_يبدو الفقه الجنائي الحديث أكثر تقبلاً لضرورات تطبيق المحاكم الوطنية لنص جنائي أجنبي ، أو على الأقل لوجوب أخذه في الاعتبار . فقد اقتضى تدويل الجريمة المنظمة وسهولة تنقل الجناة عبر الحدود واستفحال ظاهرة الاجرام عبر الوطني تجاوز الفكر القائل بتلازم الاختصاص الجنائي القضائي و التشريعي لكل دولة ، و أن القاضي الوطني لا يملك تطبيق غير قانونه الجنائي خلافاً لمسائل القانون الدولي الخاص . وبالتالي فليس ثمة ما يمنع أن يطبق القاضي الوطني المختص بنظر الجريمة عند الاقتضاء و على نحو ما تشريعاً جنائياً أجنبياً .

_ لكن يبقى من الضروري ضبط فكرة تطبيق التشريع الجنائي الأجنبي . فمن ناحية أولى يظل اللجوء الى هذا التشريع الأجنبي منوطاً بتفويض المشرع الوطني ذاته فهذا الأخير هو الذي يحدد اذن حالات اللجوء الى مثل هذا التشريع الأجنبي ، ولا يتصور بداهةً أن نكون بصدد ” تطبيق ذاتي ” أو ” اعتراف تلقائي ” بهذا التشريع . ومن ناحية ثانية فان تطبيق التشريع الجنائي الأجنبي لا يعني تعطيل نصوص التشريع الجنائي الوطني وليست له صفة ” العلوية ” باعتباره في نزاع مع هذا الأخير ، كل ما هنالك أن القاضي الوطني يأخذه في الاعتبار كضرورة لتطبيق القانون الجنائي الوطني نفسه ، بل وبتفويض من هذا القانون ، وتعتبر محكمة النقض أن تطبيق القاضي الوطني المصري أحد نصوص قانون جنائي أجنبي لا يعدو أن يكون مجرد واقعة تستدعي التدليل عليها . ومن ناحية ثالثة و أخيرة فان تطبيق القانون الجنائي الأجنبي يبقى محض استثناء لا يسري الا في حالات خاصة ومحصورة سلفاً اضافة الى أن أخذه في الاعتبار لا يتصور أن يكون مخالفاً للنظام العام في الدولة أو ماساً لمصالحها الجوهرية .

_ ويعتبر هذا الاتجاه تأكيداً لما سبق أن أوصى به مؤتمر بوخاريست الدولي لسنة 1929 في تطبيق قانون العقوبات الأجنبي من أن احترام الحقوق الفردية وحسن العلاقات الدولية قد يتطلب أحياناً تطبيق القانون الأجنبي بصفة استثنائية وتحت شروط وبضمانات معينة . وفي ذات الاتجاه انتهى مؤتمر لشبونة سنة 1961 الخاص بتطبيق قانون العقوبات الأجنبي بمعرفة القاضي الوطني الى ضرورة عقد اتفاقيات دولية بين الدول المعنية صاحبة المصلحة لتحديد مدى تطبيق القانون الأجنبي بالنسبة لبعض طوائف الجرائم ، ويستبعد من نطاق ذلك الجرائم السياسية وغيرها من الجرائم المخالفة للنظام العام والآداب .