_ أولاً : المقصود بالتعدد المعنوي للجرائم : 

يقصد بالتعدد المعنوي للجرائم ارتكاب فعل مادي واحد يندرج رغم وحدته تحت أكثر من وصف جنائي ، ومثاله ارتكاب هتك عرض في الطريق العام ، فرغم وحدة السلوك أو الواقعة المادية الا أن الجاني يخضع لوصفين جنائيين هما جريمة هتك عرض ” م 268 عقوبات ” ، واتيان فعل علني فاضح ” م 278 عقوبات ” ، وكذلك ممارس الطب بدون ترخيص لقاء مقابل مادي ، فمثل هذا السلوك المادي يعتبر مكوناً لجريمتي النصب ” م 336 عقوبات ” ، و مزاولة مهنة الطب على نحو يخالف أحكام القانون ” م 10 من القانون رقم 415 لسنة 1954 في شأن مزاولة مهنة الطب ” . و مثال التعدد المعنوي للجرائم أيضاً أن يضرب شخص غريمه بقصد قتله فينشأ عن الضرب عجز عن العمل لأكثر من عشرين يوم ، فمثل هذا السلوك يشكل جناية الشروع في القتل ” م 234 عقوبات ” ، وجنحة الضرب ” م 241 عقوبات ” .

_ ثانياً : موقف المشرع المصري من التعدد المعنوي للجرائم : 

اعتبر المشرع المصري التعدد المعنوي للجرائم وكأن جريمة واحدة بصرف النظر عن تعدد الأوصاف الجنائية ، فتنص المادة 32 من قانون العقوبات على ” أنه اذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد والحكم بعقوبتها دون غيرها ” وهكذا تعامل الجرائم المتعددة معنوياً فيما يتعلق بالعقوبة واجبة التطبيق و كأنها جريمة واحدة يرصد لها العقوبة الأشد . ولكن التساؤل يثور لمعرفة ما اذا كان التعدد المعنوي يبقى جريمة واحدة أم يشكل أكثر من جريمة في مجالات الاختصاص ، و التقادم ، وقوة الشئ المحكوم فيه . ولا شك أن القول باعتبار التعدد المعنوي يمثل جرائم متعددة يرتب نتائج بالغة الأهمية في هذه المجالات السابقة . وفي ظل عدم وضوح رؤية المشرع المصري لمشكلة التعدد المعنوي لاسيما خارج نطاق العقوبة واجبة التطبيق ، فالفقه مختلف بدوره حول حقيقة ظاهرة التعدد المعنوي ، اذ ثمة فقه عتيد وان يكن قديماً يرى أن المسمى بالتعدد المعنوي ليس الا مشكلة مصطنعة ، فهو ليس الا مجرد تنازع نصوص جنائية يمكن حله وفقاً للقواعد المعمول بها في هذا المجال . بينما يعترف البعض الآخر بتميز مشكلة التعدد المعنوي عن ظاهرة تنازع النصوص ، اذ في الحالة الأولى ” التعدد المعنوي ” يمكن الأخذ بكافة الأوصاف الجنائية المتعددة ، بينما في الحالة الثانية ” تنازع النصوص ” فان وصفاً واحداً فقط يجب تطبيقه من بين سائر الأوصاف المتنازعة . 

أما القضاء فهو لا يبدو واضحاً في هذا الخصوص ، اذ يعتبر التعدد المعنوي تارة من قبيل تنازع النصوص ولا يطبق الا أحد الأوصاف المتنازعة ، بينما يعترف تارة آخرى بخصوصيته باعتباره يشكل أكثر من جريمة يتعين تطبيقها . وبالتالي فان قيادة سيارة وتجاوز الحد الأقصى للسرعة المسموح بها قانوناً بما يسفر عن قتل أحد المارة خطأ يبرر مساءلة الجاني عن جريمة القتل الخطأ ، وعن جريمة تجاوز الحد الأقصى للسرعة المسموح بها .

_ ثالثاً : حقيقة التعدد المعنوي للجرائم : 

التعدد المعنوي للجرائم فيما يبدو لنا ليس من قبيل تنازع النصوص ، ولكنه رغم وحدة السلوك المادي يشكل في حقيقته عدداً من الجرائم بقدر عدد الأوصاف الجنائية التي يخضع لها هذا السلوك . وبالتالي فليس ثمة ما يمنع من الأخذ لكافة النتائج المترتبة على اعتبار الفعل الواحد مكوناً لجرائم عدة . حقاً قد ينتهي الأمر فيما يتعلق بالعقوبة واجبة التطبيق الى الأخذ بالعقوبة المقررة للجريمة ذات الوصف الأشد ، واستبعاد ماعداها ، لكن يظل ممكناً ترتيب النتائج الأخرى الخاصة بتعدد الجرائم في مجالات الاختصاص ، والتقادم ، وقوة الشئ المحكوم فيه . لكن اعتبار التعدد المعنوي مكوناً لاكثر من جريمة مشروط بعدة شروط هي التي تمنحه خصوصيته وتميزه في نفس الوقت عن تنازع النصوص وعن غيره من حالات تعدد الأوصاف . ويمكن ايجاز شروط التعدد المعنوي في ثلاثة :

1- تنوع المصالح القانونية أو الحقوق المعتدى عليها في الأوصاف رغم وحدة السلوك المادي الواقع . 

2- اختلاف النصوص المتعددة في بنائها القانوني اختلافاً جزئياً . فلا هي متطابقة تطابقاً كلياً كما في حالة تنازع النصوص بالمعنى الدقيق للكلمة ، ولا هى مختلفة اختلافاً تاماً كما في حالة التعدد المادي الذي يعني ارتكاب جرائم مستقلة في أركانها وعناصرها . 

3- تميز عناصر الركن المعنوي للجرائم المتعددة على نحو يمكن فيه القول أن الجاني قد توافر لديه ارادة تحقيق النتيجة المحظورة قانوناً في كل جريمة على حده ، والعلم بصلاحية سلوكه لاحداث مثل هذه النتيجة من ناحية وبكافة العناصر الواقعية الجوهرية التي يأتلف منها النموذج القانوني لكل جريمة من الجرائم المتعددة من ناحية ثانية . وفي عبارة آخرى فالتعدد المعنوي للجرائم يفترض تعدداً في أركانها المعنوية .