتزم فيه الأولى بحمل الطفل إلى تاريخ ولادته ثم تسليمه للزّوجين الأصليّين[163]. وتكون هذه العملية في العادة بمقابل مالي. غير أن هذه التقنية قد أفرزت العديد من المشاكل منها مشكلة تنازع الأمومة (الفقرة الأولى) والتي قد يكون الطفل أكبر متضرّر من هذا النّزاع وهذا ما دفع المحاكم إلى القضاء ببطلانها (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الأمومة المزدوجة

يمكن أن نعرّف الأمومة بأنّها تلك الرّابطة القانونية التي تجمع الطفل بأمّه، ومنشأ هذه الرّابطة الأصلي هو صلة التكوين والوراثة وأصل ذلك الحيوان المنوي فيه وله صلتان بأمه أولاهما صلة تكوين ووراثة وأصلها البويضة وثانيتهما صلة حمل وولادة وحضانة وأصلها الرّحم منها، وهذا هو المولود المتصل بأبويه شرعا وطبعا[164]. واللجوء إلى استئجار الرّحم يشكل مساسا بالهيئة الحاصلة للمولود، فانقطاع الصلتين بين الأم والمولود والفصل بينهما أفضى إلى ما يعرف بالأمومة المزدوجة.

فالمرحلة الجنينية من هذا المنطلق ستكون محددة لوضعية المولود وتوخّي هذه الطريقة في الإنجاب قد تجلب له المتاعب وتساهم في تفكيك الأسرة نفسها، حيث يقع انفصال الصلة بين الأمّ والمولود.

هذه الوسيلة للإنجاب أفرزت وقائع طريفة ومفجعة في نفس الوقت، فهذه المرأة تلاحقها بطاقة تفتيش روجتها ضدّها إحدى المحاكم بعد اختفائها مع مولودها الذي حملته لفائدة الغير، بعد أن أجبرت على تسليمه لوالديه من الصّلب. وأخرى تتمسك بقرينة الوضع لإقرار الأمومة والأمثلة في هذا الموضوع متعدّدة[165]، وهي تشهد في معظمها بخطر هذا الشكل من أشكال الإنجاب لما يترتّب عنه من ضياع الأمومة.

هذا الأمر قد أدى بمجلس الدّولة الفرنسي إلى إصدار قرار يقضي بحل ثلاث جمعيات وساطة[166] وهذه الوساطة ترتّب وفق مشروع القانون الفرنسي عقوبة جزائية[167]. كما ذهب الفقه إلى أن تحرير عقد يستهدف تعويض الأم البيولوجية بأخرى يرتّب عقوبات جزائيّة وتتبّعات مدنية على أساس المسؤوليّة التقصيرية وهي دعاوى مخولة للأبوين المتضررين ماديا لتعويضهما عن الأموال التي دفعاها للمرأة أو الأم بالوكالة والتي لا يستطيعان استرجاعها. إضافة إلى الإمكانية المتاحة للطفل للقيام بدعوى التعويض الناجم عن الضرر الذي قد يلحق به من جراء إفتكاكه من أحضان أمه بعد الوضع إزاء محرر العقد[168].

لكن صدرت بمناسبة انعقاد إحدى النّدوات حول “الإنجاب في ضوء الإسلام” في بلد عربي فتوى تعبّر أنّ الإنجاب عن طريق استعمال أمّ بديلة جائز شرعا أثناء قيام الزّوجية إذا روعيت الضمانات الدّقيقة الكافية لمنع اختلاط الأنساب، ولأنّ مراعاة ذلك مسألة صعبة جدّا فإنّ الاتفاق قائم على عدم جواز ذلك[169]. فالإنجاب بواسطة أمّ بديلة يطرح إشكاليات قانونيّة وأخلاقيّة كبيرة، فمن الناحية الأخلاقيّة يتضارب الإنجاب بتلك الوسيلة مع العلاقة الطبيعيّة بين الزّوج والزّوجة، وتفقد الأمومة الحقيقية نكهتها. فالطفل المنجب بواسطة أمّ بديلة أجّرت رحمها أو قبلت بأن يكون رحمها وعاء للحمل يجعل من الأمومة غير مشخّصة[170] بشكل واضح مع ما ينتج عنه من انعدام العطف والحنان للطفل فينعكس ذلك بصفة سلبيّة على مصلحته الفضلى[171].

إنّ مراعاة حقّ الجنين في أن تكون له أمّ واحدة والدّفاع عن هذه الفكرة يبقى الضمان الوحيد لتجاوز مسألة تعدّد الأمهات وبذلك حماية المرحلة الجنينيّة باعتبارها مرحلة أو طور من أطوار الشخصيّة ولمراعاة كلّ القيم والثوابت التشريعيّة في شأنها كحقّ الجنين في النّسب والتسليم بهذه الطريقة للإنجاب قد يفضي إلى ثلاث نتائج: أمّ مرضعة، أمّ من الصلب وأمّ بالوكالة وهي صورة ترتب العديد من المشاكل لذلك وقع تقرير بطلان اتفاقية كراء الرّحم.

الفقرة الثانية: بطلان اتفاقيّة كراء الرّحم

لقد ذهب المشرّع إلى منع كلّ تعامل بالأمشاج والأجنّة سواء كان ذلك بالبيع أو الشراء أو الكراء أو الهبة لما لذلك من تأثيرات على القواعد الدينيّة والقانونيّة والأخلاقيّة السّائدة التي تحصر الإنجاب في إطار علاقة زوجيّة بين شخصين دون تدخل طرف ثالث. وسواء تعلق الأمر بتبرّع أو شراء أو كراء لرحم المرأة فإنّ النتيجة واحدة وهي المنع[172].

إنّ عقد كراء الأرحام هو عقد باطل من الناحية القانونية لمساسه بالنظام العام و باعتباره يتعلق بجسم الإنسان وله مساس بحقوق الشخص وذلك استنادا لأحكام الفصل 575 من م.إ.ع. التي أكّدت أنّه “لا يصحّ بين المسلمين ما حجر المشرّع بيعه” وهذا يعني عدم جواز الاتجار بجسم الإنسان أو بأجزاء منه، والكراء هو ضرب من ضروب التعامل والاتّجار[173]. لذلك أخذ المشرّع التونسي بمعيار الوضع كأساس لإسناد الأمومة وهو ما يمكن استنتاجه من خلال أحكام الفصل 24 من قانون 4 أوت 1957 المتعلق بالحالة المدنيّة الذي اقتضى أنّه:” يُعلم بولادة الطفل والده والأطباء والقوابل أو غيرهم من الأشخاص الذين شهدوا الوضع، فإذا وضعت الأمّ حملها خارج مسكنها يقع الإعلام من الشخص الذي وقعت الولادة بمحله إن أمكن ذلك ويحرر رسم الولادة حالا”. كذلك اعتبر المشرّع الفرنسي في بعض قراراته أنّ معيار الأمومة هو الوضع[174]. من أجل معرفة الأمّ الحقيقيّة للطفل.

كما أنّ عقد كراء الأرحام يثير إشكاليات أخرى لا تتعلّق فقط بمعرفة الأمّ الحقيقيّة للطفل وإنّما أيضا بالنسب والإرث وموانع الزّواج إلى غير ذلك من المسائل. وقد فجرت واقعة حصلت في جنوب إفريقيا سنة 1978 إشكاليات من هذا القبيل عند ما قام فريق طبي يشرف عليه الباحث “كارل ورد” بزرع بويضة ملقحة لبنت تشكو من مرض عقمي في رحم أمّها التي أنجبت ثلاث توائم[175]. وقد أدّت هذه العملية إلى طرح إستفهامات خطيرة تتعلق بمسائل الأمومة والأبوّة والرّوابط الدّمويّة والأسريّة، ولم يعد يعرف بالضبط من الأم ومن الجدّة ومن الأخ ومن الأخت؟ وهذا ما قد يؤدّي إلى فرقعة كامل النظام الأسري الذي عرفته البشريّة منذ الخلافة إلى تطور علم البيولوجيا بالشكل الذي وصل إليه الآن. كما أن كراء الأرحام فجّر قضايا قانونية أخرى إثر حصول خلافات بين أطراف العقد كتلك الناجمة عن رفض الزّوجين صاحبي البويضة والحيوان المنوي تسلّم الجنين من الأم البديلة لولادة الطفل مشوّها[176].

إن كلّ هذه المسائل المستعصية الحل والمنتهكة لحقوق الطفل ومصلحته الفضلى هي التي دفعت بالعديد من المشرّعين إلى منع كراء الأرحام من ذلك المشرع التونسي الذي أقر صلب الفصل 15 من قانون الطب الإنجابي أنه: ” لا يمكن بأي صورة من الصور، في إطار الطب الإنجابي إستعمال رحم إمرأة أخرى لحمل الجنين”. وبذلك استقرّ فقه القضاء المقارن من جهته على عدم مشروعيّة عقود تأجير الأرحام لما تسببه من ضرر للطفولة والعائلة[177]. فالجنين ليس شيئا أو نتاجا يجعل منه موضوع تعاقد أو محلاّ له إذ بالرّجوع إلى نظريّة محل العقد نرى أنّ الإنسان خارج عن التعامل فيه لأنّ الطفل قبل الولادة وبعدها ليس شيئا قابلا للبيع أو الهبة هذا فضلا عن أن تقنية كراء الرّحم لا تستساغ قانونا باعتبار أنّ جسم الإنسان غير قابل للكراء.

القسم الثاني: الحمل بالطرق الاصطناعيّة

الحمل بالطرق الاصطناعيّة هو الإنجاب على غير الطريقة الطبيعيّة التي لا تعتمد الاتصال الجنسي الطبيعي وتتمثّل في عمليّة تجرى لحالات العقم وتتحقّق بإدخال مني الزّوج في العضو التناسلي للمرأة بدون حصول اتصال جنسي طبيعي. كما أنّ نجاح هذه التقنية كوسيلة علاجيّة شجّع الأزواج المحرومين من الإنجاب على تحقيق رغبتهم الشرعيّة في الحصول على أطفال خاصّة وأنّ الحرمان من الأبوّة والأمومة يكون نتيجة عدّة أسباب منها العقم وإلى عوامل أخرى قد تكون عضويّة أو وراثيّة. لذلك تعدّدت طرق التلقيح الاصطناعي وانتشرت مراكزه في العديد من البلدان وترأسها أطبّاء وبيولوجيون وعلماء الجينات والوراثة.

ولم تكن بلادنا بمعزل عن هذا الحدث العلمي، إذ اهتمّ الأطباء كمحاولة منهم لحلّ معضلة العقم بوسائل التلقيح الاصطناعي، من خلال تكوين مراكز مختصّة ومجهزة بآلات متطوّرة[178] لا على مستوى المستشفيات والمصحّات العموميّة[179] فقط وإنّما أيضا على مستوى المصحّات الخاصّة. غير أنّ هذه التحوّلات تمّت في غياب الإطار التشريعي المناسب الذي ينظمها حتى لا تحيد عن أهدافها الأصليّة السامية ولذا فقد وجبت إحاطة هذا الميدان بالتقنيات اللازمة والضابطة لكيفية ممارسة التلقيح الاصطناعي (الفقرة الثانية).

وبهذا وأمام غياب الإطار القانوني للتلقيح الاصطناعي فإنّ هذه الإمكانية تبقى بدورها واردة وهو ما يطرح شرعية الحمل الاصطناعي (الفقرة الأولى).

الفقرة الأولى: شرعية الحمل الاصطناعي

يعتبر الزّواج الإطار الشرعي للحمل والإنجاب فالطفل ينسب لأبويه، غير أنّ طرق الإنجاب الحديثة تجاوزت هذا الإطار التقليدي للأسرة رغم أن معظمها يخالف الشّرع وذلك حسبما ورد في قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورته الثالثة بمؤتمر عمان من 11 إلى 16 أكتوبر 1986 الذي لا يستثني من ذلك إلاّ حالة التلقيح الذي يعتمد أساسا في تكوين الجنين على بويضة الأم ومني الأب، وذلك بأخذ نطفة من الزّوج وبويضة من الزّوجة وتلقيحها خارجا داخل أنبوب اختبار ثم تزرع اللقيحة في رحم الأم كذلك بأخذ نطفة من الزّوج تحقن في رحم الزّوجة نفسها بطريقة التلقيح الداخلي « Auto-insémination ».

هذا النوع من التلقيح يشبه بالتلقيح الناتج عن الجماع الطبيعي بين الزّوج والزّوجة ويعد الرضا المتبادل للزوجين الشرط الأساسي والوحيد لشرعية هذا الأسلوب الطبي للحمل والإنجاب. أصدرت دار الإفتاء المصريّة فتوى بتاريخ 23 مارس 1988 جاء بها أن تلقيح الزّوجة بذات مني زوجها دون شك في استبداله واختلاطه بمني غيره جائز شرعا ويثبت النّسب[180].

فالطفل الوليد طفل شرعي مثله مثل الذي نتج عن علاقة جنسية طبيعية تمت داخل إطار الزّواج، لذلك اتفقت أغلب التشريعات على إباحة هذه الطريقة في الإنجاب بالرّغم من أنّ هذا الحمل لا يخلو من وجود ملابسات تظهر خاصة في عملية التلقيح الاصطناعي الخارجي، ذلك أنّ المخبر من الممكن له حفظ بويضات و نطفات أناس مختلفين وفرضيّة الخلط بينها واردة جدّا[181] خاصّة إذا تكاثرت ممارسة مثل هذه الطرق لذلك بات من الواجب حصر نطاقها في حالات الضرورة مع أخذ كل الاحتياطات اللازمة، لأنّه بالرّغم من التطور السريع الذي عرفه التلقيح الاصطناعي والنجاح الذي حققه كوسيلة علاجية لحمل المرأة إلاّ أنّه وككل نجاح علمي لم يخل من مشاكل. لذلك وجد جدل كبير بين المختصين وفقهاء القانون ورجال الدّين لأنّ الإشكالات تعدّدت بتعدّد الطرق.

فطريقة التلقيح الاصطناعي بالاعتماد على متبرّع طرحت عدّة مسائل قانونية تمحورت حول قلة عدد المتبرعين سواء بالنطفة أو بالبويضة، العنصرين الأساسيين للتلقيح. كما طرحت مسألة اعتماد السريّة وعدم إفشاء هويّة المتبرّع بصفة مطلقة، أو بجعل استثناء لهذه القاعدة خاصّة متى تعلق بثبوت نسب بقرينة الفراش.

أمّا في خصوص طريقة التلقيح الاصطناعي لزوجين عقيمين فإنّ هذه الحالة أيضا لا تخلو بدورها من إشكالات قانونية وأخلاقية فعلاوة عما نشأ حولها من جدل بين مؤيدين ورافضين للإنجاب الاصطناعي فقد استأثر التلقيح ما بعد وفاة “القرين” « insémination post-mortem » للأرملة بماء هذا الأخير المدخر بالبنك، بتحاليل المفكرين وجهد رجال القانون والدّين ولا يخفى أنّ إباحة التلقيح ما بعد الوفاة، فيها خرق واضح للنصوص القانونية التي حدّدت أقصى مدّة الحمل بين تسعة أشهر وسنة بمختلف الأحكام المتعلقة بالأسرة ونستحضر هنا الفصل 69 من م.أ.ش.[182].

وتبقى من أهمّ المشاكل والتعقيدات التي تولّدت عن مختلف هذه الطرق هي المشاكل التي أفرزتها طريقة الإنجاب بوسيلة الأنابيب. لكن قبل بسط مشاكل هذه التقنية يجب التعرّض إلى تجربة الطفل الأنبوب.

كانت أوّل تجربة للإنجاب بواسطة الأنبوب[183] سنة 1978 مع ولادة الطفلة “لويز براون” في 25 جويلية من تلك السنة[184]، ومنذ ذلك التاريخ انتشرت هذه التقنية في مختلف أرجاء العالم وانتشرت معها مراكز التلقيح الاصطناعي الخارجي. أمّا في تونس فقد كان أوّل طفل أنبوب يسمى “إلياس تيمنا” نسبة إلى اسم الطبيب الذي باشر ولادته[185].

لكن هذه التجربة أفرزت ردود فعل تجسمت في تصريحات لرجال الدّين شدّدت على ضرورة مراعاة نظام الأسرة واحترام الأنساب والأمومة حسبما جاءت في الشريعة الإسلامية. فهذه العمليّة تعدّ جريمة تخلّ بقانون الأسرة وتؤدي إلى اختلاط الأنساب، لكن لا يجدر اعتبار هذه العمليّة من قبيل الزّنا، لأنّ جريمة الزّنا حسب الفصل 269 م.ج. تفترض اتّصالا جنسيّا لذلك لا يمكن إدراج هذه التجربة التي يقوم بها الطبيب ضمن الأفعال المكوّنة لهذه الجريمة.

إنّ الإنجاب بواسطة الأنبوب ينبغي أن يظلّ مقترنا بالحاجة إلى ذلك لتجاوز مشكلة العقم مع التأكيد على ضرورة الاحتراز وأخذ كلّ الاحتياطات اللازمة حتى لا تختلط البويضة مع لقاح غير لقاح الزّوج في المخبر. ومن هذا المنطلق يكون كلّ اعتداء أو تلاعب باللقيحة مجرم.

الفقرة الثانية: الاعتداءات التي يتعرض لها الحمل الاصطناعي

تستوجب عمليّة الإنجاب بواسطة الأنبوب تسلم الطبيب نطفة الزّوج وبويضة الزّوجة ويتولى تلقيحها داخل أنبوب، فإذا ما تمّ اللقاح يتولّى زرع اللقيحة داخل رحم الأمّ. وتتطلب عملية التلقيح الاصطناعي خارج الرّحم تقيح العديد من البويضات ولا يتمّ زرع إلاّ البعض منها في رحم الأم و الاستغناء عن الباقي. لذلك يطرح التساؤل حول مصير اللقائح الإضافيّة التي يقع الاستغناء عن زرعها؟

إذا قرّر الزّوجان الاحتفاظ باللقيحة الإضافيّة وذلك رغبة منهما في الإنجاب ثانية بعد نجاح عملية الزرع الأولى خاصّة وأن الأم تكون مضطرّة أحيانا لاستئصال المبيض أو يقع إخضاعها لعلاج كمياوي يقضي على التبويض لديها كما يصعب تجميد بويضات لوحدها إلى حدّ الآن. فإنه يقع تجميد هذه اللقيحة داخل بنوك وقد ارتقى الطب المخبري بالأساليب المتاحة إلى درجة كبيرة في التّطور في مجال التجميد.

وعملية التجميد هذه من شأنها تجنيب الأم مخاطر الخضوع لعملية استئصال البويضات كما أنها تخول اختيار وقت الحمل وهذا يعني أنّ الحمل سيكون مرغوبا فيه لذلك سيحظى بكلّ عناية من الأمّ. و تقنيات التجميد طرحت إشكاليات أخلاقيّة وقانونيّة. من أهم هذه المشاكل الناتجة عن عملية التجميد هي طول فترة هذه العملية التي لها تأثير سلبي، لهذا اقترحت اللجنة الوطنية للأخلاق بفرنسا تحديد فترة تجميد اللقيحة من إثنى عشر شهرا إلى ثمانية عشر شهرا[186] وذلك صيانة لحرمة هذا الكائن الحيّ. وقع تحديد الأجل الأقصى لتجميد اللقيحة ضمن الفصل 152-3 من مجلة الصحّة الفرنسيّة المنقح بالقانون عدد 94-654 الصادر في 29 جويلية 1994 وهذا الأجل هو خمس سنوات. و اعتبر بعض الفقهاء[187] انطلاقا من هذا الأجل أن المساواة تنعدم بين اللقيحة داخل الرّحم وتلك الموجودة خارجه في خصوص تقرير حقّهما في النموّ والحياة. فحقّ اللقيحة في النموّ والحياة قائم لأجل قد يبلغ الخمس سنوات. وأجل اللقيحة داخل الرّحم يتّسم بالقصر إذ لا يتجاوز الشهرين والأسبوعين في القانون الفرنسي وهو لا يتعدى الثلاثة أشهر بالنسبة للقانون التونسي.

مع الملاحظ أن عملية زرع اللقيحة المجمدة والعدول عن ذلك يتوقف على قرار الأم فبقبولها عملية الزرع ستمكن هذه اللقيحة من حقها في النموّ داخل الرّحم إلى حين الولادة. أمّا إذا رفضت الأمّ إتمام عملية الزرع داخل الرّحم فإنّه سيقع التخلي عن اللقيحة وهذه العملية لا تكون جريمة إجهاض لأنّ اللقيحة منفصلة فيزيولوجيا عن جسد الأمّ.

بالنسبة للقيحة غير المرغوب فيها، قد يقرّر الأب والأم غير الراغبين في الإنجاب ثانية تمكين زوجين عقيمين من تحقيق رغبتهما الشرعيّة في الحصول على الولد و ذلك بقبولهما اللقيحة المستغنى عنها.

وفي هذا الإطار ننتقل بالحديث من مسألة التّبرّع باللقيحة إلى مسألة قبولها وهو ما ورد صلب الفصل 511-23 من مجلة الصحة الفرنسيّة المنقح بالقانون عدد 94-653 والصادر في 29 جويلية 1994 والذي أوجب صلب فصله 511-16 ألاّ يتمّ الحصول على اللقيحة المستغنى عنها من الزّوجين العقيمين بمقابل مالي وفي صورة الإخلال بمقتضيات هذا الفصل يتعرّض الزّوجان لعقوبات جزائيّة نظرا لارتكابهما جناية تستوجب سبع سنوات سجن إلى جانب الخطيّة.

وغاية المشرّع الفرنسي من تجريم هذه الأفعال هي تكريس الطابع الحمائي لّلقيحة، ونحن نعلم أنّ الحماية لا تكون إلاّ للأشخاص وليست للأشياء. وبذلك فإنّ اللقيحة لا تعدّ في مقام الأشياء وهو ما تأكّد قانونيا بتشبيه اللقيحة بالطفل[188] وذلك من خلال إخضاع عملية الحصول على اللقيحة إلى إجراءات شبيهة بإجراءات التبنّي[189].

وما تجدر الإشارة إليه أنّ مصير اللقيحة لم يعد من اختصاص الأطباء أو الأشخاص، فالقاضي يراقب كما هو الشأن في عملية التبني شرعيّة و قبول اللقيحة و ملاءمته داخل الأسرة الجديدة. لذلك وضع التشريع الفرنسي حدّا للانتهاكات والاعتداءات التي تستهدف اللقيحة من أجل عدم استغلالها في التجارب العلمية، فإجراءات الأبحاث والتجارب العلمية على اللقيحة يمكن أن تؤدّي إلى إضرار بها، فهي تستحق الحماية والصيانة ولها من الحقوق ما للجنين الذي يكون وسط أحشاء أمّه.

أمّا في التشريع التونسي فإنّ قانون 2001 المتعلق بالطبّ الإنجابي قد كرّس بوضوح منع الحصول على أجنّة خارج إطار الطب الإنجابي فقد جاء بالفصل 13 من القانون المذكور أنّه: “لا يمكن الحصول على جنين بشري بواسطة الأنبوب أو بتقنيات أخرى في إطار الطبّ الإنجابي ووفقا لغاياته كما يضبطها هذا القانون”.

ويظهر من خلال عبارات هذا النصّ أنّ المشرّع استعمل عبارة “أو بتقنيات أخرى” تحسّبا لإمكانية توصّل الأبحاث العلمية لأوجه استعمال أخرى في هذا المجال غير الأنبوب[190]. فمنع الحصول على أجنّة أو لقيحة واستعمالها لغايات غير مشروعة، والغايات غير المشروعة في الحصول على أجنّة أو لقيحة لغايات صناعية أو تجاريّة، هو مبدأ من المبادئ التي كرّسها القانون المتعلق بالطبّ الإنجابي وذلك حماية لحق الجنين في الحياة خارج الرّحم.

وأكّد المشرّع بالفصل 31 من نفس القانون أن مخالفة ذلك المنع يعاقب عليها بالسجن مدّة خمس سنوات وبخطية قدرها عشرة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين مع تضاعف العقوبة المذكورة في صورة العَوْدِ.

لكن قد تكون اللقيحة عرضة للتجارب العلمية وذلك لغاية طبية صرفة، أعمال علاجيّة ليس فيها تغير للخلقة، وتفاديا لمرض خطير قد يتعرّض له الطفل[191] والسماح لهما بعد تقديم مطلب كتابي أيضا بإجراء تجميد للأمشاج أو الأجنّة لغايات علاجيّة. وقد أحاط المشرّع هذه العمليّة بضمانات كبيرة تتعلّق بالمدّة القصوى لحفظ الأمشاج والأجنّة وبمآلها سواء في حال استمرار العلاقة الزّوجية أو انفصامها بطلاق أو بموت[192].

وبهدف غلق الباب أمام كلّ المعاملات المشبوهة بالأمشاج واللقيحة ذهب الفصلان 14 و15 من القانون المذكور إلى منع اللجوء إلى الغير للتبرّع بالأمشاج في إطار الطبّ الإنجابي ومنع التبرّع بالأجنّة ورتّب عن مخالفة ذلك عقوبة مماثلة لعقوبة منع الحصول على أجنّة لغايات صناعية أو تجاريّة. وبالتالي نحافظ على شخصيّة الجنين ونساهم في تنميتها.

المبحث الثاني: ضرورة تنمية شخصيّة الجنين القانونيّة
إنّ التطوّرات العلميّة والطبيّة بقدر ما ساهمت في تأكيد شخصيّة الجنين، إلاّ أنها قد عملت أيضا على تشييئه من خلال اكتشافها لتقنيات الإنجاب الاصطناعية التي يصعب فيها الحديث عن الشخصيّة القانونيّة للجنين. وعلى هذا الأساس، فإنّه يجب تدعيم وضعية الجنين وتنمية شخصيّته، ويكون ذلك بإيقاف كلّ عمل من شأنه أن يمسّ ذات الكائن البشري في المستقبل. لذا يجب رفض فكرة الاستنساخ[193] (القسم الأول) ومراقبة الكائن البشري في المستقبل، ومراقبة تقنية الهندسة الوراثيّة. كما يجب مساندة الدّور الذي تقوم به اللجنة الوطنيّة للأخلاقيات الطبية للمساهمة في تنمية شخصيّة الجنين (القسم الثاني)، وذلك بسنّ قانون يؤطر كلّ التقنيات الطبيّة الحديثة ويواكب هذه التطوّرات العلميّة.

القسم الأوّل: رفض فكرة الاستنساخ

إنّ ظهور فكرة الاستنساخ وتطوير تقنية الهندسة الوراثيّة قد أدّى إلى دراستهما والبحث عن أبعادهما. هذه الإحداثات العلميّة تعتبر قضيّة هامة ومعقّدة لها أبعاد مختلفة ومتشعّبة. وقد مرّت تقنية الهندسة الوراثية بمراحل هامّة، ارتبطت بعديد التجارب في مجال البيولوجيا والتحكم في الجينات والاستنساخ الحيوي[194].

وعجلة التقدّم العلمي لم تقف عند هذا الحد تواصلت إلى حدود الاستنساخ الحيوي والاستنساخ الحيواني ومحاولة القيام بالاستنساخ البشري، وهو استخراج نسخة مطابقة للأصل للإنسان، وهذه العملية تعدّ تحطيما لقانون الطبيعة الكونيّة. وهنا يجوز التساؤل حول أثر الاستنساخ في الكائن البشري بصفة عامّة؟ (الفقرة الأولى) وأثر الاستنساخ في الجنين بصفة خاصة؟ (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: أثر الاستنساخ في الكائن البشري بصفة عامّة

إذا كانت الهندسة الوراثيّة التي تعمل على تغيير الخصائص الوراثيّة للإنسان قد تهدد البشريّة، فما بالك لو وصل العلماء إلى استنساخ الإنسان وفق مواصفات ومواصفات محدّدة سلفا، أي عمليّة إنتاج بشر حسب القياس[195].

إنّ هذه التجارب العلميّة تمسّ مباشرة كينونة البشر في ذاتهم، أي في الجسد والعقل والنّسل، وهذه العناصر تحظى بالرّعاية الرّبّانيّة. لذلك يجب أن تعمل هذه التجارب على الحفاظ على الإنسان لا العكس. وقد أكّد بعض الفقهاء على أنّ الإستنساخ هو إهدار واضح لكرامة و قدوسيّة الإنسان، من هؤلاء نذكر “بول رامزي” الذي رأى في الإستنساخ إلغاء كلّي لإرادة الإنسان الحرّة إضافة إلى النتائج الوخيمة التي تجعل الإنسان عرضة لمجموعة من الإنتهاكات تهمّ الحقوق الطبيعية للأفراد من ذلك الإخصاب الطبيعي خوفا من إختلاط مورّثاتهم بغيرهم من الموروثات[196]. وعلى هذا الأساس، فإنّه يجب أن يكون لهذه التجارب والتطورات العلميّة انعكاس إيجابي على الإنسان، وبذلك رفض التطبيقات السلبيّة التي يرغب العلماء في إجرائها عليه كتغيير تركيبته الوراثيّة أو المزج بين خلايا إنسانيّة وخلايا حيوانيّة، حيث حاول العلماء مزج خلايا إنسان بخلايا فأر ولاحظوا أنّ خليّة الفأر أكلت الخلايا الوراثيّة للإنسان بعد اتحادهما[197]. في حين أنّ الله سبحانه وتعالى سخّر الكائنات الحيوانية والنباتيّة لفائدة الإنسان. لذلك يجب تحريم ما يمكن أن يغيّر في الإنسان و في طبيعته الأصليّة.

أمّا بالنسبة لعمليّة الاستنساخ الحيوي فإنّها أكثر شدّة من الهندسة الوراثيّة، لأنها رفض لمفهوم الإنجاب الطبيعي، بحيث نكون في غير حاجة لزوج وزوجة للتّوالد وهذا سيؤدّي إلى انقراض فكرة الأسرة كحقيقة واقعيّة دافع عنها الإنسان بغريزته وفطرته[198].

و يكون من يرغب في أن يصبح له ابن أن يقتني نسخة حسب الرّغبة والحاجة بدون أن يكون هناك أي رابط اجتماعي أو أسري. وعلى هذا الأساس فالاستنساخ الحيوي يؤدّي إلى فقدان الإنسان لخاصيّة أساسية موجودة فيه وهو العاطفة[199]. كذلك سيكون المولود المستنسخ نتاجا لأعمال مخبريّة، فهو إنسان غير حرّ وليست لديه الإرادة القويّة الفاعلة، لأنّ سلوكه سيكون محدّدا مسبّقا.

كذلك رجال الدّين المسلمون قد حذّروا من هذه العمليّة وما ينتج عنها من مشاكل تتعلّق خاصّة بكيفيّة تنظيم العلاقة بين النسخ الأصليّة والنسخ التي ظهرت نتيجة الاستنساخ الحيوي. والاستنساخ الحيوي يكون بنفس الطريقة التي بعثت بها النعجة “دوللي” إلى الوجود[200]. وهذه التجربة تمثل نقطة تحوّل جريئة في التوصّل إلى استعمال خليّة من ثدي نعجة لقّحت في بويضة نعجة أخرى بعد أن أخرجت منها نواتها[201]. إذا فهي نقطة تحوّل جريئة وخطيرة على الإنسانيّة لأنها تفتح المجال على مصراعيه لإنتاج صناعي للأجنّة وبذلك الأجنّة البشريّة. وهذه النتيجة دغدغت أزواجا من نفس الجنس فراحوا يطالبون بالإنجاب عن طريق الاستنساخ[202]. لذلك فإنّ الاستنساخ البشري قادم لا بدّ منه لأنّ مسيرة العلم لن تتوقف، ومنطق تولّد المعرفة وحركيّة تطور الثقافة يفرض نفسه دائما.

واعتمادا على الخلل الذي سيسببه الاستنساخ البشري فإن العديد من الدّول رفضت هذه العملية من ذلك المشرّع التونسي الذي اتخذ مواقف واضحة وصريحة وذلك حفاظا على مبدأ حق الإنسان في الحياة واحترام كرامته وحمايتها من كلّ توظيف حيث يطرح القانون عدد 93 لسنة 2001 المؤرخ في 7 أوت 2001 والمتعلق بالطبّ الإنجابي منع اللجوء في إطار الطبّ الإنجابي إلى الاستنساخ. فالفصل 8 من نفس القانون ينصّ على أنّه: “يمنع منعا باتا في إطار الطب الإنجابي اللجوء إلى تقنيات الاستنساخ”. ورتّب الفصل 31 من القانون المذكور على مخالفة ذلك المنع جريمة يصل عقابها إلى خمس سنوات سجنا مع خطيّة قدرها عشرة آلاف دينار، ويمكن للمحكمة أن تحكم بإحدى هاتين العقوبتين فقط.

ووفقا لأحكام الفقرتين الأخيرتين من الفصل 31 فإن أحكام الفصل 53 من م.ج. المتعلقة بظروف التخفيف لا تنطبق كما أنه في صورة العود تضاعف العقوبات المذكورة[203].

وهذا الموقف الصارم الذي اتخذه المشرّع التونسي لا من الاستنساخ في حدّ ذاته وإنما من اللجوء إلى تقنياته أصلا وهذا دليل على إدراكه لمدى خطورة الاستنساخ البشري[204]. و تأثيراته لا فقط على حق الإنسان في الحياة وإنّما أيضا على مجموعة من الحقوق الأخرى والقيم الاجتماعيّة السائدة. و واضح أنّ المشرّع أراد بمنع اللجوء إلى تقنيات الاستنساخ سدّ الذّرائع ولفت نظر كلّ من يفكّر من أهل الاختصاص في إنجاز مثل تلك العمليات لأنّ اللجوء إلى تقنياتها يشكل في حدّ ذاته جريمة.

هذا بالنسبة لأثر الاستنساخ في البشريّة عامّة و السؤال الذي يطرح هنا: ما أثر الاستنساخ على الطفل والجنين بصفة خاصّة؟

الفقرة الثانية: أثر الاستنساخ في الطفل المستنسخ والجنين

إنّ رفض فكرة الاستنساخ البشري قد يعود أساسا إلى الآثار المترتبة عنه خاصّة بالنّسبة لوضعيّة الجنين ثمّ الطفل المستنسخ.

فاستنساخ طفل قد يؤثر في استمراريّة العلاقة الزّوجيّة خاصّة إذا كان من خلية الزّوج وبدون إذن منه أو بدون علمه. وبذلك فإنّ عملية الإستنساخ قد تسبب له ضررا موجبا للطلاق على أحكام الفصل 31 من م.أ.ش. هذا إضافة إلى أنّ عمليّة الإستنساخ قد تثير إشكالية نسب الطفل المستنسخ على الرّغم من أنّ المشرّع التونسي قد عمل على حماية الأنساب، وذلك من خلال الفصل 5 من قانون 25 مارس [205]1991، حيث منع التبرّع بالأعضاء الناقلة للصفات الوراثيّة. فليس للرّجل أن يتبرّع بالماء المنوي، وكذلك ليس للمرأة أن تتبرّع بالبويضة والسبب في ذلك هو منع اختلاط الأنساب. حيث أنّ عمليّة الاستنساخ تعمل على اختلاط الأنساب خاصّة وأنّه بالإمكان استعمال خليّة واحدة لعدّة نساء، فمثلا مع النعجة “الدوللي” لم يحصل نجاح عملية الاستنساخ إلاّ بعد إجراء 300 تجربة فاشلة وتدخل ثلاثة حيوانات في هذه العمليّة هي بمثابة أمّهات “لدوللي”.

لذلك منع المشرّع التونسي الاستنساخ في إطار الطبّ الإنجابي لأن من أبرز الإشكاليات التي يدخلها الاستنساخ البشري هو تغييره شفرة الإنسان الوراثية وبرمجته الجينية تلك التي تتعلق بشخصيّة الفرد وهويّته. فالشخصيّة تتحدّد بالانتماء إلى أب وأم وإخوة وأخوات وأعمام وأجداد[206]. ولكلّ واحد من هؤلاء أدوار ووظائف ولاسيّما بالنسبة للأب والأم اللذين يبدءان رعاية الطفل منذ بداية الحمل. و للبحث عن هذه الاعتبارات مع الفرد المستنسخ فإنّ أوّل سؤال يطرح هو: كيف يمكن مثلا إسناد الجنسية بالنسبة لمن يولد عن طريق الاستنساخ الإنجابي بالاعتماد على خلايا المرأة وحدها؟ خاصّة وأن قانون الجنسية ينصّ على أن إسناد الجنسية بموجب الولادة بتونس يكون لكلّ شخص ولد بها وكان أبوه وجده للأب مولودين بها أيضا[207]؟

وكيف يمكن في مثال ثاني إدراج اسم الأب بدفاتر الحالة المدنية للطفل المستنسخ؟ ما هو نصيب الجنين المستنسخ من الإرث؟ وما حظّ المستنسخ بعد الإرث؟ وما هو موقعه في نظام الإرث بشكل عام؟

لا يعترف القانون التونسي إلاّ بالأم الطبيعيّة أي الأم التي حملت الطفل وولدته. وهنا يطرح إشكال نسب الطفل لأنّه سيحدّد بذاته جنسيّة الطفل وهويّته.

بما أنّ القانون التونسي لم يحدّد كيفيّة إثبات نسب الجنين أو الطفل المستنسخ فإنّه يجب دعم وضعيّتهما في صورة حدوث عمليّة الاستنساخ وضرورة تكريس حماية لهما.

ففي حالة ما إذا ولد الطفل المستنسخ حيّا فإنّه بذلك يتمتّع بالشخصيّة القانونيّة[208]. أمّا بالنسبة لميراث الجنين أو الطفل المستنسخ فإنّه يصعب تطبيق الأساس القانوني الوارد بالفصلين 147 و148 من م.أ.ش. لأنّه يقع الاحتفاظ بحقوقه في الميراث (الجنين) إلى أن تقع الولادة وبذلك يكتب منابه في التركة إذا ولد حيّا، أي أنّه يقع حفظ مناب الجنين في بطن أمّه منذ ثبوت الحمل. وهذا الأساس القانوني لا ينطبق حتى في صورة حصول الجنين المستنسخ في إطار الرّابطة الزّوجيّة[209].

إنّ الإدراك بخطورة الاضطراب الذي يمكن أن يدخله الاستنساخ الإنجابي على ما هو سائد والمخاوف التي تمّ إبداؤها على الصّعيد الأخلاقي دفعت بالمشرّع التونسي إلى سلك السياسة المعروفة بسياسة سد الذّرائع[210] احتراما للكرامة البشرية ولحقوق الإنسان وتفاديا لما يمكن أن يهدّد البشرية في وجودها. وممّا لا شكّ فيه أن التحديات التي باتت تهدّد البشريّة نتيجة الثورة البيولوجيّة، التي يمكن أن توظّف بعض نتائجها وأبحاثها العلمية لأغراض غير أخلاقيّة تستدعي قيام تنسيق دولي من شأنه أن يوفر حماية لكرامة الإنسان وحقوقه. ويندرج في هذا السياق إعلان المنظمة العالمية للصّحة الصّادر يوم 11 مارس 1997. كذلك يجب دعم اللجنة الوطنيّة للأخلاقيات الطبيّة لأجل وجود حلّ جذري للإشكاليات التي تهدّد الذات البشريّة من التطور السريع للاكتشافات والمستحدثات الطبيّة.

القسم الثاني: رأي اللجنة الوطنيّة للأخلاقيّات الطبيّة

إنّ الخوف من التطورات العلميّة التي تحدث الفوضى في مجريات التطور الطبيعي، والتي قد تودّي إلى إمكانيّة وقوع الخطأ في التجارب العلميّة وبذلك ينتج عنها توالد كائنات غير مرغوب فيها. كما أنّ وجود العديد من المشاكل التي تمسّ شخصيّة الجنين وكذلك أخلاقيات المجتمع ساهم في ظهور ما يسمى بالأخلاقيات الطبيّة التي تتمحور حول مبادئ مرتبطة بحقوق الإنسان.

وعلى هذا الأساس فإنّه قد نتج عن التطور العلمي اعتماد قواعد أخلاقيّة ترتبط بطرق العلاج وبالبحث العلمي، هذا أدّى إلى ظهور لجان الأخلاقيات الطبية بالنسبة لكلّ بلد تكون مهمّتها إبداء آراء استشاريّة حول مسائل أخلاقيّة في ميدان الطبّ بصفة عامّة. وآراء اللجنة من شأنها أن تساعد الطبيب أو الباحث على الموازنة بين التقدّم العلمي وكرامة الإنسان وحقوقه. فما هو رأي اللجنة في خصوص الاستنساخ (الفقرة الأولى) وكذلك فيما يتعلق بالإنجاب بالمساعدة الطبيّة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: رأي اللجنة الوطنيّة للأخلاقيات الطبيّة في ما يخصّ الاستنساخ

وفقا للّجنة الوطنيّة للأخلاقيات الطبية فإنّه “يقدّر أهل الاختصاص أن ولادة بشر واحد تستوجب آلاف البويضات ونحن نعلم أنّ المرأة في مدّة خصوبتها لا تعطي أكثر من اثنتي عشرة بويضة سنويّا: فاستنساخ شخص بشري واحد يتطلب تجنيد النسوة المخصصة لذلك”. ومن الأسئلة الكثيرة المطروحة: ما هو مصير التلقيحات غير الناجحة؟ وإلى أين تؤول الأجنّة غير السّويّة وغير السليمة؟ فنجاح واحد لا بدّ أن يكون رهين التضحية بعدد كبير من الأجنّة الممسوخة أو المعوقة[211]. ويؤخذ من هذا أن حماية حق الجنين المستنسخ في الحياة هي حماية نسبيّة باعتبار أن تقنيات الاستنساخ تقوم سلفا على التضحية بما هو زائد من الأجنّة أو ما هو يعتبر غير صالح وهذا يحيلنا إلى نفس الوضع الذي كنّا تعرّفنا إليه بالنسبة لطفل الأنبوب.

وهنا نستنتج أنّ اللجنة الوطنيّة الطبيّة رفضت أيّ نوع من أنواع الاستنساخ البشري ودعت إلى ضرورة التمسّك بالقيم والمبادئ التي سار عليها المجتمع، بالرّغم من بعض المنافع التي قد تنتج عنه كالتداوي الجيني والخلوّ من الأمراض. وهنا يجب البحث عن رأي هذه اللجنة في ما يخصّ الإنجاب بواسطة المساعدة الطبيّة.

الفقرة الثانية: رأي اللجنة الوطنية الأخلاقيّة الطبيّة في ما يخصّ الإنجاب بالمساعدة الطبيّة

لقد جاء قانون 2001 المتعلق بالطبّ الإنجابي كتدعيم لرأي اللجنة الوطنية الأخلاقية الطبية التي أكدت على ضرورة أن يصدر قانون يعالج القضايا التي يطرحها الإنجاب بالمساعدة الطبية. وفي ذلك احترام لحياة الجنين من خلال اعتباره شخصا بالقوة، والعمل على تنمية شخصيّته القانونيّة وتدعيم حقّه في الحياة. وذلك بإقصاء كلّ عمل يجعل منه شيئا قابلا للتصرّف بدون اعتبار شخصيّته مع مراعاة رغبة الأزواج الذين يعانون من مشاكل العقم في الإنجاب من تمكينهم من القيام بهذه العملية قصد محاولة الإنجاب.

كذلك يجب احترام البنوّة، حيث يتعيّن اتخاذ الإجراءات المناسبة لاحترامه وهي مناطة أساسا بعهدة الطبيب المباشر الذي قد يطالب بمسك دفاتر تقيّد فيها البيانات اللازمة من هويّة الزّوجين وشرعيّة زواجهما ومختلف مراحل الإنجاب بمساعدة طبيّة وكذلك مآل المواد الإنجابيّة المستعملة من أمشاج وأجنّة[212] ويجدر دائما التذكر بأنّ قواعد آداب الطبّ تنطبق في جميع الحالات الخاصّة من ذلك مثلا القواعد المتعلقة بالتلقيح الاصطناعي.

ولقد أكّدت اللجنة الوطنية للأخلاقيات الطبية أيضا على ضرورة رضاء الزّوجين في عملية الإنجاب نظرا لأهميّة دورهما في هذه العمليّة. وإعلامهما بمخاطر التلقيح المبيضي والحمل المتعدّد والحمل خارج الرّحم والإجهاض وكذلك باحتمال وقوع حوادث وبالعواقب المنجرّة على المواليد الذين قد يولدون قبل الأوان وتكاليف العملية الباهظة وأخيرا نسبة نجاح العمليّة[213].

وحدّد الفصل 11[214] من نفس القانون مآل الأجنّة والأمشاج في حال طلاق الزّوجين أو وفاة أحدهما وذلك بإتلاف الأمشاج وإنهاء تجميد الأجنّة. كذلك يجب أن تجرى العمليّات في مؤسسات عمومية أو خاصّة متحصّلة على ترخيص و هو ما أقرّه الفصل 17 من قانون 2001. كما أنّ بنوك النطاف التي لا شك في نجاعتها للاحتفاظ بالأمشاج من أشخاص شبان مدعوين إلى أن تجرى عليهم عمليات تنطوي على مخاطر عقم كبيرة. وينبغي ضبط النظام الأساسي لهذه البنوك وطرق تسييرها ومراقبتها[215].

لقد عمل قانون 2001 على تقنين طرق الإنجاب الاصطناعي وأن لا يترك الحريّة لا للأفراد بصفة عامّة ولا للهيئات المختصة باستعمال الأجنة والمتاجرة فيها بطرق ملتوية وصدّ كل طرف يريد المتاجرة بالجنين[216] لأنه عمل يتنافى مع القيم والمبادئ الأخلاقيّة.

ومن هنا نلاحظ بأن هذا القانون استجاب لجلّ الآراء المقدّمة من اللجنة الوطنية للأخلاقيات الطبية والساعية للمحافظة على الجنين من كلّ الاعتداءات التي قد تصيبه قبل الولادة أو بعدها. وبذلك التقدم شيئا فشيئا نحو تنمية شخصيّة الجنين القانونيّة.

الخاتمة العامة

إن معالجة وضعية الجنين في القانون التونسي، تجعلنا نقرّ بأن هذا الآدمي الناقص، ما هو إلا كائن حي له جسد و روح و هو ما أثبتته العلوم الحديثة. على هذا الأساس وقع الاعتراف له بشخصية قانونية و بذلك تمتّعه ببعض الحقوق و بقدر من الحماية.

إلا أن الحقوق التي أسندها المشرع التونسي للجنين ما هي إلا حقوق مشروطة و منقوصة، إذ أنه لم يقع إقرار الهبة لهذا الأخير، كما أنه لم يقع تنظيم مسألة الولاية على أمال الجنين على غرار بعض القوانين المقارنة كالقانون الفرنسي، اللبناني و المصري التي أقرت له بمثل هذا الحق. و هو ما يستدعي تدخّل المشرع التونسي بقانون يقر بحق الجنين في الهبة خاصة و أنه يتمتّع بحقّه في الإرث و الوصيّة، إذ أن إقرار مثل هذا الحق لا يتنافى و وضعيته القانونية إذا نظّمت مسألة الولاية على أمواله. لذلك وقع التوسع في دائرة الحقوق المرتّبة للجنين سواء في فقه القضاء من خلال مادة التعويض أو في التشريع، هذا ينمّ عن إيمان عميق بأن الجنين شخص حقيقي و طبيعي.

أما الحماية التي يتمتّع بها الجنين نجدها صلب الفصل 214 من م.ج حيث أن هذا الأخير تضمن حماية حق الجنين في الحياة و لكن هذه الحماية تبقى غير ناجعة و محدودة نتيجة إمكانية الإجهاض خلال الفقرة الأولى من الحمل. لكن النزعة الحمائية للجنين تطورت مع صدور قانون 7 أوت 2001. من خلال منعه لتقنية كراء الرحم و الإستنساخ إلى جانب تنظيمه لجلّ مسائل الطبّ الإنجابي.

إن الإهتمام بالمرحلة الجنينية، كمرحلة أساسية من مراحل تكوين الإنسان و تنظيمها بالكيفية المطلوبة ضروري بإعتبار أن الجنين شخص كسائر الأشخاص الأخرى جدير بأن يحظى بالمكانة التي يستحقها و ذلك من أجل السموّ به إلى المنزلة الإنسانية و بحماية الجنين احترام للجنس البشري ككل بإعتبار أن الله فضله عن سائر المخلوقات الأخرى[217].

[217] يقول الله تعالى في كتابه العزيز في هذا السياق: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً”، سورة الإسراء الآية 70.

[114] محمد مهدي قرميط، مرجع مذكور سابقا، ص.132.

[115] STARCK (B), « Introduction au droit », 3ème édition, 1990, n°977, p.395.

[116] BASTIAN (D), La situation des sociétés commerciales avant leur immatriculation au registre du commerce, mélange CABRILLAC (H), p.23 et suivant.

[117] محمد مهدي قرميط، مرجع مذكور سابقا، ص.133.

[118] الأستاذ أحمد عمران، “دروس في القانون المدني”، للسنة أولى حقوق، 1990-1991، سوسة، ص.32.

[119] الأستاذة دورة والي: “محاضرة في القانون المدني”، مدخل لدراسة الحق”، كلية الحقوق بصفاقس 2009 2010، ص. 22.

[120] وهيبة الزحيلي، “نظرية الضمان، الفقه الإسلامي وأدلته”، دار الذكر، دمشق، الطبعة الأولى، 1982، ص.110.

[121] محمد سلام مذكور، مرجع مذكور سابقا، ص.216.

[122] الأستاذ أحمد عمران، “درس في القانون المدني”، سنة أولى حقوق، 2001-2002، ص.45.

[123] فقد نصّ الفصل 156 من م.إ.ش. في الفقرة الثانية على أنّ: “الصغير الذي تجاوز سنّ الثالثة عشر مميّزا وتصرفاته نافذة إذا كانت من قبيل النفع المحض وباطلة إذا كانت من قبيل الضرر المحض، ويتوقف نفاذها في غير الصورتين المذكورتين على إجازة الولي”.

كما نصّ الفصل 158 م.أ.ش. على أنّه: “يمكن للقاضي ترشيد الصغير الذي أتمّ الخامسة عشر سنة من عمره ترشيدا مقيدا أو مطلقا، وذلك بطلب من الولي متى ظهرت علامات القدرة على إدارة أمواله”.

[124] فأهلية الإنسان تبدأ منذ بدء حياته في بطن أمّه إلى اكتمال رجولته، بحيث تمرّ بخمس مراحل وهي مرحلة الجنين، ثم مرحلة الطفولة، فالتمييز و البلوغ ثمّ الرّشد. وهيبة الزحيلي، مرجع مذكور سابقا، ص.123.

[125] AUBRY et RAU, « L’idée du patrimoine se déduit logiquement de celle de la personnalité », op. cit., p.333.

[126] محمّد الشرفي وعلي المزغني، “أحكام الحقوق”، تونس، دار الجنوب للنشر، 1995، ص.244.

[127] عائشة لملوم، “مبدأ وحدة الذمة المالية”، مذكرة لنيل شهادة الدّراسات المعمقة في القانون الخاص، تونس 2003-2004، ص.29.

[128] ابن رجب، مرجع سابق الذكر، ص. 181.

[129] عبد الرزاق السنهوري، “مرجع مذكور”، ج.8، ص.277.

[130] د، توفيق حسن فرج، مرجع مذكور سابقا، ص.738.

[131] ورد بالبابين 21 و22 من التوراة: “أنّه إذا تضارب شخصان وصادف ضر بهما امرأة حامل وسقط جنينها بسبب ذلك، فإنّ المعتدي يجبر على أداء غرامة لزوجها يقدرها أهل المعرفة”.

[132] محمّد اللجمي، “التعويض عن الضرر البدني في القانون التونسي والمقارن”، الجزء الأوّل، مطبعة بابيرس، تونس 1997، ص.265.

[133] Cass. crim., 14 juin 1975, D, 1975.

[134] Cass. ass. Plein, 17 nov. 2000, n°99-13.701, Juris-Data n°2000-006884 ; JCP, 62001, I, 293, Obs. P. Murat. B. EDELMAN, L’arrêt Perruche : Une liberté pour la mort ? : D, 2002, chron. P.2349.

[135] LACOUB (M), Penser les droits de la naissance, PUF, op. cit., p.xv.

[136] حيث ينصّ الفصل 88 من م.أ.ش.: “أنّ القتل العمد من موانع الإرث”.

[137] البشير زهرة، مرجع مذكور ص.345.

[138] قرار تعقيبي مدني عدد 5482، بتاريخ 7/02/2005، نشرية محكمة التعقيب، القسم المدني لعام 2005، ج.2، ص.101.

[139] Cass. civ., 2ème ch. 17 mars 1973, Gaz. Pal., 1974, n° note, H.M.

[140] ابن قدامة، “المرجع المذكور”، ج.9، ص.550 وما يليها.

[141] Cass. civ., 21 avril 1966, JCP, 1966, 26-14710.

[142] د. يوسف بن مكي عبيد، “الخطر وتأمين المسؤولية المدنية: طرق التعويض في حوادث المرور”، تونس، 2007، ص.171.

[143] القرار التعقيبي المدني عدد 4882، المؤرخ في 20 ماي 1982. ن.م.ت، ج. الثالث، ص. 210.

[144]القرار التعقيبي المدني عدد 6022، الصادر بتاريخ 3/03/1982، ن.م.ت.، القسم المدني لعام 1983، ج.2. ص.326.

[145] القرار التعقيبي المدني عدد 52752 المؤرخ في 4 جوان 1996 ن.م.ت، ج 1، ص. 228.

في نفس السياق نجد القرار التعقيبي المدني عدد 5957 المؤرخ في 9 فيفري 2001: “قرار غير منشور، رفض الطعن في قرار إستئنافي قضى بالتعويض عن الضرر المعنوي للجنين”.

[146] الأستاذ كمال شرف الدين: “قانون مدني النظرية العامة”، 2002، ص. 182.

[147] La position audacieuse Riam 9 nov. 1978, JCP, 1979, II, 170. obs. Almaurac.

[148] د. يوسف بن مكي عبيد، مرجع مذكور سابقا، ص.171.

[149] القانون عدد 86 المؤرخ في 15 أوت 2005 و المتعلق بحوادث المرور.

[150] قرار تعقيبي مدني، عدد 15101، الصادر بتاريخ 03/04/1986، ن.م.ت.، القسم المدني، ج.I لعام 1986.ص. 229.

[151] نفس القرار التعقيبي المذكور سابقا.

[152] المنجي طرشونة، المرجع المذكور، ج.2، ص.169.

[153] MAZEAUD (H.), Le droit de la famille face au progrès de la science médicale, mélanges Déjuglart, p.879.

[154] سعدي إسماعيل عبد الكريم البرزنجي، “الاشتراط لمصلحة الغير في الفقه الغربي والفقه الإسلامي”، مطبعة السليمانية، الطبعة الأولى، 1974، ص.343.

[155] محمد المهدي قرميط، مرجع مذكور سابقا، ص.150.

[156] الفصل 66 من قانون التأمين على الحياة المؤرخ في 13 جويلية 1930.

[157] Req : 15 Mai 1934 (D1934-1-141).

[158] محمد سلام مذكور، مرجع مذكور سابقا، ص.56.

[159] قانون عدد 759 / 2005 مؤرخ في 4 جويلية 2005، دخل حيز التنفيذ في 1 جويلية 2006.

[160] أي أنّه إذا وقع الاعتداد بتاريخ العلوق قبل الزّواج، فهو إقرار بأنّ الطفل هو نتيجة لعلاقة زنا

[161] قانون عدد 93/2001 الصادر في 7 أوت 2001 والمتعلق بالطب الإنجابي.

[162] الأم من الصلب هي الأم البيولوجية.

[163] الهاشمي عمر، “التقرير التمهيدي لملتقى الأخلاقيات الطبية”، مجلة القضاء والتشريع، نوفمبر 1998، ص.12.

[164] د. بكر بن عبد الله أبوزيد، “طرق الإنجاب في الطب الحديث وحكمها الشرعي”، مجلة الفقه الإسلامي، الدورة الثالثة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثالث، الجزء الأول، 1987. ص. 18.

[165] بلقاسم كريد وسمير معتوق، “الجوانب القانونية لتقنيات التلقيح الصناعي”، عدد 1 لعام 1992، ص.11.

[166] Conseil d’Etat, arrêt du 22 janvier 1988, Rev. de droit sanitaire et social, 1988, p.317. Note du Bois.

[167] « Le Monde », Samedi 7 mars 1992, L’identité génétique.

[168] ATISAS (CH), Le contrat de substitution de mère, D.1986, chp.67.

[169] وردت هذه الفتوى في مؤتمر “الإنجاب في ضوء الإسلام”، بدر متولي عبد الباسط، نقلا عن مقال عبد الباسط الخالدي، “أخلاقيات الإنجاب في ظل تطورات الهندسة الوراثيّة”، ق.ت.ع.، 9 نوفمبر 1998، ص.92.

[170] الهاشمي عمر، التقرير التمهيدي لملتقى الأخلاقيات الطبية، ق.ت.ع.، 9 نوفمبر 1998، ص.15.

[171] رضا خماخم، مرجع مذكور سابقا، ص.72.

[172] رضا خماخم، “الطفل والقانون الجزائي”، تونس، 2009، ص.72.

[173] رضا خماخم، نفس المرجع، ص.73.

[174] ARFA (KH), Le droit de la famille à l’épreuve des techniques modernes de la procréation artificielle, mémoire de DEA, Tunis, 1988-1989, p.171.

[175] ناهد البقصمي، الهندسة الوراثية والأخلاق “علم المعرفة” سلسة شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والأدب بالكويت، جوان 1993، ص.165.

[176] المنصف الحامدي، إشكاليّة القيم الأخلاقيّة في ظل التطورات الطبية، ق.ت.ع.9، نوفمبر 1998، ص.50.

[177] Cass., Ass. Plénière, 31 / 5 / 1995, p.417.

[178] Tunis Hebdo Procréation assistée, bientôt un service public à Tunis, du 22/01/1996, p.2.

[179] أفاد المختصّون أنّ مستشفى عزيزة عثمانة بالعاصمة أنشأ مركزا خاصا بطفل الأنبوب بدأ عمله في جوان 1996، وفي سوسة نجد مستشفى فرحات حشاد بدوره يتضمن مركزا لعمليات الإنجاب الاصطناعي مع العلم أنّ بعض المصحات الخاصة دخلت مرحلة الإنجاب بالطرق الاصطناعيّة منذ سنوات.

[180] أحمد شوقي، عمر أبو خطوة، القانون الجنائي والطب الحديث، دراسة تحليلية مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1986، ص.143.

[181] الرّجوع في هذا الشأن إلى الحوار الذي أجراه مفتي الجمهوريّة مع مندوب جريدة الصباح بتاريخ 23/03/1988.

[182] ينصّ الفصل 69 من م.أ.ش. أنّه :”لا يثبت النسب عند الإنكار لولد زوجة ثبت عدم التلاقي بينها وبين وزجها ولا ولد زوجة أتت به بعد سنة من غيبة الزوج عنها أو من وفاته أو من تاريخ الطلاق”.

[183] كلمة أنبوب، بالفرنسية « invitro » تعني الإناء الزجاجي أو الوعاء الاصطناعي الذي يتم فيه مخبر الإخصاب بين البويضة والحيوان المنوي. وتظل البويضة المخصبة فترة من الزّمن كافية لنموّها داخل الأنبوب ثم يتم نقلها بعد ذلك إلى رحم الأنثى فتكون مراحل الحمل هكذا قد قسمت فترة خارج الرّحم تبدأ فيها المساعدة على تكوّن الجنين سمّيت بمرحلة المساعدة الطبية على الإنجاب وفترة داخل الرّحم تبدأ بعد إتمام عملية تخصيب البويضة ونموّها.

عبد الباسط الخالدي، “أخلاقيات الإنجاب في ظلّ تطوّر الهندسة الوراثية”، ق.ت.ع.، 9 نوفمبر 1988، ص.83.

[184] تعتبر البنت “لويز براون” أوّل طفل أنبوب في العالم تولد بطريقة الإخصاب الصناعي من أجل مساعدة زوجين عقيمين على الإنجاب وقد حصل ذلك في إنكلترا سنة 1978 على يد الأستاذين “باتريك ستبتو” و”روبار إدواز“.

عبد الباسط الخالدي، مرجع مذكور سابقا، ص.83.

[185] بلقاسم كريد وسمير معتوق، “الجوانب القانونية لتقنيات التلقيح الاصطناعي”، 1992 ص.8.

[186] BOUDOUIN (J.L), LARUSSE-RIOU (C), op. cit., p.91.

[187] Raymond (G) : « Droit de l’enfance de la conception à la majorité », ITEC, Paris, p. 460.

[188] RAYMOND (G), article précité, p.460.

[189] BYK (CH), La loi relative au respect du corps humain, J.C.P., 1994, I, p.412.

[190] رضا خماخم، مرجع مذكور سابقا، ص.65.

[191] نصّ الفصل 10 من القانون عدد 93 لسنة 2001 المؤرخ في 7 أوت 2001 المتعلق بالطب الإنجابي على أنّه: “يمكن بصورة استثنائية للزوجين المعنيين، بشرط التعبير عن رضائهما بكلّ تبصّر وعن طريق الكتابة، السماح بأن تجرى على جنينهما لغاية طبية صرفة أعمال علاجيّة ليس فيها تغيير للخلقة تفاديا لمرض خطير قد يتعرض له الطّفل”.

[192] نصّ الفصل 11 من القانون المذكور على ما يلي: “لا يمكن إجراء تجميد الأمشاج أو الأجنّة إلا لغايات علاجيّة قصد مساعدة الزّوجين على الإنجاب وبطلب كتابي منهما. ولا تستعمل الأمشاج أو الأجنّة المجمّدة طبقا لمقتضيات الفقرة السابقة قصد الإنجاب إلاّ في إطار احترام الشروط المنصوص عليها في الفصول 3 و4 و5 من هذا القانون. ولا يمكن حفظ الأمشاج أو الأجنّة المجمّدة إلاّ لمدّة قصوى لا تتجاوز خمس سنوات قابلة للتجديد لنفس المدّة بطلب كتابي من الشخص المعني بالنسبة إلى الأمشاج ومن الزّوجين بالنسبة للأجنّة وبانتهاء هذه المدّة دون تجديد الطلب أو بمجرّد ثبوت وفاة أحد الزّوجين المعنيين يتمّ وجوبا إتلاف تلك الأمشاج وإنهاء تجميد تلك الأجنّة. أنه قبل انقضاء ذلك الأجل يمكن لكل شخص المطالبة كتابيا بأمشاجه، أمّا بالنسبة إلى الأجنّة فيشترط أن يكون طلب الإنهاء ممضي من قبل الزّوجين معا. ويقدم الطلب إلى الطبيب المنسق لوحدة الطب الإنجابي المودعة لديها الأمشاج أو الأجنّة المشار إليه بالفصل 19 من هذا القانون.

ويمكن للزّوجين أو لأحدهما أن يطلب من المحكمة المتعهدة بقضية الطلاق القضاء بإنهاء تجميد الأجنة المتأتية منهما وذلك بعد الحكم بالطلاق كما يحق لأحد المفارقين قبل انقضاء المدّة المشار إليها بالفقرة الثالثة من هذا الفصل بإنهاء تجميد تلك الأجنّة بمقتضى إذن على عريضة”.

[193] إن كلمة إستنساخ هي ترجمة لكلمة “Cloning ” الإنڤليزية و التي اشتقّت من الكلمة “Klon ” و تعني “الغصن” فهي تدل على أنسال النبات كشجر الورد مثلا بقطع فرع منه ثم انباته فيعطي نباتا مماثلا للنبتة الأصلية. أورده الدكتور داود سليمان السعدي، ” الإستنساخ بين العلم و الفقه”، ص 58.

أما على المستوى العلمي، أي على المستوى البيولوجي، فتكنولوجيا الإستنساخ تؤدي إلى تكوين نسخة بشريّة أو شيئية مطابقة للأصل.

[194] نبيل العوني، مجلة القضاء والتشريع: “أخلاقيات الإنجاب في ظل تطورات الهندسة الوراثيّة”، الهندسة الوراثية والاستنساخ الحيوي، نوفمبر 1998، ص.96.

[195] محمد فيصل شديد، “الأعمال الطبيّة المستحدثة أمام القانون”، مذكرة للإحراز على شهادة الدّراسات المعمّقة في القانون الخاص، تونس، ص.44.

[196] رمزي الفضلاوي، “الجسم البشري و الممارسات الطبية المستحدثة” مذكرة للحصول على شهادة الماجستير في القانون الخاص، تونس 2005 2006، ص. 36.

[197] ناهد التقصمي، مجلة القضاء والتشريع، ص.92.

[198] عبد الباسط الخالدي، “أخلاقيات الإنجاب في ظل تطوّر الهندسة الوراثيّة”، ص.101.

[199] ناهد التقصمي، مرجع مذكور سابقا، ص.239.

[200] تمّ استنساخ النعجة “دوللي” سنة 1997 على يد العالم “ويلموت إبان” تجدر الملاحظة أن بداية التجارب حول الاستنساخ انطلقت منذ سنة 1987 التي شهدت ميلاد أوّل عجل مستنسخ بالولايات المتحدة الأمريكيّة ثمّ ميلاد أوّل خروف مستنسخ بفرنسا عام 1989، ثم تواصلت بعد ذلك التجارب، والفرق بين هذه التجارب وتجربة “دوللي” هي في التقنيات المستعملة التي سمحت بالاستنساخ دون تناسل.

[201] اللجنة الوطنية للأخلاقيات الطبية، “الآراء”، 1996-1999، ص.18.

[202] مجلة العرب، 07 مارس 1997.

[203] الحبيب الغرياني: “محاضرة حول الجرائم المستحدثة”، تم إلقاؤها بشبكة العوينة للحرص الوطني. ص. 44.

[204]الاستنساخ من وجهة النظر العلميّة أنواع فهناك الاستنساخ الخلوي (Clonage cellulaire) والاستنساخ الجيني (Clonage génétique) واستنساخ الكائنات الحية متعددة الخلايا (استنساخ النباتات أو الحيوانات) وأن من هذه الأنواع ما هو مفيد ويحقق منافع كالتداوي الجيني، والخلو من الأمراض…، في هذا الإطار نجد: محمد المراكشي: “النظرية العامة للاستنساخ”، أبحاث ندوة المجلس الإسلامي الأعلى، جوان 1997، ص.41.

[205] قانون مذكور سابقا

[206] محمد بن فاطمة، “الأبعاد النفسيّة والتربويّة التي يطرحها الاستنساخ”، أبحاث ندوة المجلس الأعلى حول الإستنساخ، شركة فنون النشر و الرسم و الصحافة، تونس جوان 1997، ص. 61.

[207] رضا خماخم، مرجع مذكور سابقا، ص.70.

[208] محمد اللجمي، مرجع مذكور سابقا، ص.7.

[209] روضة العبيدي، مجلة القضاء والتشريع، 1998، ص.22.

[210] رضا خماخم، مرجع مذكور سابقا، ص.70.

[211] رأي اللجنة الوطنية للأخلاقيات الطبية حول الاستنساخ، مرجع سابق، ص.21.

[212] وقد نصّ على ذلك الفصل21 من قانون الطب الإنجابي

[213] وقد نصّ على ذلك الفصل 23 من قانون 2001.

[214] فصل مذكور سابقا.

[215] رأي اللجنة الوطنية الأخلاقية الطبية: “الإنجاب بمساعدة طبيّة”، ص.212-213-214. 1998.

[216] أكّد الفصل 7 من قانون 7 أوت 2001 على “منع تكوين الجنين البشري أو استعماله لغايات تجارية أو صناعية أو قصد انتقاء النسل”.

[28] الفصول من 147 إلى 150 من مجلة الأحوال الشخصية.

الفصل 214 من المجلة الجزائيّة.

[29] الفصل 150 من مجلة الأحوال الشخصية ينص على أنّه:”إذا توفي الرّجل عن زوجته أو عن معتدّته فلا يرث حملها إلا إذا ولد حيا لمدة عام، ولا يرث الحمل غير أبيه إلا في الحالتين…”.

[30] الفصل 150 من م.أ.ش.، مذكور سابقا.

[31] الفصل 184 من مجلة الأحوال الشخصيّة: “تصحّ الوصية للحمل بشرط أن يكون موجودا في تاريخ الإيصاء وأن يوضع حيّا في المدّة المعيّنة بالفصل 35”.

[32] يوسف بن الحاج فرج، ” المواريث الشرعيّة والوصيّة ومجلة الأحوال الشخصيّة”، دار الميزان للنشر، سوسة 1996.

[33] في هذا الإطار نورد مثالا في إرث الذكر دون الأنثى: ” من تُوُفَّيَ عن زوجة وأم وزوجة شقيق حامل وابني شقيق فإن جاء ذكرا فهو من المشاركين في الإرث، وإن جاءت أنثى فلا ترث لأنّ بنت الأخ ليست في قائمة الوارثين من أصلها، وفي هذه الصورة يفترض الحمل ذكرا للاحتياط”

[34] عبد المعتال الصعيدي، “الميراث في الشريعة الإسلامية والشرائع السماوية والوضعية”، المطبعة النموذجيّة العامة، الطبعة الخامسة، ص.175.

[35] محمد سلام مذكور، “الجنين والأحكام المتعلقة به في الفقه الإسلامي”، دار النهضة العربية القاهرة، الطبعة الأولى، ص.234. 1969.

[36] قرار تعقيبي مدني عدد 10059، مؤرخ في 26 ماي 1974، ن.م.ت.، عام 1974، ق.م.، ج. 2، ص.18.

[37] وفي هذا السياق يمكن لنا أن نستحضر صورة ابن الزّنا، الذي يتمتع بحقّه في الإرث من أمّه وقرابتها، وترثه أمّه وقرابتها على معنى أحكام الفصل 152 من م.أ.ش. إلاّ أنّ الوصيّة في هذه الصورة تكون في حدود الثلث لابن الزّنا وتكون بذلك بمثابة توريثه لكن هذه الوضعية تبقى نظريا واردة من الناحية القانونية وهو ما يدعم النزعة الفقهية الداعية إلى ضرورة الاعتراف بالحقوق الماليّة لابن الزنا الذي لا يرث من والده لعدم توفر النسب الشرعي. لتكون بذلك الوصيّة بمثابة نتيجة تلتقي مع النزعة الفقهية المتمسّكة بضرورة الاعتراف بالابن الطبيعي وتنظيم البنوة الطبيعيّة.

انظر: الأستاذ ساسي بن حليمة وقراءته للوضعية القانونية لابن الزّنا وحججه المستمدّة من القانون والدّين.

BEN HLIMA (S.), La filiation paternelle légitime en droit tunisien, Thèse, Tunis, 1976, p.316 et S

[38] وهبة الزحيلي، “الوصايا و الوقف”، دار الفكر، دمشق، المطبعة الأولى، 1984.

[39] السرخسي، “المبسوط”، مطبعة السعادة، مصر، الطبعة الأولى،1913، ص.21.

[40] البشير زهرة، “التأمين البرّي”، درا بوسلامة للطباعة والنشر، تونس، 1975، ص.328.

[41] FORTIS MONJA (E.), Note sous appel, Paris, 24 mars 1984-1985, p.145.

[42] محمد سلام مذكور، “المرجع المذكور”، ص.277.

[43] ابن رشد، “الحفيد”، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، دار فهرسان للنشر والتوزيع، اسطنبول، طبع مؤسسة أليف أوقست، 1985، ج.2، ص.98.

[44] محمد سلام مذكور، مرجع مذكور سابقا، ص.278.

[45] محمد المنصف بوقرة، إثبات نسب ابن الخطيبين في فقه القضاء التونسي، مذكرة للإحراز على شهادة الدّراسات العليا، تونس، 1979، ص.17.

[46] قرار تعقيبي مدني، عدد 9659، مؤرخ في 17 أفريل 1984، ج.1، ص.196.

[47] LABEE(X.), La condition juridique du corps humain avant la naissance et après la mort, presses, Universitaires de Lille, 1990, p.109.

[48] ابن رشد، مرجع مذكور سابقا، ص.98.

[49] ينص الفصل السادس من م.ج على:

” يكون تونسيا:

من ولد لأب تونسي،

من ولد من أم تونسية و أب مجهول أو لا جنسية له أو مجهول الجنسية،

من ولد بتونس من أم تونسية و أب أجنبي.”

[50] الأستاذ كمال شرف الدين، درس في القانون المدني، ص.88. تونس، سنة 2002 – 2003.

[51] ورد في صحيح مسلم، الحديث عدد 4803.

[52] محمد المهدي قرميط، “الجنين في القانون المدني التونسي”، مذكرة للإحراز على شهادة الدّراسات المعمقة في القانون الخاص، 1991-1992، ص.55.

[53] هلالي عبد الله أحمد، “الحماية الجنائية لحق الطفل في الحياة في القانون الوضعي و الشريعة الإسلامية”، دار النهضة العربية 1989، ص. 218.

[54] د: عبد الحميد ڤودة و الدكتور سالم حسين الدميري، “الطب الشرعي و جرائم الإعتداء على الأشخاص و الأموال”، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية 1996.

[55] محمد سلام مذكور، مرجع مذكور سابقا، ص.311.

[56] نصّ الفصل 214 من المجلة الجنائية عند صدورها على ما يلي: “إسقاط الحمل الحاصل بأيّة كيفية كانت للمرأة إمّا بنفسها أو بواسطة غيرها الذي لم يكن داخلا في قسم الأشخاص الآتي ذكرهم بالفقرة الآتية ولو مع موافقتها يعاقب مرتكبها بالسجن خمسة أعوام.

ويحكم بالأشغال الشاقة مدّة عشرة أعوام على الطبيب والجرّاح والصيدلاني والقابلة والمرخص له في تعاطي الطبّ، الثابتة مشاركتهم في ذلك بصفة فاعل أو مشارك في إسقاط حمل بالفعل أو وقعت محاولته”.

[57] الفصل 214 من م.ج. ينص على أنّ: “كل من تولى أو حاول أن يتولى إسقاط حمل ظاهر أو محتمل بواسطة أطعمة أو مشروبات أو أدوية أو أيّة وسيلة أخرى سواء كان ذلك برضى الحامل أو بدونه يعاقب بخمسة أعوام سجنا وبخطيّة قدرها عشرة آلاف دينار أو بإحدى العقوبتين.

وتعاقب بعامين سجنا وبخطية قدرها ألفا دينار أو بإحدى العقوبتين المرأة التي أسقطت حملها أو حاولت ذلك أو رضيت باستعمال ما أشير به عليها أو وقع مدّها به لهذا الغرض”.

[58] رضا خماخم، “المجلة الجنائيّة، القانون الجنائي التونسي تشريعا وفقها وقضاء،2000، ص.211.

[59] الولادة السابقة، « La naissance prématurée »، هي خروج الطفل من الرّحم قبل تمام التسعة أشهر.

[60] من الأركان الأساسية لقيام جريمة الإجهاض أن يكون المجرم يقصد اقتراف إسقاط الحمل وعلى هذا الأساس، فإنّ عملية تطهير الأرحام هي عملية إسقاط الحمل.

– قرار تعقيبي عدد 6885، مؤرّخ في 19 نوفمبر 1969، ن.م.ت.، ق.ج.، عدد 1، س. 1969، ص.205.

[61] مهند صالح أحمد فتحي العزة، “الحماية الجنائية للجسم البشري في ظل الإتجاهات الطبيّة المستحدثة”، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية 2002 ص. 28 و 29.

[62] مليكة الجملي، “الحماية الجزائيّة للحرمة الجسديّة للطفل”، مذكرة للحصول على شهادة الدّراسات المعمقة في العلوم الجنائية، تونس 2002-2003، ص.44.

[63] الفصل 10 من قانون الطب الإنجابي ينص على أنّه: “يمكن بصورة استثنائية للزوجين المعنيين بشرط التعبير عن رضائهما بكل تبصر وعن طريق الكتابة، السّماح بأن تجرى على جنينهما لغاية طبية صرفة أعمال علاجية ليس فيها تغيير للخلقة وتفاديا لعرض خطير قد يتعرّض له الطفل”.

[64] PEDROT (PH), « Les statue juridique de l’embryon et du fœtus en droit comparés », JCP, 1991. P.30.

[65] محمد حسين منصور، “النظام القانوني للأسرة في الشرائع الإسلامية”، دار المعارف، الإسكندريّة، 1983، ص.213.

[66] محمد حسين منصور، مرجع مذكور سابقا، ص.214.

[67] سورة الطلاق، الآية 6.

[68] محمد سلام مذكور، مرجع مذكور سابقا، ص.215.

[69] اعتبرت الحنفيّة أنّه تجب للحامل بسبب العدّة بينما اعتبرت الشافعيّة أنّ النفقة تجب لها بسبب الحمل لأنّها تلزم المعسر وتسقط بالنشوز كامتناعها عن السكن في مسكن لائق بها عيّنه لها وخروجها منه بغير عذر.

محمد سلام مذكور، مرجع مذكور سابقا، ص.226.

[70] قانون عدد 20 لسنة 2008 مؤرخ في 4 مارس 2008 يتعلق بتنقيح بعض أحكام مجلة الأحوال الشخصية، الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 21، ص. 1004.

[71] LADHARI (N), Traité de droit de travail et de la sécurité sociale, U.G.T.T., Tunis, 1971, p.510.

[72] محمد سلام مذكور، مرجع مذكور سابقا، ص.300 وما بعدها.

[73] رضا خماخم، “مرجع مذكور”، ص.212.

[74] محمد سلام مذكور، مرجع مذكور سابقا، ص.301.

[75] الأستاذ كمال شرف الديّن، “مرجع مذكور”، ص.183.

[76] القانون عدد 52 المؤرخ في 14 ماي 2001 و المتعلق بنظام السجون.

[77] الرّائد الرّسمي عدد 75 بتاريخ 4 نوفمبر 1988، ص.1510.

[78] تعرّض المشرّع الفرنسي إلى هذه المسألة صلب الفصل 401 م.أ.ج.: “الذي أقرّ أنّه إذا كان مكان الولادة المصحّة السجنيّة فإن مضمون الولادة لا ينص إلاّ على عدد العمارة والنهج”.

[79] يّنص الفصل 9 من م.ج. أنّه: “لا ينفذ حكم الإعدام على المحكوم عليها التي ثبت حملها إلا بعد الوضع”.

[80] رضا خماخم، “الطفل والقانون الجزائي”، مركز الدّراسات القانونية والقضائيّة، تونس، 2009.

[81] كذلك نجد أساس هذا الحكم في السّنة، إذ جاء في الحديث الوارد بشأن المرأة التي اعترفت بالزّنا وهي حامل، قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: “اذهبي حيث تضعي حملك”.

كما أنّه روي أنّ امرأة زنت في أيّام أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، فهمّ برجمها وهي حامل، فقال له معاذ ابن جبل “إن كان لك سبيل عليها فليس لك سبيل على حملها”.

[82] محمد أبو زهرة، ” الجريمة و العقوبة في الفقه الإسلامي”، دار الفكر العربي، مطابع النجوى، القاهرة 1980.

[83] نصّت المادّة 211 من مجلة الجنايات والأحكام العرفيّة على ما يلي: “المرأة إذا استوجبت القتل ولم تكن حاملا، توقف ساعة، وتساق مستورة وتقتل بآلة لا تعذيب فيها ولا تمثيل، ولا تبقى في موضع قتلها مثل الرّجل بل تدفع لمن يطلبها من أهلها إن كانوا، وإلاّ توجه للمارستان لتجهز، ومصروف دفنها من بيت المال. ويبقى المكتوب باسمها وجنايتها في محل قتلها”.

[84] لطيفة العرفاوي، “الوصيّة الاختياريّة في القانون التونسي”، مذكرة للإحراز على شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص، تونس 1994، ص.39.

[85] DONNIER (M.), Capacité de succéder, Jurisclasseur civil, 1982, articles 725-726, fasc. EP/2, n°1.

[86] قرار تعقيبي مدنين عدد 1005، مؤرخ في 26 ماي 1974، ن.م.ت.، 1974.

[87] محمود شمام، “الوصيّة في الفقه والقانون”، دار النجاح للطباعة والنشر والتوزيع، تونس 1974، ص.38.

[88] ينص الفصل 179 من م.أ.ش. على: ” لا وصية لوارث و فيما زاد على الثلث إلاّ بإجازة الورثة بعد وفاة الموصي”

[89] الأمراني زنطار الحسن، “أحكام الميراث في الشريعة الإسلاميّة”، المغرب 1992، ص.125.

[90] ابن رجب، “القواعد”، المطبعة الخيريّة، مصر، الطبعة الأولى، 1933، ص.183.

[91] صدر قرار عن الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب، مؤرّخ في 7 جانفي 1992، ينصّ على أنّ الشفعة دعوى وليست حق.

[92] توفيق حسن فرج، مرجع مذكور، ص.600.

[93] عبد الرّزاق السنهوري، “الوسيط في شرح القانون المدني”، دار النهضة العربيّة، الطبعة الثانية، 1964.

[94] WELL BECQUE (G.), Révocation des donations pour cause de survivance d’enfant, jurisclasseur civil, 1985 (art. 963 à 966), p.21.

[95] الفصل 214 من م.ج. فقرة ثالثة: “يرخّص في إبطال الحمل خلال ثلاثة أشهر أولى منه من طرف طبيب مباشر لمهنته بصفة قانونية في مؤسسة استشفائية أو صحيّة أو في مصحّة مرخص فيها”.

[96] PEDROT (PH.), « Le statue juridique de l’embryon et du fœtus humain en droit comparé », J.C.P., 1991, p.27.

[97] محمد سلام مذكور، مرجع مذكور سابقا، ص.302.

[98] إجهاض خفي: « Avortement clandestin »

[99] قرار تعقيبي، عدد 11429، مؤرّخ في 12 مارس 1975، ن.م.ت.، عدد 1 لسنة 1975، ص.147. وجاء به :”إنّ المشاركة في جريمة الإجهاض بدون رخصة لا يمكن أن تتعداها إلى نتائج أخرى التي يمكن أن ينجر عنها كوفاة المجراة عليها تلك العملية لاستبعادهم حدوثها”.

[100] قرار مؤرخ في 23 مارس 1994، جاء به ما يلي:” أنّ الفصل المذكور واضح علاوة على كونه وارد بالمجلة الجنائية ولا يتحمل التفسير الواسع وبذلك تكون الشروط المخولة لمباشرة عملية الإجهاض ثلاثة:

– أولها تتعلق بعمر الجنين، ويجب أن لا يفوق ثلاثة أشهر

– ثانيها أن يكون المباشر للعملية طبيبا مباشرا لمهنته بصفة قانونية

– ثالثها أن يكون مكان إبطال الحمل مؤسسة استشفائية أو صحيّة أو مصحة مرخص فيها.

وحيث لئن توفر الشرطان المذكوران غاب الشرط الثالث ضرورة أن العملية تمت بعيادة خاصة لم يقع ذكرها بالفصل المذكور والأشياء مدلولها ولا يمكن أن تكون العيادة الخاصة مصحة مرخص فيها”.

[101] D’ONORIO (G.) et LOI VEIL (B.), Réflexion sur un premier bilan, J.C.P., doctrine 1986 – 32 46, p.1.

[102] PEDROT (PH.), article précité, n°3, p.27.

[103] عبارة الفصل 214 من المجلة الجزائيّة.

[104] مليكة الجملي، مرجع مذكور سابقا. ص 27.

[105] أنظر المنجد في اللغة والإعلام، دار المشرق، بيروت، الطبعة 29، سنة 86، ص.902. (الوشاية مصدر من وشى، ويقال وشى به إلى الملك أي نمّ عليه وسعى به…)

[106] محمد مشرية، الإعاقة الخلقيّة الجوانب الطبية والنفسية والقانونية والأخلاقية، ص. 32. (اللجنة الوطنية للأخلاقيات الطبية: الندوة السنويّة السابعة، تونس في 4 أفريل 2003).

[107] نبيل بالحسن، “الحماية الجزائية للطفل”، رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء، تونس 1998- 1999 ص.36.

[108] محمد المهدي قرميط، “الجنين في القانون المدني التونسي”، مذكرة للإحراز على شهادة الدّراسات المعمّقة في القانون الخاص، 1991-1992، ص.115.

[109] الآية 15 من سورة الأحقاف.

[110] الآية 14 من سورة لقمان.

[111] الآية 233 من سورة البقرة.

[112] فخر الدين الرّازي، التفسير الكبير، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1990، ج.27، ص.14.

[113] إذ تراوحت بين تسعة أشهر بالنسبة للظاهريّة وسنة هلاليّة في المذهب الحنبلي. وسنتين عند الحنفيّة وأربع سنوات عند الشافعية وخمس سنوات في المذهب المالكي.

[114] ينصّ الفصل 150 م.أ.ش. أنّه: “إذا توفي الرّجل عن زوجته أو عن معتدته فلا يرث حملها إلاّ إذا ولد حيا لمدّة لا تتجاوز العام.

ولا يرث الحمل غير أبيه إلاّ في الحالتين الآتيتين:

الأولى: أن يولد حيّا لخمسة وستين وثلاثمائة يوم على الأكثر من تاريخ الموت أو الفرقة إن كانت أمه معتدّة عدّة موت أو فرقة ومات المورث أثناء العدّة.

الثانية: أن يولد حيّا لسبعين ومائتي يوم على الأكثر من تاريخ وفاة المورث إن كان من زوجية قائمة وقت الوفاة”.

[115] بدران أبوالعينين بدران، “المواريث و الوصية و الهبة في الشريعة الإسلامية”، مؤسسة شباب الجامعة للطباعة و النشر و التوزيع، الإسكندرية 1981، ص. 287.

[116] قرار تعقيبي مدني، عدد 10059، مؤرّخ في 26 ماي 1974، ن.م.ت.، 1974، ص.17.

[117] CARBONNIER (J.), Droit civil, T.1, Coll., Thémis, 16ème éd., 1987, p.254.

« Par une série de phénomènes biologiques dont la section du cordon ombilical marque le terme et sans doute le moment déterminant, l’enfant, jusque-là pars viscerum matris, devient une personne distincte ».

[118] القانون عدد 3 لسنة 1957 المؤرّخ في غرّة أوت 1957، المتعلق بتنظيم الحالة المدنية

[119] محمد المهدي قرميط، مرجع مذكور سابقا. ص.121.

[120] CARBONNIER (J.), Droit civil, T.1, Coll., Thémis, P.U.F., 16ème éd., 1987, p.255.

[121] محمد المهدي قرميط، مرجع مذكور سابقا، ص.123.

[122] توفيق حسن فرج، “المرجع المذكور”، ص.598.

[123] محمد أبوزهرة، مرجع مذكور سابقا، ص.97.

[124] توفيق حسن فرج، مرجع مذكور سابقا، ص.598.

[125] الفصول من 147 إلى 150 م.أ.ش. المتعلق بالإرث والفصل 184 م.أ.ش. المتعلق بالوصيّة.

[126] محمد المهدي قرميط، مرجع مذكور سابقا، ص.129.

الفصل 7 من الدستور التونسي.[1]

[2] توفيق حسن فرج، المدخل للعلوم القانونية، الدار الجامعية، الطبعة الثالثة، بيروت 1993، ص. 594 عدد 358.

[3] A.M. Sohm – Bourgeois, « La personnification de l’animal, une tentative à repousser”, D, 1990, chr.p. 33 et Pasqualini (F) : « L’animal et la famille », D, 1997, ch, p.257.

أنظر الإعلان العالمي لحقوق الحيوان لسنة 1989 و الذي أقر بتمتع الحيوان بحقوق “طبيعية”.

[4] ألغي الرق في تونس سنة 1846، أنظر ” الرق في الحضارة العربية الإسلامية “، أعمال ندوة نظمها معهد بورقيبة للغات الحية، نشر مركز النشر الجامعي، تونس 1998.

Anne Lefbure Teillard : « Introduction historique au droit des personnes et de la famille », P.U.F, 1ère édit, Paris, 1996, n° 5 et suivant.

[5] بالنسبة للمولود الميت أو ” السقط” يجمع الشراح على عدم تمتعه بالشخصية القانونية.

[6] توفيق حسن فرج: “المدخل للعلوم القانونية”، الدار الجامعية الطبعة الأولى بيروت 1988، ص. 749.

[7] Au terme d’une étude consacrée à l’embryon. René THERY constata ce qui suit : « à qui souhaite une définition claire et simple du statut de l’embryon et du fœtus, notre étude ne peut apporter que déception ».

THERY (R) : La condition juridique de l’embryon et du fœtus D. 1982, chr. P 231.

[8] ينص الفصل 149 من م.أ.ش. على أنه: ” إذا ادعت المرأة الحمل و أكذبها الورثة تعرض على أهل المعرفة”

[9] الفصل 69 من مجلة الشغل ينص على أنه: ” يجب إعلام تفقدية الشغل المختصة ترابيا حالا بتوقيف تحجير تشغيل الأطفال و النساء ليلا عملا بالفصلين 67 (فقرة أ) و 68 (فقرة أ و ب)”.

[10] و هذا هو المعنى الذي يرتبه القرآن الكريم إذ يقول الله تعالى: ” يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ” سورة الزمر آية 6، و يقول أيضا: “وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ” سورة النجم آية 32. كما يفصل الله تعالى في كتابه العزيز مراحل نمو الحمل دون إحداث تفرقة جوهرية بينها بقوله عز وجل: ” يا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا” سورة الحج آية 5. و انظر كذلك حول أطوار الخلق سورة المؤمنون آية 12، و نلاحظ أن النص القرآني إستعمل كلمة “جنين” مرة واحدة في صيغة الجمع “أجنة”، و أكثر في المقابل من استعمال كلمة “الحمل” و مشتقاتها (انظر مثلا الآيات: 2 من سورة الحج، 189 من سورة الأعراف، 22 من سورة مريم، 4 و 6 من سورة الطلاق، 15 من سورة الأحقاف، 14 من سورة لقمان، 19 من سورة فاطر و 47 من سورة فصّلت).

[11] الألوسي: “روح المعاني”، دار النشر للطباعة و النشر و التوزيع ج 7، 2005، ص. 64.

[12] سورة المؤمنين، الآيات 12 و 13 و 14.

[13] وردت هذه الترجمة بالمعجم الطبي الموحّد الذي أصدره مجلس وزراء العرب و منظمة الصحة العالمية، و إتحاد الأطباء العرب، و المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم. طبعة 1983 ص. 248 و 271.

[14] ابن رجب: أبي فرج عبد الرحمان: “القواعد” المطبعة الأولى، المطبعة الخيرية بمصر 1933، ص. 179.

[15] أنشأت هذه اللجنة بموجب الأمر المؤرخ في 19 سبتمبر 1994.

[16] رأي صادر عن اللجنة المذكورة تحت عدد 1 بتاريخ 12 ديسمبر 1996 تحت عنوان: ” الإنجاب بالمساعدة الطبية”.

[17] Voir sur cet avis rendu le 22 mai 1984 : – Françoise DEKEUWER – DEFOSSE Z. op. cit p. 14.

[18] هذه النظرية تدعمت بما ورد في القرآن الكريم في شأن تكريم الإنسان، إذ يقول الله تعالى في كتابه العزيز: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً “، سورة الإسراء، آية 70.

[19] يعبّر عن هذه القاعدة في القانون الروماني بـــ: Infans conceptus pro nato habeur quoties de commodis epris agitur.

[20] عمر ممدوح مصطفى. “القانون الروماني”. المكتبة القانونية. الطبعة الثالثة. دار المعارف بمصر 1959 ص. 150.

[21] عبد العزيز بن أحمد البخاري، “كشف الأسرار على أصول البزدوي”، طبع مكتبة الصنائع سنة 1889، ج. 3، ص. 239، و البزدوي هو علي بن محمد مؤلف كتاب “الأصول” توفي سنة 1090.

[22] مصطفى أحمد الزرقاء، “المدخل الفقهي العام”، المجلد الثاني، دار الفكر دمشق- الطبعة العاشرة ص.747 و ما بعدها.

[23] المرجع السابق، ص. 748 و 749.

[24] رضا خماخم: “الطفل و القانون الجزائي” منشورات مركز الدراسات القانونية و القضائية. تونس 2009. ص 21.

[25] جاء في الفصل 39 من مجلة التأمين ما يلي: “تدفع المبالغ المنصوص عليها بالعقد بعنوان التأمين في صورة الوفاة إمّا لشخص واحد أو لعّدة أشخاص مذكورين في العقد و أمّا لأشخاص يعيّنون بعد اكتتاب العقد و يكتسب المستفيد المعيّن بالعقد حقّا خاصا و مباشر على هذه المبالغ.

و يعتبر أشخاص معيّنين القرين و الأبناء من ولد منهم و من سيولد و الورثة دون بيان أسمائهم…”.

[26] القانون عــدد 22 لسنة 1991 المؤرخ في 25 مارس 1991. الرائد الرسمي للجمهورية التونسية ع 22 المؤرخ في 29 مارس 1991، ص. 474.

[27] القانون عــدد 93 لسنة 2001 المؤرخ في 7 أوت 2001. الرائد الرسمي للجمهورية التونسية ع 63 بتاريخ 7 أوت 2001، ص. 2573 و ما بعدها.