أهمية التحكيم في تسوية المنازعات الدولية

المبحث الأول : أهمية التحكيم في تسوية المنازعات الدولية

أولاً- ماهية التحكيم الدولي:
يمكن تعريف التحكيم الدولي بـ:
– إن موضوع التحكيم الدول هو تسوية المنازعات بين الدول، بواسطة قضاة من اختيارهم وعلى أساس احترام القانون، وأن اللجوء إلى التحكيم يتضمن تعهداً بالخضوع للحكم بحسن نية، ومن هذا التعريف تتضح لنا الخصائص الأساسية للتحكيم، وهي:
1- أنه تسوية النزاع بواسطة قضاة من اختيار الأطراف.
2- أنه تسوية على أساس القانون.
3- أن الحكم الذي يصدر ملزم للأطراف.

وقد بدأ التحكيم بمرحلة التحكيم الفردي الذي يقوم به فرد واحد قد يكون فقيه أو رجل دين ثم انتقل إلى مرحلة التحكيم الجماعي الذي يقوم بهي مجموعة من المحكمين، ويقوم على أساس اللجان المختلطة التي تمثل تطوراً جديداً للتحكيم، وأخيراً بعد أن تشابكت مصالح الدول وازداد التطور في العلاقات الدولية، ظهرت الحاجة الماسة إلى التحكيم الدولي.
ثانياً- مراحل تطور التحكيم الدولي:
عرفت المجتمعات القديمة التحكيم رغم ندرة اللجوء إليه، حيث كانت الدول تفضل حل منازعاتها عن طريق الحرب ولم تكن فكرة السلام قد تبلورت بعد.

وتعتبر معاهدة “جاب” التي وقعتها الولايات المتحدة الأمريكية عام 1794 من أولى المعاهدات التي نظمت التحكيم، أما أول القضايا التي بلورت النظام الكامل للتحكيم فهي القضية الشهيرة المعروفة بقضية الألباما التي وقعت أحداثها بين الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى عام 1871 وقد عرف المجتمع العربي القبل التحكيم حيث كان يتم اختيار شيخ قبيلة مشهور له بالعدل والحيدة للفصل في المنازعات وقد عرف الإسلام التحكيم من خلال التركيز على أهمية التصالح بالوسائل المختلفة التي تحقق السلام والعدل بدلاً من النزاع والفرقة، والتاريخ الإسلامي منذ عهد الخلفاء الراشدين حاف بالوقائع التي تؤكد الاهتمام بالتحكيم بين القبائل والشعوب.

* وقد تميز القرن التاسع عشر بنشاط فقهي واسع لتشجيع اللجوء إلى التحكيم الدولي، وكان من أبرز الدراسات هي التي انتهت بوضع مشروع لائحة إجراءات التحكيم الدولي عام 1875 ولعل أول إجماع على أهمية استخدام التحكيم الدولي في حل المنازعات الدولية وهو ما تمثل في اتفاقيتي لاهاي للتسوية السلمية للمنازعات الدولية عام 1899 و 1907 حيث تم تنظيم موضوع وإجراءات التحكيم كما تم وضع هيكل محكمة التحكيم الدائمة.
* ولقد نص عهد عصبة الأمم صراحة على اللجوء التحكيم الدولي، وبإنشاء الأمم المتحدة تجدد الاهتمام الدولي بالتحكيم كوسيلة لحل المنازعات بين الدول، وكان للأمم المتحدة أثر بالغ في التنظيم الحالي للتحكيم الدولي، حيث كان من مبادئها الرئيسية تسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية، ويجب الامتناع عن استعمال القوة أو التهديد باستعمالها في نطاق العلاقات الدولية.

* ولقد كان التحكيم الدولي على قائمة الموضوعات الهامة التي تعني لجنة القانون الدولي بتطويرها وتقنينها، وقد كان لدور الأمم المتحدة في تطوير التحكيم الدولي أن أصبح الآن من أهم الوسائل التي تختارها الدول لحل الخلافات بينها، وفي الوقت الحاضر نجد اتجاهاً لتطوير التحكيم الدولي ليأخذ مكانه كإحدى الوسائل القضائية الفعالة لتسوية المنازعات الدولية، وقد أخذت الدول تختار المحكمين من بن المتخصصين في القانون الدولي.
المبحث الثاني : أمثلة لبعض قضايا التحكيم الدولي
أولاً- بالنسبة للأحكام والقرارات التي لم تنفذ:
ومن أمثلة ذلك قضية تشاميزال بين الولايات المتحدة والمكسيك عام 1911.

ثانياً- بالنسبة للأحكام والقرارات التي نفذت:
1- قضية تحكيم أبو ظبي عام 1951:
وقع حاكم أبو طبي عام 1939 عقد امتياز مع شركة بريطانية للتنقيب عن النفط لمدة 75 سنة في جميع الأراضي الواقعة تحت حكمه وفي جميع الجزر ومياه البحر العائدة للمنطقة.
وفي سنة 1949 أعلن حاكم أبو ظبي السيادة على الجرف القاري على امتداد ساح أبو ظبي ومنح امتيازاً للنفط في مناطق الجرف لشركة أمريكية، وحيث أن امتياز سنة 1939 نص على التحكيم، وحيث ن الشركة البريطانية أكدت أن التربة المغمورة للجرف هي جزء من امتياز 1939، فقد أحيل النزاع على التحكيم.

* قررت هيئة التحكيم على 1951 أن فكرة الجرف القاري لم تكن معروفة سنة 1939 ومن ثم فإن الامتياز البريطاني لا يشتمل إلا على التربة الواقعة تحت المياه الإقليمية لمشيخة أبو ظبي وأن الحاكم أبو ظبي مطلق الحرية في التصرف في التربة المغمورة للجرف القاري عن طريق منح امتياز ثان، ولذلك فإن ادعاء الشركة البريطانية بامتلاك امتياز في موارد الجرف القاري يجب رفضه.
2- قضية الحدود بين الأرجنتين وشيلي 1966:

عرض النزاع بينهما حول وضع بعض نقاط الحدود التي تفصل الدوليتين على تحكيم ملكة إنجلترا، واستمرت القضية معروضة على التحكيم فترة طويلة إلى أن أصدرت الملكة قرارها بتنظيم الحدود بين الدولتين، حيث حكمن بأحقية حوالي 71 بالمائة من المنطقة المتنازع عليها للأرجنتين ومنح الباقي لشيلي، وقد ألتزمت كل منهما بتنفيذ الحكم.

ثالثاً- الفروق بين التحكيم والقضاء الدوليين:
لقد كان هناك عزوف من قبل الدول عن الالتجاء إلى محكمة العدل الدولية وذلك للأسباب التالية:
1- تنظر الدول من الناحية السياسية إلى أن مجرد إجبار الدولة على المثول أمام المحكمة يعتبر تصرفاً غير ودي.
2- تعتبر الدول أن وسائل التسوية الأخرى كالتحقيق والوساطة أكثر مناسبة للشؤون الإقليمية والفنية.
3- تفضيل مرونة التحكيم على جمود الاختصاص القضائي الإجباري.

4- عدم إيمان دول الكتلة الشيوعية بالمحكمة.
5- النزعة الحديثة الرامية إلى مضاعفة المحاكم الدولية على حساب التوحيد الضروري للقضاء الدولي.

* ومما تقدم نرى أن الفارق الوحيد بين التحكيم والقضاء في القانون الدولي هو فارق شكلي ونظامي ففي حين يتألف الجهاز التحكيمي على أساس اتفاقي بواسطة قضاة تختارهم الأطراف لتسوية نزاع معين دون سواه، وبعد نشوء هذا النزاع، فإن هذا الجهاز القضائي الدولي معين سلفاً من جانب الأمم المتحدة ويؤدي عمله بموجب معاهدة جماعية متعددة الأطراف للنظر في عدد غير محدود من المنازعات، وخلال مدة غير محددة من الزمن.
المبحث الثالث : دور التحكيم الدولي في تسوية المنازعات العربية
أولاً- التحكيم الدولي في ميثاق جامعة الدول العربية:
يأتي في مقدمة اختصاصات الجامعة العربية حل المنازعات بين الدول العربية بالطرف السلمية من خلال وسيلتين الأولى دبلوماسية أو سياسة وهي الوساطة والثانية قضائية وهي التحكيم وأطلقت الحرية للدول في اللجوء إلى هذه الوسيلة من عدمه. ولمجلس الجامعة أن يتوسط في حل خلاف بين عضوين في الجامعة أو بين عضو ودولة غير عضو، في حالة واحدة فقط في حالة الخشية من وقوع الحرب، وذلك بهدف التوفيق بين الدول المتنازعة، وتصدر القرارات الخاصة بالتوسط بأغلبية آراء المجلس، وليس للدول المتنازعة صوت معدود، كما أن القرار الذي يتخذ غير ملزم.
* كما لا يجوز لمجلس الجامعة أن يتدخل في المنازعات التي نشبت بين دولة وأخرى من أعضاء الجامعة بوصفه سلطة تحكيم إلا بالشروط التالية:
1- أن يلجأ المتنازعون إليه لفض النزاع، ومعنى ذلك انه لا يجوز للمجلس أن يتدخل للتحكيم من تلقاء نفسه، وهكذا لم يأخذ الميثاق بفكرة التحكيم الإجباري.
2- أن يكون النزاع غير متعلق باستقلال دولة أو سيادتها أو سلامة أراضيها مع منح الدول المتنازعة سلطة تقدير ذلك.
وبالتالي فإن اختصاص المجلس في هذا النطاق محدود وغير فعال، وتصدر قرارات التحكيم بالأغلبية دون أن يكون للدول المتنازعة حق الاشتراك في مداولات المجلس وقراراته ويكون القرار في هذه الحالة وخلافاً لحل الوساطة نافذاً وملزماً.
* وتجد الإشارة هنا إلى أن ميثاق الجامعة العربية لا يوجد به ما يمنع قانون الدول من اللجوء إلى وسائل أخرى لحل منازعاتها سلمياً كالمفاوضات والمساعي الحميدة أو عن طريق اللجوء إلى القضاء الدولي أو التحكيم الدولي من خلال اتفاق خاص بينها، دون تدخل من مجلس الجامعة كسلطة تحكيم.
ثانياً- قضية تحكيم طابا بين مصر وإسرائيل:
لقد حددت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية بما لا يدع مجالاً للشك لأن حدود مصر الشرفية هي الحدود المشتركة مع فلسطين تحت الانتداب، ويشكل موضوع الانسحاب الالتزام الرئيسي الذي وضعته المعاهدة على عاتق إسرائيل.
ولكن رغم ذلك اختلفت إسرائيل مشكلة وطالبت بتنازل مصر على منطقة طابا.
1- اتفاق 1982 بشأن طابا:
تم توقيع اتفاق بين مصر وإسرائيل حول الترتيبات المؤقتة في منطقة رأس طابا ولعل أهم ما جاء في هذا الاتفاق هو عرض النزاع على التحكيم الدولي.
2- إعداد مشاركة التحكيم بين مصر وإسرائيل:
وافقت إسرائيل على قبول التحكيم الدولي كوسيلة ارتضتها مصر كل النزاع بشأن طابا.
3- تشكيل محكمة التحكيم في قضية طابا:
لقد تم تشكيل قضية التحكيم من خمسة محكمين بينهم محكم من جانب مصر والآخر من جانب إسرائيل وثلاثة محكمين من جنسيات مختلفة روعي فيهم أن يتصفوا بالحيدة الكاملة والنزاهة والكفاءة العلمية، ولقد نصت المادة العاشرة من المشارطة ومتى أن تكون المذكرات المكتوبة، والمرافعات الشفوية، وقرارات المحكمة وكافة الإجراءات الأخرى باللغة الإنجليزية.
4- اختصاص وسلطات عامة التحكيم وفقاً لمشارطة التحكيم:
أ- من حيث المكان:
طلب من المحكمة تقرير ومواضع إعلانات الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب، وفقاً لمعاهدة السلام واتفاق 1982 والملحق.
ب- من حيث الزمان:
ينحصر اختصاصها فيما يتعلق بالفصل في الموضوع في فترة الانتداب البريطاني على فلسطين كما تسعى المحكمة أن تصدر حكمها خلال تسعين يوماً من انتهاء المرافعات الشفوية والزيارات ويتضمن الحكم الأسباب التي استند إليها.
ج- القيود المفروضة على اختصاص المحكمة:
لقد أوضح ملحق المشارطة العلامات المختل عليها بين خصائص على سبيل الحصر وهي أربع عشرة علامة، كما انه ليس من سلطة المحكمة تقرير موضع علامة حدود بخلاف المواضع المقدمة من مصر وإسرائيل.
5- منطوق الحكم:
حكمت المحكمة بأن منطقة طابا مصرية وذلك بأغلبية الأصوات واعتراض عضو محكمة الممثل لإسرائيل وذلك يدل على جهود مصر المتميزة التي بذلت في سبيل تقرير حقها في منطقة طابا.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت